هل التعويم يمكنه إنقاذ الاقتصاد المصري؟

الدكتور نبيل ذكي
الدكتور نبيل ذكي
TT

هل التعويم يمكنه إنقاذ الاقتصاد المصري؟

الدكتور نبيل ذكي
الدكتور نبيل ذكي

التعويم إجراء خطير، ويمكن أن يغرق مصر ويضعها على مسار دول فشلت في تحقيق مستهدفاتها، مثل الأرجنتين ولبنان، وسيؤدي إلى الدولره، ولن يجلب إلا الخراب لمصر.

قبل أن أستهل في البحث عن جدوى التعويم، فلا بد من الإشارة إلى أن التعويم هو مطلب من المطالب المجحفة والروشتة المعتادة لصندوق النقد الدولي (بغض النظر عن البنية الاقتصادية والتركيبة الاجتماعية للدول) عندما وافق الصندوق في 2016 على تسهيل ممدد لفترة 3 سنوات بمبلغ 12 مليار دولار.

والحقيقة أن البنك المركزي المصري في خلال الـ7 سنوات السابقة لم يقم بالتعويم المطلوب - ولكنه قام بتخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار 4 مرات منذ 2016، منها 3 مرات في 2022، مع تثبيته بغض النظر عن سعره في السوق الموازية للصرف - حتى استقر سعر صرف الدولار في السوق الرسمية منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2023 عند مستوى 30.90 جنيه، رغم قفزاته العنيفة في السوق الموازية متخطيا 55 جنيهاً.

وغضت السلطات المصرية النظر عن وجود 5 أسعار للجنيه المصري؛ سعر رسمي في البنوك المحلية، وسعر في السوق الموازية، وسعر آخر في السوق الآجلة، وآخر في سوق الذهب، وسعر يستخدم في عمليات صفقات الاستحواذ وبيع الأصول؛ ما أدى إلى نفور الاستثمار الأجنبي وعدم مقدرة السلطات المصرية على بيع 32 شركة أُعلنت أسماؤها في أول فبراير (شباط) من العام الماضي.

الدوافع والأهداف

لماذا تلجأ الدول إلى قرار تخفيض قيمة عملاتها الوطنية؟

يتم ذلك من أجل إعادة التوازن إلى ميزانها التجاري أو على الأقل خفض هذا العجز، وبالتالي تحفيز الإنتاج الوطني والحد من البطالة.

من المفترض اقتصادياً أن تخفيض قيمة العملة الوطنية سيخفض من أسعار السلع المصنعة محلياً وتصبح أرخص للأجانب، وبالتالي ستعزز الميزة التنافسية للمنتجات الوطنية، ويُرفع بالتالي حجم الصادرات إلى الخارج.

وفي الوقت نفسه تخفيض العملة يؤدي إلى جعل أسعار السلع المستوردة أغلى بالنسبة للمصريين، ما يُفترض أنه سيحد من شراء السلع القادمة من الخارج ويشجع الإقبال على المنتجات الوطنية. وإذا حصل ذلك، فنتيجته الطبيعية تراجع حجم الواردات وزيادة حجم الصادرات وتقويض حجم العجز التجاري، وبالتالي نقص الفاتورة المطلوبة بالعملات الأجنبية.

والسؤال المطروح: هل التعويم ذو جدوى، ويمكن من خلاله إنقاذ مصر؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن هناك شروطاً يجب توافرها لكي ينجح التعويم وخفض الجنيه في الحد من عجز الميزان التجاري وتحفيز الاقتصاد الوطني.

ينص هذا الشرط على أن تخفيض قيمة العملة يؤدي إلى تحسين وضع الميزان التجاري إذا استجابت كمية الصادرات والواردات بالقدر الكافي لتعويض التدهور في السعر. وذلك يتوقف على مرونة الصادرات أو مرونة عرض السعر، وأيضاً على مرونة الواردات أو مرونة طلب السعر.

وذلك يعتمد على مدى قدرة الآلة الإنتاجية الوطنية المحلية على تصنيع السلع المحلية بجودة عالية لتلبية الطلب الأجنبي، وزيادة الصادرات.

وحينما تكون المرونة السعرية لبعض أهم السلع المصدرة ضعيفة بسبب افتقارها إلى مقومات التنافسية المتجاوزة للسعر أو احتدام المنافسة الدولية عليها، فإن انخفاض أسعار هذه السلع لا يؤثر كثيراً على حجم الاستهلاك الأجنبي والتصدير.

حقيقة الأمر أن مصر ليست لديها طاقة إنتاجية تسمح بزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة العرض مع كل تغيير طفيف في السعر.

وحتى في حالة زيادة المعروض المقيد أو بالكاد للتصدير، سيتم تحويل الاستهلاك المحلي إلى التصدير، ما يرفع الأسعار في السوق المحلية وبالتالي تتفاقم معدلات التضخم. ومن ثم فإن انخفاض أسعار المنتج المحلي وزيادة الطلب الأجنبي عليه نتيجة خفض قيمة الجنيه المصري، لن يقابلهما زيادة المعروض.

أيضاً عندما تكون المرونة السعرية لبعض السلع المستوردة والمستهلكة على نطاق واسع ضعيفة، بسبب أنها لا تصنع محلياً أو لأن الإقبال عليها نتيجة لاعتبارات غير حساسة للسعر (الجودة والابتكار والمضمون التكنولوجي)، فإن ارتفاع أسعار هذه السلع لا يؤثر كثيراً على حجم استهلاكها محلياً، ولا يؤدي بالتالي إلى انخفاض مهم في الواردات.

على سبيل المثال؛ قفزت أسعار القمح عالمياً من متوسط 232 دولاراً للطن في 2020 إلى 430 دولاراً في 2022، ورغم ذلك استوردت مصر قمحاً خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بنحو 3.9 مليار دولار مقابل 3.18 مليار دولار خلال الفترة نفسها في 2021، بارتفاع قدره 724.4 مليون دولار. فارتفاع أسعار القمح عالمياً لم يحجم واردات مصر نتيجة زيادة الطلب المحلي ومحدودية الرقعة الزراعية والزيادة المطّردة في عدد السكان.

مخاطر جمّة

إذا لم تتوفر الشروط السابق شرحها ليكون خفض العملة المصرية ذا فاعلية في خفض العجز التجاري، فستكون النتيجة لهذا الإجراء قاتمة جداً على الاقتصاد المصري بسبب ما يسمى «الركود التضخمي»، وهي حالة نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية، أي ركود اقتصادي يرافقه تضخم جامح، قد ينتج عن ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية وأسعار المواد الأولية.

ونتيجة لتفاقم العجز المزدوج والمزمن في الموازنة العامة والميزان التجاري، فستضطر مصر إلى مزيد من الاقتراض بالعملات الأجنبية وبفوائد عالية نتيجة تدني التصنيف الائتماني لمصر. وسيكون الغرض من هذه القروض الجديدة هو سداد قروض مستحقة وليست لأغراض التنمية، وهو ما يسمى «استدامة الاستدانة».

وتدخل مصر في دوامة لا تنتهي من ثقل الديون ونقص حاد للعملة الأجنبية وسط موجات تضخمية قياسية، وفقدان ثقة المصريين والأجانب في الجنيه المصري ولجوء المصريين إلى الدولره، كما هو الحال بالفعل في قطاعات مختلفة كالعقار والسيارات، وصعوبة الحصول على الاستثمار الأجنبي؛ ما يزيد من احتمالات التعثر عن الدفع والوفاء بالتزاماتها.

لقد لجأت الأرجنتين إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي 22 مرة منذ انضمامها عام 1956، وهي الآن مدينة للصندوق بـ43 مليار دولار. وصار الأرجنتينيون لا يثقون بالعملة الوطنية، (بيزو)، فيدَّخرون أموالهم بالدولار، في وقت يعيش فيه نصف السكان على الإعانات الحكومية بسبب الفقر.

* أستاذ الاقتصاد الدولي والمالي بمعهد نيويورك للعلوم المالية


مقالات ذات صلة

«المركزي المصري»: عجز حساب المعاملات الجارية يتسع إلى 20.8 مليار دولار

الاقتصاد أبراج وفنادق وشركات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

«المركزي المصري»: عجز حساب المعاملات الجارية يتسع إلى 20.8 مليار دولار

قال البنك المركزي المصري إن العجز في حساب المعاملات الجارية لمصر اتسع إلى 20.8 مليار دولار في العام المالي 2023 – 2024 من 4.7 مليار دولار في العام المالي السابق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أحد فروع المصرف المتحد في القاهرة (رويترز)

«المركزي» المصري يعتزم طرح نسبة من أسهم المصرف المتحد في البورصة

أعلن البنك المركزي المصري عزمه طرح حصة من أسهم المصرف المتحد في البورصة المصرية، متوقعاً أن يتم الطرح قبل نهاية الربع الأول من عام 2025.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد طارق الخولي نائب محافظ البنك المركزي المصري يتوسط الحضور في منتدى مكافحة الاحتيال المصرفي الأول بالقاهرة (الشرق الأوسط)

«المركزي» المصري يعقد منتدى مكافحة الاحتيال المصرفي الأول

عقد البنك المركزي المصري «منتدى مكافحة الاحتيال المصرفي الأول» لتوعية العاملين بالبنوك المصرية والمؤسسات المالية بأحدث الممارسات الاحتيالية في الوقت الحالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري في العاصمة الإدارية الجديدة (رويترز)

«إتش سي» تتوقع أن يثبت «المركزي» المصري الفائدة في اجتماع الخميس

توقعت شركة «إتش سي» للأوراق المالية والاستثمار، أن تبقي لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع الخميس المقبل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد مقر البنك المركزي المصري في العاصمة القاهرة (رويترز)

تراجع الدين الخارجي لمصر 7.4 مليار دولار في الربع الأول من 2024

أظهرت بيانات من البنك المركزي المصري، الثلاثاء، تراجع الدين الخارجي لمصر 7.4 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الرياض تجمع المبتكرين لتوظيف الذكاء الاصطناعي في المشروعات العقارية

جانب من معرض «سيتي سكيب» العالمي في نسخته الماضية (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «سيتي سكيب» العالمي في نسخته الماضية (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تجمع المبتكرين لتوظيف الذكاء الاصطناعي في المشروعات العقارية

جانب من معرض «سيتي سكيب» العالمي في نسخته الماضية (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «سيتي سكيب» العالمي في نسخته الماضية (الشرق الأوسط)

من المقرر أن يجمع معرض «سيتي سكيب» العالمي، الذي سيقام من 11 إلى 14 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، في العاصمة السعودية الرياض، أبرز خبراء المستقبل والمبتكرين في مجال التكنولوجيا من جميع أنحاء العالم، لتقديم الرؤى والتحليلات حول دور الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والتقنيات المتقدمة الأخرى في تطوير المشروعات العقارية والمدن، لتصبح أكثر ذكاءً واستدامة.

ويركز المعرض على هذه الابتكارات، ويسلط الضوء على النقلة النوعية في قطاع العقارات، لتكون بداية حقبة جديدة في مجال التطوير الحضري.

وقالت مديرة مجموعة «تحالف» -الجهة المنظمة لمعرض «سيتي سكيب» العالمي- راشيل ستيرجس لـ«الشرق الأوسط»: «إن المملكة تبرز بصفتها سوقاً رئيسية في الاقتصاد العالمي، مدفوعة بالأجندة الطموحة لـ(رؤية 2030)، وتوفر فرصاً بفضل موقعها الجغرافي وتطور بنيتها التحتية، إضافة إلى الاستثمارات الكبيرة في المشروعات العملاقة».

وأوضحت: «أنه لا يقتصر دور هذه المبادرات على تغيير المشهد الحضري في المملكة، فهي تفتح آفاقاً جديدة للنمو في قطاعات مثل السياحة والترفيه والإسكان».

التحول الحضري

وأبانت ستيرجس: «أن المعرض يقدم منصة شاملة، تُلبي الاحتياجات المتنوعة للتعاملات بين الشركات في المنطقة والعالم، ومواكبة متطلبات سوق شراء المنازل، واستعراض المشروعات العقارية الطموحة في السوق العالمية؛ نظراً لأهمية تلك المشروعات بالنسبة لمسيرة التحول الحضري والاقتصادي في المملكة».

مديرة مجموعة «تحالف» راشيل ستيرجس (الشرق الأوسط)

وأضافت مديرة مجموعة «تحالف»: «أن الفعالية تجمع المستثمرين والمطورين وقادة القطاع من أنحاء العالم لتعزيز التعاون والابتكار، بصفتهما عنصرين أساسيين في تحقيق أهداف المملكة في التنويع الاقتصادي والتحديث».

ويسلط المعرض الضوء على المشروعات المتطورة مثل: «نيوم»، و«البحر الأحمر»، ويدعم الرؤية الأوسع لإنشاء مدن مستدامة وذكية، تُعزز جودة الحياة، وتجذب الاستثمارات الدولية إلى المملكة، ويمنح الزوار فرصة الاطلاع مباشرةً على أبرز المشروعات المرتقبة على مستوى السعودية.

وواصلت: «أن الاستدامة أصبحت محور تركيز للقطاع العقاري بأكمله، وأن الحدث يعزز الحوار حول تلك الممارسات، ويطرح عدداً من الحلول المتطورة في هذا المجال؛ كما يلعب دوراً محورياً في تكريس التزام قطاع العقارات العالمي بالاستدامة، بما يتماشى مع التوجهات العالمية والطلب الزائد على المشروعات العقارية المسؤولة بيئياً».

توفير الطاقة

وكشفت عن وجود عدد من الجهات العارضة المُلتزمة بمفهوم الاستدامة، غير أن القطاع العقاري يطبق بصورة زائدة ممارسات تعطي الأولوية للإشراف البيئي وكفاءة الطاقة والتنمية الحضرية المستدامة.

ويتمثل أحد الاتجاهات الرئيسية لتحقيق الاستدامة بمجال التطوير العقاري في دمج التقنيات الذكية لإنشاء مبانٍ موفرة للطاقة ومحايدة مناخياً. ويبرز هذا الاتجاه بشكل كبير في المملكة، مع تأكيد أهمية الاستدامة بوصفها عنصراً رئيسياً ضمن مبادرة «رؤية 2030».

وأكدت راشيل أن «المملكة تستثمر في مشروعات المدن الذكية، مثل «نيوم»، التي صُممت لتشكل نموذجاً في كفاءة الطاقة والاستدامة البيئية».

وتابعت: «أن معرض (سيتي سكيب) شكَّل حدثاً بارزاً في القطاع العقاري منذ انطلاقه في 2002، حيث أُقيم في دول مختلفة على مدار أكثر من عقدين. وفي العام الماضي، اتخذنا قراراً استراتيجياً بنقل الفعالية إلى الرياض، في خطوة تعكس التزامنا بدعم التنمية المتسارعة في المنطقة، وتتماشى مع أهداف رؤية البلاد لتعزيز القطاع العقاري والتنمية الإقليمية».

كأس العالم 2034

ووفق ستيرجس «في العام الماضي جرى الإعلان عن صفقات بقيمة 30 مليار دولار في عدد من المشروعات المهمة، بما فيها السكنية والتجارية والمشروعات متعددة الاستخدامات، التي من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة في المملكة».

ويتضمن المعرض مؤتمراً جديداً للملاعب والفعاليات الضخمة، يقام على مدار 4 أيام، ويستضيف مجموعة من أبرز المتحدثين العالميين الذين يركزون على تطوير الملاعب في المملكة، بما في ذلك 3 ملاعب قيد الإنشاء، و8 مشروعات جديدة، مخطط إنشاؤها لاستضافة كأس العالم 2034 بالسعودية.

وتطرقت أيضاً إلى التقنيات الجديدة، وكيف ستعمل على إحداث نقلة نوعية في عالم العقارات، إذ تغيّر تقنيات الواقع الموسّع والذكاء الاصطناعي من طريقة تصميم المباني، وتسهم في إنشاء نماذج مفصّلة وواقعية.

وأكملت: «أنه في مجال البناء، تسهم الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في تسريع الأعمال وتعزيز كفاءتها عبر تقليل هدر المواد وأتمتة المهام، وأن المباني الذكية أصبحت اليوم حقيقة واقعة بفضل إنترنت الأشياء، الذي يجمع البيانات في الوقت الفعلي، ويعزز الكفاءة والأمن وإمكانات الصيانة حين يقترن بالذكاء الاصطناعي».