لماذا تتجه المصارف السعودية إلى زيادة رأسمالها؟

أنهت نسبة القروض إلى الودائع عام 2023 وهي فوق 100% (رويترز)
أنهت نسبة القروض إلى الودائع عام 2023 وهي فوق 100% (رويترز)
TT

لماذا تتجه المصارف السعودية إلى زيادة رأسمالها؟

أنهت نسبة القروض إلى الودائع عام 2023 وهي فوق 100% (رويترز)
أنهت نسبة القروض إلى الودائع عام 2023 وهي فوق 100% (رويترز)

اتجه كثير من المصارف السعودية أخيراً إلى مسار زيادة رأسمالها، إذ أعلنت 5 من تلك المدرجة في السوق المالية هي: مصرف «الإنماء»، وبنك «الجزيرة»، و«البلاد»، و«العربي الوطني»، وآخرها البنك السعودي للاستثمار، خططها لزيادة لرأس المال عن طريق منح أسهم للمساهمين، وهو ما سيسهم في زيادة إجمالية قدرها 4.5 مليار دولار، وفق محللين.

فما الأسباب التي تدفع المصارف إلى زيادة رأسمالها؟

يردّ الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال» محمد الفراج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن هذا الإجراء يهدف إلى التزام معايير بازل التي تهدف إلى تعزيز استقرار القطاع المصرفي من خلال ضمان كفاية رأس المال لتغطية مخاطر الائتمان والتشغيل، وتحسين كفاءة استخدام رأس المال. ويضيف أن التعافي الملحوظ الذي يشهده الاقتصاد السعودي بعد جائحة كورونا شجَّع المصارف على التوسع والاستثمار، موضحاً أن الأرباح الهائلة التي حققتها المصارف والتي أتت بفعل أسعار الفائدة المرتفعة عززت خططها لتمويل زيادة رأس المال من الأرباح المُحتجزة.

وقال إن هذه الزيادات تعزز ثقة المستثمرين في استقرار المصارف، ومن شأنها أن تدفع باتجاه تعزيز قيمة أسهمها في السوق المالية، والذي بدوره سيسهم في رفع الأرباح المُوزعة على المساهمين.

وشهدت المصارف السعودية مع نهاية عام 2023 أعلى أرباح سنوية في تاريخها لتصل إلى نحو 70 مليار ريال (18.7 مليار دولار) بفعل ارتفاع أسعار الفائدة ونمو دخل العمليات وعمولات الاستثمار. وجاء ذلك بدعم من نمو أرباح 8 بنوك، في مقدمتها بنكا «الأهلي» و«الأول»، لتحقق نسبة ارتفاع وصلت إلى 11.9 في المائة على أساس سنوي وبزيادة بلغت 7.44 مليار ريال عن العام الذي سبقه 2022.

وتوقع الفراج أن تستمر المصارف السعودية في زيادة رؤوس أموالها خلال العام الجاري، بزيادة إجمالية قدرها 16 في المائة إلى 25 في المائة، وأن يسجل معدل كفاية رأس المال ارتفاعاً ملحوظاً نهاية العام الجاري، ليصل من 15 إلى 18 في المائة بينما المطلوب 10.5 في المائة.

ويمثل معدل كفاية رأس المال قياس أداة لقياس قدرة البنك على مقابلة التزاماته ومواجهة أي خسائر قد تحدث في المستقبل، بهدف حماية البنك والمودعين والمقرضين الآخرين، ويعبّر عن العلاقة بين مصدر رأس المال والمخاطر المحيطة بأصول البنك وأي عمليات أخرى، إذ يتولى البنك المركزي مسؤولية مراجعته في البنوك، وذلك من خلال نماذج تعتمد على إرشادات لجنة بازل للرقابة المصرفية.

كما أشار الفراج إلى أن الزيادة ستعزز قدرة المصارف على تمويل المشاريع الكبرى، لا سيما تلك المشمولة في «رؤية 2030»، وقال إنه يمكن للمصارف إيجاد حلول لتوفر السيولة بالعملات الأجنبية من خلال إصدار سندات وصكوك مقوَّمة بعملات مختلفة.

تساوي القيمة الإجمالية للقروض في القطاع المصرفي أكثر من تريليوني ريال (رويترز)

وتوقع الفراج أن يشهد نمو الائتمان ارتفاعاً خلال العام الجاري، مدعوماً بالتعافي الاقتصادي وزيادة رؤوس الأموال، إذ تساوي القيمة الإجمالية للقروض في القطاع المصرفي أكثر من تريليوني ريال (533 مليار دولار).

وفي سياق التحديات التي تواجه القطاع، قال إن التضخم يُؤدي إلى تآكل القيمة الحقيقية للأصول، موضحاً أن القطاع المصرفي السعودي يواجه منافسة متزايدة من الشركات المالية التقنية، و«في ظل ارتفاع أسعار الفائدة سيزيد ذلك من عبء تكلفة التمويل على المصارف، وفي حال جرى خفضها، قد تواجه المصارف بعض الضغوط على أرباحها بشكل مؤقت، ولكن من المتوقع أن تتحسن تدريجياً مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي».

دعم الإقراض

من جانبه، أرجع عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان، أسباب قيام المصارف بعمليات زيادة رأس المال إلى رغبتها في دعم رؤوس أموالها بهدف التوسع في أنشطتها ودعم عمليات الإقراض التي يتنامى الطلب عليها لا سيما مع دخول أعداد كبيرة إلى سوق العمل من جهة وتوقعات خفض فائدة الإقراض في النصف الثاني من هذا العام من جهة أخرى، وذلك بموازاة مساعيها لتكون لها حصة في عملية تمويل المشاريع الكبرى التي تنفّذها الحكومة. وقال آل ثقفان إن المصارف السعودية، وفي ظل متابعة من البنك المركزي السعودي (ساما)، تتمتع بمعدل ممتاز لكفاية رأس المال يتجاوز ذلك المطلوب. ولا يرى آل ثقفان أي معوقات تحول دون التوسع في الإقراض وتحقيق نمو في الأرباح، عازياً ذلك إلى قوة اقتصاد المملكة.

كانت وكالة «فيتش» قد توقعت نمو تمويل القطاع المصرفي السعودي بنسبة 10 في المائة عام 2024، وهو أعلى بكثير من متوسط دول مجلس التعاون الخليجي (5 في المائة) ولكنه أقل من 12 في المائة في عام 2023، و14 في المائة في عام 2022، كما توقعت نمو الودائع بنسبة 10 في المائة في عام 2024، بشكل أساسي من الودائع لأجل، مع احتمال انخفاض نسبة الودائع تحت الطلب إلى أقل من 50 في المائة من إجمالي الودائع.

من جهتها، توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» في بداية فبراير (شباط) الجاري نمو الائتمان لدى المصارف السعودية بنسبة 9 في المائة خلال عام 2024، وبنسبة أقل من العام الماضي الذي شهد نمواً وصل إلى 10 في المائة، كما توقعت استمرار الحكومة في ضخ الودائع في النظام المصرفي لدعم نمو الائتمان لدى المصارف.

تحديات التمويل

في السياق نفسه، لا تتوقع شركة «جدوى» للاستثمار أن تتحمل المصارف عبء توفير التمويل لبرامج «رؤية 2030»، لكنها قالت في تقرير لها تناوَل التحديات التي تواجه المصارف السعودية، «إنها في حاجة إلى الإبقاء على تنويع مصادرها كي تستطيع دعم القطاع الخاص». وأشارت إلى أن المصارف السعودية بقيت تاريخياً تحظى بسهولة عالية، وذات رسملة جيدة، ومربحة، و«لا يزال هذا هو الحال بصورة عامة، ولكن نتيجة لفتح رؤية 2030 فرصاً جديدة للإقراض، فقد أصبحت تحديات التمويل أكثر إلحاحاً». وأضافت: «يتضح هذا من نسبة القروض إلى الودائع، التي تقيس الإقراض للقطاع الخاص مقابل الودائع المتاحة. في السنوات الأخيرة، أدى ازدهار النمو الاقتصادي إلى زيادة الطلب على الائتمان، وعلى الرغم من نمو الودائع، فإنها لم تواكب الإقراض، ونتيجة لذلك أنهت نسبة القروض إلى الودائع عام 2023 وهي فوق 100 في المائة، وهو مقياس غير مربح لمديري المخاطر، ولكن مع تراجع نمو الودائع الآن فإن خفض هذه النسبة وإعادتها مرة أخرى إلى مستويات مقبولة سيعني كبح نمو الإقراض، ما لم يتم الحصول على مصادر تمويل أخرى».


مقالات ذات صلة

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

الاقتصاد جناح شركة «تمارا» التي توفر خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» في السعودية والخليج بمعرض «ليب24» بالرياض (إكس)

«الفنتك» تغزو الهواتف... من السداد السريع إلى استثمار الأموال

تطبيقات التكنولوجيا المالية أصبحت جزءاً لا يمكن الاستغناء عنه في حياة الجيل الجديد، وحددت «فنتك السعودية» 9 مجالات لهذه التطبيقات.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

«السيادي السعودي» يقترض 15 مليار دولار من تحالف مؤسسات مالية دولية

حصل «صندوق الاستثمارات العامة» على تسهيلات ائتمانية دوّارة لأغراض مؤسسية عامة تبلغ قيمتها 15 مليار دولار (56.25 مليار ريال)، حيث ستحل محل تسهيل ائتماني دوّار.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد عمال يفرِغون صناديق الفاكهة في سوق بمدينة بيشاور (أ.ف.ب)

باكستان: نهدف إلى تأمين 4 مليارات دولار من بنوك في الشرق الأوسط

قال محافظ البنك المركزي الباكستاني جميل أحمد، إن بلاده تتطلع إلى جمع ما يصل إلى أربعة مليارات دولار من بنوك تجارية في الشرق الأوسط بحلول السنة المالية المقبلة.

«الشرق الأوسط» (كراتشي)
الاقتصاد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول ومحافظا بنك إنجلترا أندرو بيلي وبنك كندا تيف ماكليم خلال استراحة خارج قاعة مؤتمر جاكسون هول (رويترز)

التوقعات القاتمة تنذر بأوقات مضطربة للاقتصاد العالمي والأسواق المالية

طغت العلامات المتزايدة على ضعف النمو والمخاطر الناشئة في سوق العمل على تجمع لصُناع السياسات العالميين بمؤتمر جاكسون هول السنوي.

«الشرق الأوسط» (جاكسون هول)
الاقتصاد مقر بنك الصين في العاصمة بكين (إكس)

رئيس بنك الصين يستقيل من منصبه

قال بنك الصين، إن نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي ليو جين، استقال لأسباب شخصية اعتبارًا من اليوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«بنك التنمية الجديد» لتعزيز الجهود في دول «البريكس»

شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
TT

«بنك التنمية الجديد» لتعزيز الجهود في دول «البريكس»

شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)
شعار «بنك التنمية الجديد» (رويترز)

أقر «بنك التنمية الجديد» آلية جديدة لتعزيز جهود التنمية في دول «البريكس»، خلال اجتماع عقدته الدول الأعضاء، السبت، في كيب تاون بجنوب أفريقيا.

وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ولم يتم الكشف عن بنود الآلية الجديدة، لكن من المقرر أن تظهر ملامحها خلال فعاليات الاجتماع الحالي.

وأكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، محافظ مصر لدى «بنك التنمية الجديد»، رانيا المشاط، أهمية سد الفجوات التمويلية التي تواجه جهود تحقيق التنمية، من خلال التمويل المختلط الذي يجمع بين الاستثمارات الحكومية، والتمويلات الأخرى المتاحة من مختلف الأطراف ذات الصلة.

وأوضحت المشاط، في الجلسة النقاشية لمحافظي «بنك التنمية الجديد»، حول «فتح آفاق التمويل من أجل التنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والدول النامية»، أنه «في ظل انخفاض نسب التمويل المختلط، فإن التكامل بين بنوك التنمية متعددة الأطراف، والحكومات، يُعد أمراً بالغ الأهمية للدفع قدماً بجهود التنمية».

وأضافت المشاط، أن الحكومات يجب أن تكون واضحة بشأن أولوياتها، وأيضًا على مستوى حجم الاستثمارات الحكومية التي ستتيحها، وتعظيم مبدأ ملكية الدولة، من أجل تحديد الاحتياجات الفعلية من بنوك التنمية متعددة الأطراف، وتشجيع الاستثمارات الخاصة، مؤكدة أن توضيح الأولويات في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول المختلفة يعزّز من فاعلية التعاون مع بنوك التنمية متعددة الأطراف، ويحفّز جذب استثمارات القطاع الخاص.

جاء ذلك، وفق بيان صحافي، خلال مشاركة الوزيرة في الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي البنك، المنعقد تحت عنوان «الاستثمار في مستقبل مستدام» خلال المدة من 28 - 31 أغسطس (آب) 2024 بمدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا.

وألقى الكلمة الافتتاحية للجلسة رئيسة «بنك التنمية الجديد» ديلما روسيف، ورئيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية جين لي تشون، ورئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا، ومحافظو دول البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وبنغلاديش، والإمارات العربية المتحدة، لدى البنك.

وفي كلمتها أوضحت المشاط، أن «تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص وإفساح المجال للقطاع الخاص يُعدّ أحد المحاور الأساسية لتشجيع الاستثمارات، ومن أجل تحقيق ذلك يجب أن تتحمّل الدولة تكلفة، وتتيح جزءاً من موازنتها الاستثمارية لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية».

وفي سياق متصل، شددت الوزيرة على أن «التعاون بين دول الجنوب العالمي وزيادة جهود تبادل الخبرات والممارسات التنموية، يُعدان عنصرين حاسمين للاستفادة من التجارب الناجحة التي تساعد الدول النامية على تجاوز تحدياتها».

ثم انتقلت إلى الحديث حول الترابط الكبير بين جهود التنمية والعمل المناخي، وأنه «لا يمكن تجاهل هذا الترابط في أثناء السعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ولذلك فقد أطلقت مصر المنصة الوطنية لبرنامج (نُوَفّي)، التي تتضمّن مشروعات ذات أولوية في مجالي التخفيف والتكيف بقطاعات المياه والغذاء والطاقة».

وأشارت الوزيرة إلى «أهمية التكامل بين التمويل الحكومي وما تقدمه بنوك التنمية متعددة الأطراف أو الشراكات الثنائية، بهدف خفض التكاليف إلى أدنى حد ممكن»، موضحة أن «أحد التحديات الكبرى التي نواجهها هو أن التمويل المطلوب للتنمية والعمل المناخي سيستمر في الزيادة مع مرور السنوات، وعلى الرغم من أن التمويلات التنموية تؤدي دوراً حيوياً في تلك القضية، فإنها لا تستطيع سد الفجوة المتنامية باستمرار، لذا يتعيّن على الدول النامية والناشئة اتخاذ نهج متعدد الأوجه لحشد التمويل للتنمية المستدامة».