«الذهب الأخضر»... إرث ثقافي يتحول إلى رافد اقتصادي

مساحات شاسعة لتلبية الطلب المحلي والدولي على البن السعودي

زراعة البن مهنة توارثتها الأجيال في جنوب السعودية (الشرق الأوسط)
زراعة البن مهنة توارثتها الأجيال في جنوب السعودية (الشرق الأوسط)
TT

«الذهب الأخضر»... إرث ثقافي يتحول إلى رافد اقتصادي

زراعة البن مهنة توارثتها الأجيال في جنوب السعودية (الشرق الأوسط)
زراعة البن مهنة توارثتها الأجيال في جنوب السعودية (الشرق الأوسط)

مَن مِنا لا يحب القهوة ورائحتها؟ هي رفيقة الصباح... ومصدر إلهام الكتّاب والمفكرين، في دوامات عملهم المضنية... وهي المسكّنة في أوقات الشدة... والدليل على ذلك أن نحو نصف تریلیون فنجان يتم استهلاكها سنوياً في العالم، بحيث باتت القهوة، بمذاقاتها المختلفة، جزءاً أساسياً في حياة الفرد بشكل يومي، ومن الأكثر تداولاً في العالم.

من هنا، جاءت تسمية البن الذي تتكون منه القهوة، بـ«الذهب الأخضر»، حيث إنه يمثل مصدراً كبيراً للدخل في كثير من البلدان، ويزرع على مساحة تزيد على 10 ملايين هكتار في أكثر من 50 دولة.

وتعدّ البرازيل الأولى عالمياً في تصدير البن، وتشكل حصتها نحو 30 في المائة من حجم التصدير العالمي.

وكان تقرير «منظمة القهوة الدولية» الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2023، ذكر أن إنتاج القهوة العالمي زاد بنسبة 5.8 في المائة، إلى 178 مليار دولار، مقارنة بـ168.2 مليار دولار، خلال الفترة نفسها من عام 2022.

السعودية من أكبر المستهلكين

وتولي السعودية اهتماماً بتعزيز حضور القهوة بوصفها من أهم عناصر الثقافة الوطنية التي ارتبطت بالمجتمع عبر التاريخ. وهو ما يفسر إطلاقها «عام القهوة السعودية 2022» بدعم من برنامج جودة الحياة، أحد برامج تحقيق «رؤية 2030». وفي هذا الإطار، أسس «صندوق الاستثمارات العامة»، في مايو (أيار) 2022، الشركة السعودية للقهوة، بهدف دعم المنتج المحلي والارتقاء به إلى المصاف العالمية في المستقبل، حيث ستعمل الشركة على تطوير الزراعة المستدامة في منطقة جازان الواقعة جنوب المملكة.

وتعدّ المملكة ضمن أكثر 10 دول في العالم استهلاكاً للقهوة. وبحسب الدراسات التي أعلنتها وزارة البيئة والمياه والزراعة خلال العام الماضي، تشهد السعودية نمواً سنوياً لاستهلاك القهوة بنحو 4 في المائة، للفترة بين عامي 2016 و2021. بينما يتوقع أن ينمو قطاع البن بنسبة 5 في المائة خلال السنوات المقبلة، ليصل إلى 28.7 ألف طن بنهاية عام 2026، وهو ما يخلق فرصاً استثمارية جاذبة له.

هذا الأمر دفع بالحكومة إلى إقرار برامج ومبادرات خاصة تستهدف دعم زراعة البن من أجل تطوير القطاع وزيادة الإنتاج. وحالياً، تنتج المملكة أكثر من 400 ألف شجرة بُن الأرابيكا ما يتجاوز 800 طن سنوياً، فيما المستهدف زراعة 1.2 مليون شجرة بُن بحلول 2026.

«حبوب القهوة» تزرع في مساحات واسعة جنوب البلاد (الشرق الأوسط)

وتحتضن جنوب السعودية أكثر من 2535 مزرعة بُن، وما يزيد على 500 مزرعة نموذجية، في وقت تسعى فيه المملكة إلى جعل 15 محافظة في الجزء الجنوبي الغربي مصدراً مهماً لإنتاج البُن من نوع الأرابيكا - وهو نوع يمتاز بالجودة عن بقية الأنواع - ورفع نسبة إنتاج محصوله في المملكة كداعم للاقتصاد الوطني وفق مستهدفات «رؤية 2030».

وقد بلغ إنتاج البن نحو 492 طناً توزعت على عدد من المناطق، جنوباً، في مقدمتها منطقة جازان التي تنتج 415 طن، وفيها أكثر من 384 ألف شجرة بن مثمرة، بالإضافة إلى منطقة عسير التي تنتج 50 طناً من 45 ألف شجرة مثمرة، ومنطقة الباحة بإنتاج يصل إلى 27 طناً من 25 ألف شجرة.

هذه الأرقام كشف عنها لـ«الشرق الأوسط»، المتحدث الرسمي في وزارة البيئة والمياه والزراعة صالح بن عبد المحسن بن دخيّل، شارحاً أنه من بين أشهر أنواع البن التي تنتجها هذه المناطق؛ البن الخولاني، والشدوي، والعديني.

وتتم زراعة البن في فصل الشتاء، ويبدأ إزهاره في الربيع والصيف، في السنة الثالثة من زراعته.

وأكد دخيّل أن زراعة البن تشهد نمواً ملحوظاً تماشياً مع خطط الوزارة لتطوير المحاصيل ذات الميز النسبية، وتطبيق تقنيات حصاد مياه الأمطار ونظم الري الحديثة، إلى جانب الاستفادة من المياه المجددة في الزراعة، بهدف المساهمة في رفع الناتج المحلي وتحقيق عوائد اقتصادية مرتفعة.

وبيّن أن الوزارة تعمل على تعزيز إنتاج البن في المدرجات الزراعية، من خلال تشجيع المزارعين ودعمهم ببرامج كثيرة، ومن أبرزها برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف السعودية)، الذي أطلق عام 2020، بهدف تحسين القطاع الزراعي الريفي، ودعم تطوير البن ورفع كفاءته الإنتاجية وتسويقه، ورفع مستوى معيشة صغار المزارعين وتحسين نمط حياتهم، مما أسهم في توفير فرص استثمارية كبيرة في القطاع.

ولفت دخيّل إلى أن هذه البرامج حفّزت المزارعين على التوسع في زراعة البن، واستصلاح مدرجاتهم الزراعية، حيث تم إنشاء 60 مزرعة نموذجية للبن، لزيادة الإنتاج وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق الريفية.

أهداف استراتيجية

من ناحيتها، شرحت رئيسة مجلس إدارة جمعية البن بمنطقة عسير، نوره آل عائض، الأهداف الاستراتيجية التي حددتها الجمعية من أجل زراعة 14 ألف هكتار بزراعة مليوني شجرة وإنتاج نحو 4 آلاف طناً على الأقل، بدءاً من الوقت الراهن وحتى عام 2027.

وتأسست الجمعية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، من قبل مجموعة من مزارعي البن في عسير ينتمون إلى عدة محافظات رئيسية، للمساهمة في تطبيق أحدث منهجيات العمل لتنمية قطاع البن في المنطقة.

وزارة البيئة والمياه والزراعة تعمل على تعزيز إنتاج البن في المدرجات الزراعية (الشرق الأوسط)

وأكدت آل عائض في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن أهداف الجمعية تعكس التزام المملكة بتطوير وتعزيز قطاع البن، وتبرز الجهود المبذولة لزيادة الإنتاجية وتلبية الطلب المحلي والدولي على منتجات القهوة.

وكانت جمعية البن بمنطقة عسير أعلنت نمو القطاع بقفزة وصلت إلى 262 في المائة في 2023، وذلك بعدد المزارع وإنتاجية البن، بحسب بياناتها الإحصائية عن المنطقة.

وأشارت آل عائض إلى مساهمة زراعة البن في دعم الإنتاج ورفع الناتج المحلي غير النفطي، وتشجيع التسويق المحلي والتصدير، «شرط دعم الفلاحين بالتدريب والتكنولوجيا، وتحسين البنية التحتية للزراعة... فلرفع القدرة الإنتاجية للبن السعودي، يمكن اتباع خطوات عدة منها تحسين التقنيات الزراعية، وتوفير الدعم التقني بتقديم دعم فني واستشارات للفلاحين حول أفضل الممارسات والتقنيات الزراعية المتقدمة، إضافة إلى خلق بيئة ملائمة للاستثمار في القطاع الزراعي وتقديم الحوافز والتسهيلات، وتعزيز التسويق من خلال تطوير استراتيجيات فعّالة للتسويق لتسهيل تداول وتسويق البن المحلي».

ولفتت إلى أن «تعزيز التسويق المحلي والتصدير يدعم التحول نحو اقتصاد غير نفطي... كما أن الاهتمام بقطاع البن يسهم في تعزيز التنمية المستدامة عبر توفير فرص عمل جديدة وتعزيز دور القطاع الزراعي في الاقتصاد المحلي».

تعزيز الهوية الوطنية

وبحسب آل عائض، فإن تعزيز الهوية الوطنية مهم، عن طريق توصيف وتسجيل سلالات البن السعودي الذي يسهم في تعزيز الهوية الثقافية والاقتصادية للمملكة على المستوى الدولي، إضافة إلى تسجيل السلالات المحلية معياراً دولياً يفتح أبواب الاستثمار والتصدير للبن المحلي إلى الأسواق الدولية.

وأوضحت آل عائض أن معدل إنفاق السعودیین على إعداد القھوة أكثر من ملیار ریال (266 مليون دولار)، بواقع یتجاوز 80 ألف طن، وذلك بفعل ارتباط القهوة بالإرث الثقافي للمملكة، عبر تاریخ حافل بالعادات والتقالید، وقیم الكرم والضیافة، والحضور الإنساني والجمالي والفني في الأغاني والقصائد واللوحات، حتى أصبحت عنصراً رئیسياً في الثقافة والموروث الشعبي السعودي، وعلامةً ثقافیةً تتمیز بھا المملكة، سواء من خلال زراعتھا، أو طرق تحضیرھا وإعدادھا وتقدیمھا للضیوف.

توقعات بمزيد من النمو

من جهته، أبان المدير الفني والتجاري في شركة «ديوان القهوة التجارية» علي الديواني، أن السوق المحلية شهدت إقبالاً كبيراً وزيادة في الطلب من قبل المواطنين والمقيمين والزائرين في المملكة، إضافة إلى دخول جهات محلية من شركات وجمعيات من أجل المساهمة في توفير البن الأخضر، وكذلك جهود المحامص في تحويله للقهوة السعودية أو السوداء بمختلف مشروباتها.

وأكد أن مستقبل هذا القطاع محلياً يبشر بنمو كبير للاتجاه نحو التصدير مستقبلاً، مشيراً إلى أن الطابع الجبلي والزراعي في البلاد سيوفر فرصة جيدة للسوق العالمي بتجربة البن السعودي عالي الجودة وذي النكهات الفريدة.

ختاماً، لا شك أن جهوداً كبيرة تبذل من أجل تعزيز قطاع البن في السعودية ورفع مستوى المملكة عالمياً في هذا المجال، بينما تبقى مواصلة تأمين جودة الإنتاج وتوفير متطلبات استمرارية المزارعين على زراعة البن من أبرز المقوّمات التي تؤمّن الأرضية الضرورية لاستدامة هذا القطاع، ولتستمر القهوة السعودية ورائحتها المتميزة مصدراً لجذب المستثمرين والذواقة من جميع أنحاء العالم.


مقالات ذات صلة

وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

خاص الأمير سعود ووزير الصناعة خلال حفل الهيئة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

وزير الصناعة السعودي: هيئة المساحة ستلعب دوراً محورياً في السنوات الـ25 المقبلة في التعدين

تلعب هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية دوراً حيوياً في الكشف عن مخزونات الأرض من الفلزات، التي تشمل الذهب والزنك والنحاس.

سعيد الأبيض (جدة)
الاقتصاد جانب من العاصمة السعودية الرياض (واس)

صفقات «جسري» السعودية تتخطى 9.3 مليار دولار

أعلنت السعودية توقيع 9 صفقات استثمارية بقيمة تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار)، ضمن «المبادرة الوطنية لسلاسل الإمداد العالمية (جسري)».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد في أثناء توقيعه على الميزانية العامة للدولة لعام 2025 (واس)

مجلس الوزراء السعودي يقر ميزانية الدولة للعام المالي 2025

أقر مجلس الوزراء السعودي برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ميزانية العام المالي 2025، التي تتوقع إيرادات بقيمة 1.184 تريليون ريال.

الاقتصاد منظر عام للعاصمة السعودية الرياض (أ.ف.ب)

السعودية الأولى عربياً والـ20 عالمياً في مؤشر «البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة»

حققت السعودية المركز الأول على المستوى العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمركز الـ20 عالمياً، وفق مؤشر البنية التحتية للجودة للتنمية المستدامة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خلال لقاء الوزير الخطيب عدداً من المستثمرين ورواد الأعمال في الأحساء (حساب الوزير على منصة إكس)

دعم السياحة في محافظة الأحساء السعودية بمشاريع تتجاوز 932 مليون دولار

أعلن وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب دعم السياحة بمحافظة الأحساء، شرق المملكة، بـ17 مشروعاً تتجاوز قيمتها 3.5 مليار ريال وتوفر أكثر من 1800 غرفة فندقية.

«الشرق الأوسط» (الأحساء)

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
TT

الرسوم الجمركية تهدد النمو الاقتصادي... و«المركزي الأوروبي» يحذّر من تداعيات الحرب التجارية

مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)
مبنى «البنك المركزي الأوروبي» في فرنكفورت بألمانيا (رويترز)

أشار صناع السياسة في «البنك المركزي الأوروبي»، يوم الثلاثاء، إلى أن أسعار الفائدة بمنطقة اليورو ستستمر في الانخفاض، مع القضاء على التضخم إلى حد كبير، في حين أن النمو الاقتصادي الضعيف، الذي قد يتفاقم بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، قد يصبح القضية الكبيرة التالية التي تواجه المنطقة.

وخفض «المركزي الأوروبي» أسعار الفائدة 3 مرات هذا العام، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى في كل اجتماع لـ«لجنة السياسة» حتى يونيو (حزيران) المقبل على الأقل، مع تجنب المنطقة ركوداً آخر، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، قال رئيس «البنك المركزي»، البرتغالي ماريو سينتينو، إن الاقتصاد يواجه ركوداً، محذراً بأن «المخاطر تتراكم نحو الهبوط»، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية التي هدد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرضها تشكل تهديداً إضافياً.

وحذر سينتينو أيضاً بأن تأخر «البنك المركزي الأوروبي» في خفض أسعار الفائدة قد يزيد من خطر انخفاض التضخم إلى ما دون المستوى المستهدف.

من جانبه، أوضح نائب رئيس «البنك المركزي الأوروبي»، لويس دي غيندوس، أن النمو أصبح الشغل الشاغل للبنك، مشيراً إلى أن الرسوم الجمركية قد تؤدي إلى ظهور دورة مدمرة من الحروب التجارية.

وقال دي غيندوس لصحيفة «هلسنغن سانومات» الفنلندية: «القلق بشأن التضخم المرتفع تحول الآن إلى القلق بشأن النمو الاقتصادي».

وأضاف: «عندما نفرض الرسوم الجمركية، فيجب أن نكون مستعدين لرد فعل من الطرف الآخر، وهو ما قد يؤدي إلى بداية حلقة مفرغة».

وأكد دي غيندوس أن «هذا الأمر قد يتحول في نهاية المطاف إلى حرب تجارية، وهو ما سيكون ضاراً للغاية بالاقتصاد العالمي».

وتابع: «هذا سيؤدي إلى ضعف النمو، وارتفاع التضخم، وتأثير على الاستقرار المالي، في وضع يعدّ خسارة لجميع الأطراف».

وكان ترمب قد أعلن هذا الأسبوع أنه سيفرض رسوماً جمركية كبيرة على أكبر 3 شركاء تجاريين للولايات المتحدة: كندا والمكسيك والصين، فور توليه منصب الرئاسة.

وبشأن تأثير الرسوم الجمركية الأميركية على النمو في أوروبا، فقد قال رئيس «البنك المركزي الفرنسي»، خلال مؤتمر للمستثمرين الأفراد في باريس، إن تأثير التضخم في أوروبا قد لا يكون كبيراً.

وقال فرنسوا فيليروي دي غالهاو: «قد يكون تأثير التضخم محدوداً نسبياً في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل التي تحددها السوق لديها ميل معين لعبور المحيط الأطلسي».

وأضاف: «لا أعتقد أن هذا سيغير كثيراً بالنسبة إلى أسعار الفائدة قصيرة الأجل في أوروبا، ولكن أسعار الفائدة طويلة الأجل قد تشهد تأثيراً انتقالياً».

من جهته، أضاف محافظ «البنك المركزي الفنلندي»، أولي رين، تحذيراً بخصوص النمو، متوقعاً أن يظل النشاط الاقتصادي ضعيفاً مع انتعاش بطيء، وهو ما قد يدفع «البنك المركزي الأوروبي» إلى خفض سعر الفائدة إلى المعدل المحايد الذي لا يعوق النمو الاقتصادي، بحلول أوائل الربيع المقبل.

وعلى الرغم من أن المعدل المحايد ليس رقماً ثابتاً، فإن معظم خبراء الاقتصاد يرون أنه في نطاق بين اثنين و2.5 في المائة، وهو أقل كثيراً من المستوى الحالي لـ«البنك المركزي الأوروبي» البالغ 3.25 في المائة.

ولا يُتوقع أن تتوقف أسعار الفائدة عند المعدل المحايد؛ إذ تتوقع سوق المال أن يهبط سعر الفائدة على الودائع إلى 1.75 في المائة العام المقبل، وهو مستوى من شأنه تحفيز النمو.

وقال رين: «إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية على منتجات دول أخرى، سواء أكانت بنسبة 10 أم 20 في المائة، وردّ الجميع، فإن جميع الأطراف ستخسر».

وأضاف أنه «في هذه الحالة، فإن الولايات المتحدة ستخسر أكثر؛ لأن الدول الأخرى قد توجه صادراتها إلى أسواق أخرى، في حين ستواجه الشركات الأميركية الرسوم الجمركية نفسها في كل مكان».

في المقابل، انخفض، يوم الثلاثاء، مؤشر رئيسي لتوقعات التضخم بمنطقة اليورو على المدى البعيد في السوق إلى أقل من اثنين في المائة لأول مرة منذ يوليو (تموز) 2022، في دلالة على اعتقاد المستثمرين أن النمو المتعثر قد يؤدي إلى تضخم أقل من الهدف المحدد من قبل «البنك المركزي الأوروبي». وأظهرت بيانات «بورصة لندن» أن مبادلة التضخم الآجلة لمدة 5 سنوات تراجعت إلى 1.9994 في المائة، وهو انخفاض حاد نسبياً مقارنة بأكثر من 2.2 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتعكس هذه المبادلة توقعات المستثمرين بشأن التضخم خلال فترة الـ5 سنوات التي تبدأ بعد 5 سنوات من الآن.

لماذا يعدّ ذلك مهماً؟

يعدّ «البنك المركزي الأوروبي» محافظاً على تناغم دقيق مع توقعات التضخم لدى المستثمرين والأسر والشركات. ويعتقد كثير من خبراء الاقتصاد أن هذه التوقعات يمكن أن تتحول إلى نبوءة تحقق ذاتها، حيث يزيد المستهلكون من إنفاقهم الآن لتجنب ارتفاع الأسعار في المستقبل أو العكس. في عام 2014، أشار رئيس «البنك المركزي الأوروبي» السابق، ماريو دراغي، إلى مبادلة التضخم لمدة 5 سنوات، التي كانت آنذاك أقل قليلاً من اثنين في المائة، بوصف الأمر مقلقاً لـ«البنك المركزي». ومنذ عام 2022، كان «المركزي الأوروبي» يواجه خطر الانكماش بوصفه مصدر قلق رئيسياً.

ومن المرجح أن يعزز هذا الانخفاض الأخير من التوقعات بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل «المركزي الأوروبي».

وانخفض التضخم في منطقة اليورو من أعلى مستوى قياسي بلغ 10.6 في المائة خلال أكتوبر 2022، إلى 1.7 في المائة خلال سبتمبر من هذا العام، قبل أن يرتفع مجدداً إلى اثنين في المائة خلال أكتوبر الماضي. ومن المتوقع إصدار بيانات نوفمبر (تشرين الثاني) يوم الجمعة المقبل. ووفقاً للمحللين، فقد ساهمت عوامل عدة في تهدئة نمو الأسعار، مثل تطبيع سلاسل التوريد التي تأثرت بجائحة «كوفيد19»، وانخفاض أسعار الطاقة بعد الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى رفع أسعار الفائدة من قبل «البنك المركزي».

كما أظهرت بيانات مسح يوم الجمعة أن نشاط الأعمال في منطقة اليورو تراجع بشكل حاد في نوفمبر الحالي أكثر مما كان متوقعاً، مما زاد من المخاوف بشأن ضعف النمو بالمنطقة.

في هذا السياق، قال كبير خبراء الاقتصاد في «البنك المركزي الأوروبي»، فيليب لين، يوم الاثنين، إن التضخم قد ينخفض إلى ما دون الهدف في حال استمر النمو الضعيف. وأشار لين، في تصريحات نقلتها صحيفة «ليزيكو» الفرنسية، إلى أنه «ينبغي ألا تظل السياسة النقدية مقيدة لفترة طويلة، وإلا فإن الاقتصاد لن ينمو بالقدر الكافي، وأعتقد أن التضخم سيهبط إلى ما دون الهدف».