هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية توافق على أول صناديق استثمار متداولة للبيتكوين

في خطوة تاريخية يمكن أن توسع جاذبية العملة المشفرة أمام المستثمرين

لافتة إلكترونية لتبادل العملات المشفرة في سيول تظهر ارتفاع سعر البيتكوين إلى 63.74 مليون وون (48529 دولاراً) خلال جلسة تداول في 11 يناير 2024، بعد الموافقة على أول صناديق تداول مدرجة في الولايات المتحدة (إ.ب.أ)
لافتة إلكترونية لتبادل العملات المشفرة في سيول تظهر ارتفاع سعر البيتكوين إلى 63.74 مليون وون (48529 دولاراً) خلال جلسة تداول في 11 يناير 2024، بعد الموافقة على أول صناديق تداول مدرجة في الولايات المتحدة (إ.ب.أ)
TT

هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية توافق على أول صناديق استثمار متداولة للبيتكوين

لافتة إلكترونية لتبادل العملات المشفرة في سيول تظهر ارتفاع سعر البيتكوين إلى 63.74 مليون وون (48529 دولاراً) خلال جلسة تداول في 11 يناير 2024، بعد الموافقة على أول صناديق تداول مدرجة في الولايات المتحدة (إ.ب.أ)
لافتة إلكترونية لتبادل العملات المشفرة في سيول تظهر ارتفاع سعر البيتكوين إلى 63.74 مليون وون (48529 دولاراً) خلال جلسة تداول في 11 يناير 2024، بعد الموافقة على أول صناديق تداول مدرجة في الولايات المتحدة (إ.ب.أ)

وافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية على أول صناديق تداول «بيتكوين» في لحظة فاصلة وتاريخية يراهن فيها عشاق العملات المشفرة على جذب مستثمرين جدد من الأفراد والمؤسسات إلى السوق.

فقد منحت أكبر هيئة تنظيمية للأوراق المالية الأميركية الإذن يوم الأربعاء لرعاة 10 صناديق استثمار متداولة، بدءاً من اللاعبين المعروفين مثل «فيديليتي» و«إنفيسكو» إلى الوافدين الجدد الذين يركزون على التكنولوجيا الرقمية بما في ذلك «غرايسكيل» و«أرك إنفست».

وتأتي الموافقة بعد شهور من الترقب ومعركة قانونية مريرة. كما أنها تنتهي بـ24 ساعة جامحة شهدت سيطرة المتسللين لفترة وجيزة على حساب لجنة الأوراق المالية والبورصات على موقع التواصل الاجتماعي «إكس» والادعاء زوراً أن التطبيقات قد تمت الموافقة عليها بالفعل، مما أدى إلى تقلبات حادة في سعر البيتكوين، وفق ما جاء في صحيفة «فاينانشيال تايمز».

بعد الموافقات، تم تداول البيتكوين عند نحو 46 ألف دولار، وهو أقل بكثير من الذروة البالغة 69 ألف دولار التي بلغتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ولكن ما يقرب من ثلاثة أضعاف القاع البالغ 16 ألف دولار الذي سجلته في ديسمبر (كانون الأول) 2022 بعد انهيار بورصة العملات المشفرة سيئة السمعة الآن.

في حين كانت صناديق الاستثمار المتداولة بالبيتكوين الفورية متاحة في أسواق أخرى، من المتوقع أن تستهل الموافقات الأميركية حقبة جديدة لرمز التشفير الأكثر شيوعاً والسائلة. سيتمكن المستثمرون المؤسسيون والأفراد في الولايات المتحدة الآن من الحصول على تعرض مباشر للعملة من خلال منتج منظم، دون مخاطر الشراء من البورصات غير المنظمة أو التكاليف المرتفعة المرتبطة بصناديق الاستثمار المتداولة التي تستثمر في العقود الآجلة للبيتكوين.

ونقلت «فاينانشيال تايمز» عن جاد قمير، الرئيس التنفيذي لشركة «ميلانيون كابيتال»، وهي أول شركة صندوق استثمار متداول في بيتكوين في الاتحاد الأوروبي: «إنها علامة فارقة كبيرة، إنها اعتراف بأن بيتكوين استثمار تقليدي واسع النطاق. نحن نفتح الأبواب أمام وول ستريت».

كما يمثل القرار انعطافاً من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات. وقد قاومت الهيئة التنظيمية صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين الفورية لما يقرب من عقد من الزمان على أساس أن العملات المشفرة كانت عرضة للتلاعب والاحتيال. ولكن في العام الماضي، تحدى «غرايسكيل» بنجاح رفض هيئة الرقابة لتطبيق بيتكوين الفوري السابق. وقضت محكمة استئناف اتحادية في أغسطس (آب) بأن القرار كان «تعسفياً ومتقلباً»، مما ضغط على هيئة الأوراق المالية والبورصات لتغيير موقفها.

يراهن بعض المتحمسين للعملات المشفرة على أن صناديق الاستثمار المتداولة ستعزز الطلب بشكل كبير على الأصول الرقمية، على الرغم من أن بعض مراقبي صناديق الاستثمار المتداولة يشككون في أن المبالغ الضخمة ستغرق في المنتجات. عندما أطلقت بروشاريس أول صندوق استثماري متداول لعقود «بيتكوين» آجلة في عام 2021، حققت أرباحاً بقيمة مليار دولار في يومين.

لكن مجموعات حماية المستهلك والمستثمرين حذرت من أن إتاحة المنتج عبر صناديق الاستثمار المتداولة سيشجع مستثمري التجزئة على نقل الأموال إلى قطاع معروف بالفضائح المتكررة والتقلبات الهائلة في الأسعار.

وقال دينيس كيليهر، رئيس شركة «بيتير ماركتس»، إن الموافقة «خطأ تاريخي لن يطلق العنان لمفترسي العملات المشفرة على عشرات الملايين من المستثمرين والمتقاعدين فحسب، بل من المحتمل أيضاً أن يقوض الاستقرار المالي».

حاول رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، غاري غينسلر تقسيم الفارق في بيان. وقال: «على الرغم من أننا وافقنا على إدراج وتداول بعض أسهم البيتكوين الفورية المتداولة في البورصة اليوم، فإننا لم نوافق على عملة البيتكوين أو نؤيدها»، مطالباً المستثمرين «بأن يظلوا حذرين بشأن المخاطر التي لا تحصى، المرتبطة بالبيتكوين والمنتجات التي ترتبط قيمتها بالعملات المشفرة».

وقد أرسلت الرسالة الكاذبة التي نشرت على حساب «إكس» التابع لهيئة الأوراق المالية والبورصات يوم الثلاثاء سعر البيتكوين إلى مكاسب يومية بنسبة 1.5 في المائة قبل أن ينخفض بنسبة تصل إلى 3.4 في المائة بعد أن وضع المنظم الأمور في نصابها.

وتتشابه صناديق الاستثمار المتداولة الطموحة من حيث أنها تستثمر جميعها في البيتكوين مباشرة. وتهدف جميعها إلى الإطلاق بشكل عضوي باستثناء «غرايسكيل»، التي تسعى إلى تحويل صندوق بيتكوين الذي تبلغ قيمته 29 مليار دولار إلى صندوق استثمار متداول، و«هاشديكس»، التي تخطط لتحويل صندوق بيتكوين الآجلة إلى صندوق فوري.

لقد اندلعت حرب أسعار بين مقدمي صناديق الاستثمار المتداولة الجدد. إذ قامت شركات «بلاك روك»، و«فيديليتي» وغيرها بتحديث أوراقها في وقت سابق من هذا الأسبوع للإعلان عن رسوم أقل من 0.5 في المائة، مع وعد العديد بالتنازل عن الرسوم تماماً في الأشهر الأولى من التداول.

وقال مايكل سونينشين الرئيس التنفيذي لـ«غرايسكيل» لصحيفة «فاينانشيال تايمز» إن شركته خفضت رسومها من 2 في المائة إلى 1.5 في المائة لكنها لا تخطط لمزيد من التخفيضات.

ووصفت كاثي وود من شركة «آرك» - التي لن تفرض شركتها رسوماً بنسبة 0.21 في المائة إلا بعد ستة أشهر من إطلاقها، أو حتى يصل صندوقها المتداول في البورصة إلى مليار دولار - عملة البيتكوين بأنها «سلعة عامة»، وقالت إنها كانت مرتاحة لاستخدام المنتج كقائد خسارة.

لقد صمدت هيئة الأوراق المالية والبورصة ضد صندوق بيتكوين المتداول في البورصة لما يقرب من عقد من الزمن، ولكن في أواخر عام 2021، سمحت لشركة «بروشيرز» بإطلاق أول صندوق من بين العديد من صناديق الاستثمار المتداولة التي تحتوي على عقود بيتكوين الآجلة.

وبعد أن رفعت «غرايسكيل» الدعوى القضائية، بدأ مقدمو صناديق الاستثمار المتداولة المشهورون في تقديم طلباتهم الخاصة وبدأت هيئة الأوراق المالية والبورصة في العمل معهم لضبط مقترحاتهم. وفي الأشهر الأخيرة، أوضح المصدرون كيف سيحمون المستثمرين من التلاعب بالسوق، وحددوا بعض المؤسسات المالية التي ستقوم بإنشاء واسترداد الأسهم، وتحولوا إلى طريقة الإنشاء القائمة على النقد.

وقال وود إن هيئة الأوراق المالية والبورصة كانت «واحدة من أكثر الهيئات التنظيمية تشككاً في العالم، وقد وصلت إلى خط النهاية ووافقت عليها، وأنت تعلم أن هناك الكثير من اختبارات المعركة الجارية حول هذا الأمر».


مقالات ذات صلة

تقرير: عائلة ترمب تفاوض على حصة في «بينانس أميركا»

الاقتصاد شعار «بينانس» في مؤتمر «فيفا تكنولوجي» بباريس (أرشيفية - رويترز)

تقرير: عائلة ترمب تفاوض على حصة في «بينانس أميركا»

ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ممثلين لعائلة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أجروا محادثات للاستحواذ على حصة مالية في الفرع الأميركي لمنصة «بينانس».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس دونالد ترمب يتحدث مع رئيس وزراء آيرلندا في البيت الأبيض الأربعاء (أ.ب)

سياسات ترمب تُزعزع الأسواق العالمية... خسائر تريليونية وتقلبات حادة

شهدت الأسواق المالية تقلبات حادة في الأسابيع الأخيرة بسبب سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شعار العملة المشفرة «بتكوين» على هاتف ذكي بجانب شاشة تعرض رسماً بيانياً للتداول في بروكسل (أ.ف.ب)

«بتكوين» تهبط إلى ما دون 80 ألف دولار للمرة الأولى منذ أسبوعين

هبطت عملة «بتكوين» إلى ما دون 80 ألف دولار يوم الاثنين، للمرة الأولى منذ أسبوعين، في ظل استمرار تقلبات سعر أكبر عملة مشفرة في العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد أشخاص أمام لوحة إلكترونية تعرض مؤشر «نيكي» في طوكيو (أ.ب)

تراجع واسع في الأسهم الآسيوية بفعل عمليات بيع حادة في «وول ستريت»

تراجعت الأسهم الآسيوية بشكل عام، يوم الجمعة، حيث هبط مؤشر طوكيو الرئيسي بأكثر من 2 في المائة بعد عمليات بيع حادة في «وول ستريت».

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الاقتصاد أرشيفية لترمب خلال حملته الانتخابية في حدث «بتكوين 2024» في ناشفيل (رويترز)

ترمب يوقع أمراً تنفيذياً لإنشاء احتياطي استراتيجي من الـ«بتكوين»

قال ديفيد ساكس مسؤول العملات المشفرة في البيت الأبيض، إن الرئيس دونالد ترمب، وقع أمس الخميس أمراً تنفيذيا لإنشاء احتياطي استراتيجي من عملة بتكوين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل يطيح ترمب التاج عن الدولار؟

أوراق نقدية بالدولار واليورو (رويترز)
أوراق نقدية بالدولار واليورو (رويترز)
TT

هل يطيح ترمب التاج عن الدولار؟

أوراق نقدية بالدولار واليورو (رويترز)
أوراق نقدية بالدولار واليورو (رويترز)

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحدياً غير مسبوق لنظام جيوسياسي ساد لعقود. ومن بين الضحايا المحتملين: الدولار الأميركي.

يوم الجمعة، أوردت وكالة «بلومبرغ» خبراً مفاده أن المضاربين في سوق العملات التي تبلغ قيمتها 7.5 تريليون دولار يومياً تحوّلوا إلى النظرة الهبوطية للدولار الأميركي للمرة الأولى منذ فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي، وأن صناديق التحوط ومديري الأصول والتجار الآخرين جمعوا رهانات بقيمة 932 مليون دولار على أن الدولار سوف يضعف، بحسب بيانات لجنة تداول السلع الآجلة للأسبوع المنتهي في 18 مارس (آذار).

هذا الأمر يمثل تراجعاً حاداً عن منتصف يناير (كانون الثاني)، عندما راهن المتداولون على ارتفاع الدولار بقيمة 34 مليار دولار. كما يُمثل أحدث مؤشر على أن سياسات ترمب وتساؤلاته حول الاقتصاد الأميركي تُضعف - بدلاً من أن تُعزز - آفاق العملة الاحتياطية العالمية.

لقد كان العديد من المتعاملين في «وول ستريت» دخلوا عام 2025 وهم يتوقعون ارتفاع قيمة الدولار بفضل توقعات انعكاسات سياسات ترمب وتوقعات عدد محدود من تخفيضات أسعار الفائدة من جانب «الاحتياطي الفيدرالي».

لكن في غضون أسابيع قليلة، تبدلت الصورة مع تنامي الحديث عن ركود اقتصادي محتمل في الولايات المتحدة.

في تصريح له بداية الشهر الحالي، أكد وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت مجدداً أن ترمب لم يُغيّر سياسة «الدولار القوي» الأميركية الراسخة. لكنه انتقد في الوقت نفسه الدول التي سعت إلى هندسة إضعاف ثنائي لعملاتها مقابل الولايات المتحدة. وعن الانخفاضات الأخيرة في قيمة الدولار، وصف بيسنت هذه التحركات بأنها تعديل «طبيعي».

رغم محاولات مسؤولي الإدارة الأميركية طمأنة المستثمرين، فإنهم لا يزالون في حيرة من أمرهم بشأن أهداف ترمب المتعلقة بالعملة. فقبل فوزه في الانتخابات، قال إنه يعتقد أن قوة الدولار مقابل الين الياباني واليوان الصيني كانت «عبئاً هائلاً» على الصناعة الأميركية وعائقاً أمام تحول أميركا إلى «اقتصاد إنتاجي».

لوحة إلكترونية تُظهر علامة الدولار في مكتب لصرافة العملات بموسكو (رويترز)

في الأشهر التي تلت الانتخابات، بلغ الدولار أعلى مستوى له منذ عام 2022، مقابل سلة من العملات المتداولة، بما في ذلك اليورو والجنيه الإسترليني، وهو أعلى مستوى له منذ عقود. وهي مكاسب تحققت في جزء منها نتيجة لتوقعات بأن الرسوم الجمركية التي يقوم ترمب بفرضها ستؤدي إلى تفاقم التضخم، وتصعّب بالتالي مهمة «الاحتياطي الفيدرالي» في خفض معدلات الفائدة وتترك مستويات الدولار مرتفعة. إلا أن حساب الحقل لم يكن كحساب البيدر، حيث إن المخاوف من ركود محتمل قلبت بعض هذه التوقعات وأضعفت العملة، حيث وضع المستثمرون في الحسبان المزيد من التراجع.

بين «مار-أ-لاغو» و«بلازا»

رغم عدم إشهار ترمب نيته صراحة خفض الدولار، فإن الصحافة المالية نشرت أكثر من مرة معلومات خلال الأسابيع الأخيرة مفادها أن واشنطن ربما تعمل وفق مخطط لإعادة هيكلة النظام التجاري العالمي وإبرام صفقة تجارية ضخمة متعددة الجنسيات من شأنها إضعاف الدولار عمداً، مما يساعد المصدّرين الأميركيين على منافسة منافسين مثل الصين واليابان. فترمب الذي وعد بتحقيق عصر ذهبي يشمل نهضة في قطاعي التصنيع والصادرات الأميركية، لديه مخاوف راسخة من حجم العجز الأميركي الذي بلغ رقماً قياسياً هو 1.2 تريليون دولار في عام 2024، واصفاً إياه بأنه تحويل للثروة إلى الخارج.

رجل يتصل بهاتفه الذكي وهو يقف بجوار لوحة لصرف العملات تُظهر الليرة التركية مقابل الدولار (أ.ف.ب)

من هنا، وفق المعلومات التي يتم تداولها، فإن جزءاً كبيراً من الخطة يتمثل في فرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين، ثم تقديم حوافز بخفض الرسوم الجمركية إذا شاركوا في «اتفاقية مار-أ-لاغو» - منتجع الرئيس الذي يحمل الاسم ذاته في فلوريدا - لخفض قيمة الدولار الأميركي.

من أين يأتي الحديث عن اتفاقية «مار-أ-لاغو»؟

تستمد الفكرة اسمها من اتفاقية «بلازا»، التي وُقّعت عام 1985 في فندق نيويورك الذي امتلكه ترمب لاحقاً، للمساعدة في إعادة الدولار إلى وضعه الطبيعي.

ففي ذلك العام، اتفقت مجموعة من الحكومات على اتفاقية «بلازا» - التي سُميت تيمناً بفندق نيويورك الذي التقى فيه المسؤولون - في ظل ظروف مماثلة: ارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وقوة الدولار. وتم التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وفرنسا واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا الغربية (آنذاك) لإضعاف الدولار مقابل عملاتها. وُضع الاتفاق على أساس أن الارتفاع الهائل للدولار يُلحق الضرر بالاقتصاد العالمي. وقد حفزت السياسة النقدية الأكثر تشدداً التي انتهجها رئيس مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» بول فولكر لخفض التضخم، بالإضافة إلى السياسة المالية التوسعية للرئيس رونالد ريغان بخفض الضرائب وزيادة الإنفاق. في ذلك الوقت، كانت اليابان تُهيمن على الصادرات، ما أثار رد فعل عنيفا من المشرّعين الأميركيين، تماماً كما هو الحال مع الصين اليوم. وبينما نجح الاتفاق في خفض قيمة الدولار، فإنه أُلقي عليه اللوم لاحقاً في تقوية الين بشكل مفرط، وفق «بلومبرغ». وتبع اتفاقية «بلازا» عام 1987 اتفاقية «اللوفر»، التي سعت إلى وضع حدّ لتراجع الدولار وكبح مكاسب الين. وفي اليابان، أُلقي باللوم على هذه الاتفاقيات لدورها في انزلاق البلاد إلى الركود الاقتصادي في التسعينيات - وهي فترة تُعرف بـ«العقد الضائع» - وهو درس لن يغيب عن الصين في ظلّ مواجهتها لضغوط انكماشية، وأزمة عقارية، وفائض في الطاقة الإنتاجية الصناعية.

وروّج لهذه الاتفاقية في ورقة بحثية ستيفن ميران، رئيس مجلس مستشاري ترمب الاقتصاديين، في نوفمبر (تشرين الثاني). وهو ليس الوحيد في فلك ترمب الذي يفكر بهذه الطريقة. فقبل اختياره وزيراً للخزانة، توقع بيسنت في يونيو (حزيران) الماضي حدوث «نوع من إعادة هيكلة اقتصادية شاملة» في السنوات المقبلة.

لقد اقترح ميران في ورقته جعل البنوك المركزية الأجنبية تحتفظ بسندات أميركية مدتها 100 عام من دون قسائم بدلا من سندات الخزانة التي تحتفظ بها الآن. وتشمل الأحكام البديلة - أو الإضافية - فرض «رسوم استخدام» على البنوك المركزية الأجنبية التي تحتفظ بالديون الأميركية وفرض ضريبة عامة على الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.

كيف سيُفعّل اتفاق «مار-أ-لاغو»؟

تقول مجموعة «آي إن جي» البحثية هنا إنه «نظراً لطبيعة التجارة العالمية وتدفقات النقد الأجنبي، بالإضافة إلى احتياطيات النقد الأجنبي، تُعتبر منطقة اليورو والصين واليابان الدول الرئيسية التي ستحتاج إلى الانضمام إلى الاتفاق، وإن الاتفاقية ستضمن بيع هذه الدول للدولار وسندات الخزانة الأميركية من احتياطياتها من النقد الأجنبي. وللتخفيف من العواقب المالية غير المرغوب فيها لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، سيتم تشجيع هذه الدول على التخلص من حيازاتها المتبقية من سندات الخزانة الأميركية. ومرة ​​أخرى، ستكون الاتفاقية قائمة على الحوافز، حيث يمكن للدول الاستفادة من معدلات تعريفة جمركية أقل إذا وافقت».

يذكر أن بيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن احتياطيات النقد الأجنبي العالمية تبلغ حالياً حوالي 12.7 تريليون دولار، منها أقل بقليل من 60 في المائة بالدولار الأميركي. وفيما يتعلق بسوق سندات الخزانة الأميركية، تُظهر أحدث البيانات أن الأجانب (من القطاعين العام والخاص) يمتلكون حوالي 8.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية، منها 3.8 تريليون دولار مملوكة لمؤسسات رسمية أجنبية. كما تجدر الإشارة إلى أن الأجانب يمتلكون حوالي ربع ديون الحكومة الأميركية القائمة والبالغة 36 تريليون دولار.

ختاماً، هل ستتمكن إدارة ترمب من إقناع الصين ومنطقة اليورو بالموافقة على مثل هذا الأمر؟ وكيف يمكنها إقناع المصارف المركزية وغيرها من المستثمرين في العالم بقبول سندات مدتها 100 عام بلا فائدة لمدة قرن من الزمن؟ ولماذا سيقبلون برسوم وضرائب جديدة على حيازاتهم أو استثماراتهم في الديون الأميركية؟ الجواب في الأيام المقبلة.