في أوائل التسعينات، بدأ اقتصاد اليابان الذي كان آنذاك ثاني أكبر اقتصاد في العالم في الانحدار إلى ركود طويل الأمد. كانت هذه القصة الاقتصادية سيئة السمعة معروفة في جميع أنحاء العالم، لكن في بدايتها لم يكن من الواضح تماماً ما كان يحدث.
وأثار إحباطَ وزارة المالية اليابانية وجودُ زمرة من المحللين الماليين المتحمسين الذين حذروا من أن مشكلة ديون البلاد كانت أسوأ كثيراً مما أُعْلِنَ عنه، وجادلوا بأن النمو الاقتصادي لن يتمكن من حل هذه المشكلة بطريقة سحرية، وفق «بلومبرغ».
وفي الآونة الأخيرة، أثارت تقديرات المستشار السابق للمصرف المركزي الصيني، لي داو كوي، بشأن ديون الحكومات المحلية الصينية ضجة كبيرة؛ فقد قدر كوي أن ديون هذه الحكومات بلغت 90 تريليون يوان (12.6 تريليون دولار) بحلول عام 2020، وهو رقم يتجاوز كثيراً التقديرات السابقة.
وتأتي هذه الديون في المقام الأول من تشييد البنية التحتية، والتي من غير المرجح أن تولد إيرادات كافية لسداد الالتزامات، كما أن انخفاض معدل النمو في الصين الذي كان ملحوظاً في السنوات الأخيرة يفرض عبئاً إضافياً على الحكومات المحلية.
وتمتلك الحكومة المركزية الصينية الموارد اللازمة لحل هذه المشكلة، ولكن الأمر يتطلب إعادة تفكير كبرى في السياسة الاقتصادية. ففي غياب التحول الاستراتيجي، فإن الصين تواجه خطر الدخول في ركود شبيه بالركود الذي عانت منه اليابان في الثمانينات.
وأوضح كوي، الحاصل على شهادة من جامعة هارفارد، ويعمل في جامعة تسينغهوا بكين، أن أحد الأخطاء الرئيسية في التقديرات السابقة للديون المحلية كان عدم مراعاة الاعتماد الكبير على «رأس المال المدفوع» في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى. ففي حالة حلقة النقل الضخمة بالسكك الحديدية في مدينة تشونغتشينج، على سبيل المثال، جاء ما يقرب من خمسي التكلفة البالغة 29 مليار دولار من «رأس المال المدفوع».
* ديون الصين المحلية أكبر مما كان يُعتقد
ووفق كوي، فإن «رأس المال المدفوع» ليس في الواقع رأسمال، بل هو تمويل جرى الحصول عليه من خلال الديون أو من خلال إصدار أسهم من قبل شركات مملوكة للحكومة المحلية. وبالتالي، فإن الديون المحلية الصينية أكبر كثيراً مما كان يُعتقد سابقاً.
وأشار إلى أن الموارد المالية للسلطات المحلية اللازمة لخدمة ديونها قد تراجعت بشكل حاد بحلول عام 2020، كما أن الحكومات المحلية مضطرة إلى تحمل ديون جديدة لسداد الديون القائمة، وهو أمر غير مستدام على المدى الطويل. ونظراً لتراجع معدل النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة، فمن المرجح أن تكون القدرة على خدمة الديون «أقل الآن».
وفي سياق مماثل، لم يكن النمو الاقتصادي الذي حققته اليابان بحلول تسعينات القرن العشرين كافياً لسداد جبل الديون الذي نشأ خلال سنوات فقاعة الثمانينات، والذي استندت قيمته إلى ضمانات عقارية مقومة بأسعار غير واقعية على الإطلاق. وردت الحكومة اليابانية آنذاك بتوجيه المصارف إلى منح الشركات فرصة التسامح، لتجنب حالات الإفلاس على الطريقة الأميركية، مع كل ما يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.
وكجزء من استجابتها لضعف النمو الاقتصادي، واصلت اليابان خفض أسعار الفائدة في محاولة لتشجيع الاقتراض الجديد لتمويل الاستثمارات. ومع ذلك، فقد كانت الرغبة في الاقتراض محدودة، ما أدى إلى اعتبار أسعار الفائدة المنخفضة علامة على تضاؤل إمكانات البلاد.
ولا يُعد اتجاه أسعار الفائدة في الصين نحو الانخفاض مفاجئاً، فقد لوحظ في العام الماضي كيف أن انخفاض أسعار الفائدة على حسابات الادخار هدد بتقويض ثقة الأسر الصينية. وفي أواخر الشهر الماضي، قامت المصارف الحكومية الكبرى في الصين بتخفيض أسعار الفائدة بشكل أكبر.
وانخفضت عائدات السندات الحكومية الصينية القياسية لأجل 10 سنوات هذا الأسبوع إلى أدنى مستوى قياسي حديث عند أقل من 2.5 في المائة، وهو المستوى الذي سجلته خلال أزمة «كوفيد - 19» الأولية. وفي حالة اليابان، انخفضت عائدات السندات لأجل 10 سنوات إلى 2.5 في المائة في عام 1997، ولم تعد ترتفع منذ ذلك الحين.
*معالجة الديون
ويقترح لي حلاً من 3 أجزاء لمعالجة الديون المحلية في الصين، والتي بلغت 88 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهي أعلى كثيراً من التقديرات السابقة لصندوق النقد الدولي. (وفي أسوأ سيناريو له، قدر لي أن الديون المحلية قد تصل إلى 14 تريليون دولار).
الحل الأول هو أن تتولى الحكومة المركزية بعض التزامات السلطات المحلية. وقد بدأت الحكومة المركزية بالفعل في التفكير في هذا الخيار في الأشهر الأخيرة، على الرغم من أنها كانت تسعى فترة طويلة إلى الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات منخفضة نسبياً.
ثانياً، يقترح لي تمديد مدة الدين، وهو ما يُنَفَّذ بالفعل من خلال مجموعة متنوعة من برامج المقايضة، بعضها على المستوى المحلي، والبعض الآخر يشمل البنك المركزي.
أما الجزء الثالث، فهو الأكثر جذرية، ويتطلب تحولاً آيديولوجياً كبيراً، ويتمثل في بيع أصول الدولة، وهو ما كان أحد عناصر الحل النهائي لجبل الديون المتعثرة في اليابان في عهد رئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي، قبل الأزمة المالية العالمية.
ومع ذلك، فإن نظام شي جينبينغ يميل إلى رفع دور الدولة بدلاً من الخصخصة، لذلك يبدو من الصعب تصور أن يتبع سياسة مارغريت ثاتشر في الثمانينات، والتي ركزت على تقليص الديون، وتنشيط القطاع الخاص.
وكل هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم خطر حدوث ديناميكية في النظام المالي الصيني تعمل على الحد من إمكانات الاقتصاد في السنوات المقبلة.