«حرب غزة» تزيد «مجاهيل» الاقتصاد العالمي

عوامل جديدة «غير قابلة للقياس»... وباول يشير لـ«مخاطر مهمة»

لافتة شارع وول ستريت في حي مانهاتن حيث مقر بورصة نيويورك الأميركية (رويترز)
لافتة شارع وول ستريت في حي مانهاتن حيث مقر بورصة نيويورك الأميركية (رويترز)
TT

«حرب غزة» تزيد «مجاهيل» الاقتصاد العالمي

لافتة شارع وول ستريت في حي مانهاتن حيث مقر بورصة نيويورك الأميركية (رويترز)
لافتة شارع وول ستريت في حي مانهاتن حيث مقر بورصة نيويورك الأميركية (رويترز)

بعد أشهر من محاولة اللحاق بالتضخم الجامح، بدأ محافظو البنوك المركزية يعتقدون أنهم ربطوا أسعار الفائدة أخيراً عند المستوى المناسب تقريباً لكبح الأسعار دون خنق الاقتصاد بالكامل.

والآن، ولتعقيد الأمور بالنسبة لطبقة صانعي السياسات التي تفتخر بأنها تعتمد على البيانات، فإن الاضطرابات في الشرق الأوسط تلقي بمجموعة جديدة من المخاطر الحقيقية، ولكن غير القابلة للقياس، في معادلات قادة البنوك المركزية.

وقال هيو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، في مناسبة هذا الأسبوع: «الأمر لا يتعلق بالتحرك غير المحسوب، ولا يتعلق بالبحث العميق أو غير العميق. عليك أن تشكل نوعاً من التقييم لسعر النفط عند 150 دولاراً للبرميل»، مشيراً إلى أن ذلك هو أحد السيناريوهات إذا بدأت الأعمال العدائية بين إسرائيل و«حماس» في التصاعد.

والقفزة الكبيرة في تكاليف الطاقة هي مجرد إحدى الدلائل التي يمكن أن يظهر بها تأثير الصراع؛ لأنه يلوح في الأفق بين السحب التي أقر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول يوم الخميس بأنها «تشكل مخاطر كبيرة» على الاقتصاد العالمي.

وفي حين أن أي تأثير قد يكون طفيفاً مقارنة بالمآسي الإنسانية في منطقة الصراع نفسها، فإنه سيكون خبراً سيئاً بالنسبة للاقتصاد العالمي الضعيف الذي بدأ بالفعل «يعرج» على حد تعبير صندوق النقد الدولي.

وما لم تتغير الصورة بشكل كبير في الأيام المقبلة، فمن المتوقع بالفعل أن يبقي البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا وبنك اليابان على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماعات خلال الأسبوعين المقبلين.

ويرى كل من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي فرصة لترويض التضخم دون التسبب في ركود صريح من خلال إبقاء أسعار الفائدة عند المستويات الحالية لعدة أشهر؛ وهي مناورة قد تقنع الأسواق الآن بتأجيل الرهانات على تخفيضات أسعار الفائدة الأولى حتى منتصف عام 2024 وما بعده.

ولم تتغير هذه الحسابات حتى الآن، بارتفاع أسعار العقود الآجلة للنفط بنسبة 10 بالمائة إلى نحو 94 دولاراً منذ بداية اشتعال الأوضاع في غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو مكسب يضيف عُشر نقطة مئوية إلى المقياس «الأساسي» للتضخم الذي يراقبه محافظو البنوك المركزية.

وأوروبا معرّضة للخطر لأنها، على النقيض من الولايات المتحدة، لا تملك إنتاجاً محلياً كبيراً من النفط. ومن شأن ارتفاع أسعار الغاز أن يؤدي أيضاً إلى التضخم، على الرغم من أن لديها الكثير من الغاز في المخزون، في الوقت الحالي على الأقل.

وقال يانيس ستورناراس، محافظ البنك المركزي اليوناني، إن أوروبا تمكنت على نطاق واسع من استيعاب آثار ارتفاع تكاليف الطاقة الناجمة عن الحرب الأوكرانية، وأعرب عن أمله في أن تتمكن من فعل الشيء نفسه إذا ظهرت المزيد من الصدمات.

وقال لـ«رويترز»: «سيعتمد الأمر على المدة، وسيعتمد على ما إذا كان سيتم تمديد الصراع أم أنه سيكون محلياً»، مضيفاً أنه كقاعدة عامة، تؤدي الصراعات إلى زيادة التضخم بينما تضعف النشاط الاقتصادي العام.

وتشمل الأمور المجهولة الأخرى كيف يؤثر عدم اليقين في معنويات المستهلكين والمستثمرين، وكيف يؤثر في عقليات الشركات والعاملين في تحديد الأجور في المستقبل.

وقال تيتسويا هيروشيما، وهو مسؤول ببنك اليابان: «عندما تكون حالة عدم اليقين مرتفعة للغاية، فمن الصعب أن نقول كيف ستسير محادثات الأجور في العام المقبل». وقال في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع إن «الكثير من الشركات الآن في مرحلة تريد فيها قياس توقعات الأرباح بعناية»، في إشارة إلى موقفها في مفاوضات الأجور المقبلة.

وفي أوروبا، أثار وزراء الهجرة في الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع مخاوف من احتمال تفاقم الصراع بين إسرائيل و«حماس» على أراضيها، وقال محللون إن قطاعي السفر والسياحة سيكونان من بين القطاعات الأولى التي تشهد تباطؤاً إذا زادت المخاوف من امتداد الصراع.

وفي الوقت الحالي، لا يزال الصراع محصوراً إلى حد كبير في إسرائيل وغزة، وهو ما قالت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتلجنس» في دراسة لها هذا الأسبوع إنه بالفعل «يعكر صفو المياه» بالنسبة للبنوك المركزية.

وعلى حد تعبير جيروم باول: «إن دورنا المؤسسي في بنك الاحتياطي الفيدرالي هو مراقبة هذه التطورات بحثاً عن آثارها الاقتصادية، والتي تظل غير مؤكدة إلى حد كبير».


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
الاقتصاد عامل في مصنع «رافو» الذي يزوِّد وزارة الدفاع الفرنسية وشركات الطيران المدني الكبرى بالمعدات (رويترز)

فرنسا تقترح يوم عمل مجانياً سنوياً لتمويل الموازنة المثقلة بالديون

تواجه موازنة فرنسا الوطنية أزمة خانقة دفعت المشرعين إلى اقتراح قانون يُلزم الفرنسيين العمل 7 ساعات إضافية كل عام دون أجر، وهي ما تعادل يوم عمل كاملاً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الاقتصاد جانب من توقيع الاتفاقية في تونس (الصندوق)

تمويل كويتي بـ32 مليون دولار لتطوير الخطوط الحديدية لنقل الفوسفات في تونس

وقَّع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الخميس، اتفاقية قرض مع حكومة الجمهورية التونسية بمبلغ 10 ملايين دينار كويتي (32 مليون دولار).

«الشرق الأوسط» (تونس)
الاقتصاد البنك المركزي التركي

«المركزي التركي» يثبّت سعر الفائدة عند 50 % للشهر الثامن

أبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة عند 50 في المائة دون تغيير، للشهر الثامن، مدفوعاً بعدم ظهور مؤشرات على تراجع قوي في الاتجاه الأساسي للتضخم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد أشخاص يعبرون الطريق في شينجوكو، طوكيو (رويترز)

اليابان تخطط لإنفاق 90 مليار دولار في حزمة تحفيزية جديدة

تفكر اليابان في إنفاق 13.9 تريليون ين (89.7 مليار دولار) من حسابها العام لتمويل حزمة تحفيزية جديدة تهدف إلى التخفيف من تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
TT

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)
جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، إن المنظمة ستُشارك بقوة خلال فعاليات مؤتمر الأطراف «كوب 16» لمواجهة التصحر، الذي ينعقد في السعودية مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه يتوقع خروج المؤتمر -وهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة الشرق الأوسط- بمخرجات مهمة.

تعليقات الواعر جاءت على هامش لقاء «مائدة مستديرة»، أعده المكتب الإقليمي لـ«فاو» في مقره بالعاصمة المصرية، القاهرة، بحضور ممثلين محدودين لوسائل إعلام مختارة، وذلك لشرح شكل مشاركة المنظمة في المؤتمر المقبل، وتأكيد أهمية ما يُعرف باسم «ثالوث ريو» (Rio trio)، وهي الاتفاقية التي تربط مؤتمرات الأطراف الثلاثة لحماية الأرض التابعة للأمم المتحدة في مجالات تغيُّر المناخ، وحماية التنوع البيئي، ومكافحة التصحر.

وقالت فداء حداد، مسؤول برامج إعادة تأهيل الأراضي والتغيُّر المناخي في منظمة الفاو، إن اتفاقيات الأطراف الثلاثة غاية في الأهمية والتكامل، وإن المؤتمر المقبل في السعودية سيركز على الأراضي والمياه، وإعادة تأهيلهما والإدارة المستدامة لهما.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وأشارت فداء حداد إلى أن نحو 90 بالمائة من منطقة الشرق الأوسط تعاني الجفاف، إلا أنه على الرغم من ذلك، تمكَّنت المجتمعات المحلية والحكومات العربية في كثير منها في اتخاذ إجراءات لمواجهة الجفاف والتصحر.

وكشفت فداء حداد أن «فاو» نجحت للمرة الأولى في وضع موضوع النظم الغذائية على أجندة اجتماعات مؤتمر الأطراف لمواجهة التصحر، الذي يعقد في السعودية، لتتم مناقشة أهمية إعادة تأهيل الأراضي في تحسين السلاسل الغذائية وأنظمتها.

من جانبه، أوضح الواعر أن «فاو» لديها دور كبير في تحقيق الهدف الثاني الأممي من أهداف التنمية المستدامة، وهو القضاء على الجوع، ومن ثم فهي تشارك بقوة وفاعلية في مؤتمرات الأطراف لمواجهة تغيُّر المناخ والتصحر وحماية التنوع، التي تخدم ذات الهدف.

وأكد الواعر أن المنظمة تحاول إبراز دور الغذاء والزراعة وتحول النظم، بحيث تكون أكثر شمولاً وكفاءة واستدامة، من أجل تحقيق إنتاج وتغذية أفضل لحياة أفضل، مشيراً إلى نجاح المنظمة في إدخال هذه الرؤية إلى أجندة الاتفاقيات الثلاث التي تهدف لحماية الأرض، والإسهام مع عدد من الدول المستضيفة في بعض المبادرات.

جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

وأضاف المسؤول الأممي أن هناك تواصلاً كبيراً مع السعودية لدعم بعض المبادرات خلال استضافتها «كوب 16»، خصوصاً أن هذه الاستضافة تعد مهمة جدّاً من أجل دول المنطقة، كونها الأكثر معاناة فيما يتعلق بندرة المياه والجفاف والتصحر، إلى جانب مشكلات الغذاء والزراعة وغيرهما... ولذا فإن أمام هذه الدول فرصة لعرض الأزمة وأبعادها والبحث عن حلول لها، وإدراجها على لوائح المناقشات، ليس في الدورة الحالية فقط؛ ولكن بشكل دائم في مؤتمرات «كوب» التالية.

وأكد المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، أن العالم حالياً أكثر انتباهاً واهتماماً بمشكلة التصحر، لكونها بدأت في غزو مناطق لم يسبق لها أن شهدتها في تاريخها أو تصورت أن تشهدها، على غرار جنوب أوروبا أو مناطق في أميركا اللاتينية مثلاً، وهذه الدول والمناطق بدأت تلاحظ زحف التصحر وانحسار الأراضي الزراعية أو الغابات بشكل مقلق، ومن ثم بدأت النظر إلى المنطقة العربية تحديداً لتعلُّم الدروس في كيفية النجاة من هذه الأزمة عبر قرون طويلة.

وأفاد الواعر بأن «فاو» ستشارك في «كوب 16» بجناحين، أحدهما في المنطقة الزرقاء والآخر في المنطقة الخضراء، وذلك حتى يتسنى للمنظمة التواصل مع الحكومات، وكذلك الأفراد من المجتمع المدني ورواد المؤتمر.

كما أوضح أن «فاو»، بالاتفاق مع السعودية والأمم المتحدة، ستقوم بقيادة التنسيق في يومي «الغذاء» و«الحوكمة» يومي 5 و6 ديسمبر، إضافة إلى مشاركتها القوية في كل الأيام المتخصصة الباقية خلال فعاليات «كوب 16» لمكافحة التصحر.

الدكتور عبد الحكيم الواعر المدير العام المساعد لمنظمة فاو يتوسط لقاء «مائدة مستديرة» مع خبراء وصحافيين في مقر المنظمة بالقاهرة (الشرق الأوسط)

وحول أبرز الموضوعات والمحاور التي جرى إدراجها للنقاش في أروقة «كوب 16» بالرياض، أوضح الواعر أن من بينها «الاستصلاح والإدارة المستدامة للأراضي» في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، والتي تعد مسألة مهمة وأساسية في محاولة استرجاع وإعادة تأهيل الأراضي المضارة نتيجة التصحر، خصوصاً من خلال المبادرات المتعلقة بزيادة رقعة الغابات والمناطق الشجرية، على غرار المبادرات السعودية الخضراء التي تشمل خطة طموحاً لمحاولة زراعة 50 مليار شجرة بالمنطقة العربية.