مخاوف جدّية من «تقاعد» ملف لبنان لدى صندوق النقد

البعثة استنتجت الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ القرارات

ميقاتي مجتمعاً مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس البعثة ارنستو ريغا (إكس)
ميقاتي مجتمعاً مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس البعثة ارنستو ريغا (إكس)
TT

مخاوف جدّية من «تقاعد» ملف لبنان لدى صندوق النقد

ميقاتي مجتمعاً مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس البعثة ارنستو ريغا (إكس)
ميقاتي مجتمعاً مع بعثة صندوق النقد الدولي برئاسة رئيس البعثة ارنستو ريغا (إكس)

​باختصار يعكس حصيلة الخيبة التي انتهت إليها المهمة الاستطلاعية لبعثة صندوق النقد الدولي في ختام جولتها في بيروت، جزمت بأن «لبنان لم يقم باتخاذ الإصلاحات الضرورية بسرعة، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات قادمة. وذلك بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة».

ورأت في بيان لها أن عدم إطلاق الإصلاحات المنشودة يترك لبنان في وضع ضعيف مع القطاع المصرفي، وخدمات عامة غير كافية، وبنية تحتية متدهورة، وتفاقم في ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع أكبر لفجوة الدخل. بينما ما زال التضخم في الأعداد ثلاثية الأرقام، مما يضغط بشكل إضافي على الدخل الحقيقي، واستمرار انخفاض احتياطي العملات الأجنبية في النصف الأول من العام، بما في ذلك بسبب تمويل مصرف لبنان لعمليات شبه مالية والعجز الكبير في الميزان التجاري.

وإذ أكدت وجوب توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق، مما سيساعد على القضاء على فرص التحكم في الأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة، نوهت بالقرارات الأخيرة التي اتخذها الحاكمية الجديدة للبنك المركزي بوصفها خطوات في الاتجاه الصحيح، لا سيما التخلص تدريجياً من منصة «صيرفة»، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وزيادة الشفافية المالية.

لكن أشارت أيضاً إلى وجوب دعم هذه الخطوات مؤقتاً من خلال قانون القيود على الرساميل والسحوبات (كابيتال كونترول)، وتكملتها بإجراءات سياسية من الحكومة والبرلمان لمعالجة مشكلات القطاع المالي من خلال الاعتراف بالخسائر وتقديم خطوات هيكلية للبنوك.

ولاحظت أن الحكومة تحتاج إلى تنفيذ استراتيجية مالية منسجمة لاستعادة استدانة مستدامة وإيجاد مساحة للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية. في حين أن ميزانية عام 2024 المقترحة يجب أن تضمن أنها متسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأت بها حاكمية «المركزي». كما يجب تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين.

ولم تُفاجَأ بعثة الصندوق برئاسة ارنستو راميراز في اجتماعاتها التي شملت كبار المسؤولين في الدولة والبنك المركزي والقطاع الخاص ومجموعة من الخبراء، بوقائع الإخلال المحقّق في انسياب التعهدات الرئاسية والحكومية في دفع الإصلاحات المطلوبة ضمن المهل المحددة. كما لم تتردّد في الإفصاح عن استنتاجات فورية تشي بأن الجانب اللبناني غير جاهز في المدى المنظور، لبلوغ استحقاق الاتفاق النهائي والمبنيّ على مندرجات الاتفاق الأولي الذي تم إبرامه في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي على مستوى فريقَي العمل، والمعزّز ببرنامج تمويلي يبلغ 3 مليارات دولار موزّع على أربع سنوات.

لكن ما بدا مدهشاً للفريق الدولي، يكمن، حسب المصادر، في اتساع رقعة التباينات وترتيب الأولويات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أساساً، والتنافس في تقديم شهادات «التبرؤ» من التقصير من المسؤولين المعنيين في كل سلطة على حدة ليس فيما يخص الإصلاحات المنشودة فقط، إنما بشأن المقاربات الخاصة بتصويب الانحرافات المالية وتوزُّع المسؤوليات عن الفجوة المشهودة في ميزانية البنك المركزي، وكيفية توزيع الأحمال على رباعي الدولة والسلطة النقدية والجهاز المصرفي والمودعين.

ميقاتي مستقبلاً المدير الإقليمي للبنك الدولي في الشرق الأوسط جان كريستوف كاريه بحضور الوزير السابق نقولا نحاس (إكس)

وثمة خشية متصاعدة في أوساط القطاع المالي، من الإمعان في «الشطارة» المشهودة محلياً في تقديم تبريرات «غير» مقنعة لتأخير الموجبات الإصلاحية، وبحيث تلقى التعهدات القائمة مع فريق الصندوق مصير الالتزامات الحكومية السابقة في مؤتمر «سيدر» في ربيع عام 2018، أي قبل انفجار الأزمات، لقاء وعود جدية من المجتمع الدولي بضخ منح مالية وقروض يصل مجموعها إلى نحو 11 مليار دولار.

وبذلك، يتخوّف مسؤولون ماليون ومصرفيون يتابعون الملف من سياسة الإمعان في شراء الوقت على حساب تعاظم الفجوة المالية إلى ما يتعدى 75 مليار دولار حالياً واستمرار انحدار الناتج المحلي إلى ما دون 20 مليار دولار من مستواه الأعلى البالغ نحو 53 مليار دولار إبّان انعقاد مؤتمر «سيدر».

بل يُخشى، على سبيل التشبيه، أن يصل راميراز نفسه إلى سن «التقاعد» قبل تحقيق أي تقدم في ملفه اللبناني، وعلى المنوال عينه الذي اختبره المنسق الفرنسي لمؤتمر المانحين السفير بيار دوكان، الذي لم يَفُتْه التأكيد، في ختام مسيرته الوظيفية، أهمية توقيع لبنان الاتفاق مع صندوق النقد كونه يمثل المدخل الوحيد لحصول لبنان على مساعدات دولية.

لجنة المال

وأظهرت مداخلة لافتة لرئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان عقب لقائه ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، مع راميراز ومعاونيه، جانباً من التباينات بين السلطات المعنية في تصنيف الأولويات، حيث أكد أنّ اللقاء شهد مصارحة كاملة، و«عرضنا كل شيء، لا سيما المسألة المركزية التي يتهرب منها الجميع وتُعنى بالودائع» في البنوك، وأنه «يجب وضع حلول لمسألة الودائع، وعملية بيع المواقف للمجتمع الدولي لكسب رضاه ليست عملنا».

ويتوافق أغلب شروط الصندوق مع لائحة الموجبات التي سلّمتها القيادة الجديدة للبنك المركزي برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، للحكومة ولجنة الإدارة والعدل النيابية، وفي مقدمها تشريعياً إقرار خطة التعافي، ومشروعي قانونين لإعادة هيكلة المصارف، ووضع ضوابط استثنائية على التحويلات والرساميل (كابيتال كونترول)، بالإضافة إلى إجراءات تنفيذية تسهم في تحسين سوق صرف الليرة، بدءاً من الإطلاق المرتقب لمنصة «بلومبرغ» للمبادلات النقدية، ثم إقرار تعديلات على قانون مهنة الصرافة، ووصولاً إلى تطبيق أسس التعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية والنقدية.

ومع تثبّت البعثة، وفقاً للمصادر، من استمرار بطء الاستجابة اللبنانية لهذه الحزمة من الشروط المتروكة في عهدة السلطات المعنية، فهي أبدت ارتياحها النسبي للإشارات الواعدة ومتابعتها اللاحقة للمسار التشريعي المُفضي إلى بدء رحلة إعادة انتظام المالية العامة، ربطاً بانتهاء الحكومة من الإقرار المبكر لمشروع قانون موازنة العام المقبل وإحالته إلى المجلس النيابي، مقروناً بتطلعات العودة إلى مظلة تشريع الإنفاق والواردات وبعض الإصلاحات الضريبية المرفقة في موعدها الدستوري خلال العقد الخريفي للمجلس النيابي.


مقالات ذات صلة

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية» وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس لإقرار اقتراحات قوانين تكتسب صفة «تشريع الضرورة» أبرزها قانون التمديد مرّة ثانية لقائد الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي تصاعد السحب الدخانية نتيجة القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت (رويترز) play-circle 00:25

الجيش الإسرائيلي: قصفنا 25 هدفاً للمجلس التنفيذي ﻟ«حزب الله» خلال ساعة واحدة

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين)، إن قواته الجوية نفذت خلال الساعة الماضية ضربات على ما يقرب من 25 هدفاً تابعاً للمجلس التنفيذي لجماعة «حزب الله» في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من خدمة الإسعاف الإسرائيلية في موقع إصابة شخص في نهاريا بشظايا صواريخ أطلقت من لبنان (نجمة داود الحمراء عبر منصة «إكس»)

إصابة شخص في إسرائيل بعد إطلاق 20 صاروخاً من لبنان

أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية، الإثنين، إصابة شخص بعد إطلاق 20 صاروخا من لبنان نحو مناطق الجليل الأعلى والغربي

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي كرة لهب ودخان تظهر في الضاحية الجنوبية لبيروت نتيجة غارات إسرائيلية (أ.ف.ب)

وزير التعليم اللبناني يعلن تعليق الدراسة الحضورية بالمدارس غداً في بيروت

أعلن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني عباس الحلبي تعليق الدراسة حضورياً في المدارس والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
TT

سندات لبنان السيادية ترتفع لأعلى مستوى في عامين وسط آمال بوقف إطلاق النار

رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)
رجل يعدُّ أوراق الدولار الأميركي بمحل صرافة في بيروت (رويترز)

ارتفعت سندات لبنان السيادية المقوَّمة بالدولار إلى أعلى مستوياتها منذ عامين، يوم الثلاثاء؛ حيث راهن المستثمرون على أن الهدنة المحتملة مع إسرائيل قد تفتح آفاقاً جديدة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد.

وعلى الرغم من أن هذه السندات لا تزال تتداول بأقل من 10 سنتات للدولار، فإنها حققت مكاسب تتجاوز 3 في المائة هذا الأسبوع. وكان سعر استحقاق عام 2031 قد وصل إلى 9.3 سنت للدولار، وهو أعلى مستوى منذ مايو (أيار) 2022، وفق «رويترز».

وفي هذا السياق، أشار برونو جيناري، استراتيجي الأسواق الناشئة في شركة «كيه إن جي» للأوراق المالية الدولية، إلى أن «بعض المستثمرين يتساءلون ما إذا كان الوقت مناسباً للشراء؛ حيث تُعدُّ الهدنة الخطوة الأولى اللازمة لإعادة هيكلة السندات في المستقبل».

ورغم استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية على لبنان يوم الثلاثاء، والتي أسفرت عن تدمير البنية التحتية وقتل الآلاف، فإن هذا الارتفاع غير المتوقع في قيمة السندات يعد بمثابة انعكاس للرغبة في إعادة تنشيط النظام السياسي المنقسم في لبنان، وإحياء الجهود لإنقاذ البلاد من أزمة التخلف عن السداد.