بين «ليمان براذرز» و«كريدي سويس»: 15 عاماً من التحولات في القطاع المصرفي

شعار مصرف «ليمان براذرز» في مقره بنيويورك في صورة من عام 2008 (أ.ف.ب)
شعار مصرف «ليمان براذرز» في مقره بنيويورك في صورة من عام 2008 (أ.ف.ب)
TT

بين «ليمان براذرز» و«كريدي سويس»: 15 عاماً من التحولات في القطاع المصرفي

شعار مصرف «ليمان براذرز» في مقره بنيويورك في صورة من عام 2008 (أ.ف.ب)
شعار مصرف «ليمان براذرز» في مقره بنيويورك في صورة من عام 2008 (أ.ف.ب)

تحلّ هذا الأسبوع الذكرى السنوية الخامسة عشرة لانهيار مصرف «ليمان براذرز» الاستثماري الأميركي على خلفية أزمة الرهون العقارية، الذي كان مسبّباً أساسياً للأزمة المالية العالمية في 2008 التي ما زالت محطاتها تطارد من عايشها عن قرب.

لقد عرف القطاع المصرفي تغيرات جذرية وتحولات كبيرة، لا سيما خلال الفترة التي شهدت انهيار «ليمان براذرز» عام 2008 وصولاً إلى الاستحواذ على «كريدي سويس السويسري» عام 2023 لتفادي انهياره. فكانت الأعوام الماضية حافلة بموجة من الاستحواذات وتشديد القيود الإجرائية على المصارف من أجل تفادي الحاجة إلى تدخّل الحكومات لإنقاذ المؤسسات المالية المتعثّرة والامتناع عن تغطية خسائرها باستخدام أموال دافعي الضرائب.

وبالعودة إلى عام 2008، كانت أزمة «ليمان براذرز» نقطة تحول هامة في القطاع المصرفي العالمي، عكست الانهيار والأزمة والفساد فيه. إذ لم يكن يتوقع أحد أن يصبح الفصل الحادي عشر (القانون المطبّق لدى إشهار الإفلاس) نتيجة واقعية. لم يُقدم المصرف على أي تغيير في أنظمته حتى بعدما أجرت الهيئات الناظمة تعديلات واسعة على القواعد المرعية في 2008 لتحسين الشفافية.

وبين عشية وضحاها تغير كل شيء، وبعدما ساد الاعتقاد بأنه سيتم الاستحواذ على «ليمان براذرز» من قبل مجموعة كبرى مثل «بنك أوف أميركا» أو مصرف «باركليز» البريطاني، تبيَّن لاحقاً أن شركة «بي دبليو سي» هي التي ستدير عملية الإفلاس، فقامت بتوزيع منشورات في ردهة المصرف تدعو الموظفين إلى عدم إجراء أي عمليات. وما بين إشهار الإفلاس وارتكاب الجرم، تمّ توصيف ما حصل مع «ليمان براذرز» بـ«فشل مشروع تجاري»، بينما في الواقع لم تكن كذلك.

وفيما يلي استعراض لثلاثة عناوين رئيسية ميزت التحولات التي أثرت على القطاع المصرفي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية وفق وكالة الصحافة الفرنسية:

- التشدد (منذ عام 2008): أصبحت المصارف ملزمة باتخاذ العديد من الإجراءات وبذل جهود متعددة لضمان الحفاظ على متانتها خلال الأزمات، وذلك بضغط من الهيئات الناظمة في الولايات المتحدة وأوروبا. على سبيل المثال، كان لا بدّ على المصارف من الاحتفاظ بحد أدنى من رأس المال بنسبة أعلى من السابق، بهدف تغطية أي خسارة محتملة قد تتعرّض لها. بالإضافة إلى إبقائها على كميات كبيرة من الاحتياط النقدي والأصول القابلة للتسييل سريعاً للتمكن من تلبية الطلب في حال حصول أي إقبال مفاجئ من المودعين لسحب أموالهم.

وقد شكّل استحواذ مصرف «يو بي إس» السويسري في مارس (آذار) على منافسه «كريدي سويس» مقابل 3 مليارات فرنك، مثالاً على الدرس الذي تمّ استخلاصه من أزمة «ليمان براذرز»، ومفاده أن بعض المصارف بات أكبر من أن ينهار من دون أن يسبّب ذلك أزمة اقتصادية ومالية ضخمة. من هنا، كانت نصيحة الخبراء المكلفين من قبل وزارة المالية السويسرية، بتعزيز الأدوات التي تتيح إدارة أزمات كهذه، وزيادة الاحتياطات المالية لمؤسسات من هذا الحجم نظراً لأنها لم تكن كافية في حالة «كريدي سويس»، وعدم التعويل كل مرة على حل يسير يتيح تفادي كارثة.

الاستحواذ (في أعقاب انهيار ليمان براذرز):

بين سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) 2008، استحوذ «بنك أوف أميركا» على «ميريل لينش» مقابل 50 مليار دولار، ومصرف «لويدز» البريطاني على «هاليفاكس بنك أوف أسكتلند» مقابل 12.2 مليار، و«سانتاندير» الإسباني على الشبكة المصرفية لمجموعة «برادفورد أند بينغلي» البريطانية، و«بي إن بي باريبا» الفرنسي على «فورتيس» في بلجيكا ولوكسمبورغ مقابل 20.3 مليار دولار.

واعتبر المدير العام المنتدب لمصرف «كريدي أغريكول» والمدير العام السابق للخزانة الفرنسية لدى انهيار «ليمان براذرز»، كزافييه موسكا، أن الأزمة قامت بعملية تنظيف وقضت على اللاعبين الأكثر هشاشة، عادَّاً أن أوروبا استفادت من الانهيار المالي لعام 2008 بدرجة أقل من الولايات المتحدة، حيث كانت هذه الأزمة فرصة للحكومة الأميركية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي. من جهته، يرى مدير الاستثمارات لدى «أكسيوم»، دافيد بنامو، أن قطاع مصارف الأعمال تهيمن عليه حالياً المؤسسات الأميركية التي استفادت من بعض التباينات في القوانين للاستحواذ على حصص من السوق في أوروبا.

- الخشية: أعاد انهيار بعض المصارف الأميركية في الفصل الأول من عام 2023 وتعثّر مصرف «كريدي سويس»، إحياء المخاوف بشأن متانة القطاع المصرفي عالمياً. القصة بدأت مع إعفاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب المصارف الأميركية باستثناء الكبيرة منها، من ضرورة التقيد بالعديد من القواعد والقيود التي باتت نافذة بعد أزمة 2008، الأمر الذي تسبّب في نهاية المطاف باضطرابات 2023.

وعليه، كان اقتراح الهيئات الناظمة للقطاع المصرفي الأميركي في أواخر أغسطس (آب)، باتخاذ إجراءات لتعزيز متانة المؤسسات المتوسطة الحجم، مع الإشارة إلى أن المصارف الكبرى تخضع لأنظمة أكثر تشدداً مما كانت عليه في 2007-2008، وهي إن كانت بوضع أفضل اليوم، لكن ثمة عملاً إضافياً يجب القيام به، وفقاً لنائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نيويورك خلال الأزمة المالية العالمية، ويليام دادلي.

وعلى الرغم من المخاوف التي أثارها إفلاس مصرف «ليمان براذرز»، فإن أزمات العام الحالي، التي طالت مصرف «كريدي سويس» السويسري ومصارف أميركية تختلف اختلافاً جذرياً بسبب وجود مزيد من السياسات والمعرفة المستندة إلى تراكم الخبرات لدى الهيئات الناظمة والأسواق لإدارة ظروف مماثلة، مما كان الوضع عليه قبل 15 عاماً. وبحسب شهود عيان واكبوا أزمة «ليمان براذرز»، فإن الأزمات التي شهدها العام الحالي كانت أكثر وضوحاً، مقارنة بأزمة 2008 من حيث النطاق والتأثير.


مقالات ذات صلة

صناعة العملات المشفرة تدعو ترمب لتنفيذ إصلاحات فورية بمجرد توليه منصبه

الاقتصاد تمثيل لعملة «البتكوين» أمام صورة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (وكالة حماية البيئة)

صناعة العملات المشفرة تدعو ترمب لتنفيذ إصلاحات فورية بمجرد توليه منصبه

حثت صناعة العملات المشفرة فريق الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، على بدء تنفيذ الإصلاحات التي وعد بها في حملته الانتخابية بشأن السياسة المتعلقة بالتشفير.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد شعار شركة «الأهلي المالية» (الشرق الأوسط)

«موديز» ترفع التصنيف الائتماني لـ«الأهلي المالية» إلى «إيه2»

رفعت وكالة «موديز» العالمية التصنيف الائتماني لشركة «الأهلي المالية» عند «إيه 2» مع الحفاظ على نظرة مستقبلية مستقرة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد شرارات تضرب تمثيلاً للبتكوين في هذه الصورة التوضيحية (رويترز)

«البتكوين» تنخفض 5 % بعد تصريحات باول برفض «الفيدرالي» تخزينها

قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الأربعاء، إن البنك المركزي الأميركي يرغب في المشاركة بأي مسعى حكومي لتخزين كميات كبيرة من «البتكوين».

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)

قطاعا البنوك والطاقة يعززان السوق السعودية... ومؤشرها إلى مزيد من الارتفاع

أسهمت النتائج المالية الإيجابية والأرباح التي حققها قطاع البنوك وشركات عاملة بقطاع الطاقة في صعود مؤشر الأسهم السعودية وتحقيقه مكاسب مجزية.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد صورة رمزية تُظهر عملة الروبل أمام الكرملين (رويترز)

الطلب على السيولة يدفع البنوك الروسية إلى اقتناص مزاد «الريبو»

جمعت البنوك الروسية 850 مليار روبل (ما يعادل 8.58 مليار دولار)، في مزاد لإعادة الشراء (الريبو) لمدة شهر الذي عقده البنك المركزي، يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

«جيزوبا الصينية» تنفّذ أبراجاً سكنية جديدة ضمن مشروع العلياء في المدينة المنورة

صورة لمشروع العلياء السكني في المدينة المنورة (مدينة المعرفة الاقتصادية)
صورة لمشروع العلياء السكني في المدينة المنورة (مدينة المعرفة الاقتصادية)
TT

«جيزوبا الصينية» تنفّذ أبراجاً سكنية جديدة ضمن مشروع العلياء في المدينة المنورة

صورة لمشروع العلياء السكني في المدينة المنورة (مدينة المعرفة الاقتصادية)
صورة لمشروع العلياء السكني في المدينة المنورة (مدينة المعرفة الاقتصادية)

وقّعت شركة «مدينة المعرفة الاقتصادية» عقداً بقيمة 503 ملايين ريال (134 مليون دولار) مع «مجموعة جيزوبا الصينية» لتنفيذ 7 أبراج سكنية جديدة ضمن مشروع العلياء متعدد الاستخدامات بالمدينة المنورة، بمدة تنفيذ تصل إلى 30 شهراً. وقالت الشركة في بيان للسوق المالية السعودية (تداول)، الاثنين، إن مشروع العلياء أحد المشاريع المحورية بمدينة المعرفة الاقتصادية، ويؤسس لإنشاء بيئة حضارية حديثة ومترابطة في مجمع مغلق (كمباوند) متكامل الخدمات ويلبي احتياجات ساكنيه كافة ويحقق تطلعاتهم من حيث الخصوصية، والرفاهية، والسكينة والهدوء.

أحد الممرات في مشروع العلياء (مدينة المعرفة الاقتصادية)

وجرى تدشين مشروع العلياء السكني في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي. وتبلغ مساحته 270 ألف متر مربع لتشكل مدينة مصغرة متكاملة بتطوير معماري يجمع بين الحداثة والتاريخ والتراث، ويوفر المشروع حدائق وممرات مشاة وشوارع مخططة بعناية، بحسب البيان.

ويجمع المشروع بين السكن والعمل والترفيه، ويضم 2000 وحدة متنوعة، منها 1000 شقة، و430 شقة فندقية تديرها «حياة هاوس»، و430 شقة مخدومة تديرها «مدينة المعرفة الاقتصادية»، و70 فيلا.

ويشمل المشروع أيضاً مباني إدارية وتجارية وجامعاً وفندقاً بـ148 غرفة، ويمتد على مساحة مفتوحة تبلغ 70 ألف متر مربع، بالإضافة إلى حديقة مركزية بمساحة تتجاوز 40 ألف متر مربع.

نموذج للحدائق في مشروع العلياء (مدينة المعرفة الاقتصادية)

وأشارت شركة «مدينة المعرفة الاقتصادية» إلى أن توقيع العقد مع «مجموعة جيزوبا الصينية» نتيجة للاتفاقية الإطارية في يونيو (حزيران) 2023، وهي تابعة لإحدى أكبر الشركات الحكومية في الصين. ويجري حالياً تنفيذ 396 شقة سكنية بواسطة «شركة الخريجي للتجارة والمقاولات»، متاحة للبيع بنظام البيع على الخريطة تحت إشراف «هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة»، وفق البيان.