هل تنجح حملة «إزاحة الدولار» عن إدارة الاقتصاد العالمي؟

قمة «بريكس» في جوهانسبورغ تبحث تسريع استخدام العملات المحلية

صورة التقطت في 9 فبراير 2023 لعملة روبل روسية وأوراق نقدية بالدولار الأميركي في موسكو (أ.ف.ب)
صورة التقطت في 9 فبراير 2023 لعملة روبل روسية وأوراق نقدية بالدولار الأميركي في موسكو (أ.ف.ب)
TT

هل تنجح حملة «إزاحة الدولار» عن إدارة الاقتصاد العالمي؟

صورة التقطت في 9 فبراير 2023 لعملة روبل روسية وأوراق نقدية بالدولار الأميركي في موسكو (أ.ف.ب)
صورة التقطت في 9 فبراير 2023 لعملة روبل روسية وأوراق نقدية بالدولار الأميركي في موسكو (أ.ف.ب)

منذ عقود طويلة، يتربع الدولار الأميركي على عرش العملات العالمية حتى بات الاقتصاديون يطلقون عليه لقباً فاخراً، وهو «عملة الاحتياطي العالمي» كونه أهم وسيلة للتبادل التجاري العالمي والملاذ الآمن للاحتياطات الأجنبية للمؤسسات المالية والشركات في جميع أنحاء العالم.

بيد أن قوىً جيوسياسية عديدة تعمل منذ فترة على إضعاف المركز الأول للدولار في التسلسل الهرمي للعملات، وتقود حملة لـ«إلغاء الدولرة» (De-Dollarization) من أجل الحد من هيمنة العملة الخضراء على الاقتصاد العالمي. وهو دور يحتفظ به الدولار منذ أن حل محل الجنيه البريطاني كأكبر عملة احتياطية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية بفعل اتفاقية «بريتون وودز» التي حوّلته إلى عملة احتياطات دولية.

هذه الحملة تعززت بعد العقوبات الأميركية التي تم فرضها على روسيا رداً على حربها على أوكرانيا، وفي ظل التصعيد المستمر بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما دفع دولاً عدة إلى اتخاذ تدابير وخطوات تستهدف تقليل اعتمادها على الدولار. في وقت انتقدت بكين صراحة هيمنة الدولار ووصفته بأنه «المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي»، وألقت باللوم مباشرة على رفع سعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في التسبب في اضطرابات في السوق المالية الدولية وانخفاض كبير في قيمة العملات الأخرى.

في عام 2000، كان الدولار يمثل حوالي 73 في المائة من إجمالي احتياطات النقد الأجنبي العالمي، لكن هذه النسبة تقلصت اليوم إلى حوالي 59 في المائة. وعلى الرغم من أن الكثير من التجارة الدولية والعديد من المعاملات السلعية لا تزال تسوّى بالدولار، فإن دولاً كبيرة، بما فيها البرازيل والأرجنتين، أبرمت اتفاقيات ثنائية مع الصين لاستخدام عملة اليوان وعملاتها المحلية للتسوية التجارية.

قمة «بريكس»

ومن المتوقع على نطاق واسع أن تبحث قمة مجموعة «بريكس» في الرابع والعشرين من الشهر الحالي في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا، تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء في التكتل الذي يضم كلاً من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وذلك في محاولة للحد من هيمنة الدولار.

وقد أبلغ كبير دبلوماسيي جنوب أفريقيا والمسؤول عن العلاقات مع «بريكس»، أنيل سوكلال، «بلومبرغ» يوم الثلاثاء، أن قمة «بريكس» ستناقش تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء، مضيفاً أن مسألة «التداول بالعملات المحلية على جدول الأعمال بقوة». لكنه أوضح أنه «لا يوجد بند إزاحة الدولرة على جدول أعمال بريكس... بريكس لا تدعو إلى إلغاء الدولرة. سيظل الدولار عملة عالمية رئيسية - وهذه حقيقة واقعة».

وأضاف «إن المحادثات ستركز على قضايا، من بينها إنشاء نظام مدفوعات مشترك، في حين من المرجح تشكيل لجنة فنية لبدء النظر في عملة مشتركة محتملة».

ويكتسب تكتل «بريكس» أهمية في التعاملات التجارية العالمية باعتبار أن أعضاءه يمثلون أكثر من 42 في المائة من سكان العالم و23 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و18 في المائة من التجارة. وهذا يعني أن إنشاء أي عملة مشتركة قد يساهم بشكل كبير في تقويض سيطرة العملة الخضراء على الاقتصاد العالمي.

هل يمكن «إلغاء الدولار»؟

ينقسم الخبراء في الولايات المتحدة بشدة حول آفاق حملة «إلغاء الدولار» ومستقبل عملة «بريكس». فبينما تعتقد وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين أن الدولار سيظل مهميناً لأن معظم الدول ليس لديها بديل، يرى جوزيف سوليفان، الخبير الاقتصادي السابق في مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض خلال إدارة دونالد ترمب، أنّ العملة التي تبحث فيها «بريكس» قد تنهي هيمنة الدولار. فدول «بريكس»، بحسب سوليفان، يمكنها في البداية تمويل كامل فواتير الاستيراد الخاصة بهم بعملاتها. علماً أن هذه الدول قد حققت مثلاً في عام 2022 فائضاً تجارياً بقيمة 387 مليار دولار، يمكنها أن تسددها عندها بعملاتها الخاصة.

من جهتهما، يقول بريان ب. بروكس وتشارلز دبليو كالوميريس من مكتب مراقب العملة في الولايات المتحدة، في مقال رأي نشر منذ أيام في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، إن «السياسة الأميركية لم تعزز الثقة العالمية بالدولار... تجميد الأصول على حيازات الدولار في المصرف المركزي الروسي الذي فرض بعد غزو روسيا لأوكرانيا، في حين أنه مفهوم سياسياً، لكنه صدم المستثمرين ومحافظي المصارف المركزية، الذين أدركوا للمرة الأولى أن الدولار قد لا يكون المخزن الآمن للقيمة التي كان عليها من قبل». ويضيفان «إن عالماً منزوع الدولار من شأنه أن يضر بالولايات المتحدة. إذ تقلل وضعية احتياطي الدولار من تكاليف الاقتراض الأميركية، وهو أمر بالغ الأهمية في عصر وصل فيه الاقتراض والإنفاق الحكومي إلى مستوى قياسي ولا يزال يرتفع. كما أن وضعية الاحتياطي تحمي الحكومة الأميركية والمصارف وعامة الناس من مخاطر الصرف الأجنبي».

ليس هناك تحدٍ خطير في أي وقت قريب

وترى «مورغان ستانلي» أن التهديدات من إزاحة الدولار عن المشهد الاقتصادي العالمي مبالغ فيها، وإن كانت ترى في الوقت نفسه أن المنافسة المتزايدة من العملات الأخرى قد تؤدي إلى الإضرار بالطلب على الدولار الأميركي.

وترى «مورغان ستانلي» أنه من غير المرجح أن يواجه الدور الحالي للدولار الأميركي في الاقتصاد العالمي تحدياً خطيراً في أي وقت قريب، لأربعة أسباب رئيسية هي:

- يظل الدولار الأميركي «وسيط التبادل» المهيمن في العالم، أو وسيلة شراء وبيع السلع. في مارس (آذار)، على سبيل المثال، ذكرت جمعية الاتصالات المالية بين المصارف في جميع أنحاء العالم (سويفت) أن الدولار الأميركي كان العملة الأكثر استخداماً في نظام الدفع العالمي، وهو ما يمثل 41.7 في المائة من المدفوعات، يليه اليورو. وبالمقارنة، تم استخدام الرنمينبي الصيني في 2.4 في المائة من مدفوعات «سويفت»، على الرغم من أن الصين تمثل نسبة أكبر نسبياً من التجارة العالمية.

- يظل الدولار أيضاً «وحدة الحساب» الأساسية على مستوى العالم، مما يعني أنه بمثابة الطريقة القياسية التي يقيس بها الشركاء التجاريون القيمة السوقية للسلع والخدمات التي يتم تبادلها. وفقاً للاحتياطي الفيدرالي، من 1999 إلى 2019، شكّل الدولار الأميركي 96 في المائة من الفواتير التجارية في الأميركتين، و74 في المائة في منطقة آسيا والمحيط الهادي و79 في المائة في بقية العالم. وكان الاستثناء الوحيد في أوروبا، حيث اليورو هو العملة الأساسية للفواتير، نظراً للتداول المتكرر بين شركاء الاتحاد الأوروبي.

- يُنظر إلى الدولار الأميركي على نطاق واسع على أنه «مخزن للقيمة» أو ملاذ آمن. في جزء كبير منه بسبب هذا الاستقرار بالنسبة للعملات الأخرى، يمثل الدولار ما يقرب من 60 في المائة من الاحتياطات الأجنبية (أي العملات التي تحتفظ بها المصارف المركزية للمساعدة في إدارة النظام النقدي وسعر الصرف في بلادهم). وفي حين انخفضت حصة الدولار الأميركي من احتياطيات المصرف المركزي بمرور الوقت، إلا أنها لا تزال تقزّم أسهم جميع المنافسين. علاوة على ذلك، وفقاً لمعهد «بروكينغز»، فإن أكثر من 65 دولة تربط عملتها بالدولار الأميركي.

- لا يوجد حالياً بديل قابل للتطبيق. وقد نوقشت العملات الأخرى كمنافسين محتملين للدولار الأميركي، ولكن لا شيء يقترب من تشكيل تهديد موثوق به - على الأقل، ليس بعد - وفقاً لـ«مورغان ستانلي».

ومن حيث الترتيب، فإن اليورو هو ثاني أكبر عملة احتياطية في العالم، لكنه يمثل 21 في المائة من الاحتياطات الأجنبية مقابل ما يقرب من 60 في المائة للدولار. ووفقاً للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، فإن العوامل الرئيسية التي تحول دون استخدام اليورو على نطاق أوسع هي عدم كفاية الإمدادات من الأصول عالية الجودة المقوّمة باليورو، التي يمكن للمستثمرين الدوليين والمصارف المركزية استخدامها كمخزن للقيمة، بالإضافة إلى أنه لا توجد أصول «آمنة» مدعومة من الحكومة على مستوى منطقة اليورو.

وبالنسبة إلى «مورغان ستانلي»، فإن الرنمينبي الصيني يمثل جزءاً صغيراً جداً من احتياطات النقد الأجنبي، كما أن سيطرة صانعي السياسة الصينيين على سعر الصرف تجعل من غير المرجح أن تكتسب قوة دفع سريعة.

أما الذهب، فهو مكلف للتحرك، مما يجعله أقل من مثالي كوسيلة للتبادل أو وحدة الحساب.

وترى «مورغان» أن عملة «بريكس» لا تزال افتراضية للغاية، وأن دول «بريكس» قد تجد صعوبة في التنسيق عبر المصارف المركزية وقد تثبت في النهاية أنها غير مستعدة لتبادل اعتمادها على الدولار الأميركي بعملة متقلبة محتملة قد تكافح من أجل تحقيق تبنٍ أوسع.

وبالنظر إلى هذه الظروف، سيكون من الصعب الابتعاد عن النظام المتمحور حول الدولار. من الممكن تماماً أن تظهر عملات احتياطية رئيسية متعددة، استناداً إلى علاقات تجارية - على سبيل المثال، اليورو في أوروبا، والرنمينبي في آسيا والدولار الأميركي في الأميركتين - ولكن من المحتمل أن يستغرق الأمر عقوداً لتحل محل الأسبقية العالمية للدولار... تختم «مورغان ستانلي».


مقالات ذات صلة

الدولار يحقق أعلى مستوى في 4 أشهر

الاقتصاد تُفحص وتُطوى وتُعبأ أوراق الدولار خلال عملية الإنتاج بمكتب النقش والطباعة في واشنطن (رويترز)

الدولار يحقق أعلى مستوى في 4 أشهر

ارتفع الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر مقابل العملات الرئيسية يوم الثلاثاء، بينما واصلت عملة «بتكوين» تحقيق أرقام قياسية جديدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو - لندن)
الاقتصاد رجل يحمل ورقة نقدية جديدة بقيمة 100 يورو بخصائص أمنية جديدة في لاتفيا (رويترز)

اليورو يتراجع إلى أدنى مستوى في 4 أشهر ونصف

تراجع اليورو إلى أدنى مستوى له منذ أربعة أشهر ونصف أمام الدولار الأميركي، وسط قلق متزايد بشأن احتمال فرض الولايات المتحدة تعريفات جمركية جديدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد موظف يعدّ أوراق الدولار الأميركي في فرع البنك لدى هانوي بفيتنام (رويترز)

الدولار يرتفع قرب أعلى مستوياته في 4 أشهر بعد فوز ترمب

ارتفع الدولار الأميركي يوم الخميس، قرب أعلى مستوياته في أربعة أشهر، مسجلاً أكبر زيادة يومية له منذ عامين، بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد شاشات التلفزيون في قاعة بورصة نيويورك تعرض الأخبار في 6 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

فوز ترمب يعيد رسم خريطة الأسواق

ارتفعت مؤشرات «وول ستريت» الرئيسية إلى مستويات قياسية جديدة يوم الأربعاء، بعد فوز الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد دونالد ترمب خلال تجمع في هيندرسون بنيفادا يوم 31 أكتوبر 2024 (رويترز)

«ترمب» يدفع بالدولار لأكبر قفزة في يوم واحد منذ 2016

دفع التأكيد السريع على فوز دونالد ترمب برئاسة الولايات المتحدة بالدولار نحو الصعود الحاد، وضغط على اليورو؛ إذ يراهن المستثمرون على تداعيات سياسات ترمب التجارية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

كانت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو مصدر قلق لبعض الوقت، ولكن منذ فوز ترمب بالرئاسة ساء الوضع بشكل كبير، مع ازدياد المخاوف بشأن الآثار السلبية المحتملة لسياساته الاقتصادية في الأمد القريب.

ومع ازدياد الغموض حول سياساته المقبلة في مجالات التجارة وتغير المناخ، يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ النمو في أوروبا. فاندلاع حرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا قد يوجِّه ضربة قوية إلى قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والأدوية والآلات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

إضافةً إلى ذلك، فإن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في ظل الشكوك حول الضمانات الأميركية لأمن أوروبا ستزيد الضغط على الموازنات الوطنية وتفاقم العجز المالي.

كما أن موقف الرئيس المنتخب الأكثر تصادمية تجاه الصين قد يضع أوروبا أمام خيار صعب بين الانحياز لأحد الجانبين ومواجهة عواقب اقتصادية.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك «آي إن جي» الهولندي، كارستن بريزسكي: «أسوأ كابوس اقتصادي لأوروبا أصبح حقيقة»، محذراً من أن هذه التطورات قد تدفع منطقة اليورو نحو «ركود كامل» العام المقبل.

وتتعاظم الضغوط على ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، في ظل التوترات السياسية الداخلية، مما يجعل من هذه الضربة الاقتصادية تحدياً كبيراً في توقيت غير مناسب.

أعلام ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي أمام مقر المستشارية في برلين (رويترز)

ألمانيا تحت ضغط مزدوج

وفي اليوم الذي أُعلن فيه فوز ترمب، أقدم المستشار الألماني أولاف شولتس، على حل حكومته الائتلافية، بسبب خلافات حادة حول أولويات الإنفاق والعجز. في وقت تواجه ألمانيا، التي تعاني بالفعل من ركود للسنة الثانية على التوالي، تحديات اقتصادية متفاقمة مع إدارة ترمب المقبلة. فقد تأثر اقتصادها بشدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى توقف تدفق الغاز الروسي الرخيص، وهو عنصر أساسي في نجاح الصناعة الألمانية.

واجهت ألمانيا ضغوطاً على جبهتين. فقد أعلنت شركة «فولكسفاغن»، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا وأكبر جهة توظيف في ألمانيا، أنها قد تضطر إلى إغلاق بعض مصانعها وتسريح العمال. كما أن المنافسة المتزايدة من السيارات الكهربائية الصينية بدأت تؤثر في مبيعات القطاع في أوروبا والخارج.

ويشعر الزعماء الأوروبيون بضغط الاختيار بين التعامل مع الصين ومواجهتها. ففي الشهر الماضي، صوّتت الحكومة الألمانية ضد خطة الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 45 في المائة على السيارات الكهربائية الصينية، بينما امتنعت دول أخرى، مثل إسبانيا، عن التصويت. ورغم ذلك، تم تمرير الخطة.

وستعقّد التعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وأوروبا، الوضع، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادرات السيارات الألمانية، التي شكلت نحو 13 في المائة من إجمالي 3.1 مليون سيارة صدَّرتها ألمانيا في عام 2023.

وقد يُعد تصريح ترمب خلال حملته الانتخابية عن فرض «ثمن باهظ» على الاتحاد الأوروبي لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية، إلى جانب تهديده بفرض تعريفات جمركية شاملة تتراوح بين 10 و20 في المائة، نقطة انطلاق محورية للمفاوضات المستقبلية. ومع ذلك، حتى المحللون الذين يتوقعون أن يتبنى ترمب خطوات أكثر تحفظاً، يشيرون إلى أن فرض الرسوم الجمركية المستهدفة على صناعة السيارات يعد أمراً محتملاً بشكل كبير.

وقالت رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، هيلدغارد مولر، إن «الكثير من الأوروبيين لم يدركوا تماماً ما يعنيه الجمع بين الجيوسياسة والسياسة الاقتصادية».

سيارات مخصصة للتصدير تقف بمحطة بميناء «يانتاي» في مقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

التعريفات الجمركية تطول قطاعات أخرى

ستمتد التعريفات الأميركية لتشمل قطاعات أخرى مثل شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية التي تصنع دواء «أوزيمبيك»، إلى جانب مجالات الأغذية، والجبن، واللؤلؤ، والمواد الكيميائية، والمفاعلات النووية، والزجاج، والأحذية، وغيرها في 24 دولة.

وحذرت نائبة مدير «بزنس يوروب»، لويسا سانتوس، من أن التعريفات ستؤدي إلى زيادة التكاليف وإعاقة الاستثمار.

وقالت: «ما زلنا نأمل في مراجعة هذه التعريفات بسبب أهمية العلاقات الاقتصادية بيننا وبين الولايات المتحدة».

وفي عام 2022، بلغت قيمة الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الولايات المتحدة نحو 2.4 تريليون دولار، مما أسهم في خلق أكثر من 3.4 مليون وظيفة أميركية.

حالياً، يبلغ متوسط التعريفات الجمركية الأميركية على واردات الاتحاد الأوروبي نحو 3 إلى 4 في المائة.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تدفع الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى على الصين، وهي أحد وعود ترمب التجارية، الشركات الصينية إلى توسيع أسواقها خارج الولايات المتحدة، مما يزيد المنافسة مع المنتجين الأوروبيين في أسواقهم المحلية والدولية.

وقد يلجأ بعض الشركات الأوروبية إلى إنشاء أو توسيع منشآت الإنتاج في الولايات المتحدة، ولكن أي منشأة تعتمد على المواد المستوردة من الصين ستواجه ارتفاعاً في التكاليف.

قطاع الطاقة المتجددة في خطر

قالت «فيستاس»، وهي شركة دنماركية وتعد أكبر شركة لصناعة توربينات الرياح في العالم، إنها بدأت بالفعل في زيادة إنتاجها في مصنعين لها في الولايات المتحدة في ولاية كولورادو. وجاء أكثر من 40 في المائة من طلباتها من الأميركيتين في الأشهر الثلاثة التي انتهت في سبتمبر (أيلول).

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، هنريك أندرسن، في مكالمة مع محللي الصناعة الأسبوع الماضي: «لقد أصبح العالم مختلفاً من حيث التعريفات الجمركية». وأضاف أن «فيستاس» اضطرت بالفعل إلى التعامل مع التعريفات التي فُرضت خلال إدارة ترمب الأولى وإدارة بايدن، وقال: «لهذا السبب تحاول استبعاد مزيد ومزيد من الأحجام ومزيد من المكونات ذات الأصل الصيني عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة».

التعريفات الجمركية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها صناعة الرياح. فخلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بوقف مشاريع الرياح البحرية في «اليوم الأول».

وتعمل شركة «أورستد» الدنماركية -واحدة من كبرى الشركات العالمية في مجال الطاقة الريحية- على بناء مشروعي «ثورة الرياح» في نيو إنغلاند و«صن رايز ويند» في نيويورك.

وعبر الرئيس التنفيذي لشركة «أورستد»، مادس نيبر، عن أمله في أن تسهم الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لدعم مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على هذه المشاريع.

وأضاف: «إنها صناعة تُبنى من الصفر، وهي مدعومة بقوة من ولايات الشمال الشرقي، حيث البدائل لتوريد الطاقة، خصوصاً الطاقة الخضراء، صعبة».

كما قال ترمب إنه يريد وقف بعض مشاريع الطاقة الخضراء التي استفادت من حزمة السياسات الصناعية متعددة المليارات التي أقرها الكونغرس في عام 2022.

عرض عام لمزرعة الرياح البحرية «والني إكستينشن» التي تديرها شركة «أورستد» قبالة سواحل بلاكبول في بريطانيا (رويترز)

المستقبل الاقتصادي لأوروبا

كانت الحاجة إلى استجابة منسقة محور اجتماع الاتحاد الأوروبي في بودابست الأسبوع الماضي.

وقال رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماريو دراغي، الذي قدم تقريراً حول تنافسية أوروبا، إن «الشعور بالإلحاح أصبح أكبر من ذي قبل».

ودعا دراغي إلى زيادة الاستثمارات العامة السنوية بمقدار 900 مليار دولار لتمكين أوروبا من عكس ركودها الاقتصادي والتنافس بشكل أفضل مع الولايات المتحدة والصين.

والأهم الآن، كما قال، هو تكثيف الجهود لربط اقتصادات الاتحاد الأوروبي بسوق رأس مال موحد، وإصدار ديون مشتركة، وهي مقترحات أثارت خلافات.

وقالت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، في الاجتماع: «لا تسألوا ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من أجلكم؟ بل اسألوا ما الذي يجب أن تفعله أوروبا من أجل نفسها؟». وأضافت: «يجب على أوروبا إيجاد توازن. نحن نعرف ما يجب علينا فعله».

وفي نهاية الاجتماع، تبنى القادة إعلاناً يَعِدون فيه بتكثيف تنافسية أوروبا.

لكن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على تحويل هذه التصريحات إلى واقع، يبقى سؤالاً بلا إجابة نظراً إلى التفكك السياسي المتزايد داخل أوروبا وصعود الأحزاب اليمينية التي تشكك في منح بروكسل مزيداً من السلطة.