يُعدّ قطاع العقار من القطاعات الحيوية ذات التأثير الاستراتيجي على اقتصاد السعودية. فهذا القطاع، الذي هو أحد أهداف رؤية 2030، يشهد تحولاً كبيراً، مع حوافز جديدة لجذب المواطنين والأجانب. كما أنه يسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة بلغت 12.8 في المائة في الربع الأول من العام، وفق أرقام الهيئة العامة للعقار.
وعلى الرغم من الرفع المتتالي لأسعار الفائدة الأميركية التي بلغت مستويات قياسية في 22 عاماً بواقع 5.25 في المائة، وهو ما ألقى بظلاله على غالبية الأسواق في المنطقة وفي مقدمتها السوق العقارية، تشهد السوق العقارية في السعودية اليوم استقراراً عبّر عنه الرقم القياسي لأسعار العقارات الذي ارتفع بشكل طفيف في الربع الثاني لم تتعدَّ نسبته 0.8 في المائة على أساس سنوي.
يُرجع عضو هيئة المقيمين السعوديين الخبير العقاري المهندس أحمد الفقيه، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، الاستقرار الذي تشهده السوق العقارية إلى 4 عوامل يرى أنها جوهرية وأسهمت في استقرار الأسعار؛ وهي أولاً: الارتفاع القياسي والمستمر لأسعار الفائدة كنتيجة لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، وثانياً: تناقص عدد الصفقات العقارية، وثالثاً: تناقص عدد عقود التمويل السكني، ورابعاً: تغير مصفوفة الدعم السكني للمواطنين التي تعدّ أحد أهم الحلول التي توفرها وزارة الإسكان السعودية في سبيل تقديم المساعدة إلى المستفيد لكي يتمكن من توفير وحدة سكنية خاصة به.
ارتفاع مبيعات الفلل والشقق السكنية
ولفت الفقيه إلى أنه اتضح من الرصد وتحليل الصفقات العقارية ومراقبة السوق، أنه بدءاً من الربع الثاني من 2023، عادت عجلة المبيعات للفلل والشقق السكنية للصعود مرة أخرى. كما سجلت قيمة الصفقات في الأشهر الثلاثة الأخيرة (مايو / أيار، يونيو / حزيران، يوليو / تموز) ارتفاعاً عن العام السابق بنسبة 22 في المائة للفلل، حيث وصل مجموع قيمة الصفقات إلى 6.6 مليار ريال مقارنة بـ5.4 مليار في 2022، وبنسبة 11 في المائة للشقق السكنية بمجموع 730 مليون ريال مقارنة بـ657 مليوناً خلال الفترة من العام الماضي.
وأوضح أن ذلك يدل على تخطي السوق العقارية لآثار ارتفاع الفائدة والعوامل الأخرى، كما يعطي دلالة واضحة على وجود قوة شرائية مستقلة في السوق العقارية.
ووصف الفقيه تأثير الفائدة على أسعار العقار بأنه نفسي وأعطى للبعض انطباعاً بنزول الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، ما حدا بالبعض إلى تأجيل قرار الشراء ظناً منه أن الأسعار ستنخفض، إلا أن ذلك تسبب في ارتفاع أسعار بعض المنتجات السكنية.
ويرى الفقيه أن استمرار شح المعروض من العقارات السكنية، سيصعب من التكهن حول تراجع أسعار العقارات، لافتاً إلى أن «تراجع طلبات المشترين خلال الفترة الماضية انعكس بصورة سلبية على المطوّرين العقاريين وعلى أعداد المنتجات السكنية الجديدة، مما سيقود إلى تقليل المعروض ثم نشوء موجة شراء جديدة وكبيرة، شبيهة بالحالة التي حدثت في 2019، وبالتالي نجد أننا أمام ارتفاع كبير للأسعار».
وحول الحلول المناسبة لخفض تكلفة العقارات السكنية على المواطنين، اقترح الفقيه أن يتم توفير مخططات وأراضٍ سكنية للمطورين العقاريين بالشراكة مع وزارة الإسكان، وتشجيع المطورين عبر توفير تمويل مالي لهم وفق برنامج وطني محدد، بما يسهم في ضخ عدد كبير من الوحدات السكنية في السوق العقارية ورفع العرض ليتناسب مع حجم الطلب على الوحدات السكنية.
تنفيذ صفقات مليارية في الرياض والشرقية
من جانبه، قال المستشار والخبير العقاري العبودي بن عبد الله، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إن رفع أسعار الفائدة بشكل قياسي خلال الفترة الماضية لما يقارب 11 مرة، تسبب في ركود عام في أسعار العقار وتحولها من الارتفاع المستمر على مدى شهور كثيرة إلى الاستقرار النسبي، مشيراً إلى أن التقرير الأخير للهيئة العامة للإحصاء لمؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك خلال شهر يونيو 2023، أظهر ارتفاع مؤشر التضخم الشهري لأسعار العقار بمقدار 0.8 في المائة، وهي تعدّ زيادة منخفضة وتميل للاستقرار بعكس نتائج الفصول الماضية التي تصل فيها إلى 20 في المائة وتستمر الزيادة مع كل فصل.
وأضاف أن عدداً من المستثمرين في السوق العقارية السعودية استغلوا فترة الركود خلال العام الماضي، واشتروا مساحات كبيرة من الأراضي الخام، من أجل الاستفادة من فترة ركود الأسعار وإعادة تطويرها وضخها في السوق من جديد، لافتاً إلى أنه تم تنفيذ تلك الصفقات العقارية المليارية في منطقتي الرياض والشرقية.
وأشار بن عبد الله إلى أن أطراف المدن تأثرت بشكل أكبر وانخفض الطلب عليها خلال الفترة الماضية، كونها غير مهيأة للسكن في الفترة القريبة، وكانت تتأثر سابقاً وتنشط بالمضاربات العقارية.
ويتوقع الخبير العقاري أن يتجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في اجتماعه المقبل في سبتمبر (أيلول) المقبل، إلى تثبيت الفائدة في المرة المقبلة، مستدلاً على ذلك بتراجع مستويات التضخم واتجاهه نحو الانخفاض من 9 في المائة لما دون 4 في المائة، لافتاً إلى أن ذلك سينعكس على السوق العقارية ويدفعها نحو عودة الحركة والنشاط مرة أخرى، مع تحسن القدرة الشرائية للمستهلكين وظهور خيارات مناسبة ومتوافقة مع قدرتهم الشرائية.
وأشار العبودي إلى أن الأنظمة التي صدرت حديثاً لتنظيم السوق العقارية، ومنها الوساطة العقارية والمساهمات العقارية والسجل العقاري، سوف تسهم في تطوير السوق العقارية وتنعكس على أدائها خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أهدافها في رفع تصنيف المملكة العقاري مقابل التصنيفات العقارية العالمية، وكذلك تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي في القطاع.
ولفت إلى أن الرياض تستضيف في يناير (كانون الثاني) المقبل منتدى «مستقبل العقار» في نسخته الثانية. ويناقش قادة وصنّاع القرار العقاري الاستراتيجيات، والتشريعات والأنظمة العقارية، وما لها من تأثير كبير على حاضر ومستقبل الاستثمار العقاري المحلي والأجنبي، بالإضافة إلى الدور الذي تضطلع به الرقمنة في الارتقاء بالقطاع العقاري وفتح مجالات رحبة، استشرافاً لمستقبل زاهر لهذا القطاع الحيوي المهم.