الاقتصاد العالمي يترقب «قطعة البازل» الناقصة

الاهتمام ببيانات التضخم الأميركي يتجاوز مستقبل «الفائدة»

متسوقون في مدينة شيكاغو الأميركية بينما يترقب العالم بيانات التضخم يوم الخميس والتي قد تحدد صورة أوسع لشكل الاقتصاد العالمي (رويترز)
متسوقون في مدينة شيكاغو الأميركية بينما يترقب العالم بيانات التضخم يوم الخميس والتي قد تحدد صورة أوسع لشكل الاقتصاد العالمي (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي يترقب «قطعة البازل» الناقصة

متسوقون في مدينة شيكاغو الأميركية بينما يترقب العالم بيانات التضخم يوم الخميس والتي قد تحدد صورة أوسع لشكل الاقتصاد العالمي (رويترز)
متسوقون في مدينة شيكاغو الأميركية بينما يترقب العالم بيانات التضخم يوم الخميس والتي قد تحدد صورة أوسع لشكل الاقتصاد العالمي (رويترز)

منذ نحو أسبوع واحد فقط، كان الاقتصاد العالمي يترقب بيانات التضخم الأميركي من أجل إلقاء الضوء على مستقبل الفائدة الأميركية، لكن الوضع اختلف كثيراً اليوم؛ إذ ينتظر الجميع هذه البيانات من أجل الاطمئنان على مستقبل الاقتصاد العالمي برمته.

الاختلاف ينبع من توالي أحداث كبرى بعضها كان غير متوقع على الإطلاق؛ إذ بدأ الأسبوع بخفض مفاجئ من وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني الأميركي. ورغم تقليل المسؤولين الأميركيين من شأن الحدث وتنديدهم به في الوقت ذاته بناء على مؤشرات تدل على قوة الاقتصاد الأميركي، فإنه خلق قلقاً يصعب علاجه في الأوساط الاقتصادية العالمية.

وبعد أيام قليلة، فاجأت وكالة «موديز» الأسواق بخفض تصنيف 10 مصارف محلية أميركية. ورغم أن هذه المصارف لا تعد لاعبين كباراً على المستوى الدولي، فإن الواقعة نكأت جرحاً سعى العالم لنسيانه، حين انهارت مصارف محلية أميركية في وقت سابق العام الحالي وتعرّض «كريدي سويس»، وهو أحد أكبر المصارف السويسرية، لأزمة حادة أسفرت عن استحواذ منافسه «يو بي إس» عليه في صفقة لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن.

ومما زاد من حدة واقعة «موديز»، أنها أكدت وضع 6 مصارف أميركية أكبر حجماً قيد المراجعة لخفض محتمل للتصنيف، محذرة من تأثير ضعف الربحية ومخاطر التمويل في القطاع المصرفي بالبلاد.

الخطوة ارتدت سريعاً إلى الأسواق، التي شهدت عمليات بيع واسعة للأسهم الأميركية يوم الثلاثاء، وفقدان مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للمصارف 1.1 في المائة.

وفي الشأن المصرفي أيضاً، تعرضت مصارف عالمية، بينها «ويلز فارغو» و«بي إن بي باريبا»، لغرامات بلغت 549 مليون دولار من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، وذلك على خلفية استخدام الموظفين لتطبيقات على غرار «واتساب» و«سيغنال» في المحادثات الرسمية لتجنب رقابة الجهات التنظيمية، وهو ما يحول دون متابعة وتدقيق الجهات الرقابية لهذه المحادثات، ويهدد بخلل تنظيمي عنيف في عمل مؤسسات «وول ستريت».

وفي خبر منفصل يوم الثلاثاء، أشار تقرير لمصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى أن أرصدة بطاقات الائتمان الأميركية ارتفعت لأعلى مستوياتها على الإطلاق عند تريليون دولار في الربع الثاني من 2023، مع تزايد اعتماد الأميركيين على تلك البطاقات.

وتوضح التفاصيل أن ذلك يعود في جانب منه إلى تراجع مدخرات الأميركيين بشكل هائل، والتي تكونت خلال فترة جائحة «كورونا» من خلال تقليص المصروفات وزيادة الدعم الحكومي وخفض الضرائب، إلى جانب تراجع «الدخل الحقيقي» - الذي يوازن بين نمو الدخل مقارنة بالتضخم والضرائب - بنسبة تصل إلى 9 في المائة.

ويلمح التقرير إلى أنه تم رصد ارتفاع في تأخر سداد المستحقات الائتمانية، ورغم إشارة المسؤولين إلى أنه لا يزال في نطاقه الطبيعي (قبل الجائحة)، فإنه يفيد في الوقت ذاته بأن مخاطر التعثر في طريقها إلى الارتفاع.

وبعيداً عن عالم المصارف، أفادت بيانات وزارة التجارة الأميركية، يوم الثلاثاء، بتقلّص العجز التجاري الأميركي في يونيو (حزيران) على وقع تراجع أكبر في الواردات مقارنة بالصادرات... لكن ذلك لا يبدو «خبراً سعيداً في كل جوانبه».

وقالت خبيرة الاقتصاد لدى «هاي فريكوينسي إيكونوميكس» روبيلا فاروقي: «عموماً استمر النشاط التجاري في التباطؤ في الفصل الثاني على صعيدي الاستيراد والتصدير». وأضافت أن «نهجاً أضعف يمكن أن يستمر بسبب انعكاسات تشديد السياسات النقدية عالمياً، والمرجح أن تبطئ الطلب والنشاط الاقتصادي محلياً وفي الخارج»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

خبر آخر من «آخر العالم»، أظهر يوم الأربعاء تباطؤ التضخم في الصين، ورغم أن هكذا خبر قد يكون سعيداً في العالم الغربي، فإنه كان صاعقاً في بكين، إذ تعاني الصين بالفعل من مؤشرات حادة على تباطؤ الاقتصاد، ولا تحتاج لمزيد من تباطؤ الاستهلاك الداخلي الذي يشكل عقبة كبرى بوجه الانتعاش الاقتصادي في البلد.

وكانت بيانات نشرت يوم الثلاثاء، أكدت تراجع واردات الصين وصادراتها بوتيرة أسرع كثيراً من المتوقع في يوليو (تموز) الماضي، مما يهدد آفاق النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويزيد الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات تحفيزية جديدة لتعزيز الطلب... كما أن هذا الوضع يهدد بدوره انتعاش الاقتصاد العالمي مع زيادة مخاوف تراجع الطلب من أحد أكبر مصادر الاستهلاك في العالم.

وفي ظل كل هذه العوامل يبدو أن بيانات التضخم الأميركي التي تصدر الخميس ستكون بمثابة «قطعة البازل» الناقصة التي ستكمل المشهد الاقتصادي العالمي.

وتشير التوقعات الحالية إلى أن التضخم الأساسي الأميركي سيرتفع 4.7 في المائة على أساس سنوي في يوليو. ورغم أن رهانات الانتهاء قريباً من دورة التشديد النقدي تراجعت كثيراً عقب إشارة ميشيل بومان، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، يوم الاثنين، إلى احتمال وجود حاجة لرفع أسعار الفائدة مرات أخرى للسيطرة على التضخم... فإن الاهتمام هذه المرة سيتخطى مستويات الفائدة الأميركية، بل سيتصل حتماً بما سيكون عليه الاقتصاد العالمي فيما تبقى من هذا العام.

ومع ارتفاع مستوى الحيرة في الأسواق، ارتفعت أسعار الذهب، يوم الأربعاء، من أدنى مستوياتها في شهر واحد التي سجلتها في الجلسة السابقة، مع انخفاض الدولار وعوائد السندات قبل يوم من صدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي التي قد تقدم مؤشرات عن مسار رفع أسعار الفائدة.

وبحلول الساعة 06:44 بتوقيت غرينتش، صعد الذهب في المعاملات الفورية 0.3 في المائة إلى 1930.37 دولار للأوقية، بعد أن انخفض إلى أدنى مستوياته منذ العاشر من يوليو عند 1922 دولاراً للأوقية يوم الثلاثاء. كما زادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.2 في المائة إلى 1964.50 دولار للأوقية.

وقال بادن مور، رئيس إدارة السلع في بنك أستراليا الوطني: «من أجل انتعاش مستدام في الذهب، نعتقد أن السوق بحاجة إلى مزيد من اليقين بشأن خفض أسعار الفائدة الأميركية في 2024».

وتلقى الذهب، الذي يُنظر إليه عادة على أنه وسيلة للتحوط من المخاطر الاقتصادية، دعماً من تجدد المخاوف بشأن أكبر اقتصاد في العالم بعد أن خفضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لعدة مصارف أميركية.

ونتيجة لذلك، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأميركية طويلة الأمد مما جعل الذهب أكثر جاذبية. كما ظل مؤشر الدولار بعيداً عن أعلى مستوى سجله يوم الثلاثاء وانخفض 0.2 في المائة.

وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة في المعاملات الفورية 0.7 في المائة إلى 22.91 دولار للأوقية، وصعد البلاتين 0.7 في المائة إلى 906.46 دولار للأوقية، وزاد البلاديوم 0.5 في المائة إلى 1226.03 دولار للأوقية.


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: سياسات بايدن تجذب استثمارات اقتصادية أميركية بقيمة تريليون دولار

الاقتصاد الرئيس الأميركي جو بايدن يوقع على قانون الاستثمار في البنية التحتية بالبيت الأبيض 15 نوفمبر 2021 (رويترز)

البيت الأبيض: سياسات بايدن تجذب استثمارات اقتصادية أميركية بقيمة تريليون دولار

أعلنت الإدارة الأميركية يوم الاثنين أن الشركات تعهدت باستثمار أكثر من تريليون دولار في قطاعات صناعية أميركية، مثل أشباه الموصلات والطاقة النظيفة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

ترشيح بيسنت يدفع عقود «داو جونز» الآجلة لأعلى مستوياتها على الإطلاق

سجلت عقود «داو جونز» الآجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق يوم الاثنين، محققة مكاسب ملحوظة بين عقود مؤشرات الأسهم الأميركية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

ارتفع مؤشر نشاط الأعمال في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى خلال 31 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، مدعوماً بالتوقعات بانخفاض أسعار الفائدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد بورصة نيويورك للأوراق المالية (وكالة حماية البيئة)

هيمنة الأسهم الأميركية تزداد قوة مع فوز ترمب

تواصل الأسهم الأميركية تعزيز تفوقها على منافسيها العالميين، ويعتقد العديد من المستثمرين أن هذه الهيمنة قد تزداد إذا تمكن دونالد ترمب من تنفيذ برنامجه.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت يتحدث خلال فعالية (رويترز-أرشيفية)

حاكم تكساس الأميركية يأمر أجهزة الولاية بوقف الاستثمار في الصين

أمر حاكم ولاية تكساس الأميركية الذي ينتمي إلى الحزب الجمهوري غريغ أبوت، الأجهزة المعنية بوقف استثمار أموال الولاية في الصين، وبيع هذه الاستثمارات في أقرب فرصة.

«الشرق الأوسط» (أوستن (تكساس))

السعودية توقّع تسع صفقات استراتيجية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية

وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
TT

السعودية توقّع تسع صفقات استراتيجية لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية

وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)
وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال مؤتمر الاستثمار المقام في العاصمة السعودية الرياض (وزارة الاستثمار)

أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، تسع صفقات استراتيجية جديدة ضمن برنامج «جسري» لتعزيز مرونة سلاسل الإمداد العالمية، مؤكداً أن هذه الصفقات تأتي في إطار «رؤية 2030» للتحول الاقتصادي، وتهدف إلى تحسين الوصول إلى المواد الأساسية وتعزيز التصنيع المحلي، بالإضافة إلى تعزيز الاستدامة والمشاركة السعودية في سلاسل الإمداد العالمية.

وفي كلمة له خلال مؤتمر «الاستثمار العالمي 28» الذي يُعقد هذا الأسبوع في الرياض، بمشاركة أكثر من 100 دولة، أشار الفالح إلى أن هذه الصفقات تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق هدف المملكة في بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وكفاءة.

وأكد أن البرنامج يعكس رؤية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الذي كان له الدور البارز في إطلاق هذه المبادرة قبل عامين، مشيراً إلى أن البرنامج هو جزء من الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، ويشمل عدة برامج حكومية داعمة، مثل برنامج تطوير الصناعة الوطنية واللوجيستيات (ندلب).

وأضاف الفالح أن المملكة تسعى إلى تسهيل الوصول للمعادن الأساسية، وتشجيع التصنيع المحلي، وزيادة الوصول إلى أسواق الطاقة الخضراء العالمية. وأوضح أن «التوريد الأخضر» هو جزء من المبادرة السعودية؛ إذ ستعزّز المملكة سلاسل الإمداد عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة.

وأشار الفالح إلى أن المملكة بصدد تطوير 100 فرصة استثمارية جديدة في 25 سلسلة قيمة، تتضمّن مشروعات رائدة في مجالات، مثل: الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي. وأوضح أن الحكومة السعودية تقدّم حوافز خاصة إلى الشركات الراغبة في الاستثمار بالمناطق الاقتصادية الخاصة.

وأوضح أن المملكة تستعد للتوسع في استثمارات جديدة تشمل قطاعات، مثل: أشباه الموصلات والتصنيع الرقمي، في إطار التعاون المستمر بين القطاعات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز قدرة المملكة على تحقيق أهداف «رؤية 2030».

واختتم الفالح كلمته بتأكيد التزام الحكومة السعودية الكامل بتحقيق هذه الرؤية، مشيراً إلى أن الوزارات الحكومية المعنية ستواصل دعم هذه المبادرة الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق تنمية مستدامة وتوطين الصناعات المتقدمة في المملكة.