من قمح البحر الأسود إلى أرز الهند... صدمات غذاء العرب تتواصل

توقعات بصعوبات كبرى في أفريقيا وآثار طفيفة في دول الخليج

مزارعون يقومون بزراعة الأرز على تخوم مدينة أحمد آباد الهندية (رويترز)
مزارعون يقومون بزراعة الأرز على تخوم مدينة أحمد آباد الهندية (رويترز)
TT

من قمح البحر الأسود إلى أرز الهند... صدمات غذاء العرب تتواصل

مزارعون يقومون بزراعة الأرز على تخوم مدينة أحمد آباد الهندية (رويترز)
مزارعون يقومون بزراعة الأرز على تخوم مدينة أحمد آباد الهندية (رويترز)

بعد ساعات قليلة من صدمة إعلان روسيا إنهاء اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، المعروف باتفاق البحر الأسود، تفاقمت مخاوف العالم من قرار جديد، صدر من الهند هذه المرة، بحظر تصدير الأرز... وبين القرارين وقع كثير من الدول العربية بشكل خاص في مأزق حاد، كون السلعتين تعدان الأكثر استراتيجية في غذاء المواطن العربي.

وأعلنت الحكومة الهندية، أكبر مصدر للأرز في العالم، في بيان مساء الخميس، منع تصدير الأرز الأبيض باستثناء البسمتي «بمفعول فوري»، في قرار قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للأرز.

وقالت وزارة شؤون المستهلك والأغذية الهندية في تبريرها للحظر إن «حظر تصدير الأرز الأبيض غير البسمتي سيؤدي إلى خفض الأسعار بالنسبة للمستهلكين في البلاد». ومن المتوقع أن تساعد الخطوة الأخيرة في إبقاء الأسعار المحلية للأرز تحت السيطرة.

وتحوم أسعار الأرز حالياً عند أعلى مستوياتها منذ عقد، وكان يجري تداول الأرز في الأسواق يوم الاثنين حول مستوى 15.95 دولار لكل مائة أوقية، غير بعيد عن ذروة عام المسجلة في وقت سابق من الشهر الماضي عند 19.92 دولار. وكان الارتفاع إلى حد كبير ناجماً من الإقبال الشديد مع شح الإمدادات عندما أصبح العنصر الأساسي بديلاً جذاباً منذ ارتفاع أسعار الحبوب الرئيسية الأخرى في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022، والتي قفزت خلال الأيام الماضية بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب في البحر الأسود. وقد سعى الاتفاق إلى منع حدوث أزمة غذائية عالمية من خلال السماح لأوكرانيا بمواصلة التصدير.

وتشير بيانات «الفاو» إلى أن أسعار القمح ارتفعت بنحو 126.2 نقطة في يونيو (حزيران) مقارنة بمستوياتها في عام 2014، فيما ارتفعت أسعار الأرز بنسبة تتراوح بين 5 و7 في المائة في يونيو الماضي مقارنة بمستوياتها في مايو (أيار) السابق عليه.

وتعتبر الحبوب غذاءً أساسياً لنحو نصف سكان العالم، حيث تستهلك آسيا نحو 90 في المائة من الإمدادات العالمية. وتشمل الوجهات الرئيسية للأرز الهندي كلاً من بنغلاديش والصين وبنين ونيبال... إضافة إلى عدد كبير من دول منطقة الشرق الأوسط.

عاملة تنقل الأرز لمرحلة تجفيفه خارج أحد المخازن بولاية كولكاتا الهندية (رويترز)

أزمة متفاقمة

وتشير التقارير إلى أن الهند هي أكبر مصدر للأرز في العالم، حيث تمثل أكثر من 40 في المائة من تجارة الأرز العالمية، فضلاً عن أنها ثاني أكبر منتج للأرز بعد الصين. وقال محللون لـ«سي إن بي سي» إن الحظر الهندي قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار «المرتفعة بالفعل»، مما يؤدي إلى تفاقم الآثار المترتبة على الحظر الذي فرضته البلاد في سبتمبر (أيلول) 2022 على شحنات الأرز المكسور.

وقالت الخبيرة الاقتصادية برابطة أمم جنوب شرقي آسيا إيف باري: «ستتقلص إمدادات الأرز العالمي بشكل كبير، لأن الهند هي ثاني أكبر منتج للمواد الغذائية الأساسية في العالم»، مؤكدة أنه «بالإضافة إلى انخفاض المعروض العالمي من الأرز، فإن ردود الفعل التي ستشمل الذعر والمضاربة في أسواق الأرز العالمية ستؤدي إلى تفاقم الزيادة في الأسعار».

ومع تصدير الهند لنحو 22 مليون طن من الأرز العام الماضي، نحو نصفها من الأصناف التي تخضع للحظر الأخير، من المتوقع أن يكون لقرارها أثر سريع على السوق، أكبر حتى من تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على أسعار القمح في العام الماضي وفقا لـ«رويترز». وقال بي في كريشنا راو، رئيس اتحاد مصدري الأرز إن «الهند ستعطل سوق الأرز العالمية بسرعة أكبر بكثير مما فعلت أوكرانيا في سوق القمح بغزو روسيا».

وحذرت شركة «غرو إنتيليجنس»، التي تحلل البيانات الخاصة بالمواد الخام، في تقرير نشر الجمعة، من أن تعاني الدول الأفريقية وتركيا وسوريا وباكستان من الحظر لأنها تواجه بالفعل تضخماً هائلاً في أسعار المواد الغذائية.

مزارع ينقل محصول الأرز في أحد الحقول بإقليم سريناغار الهندي (أ.ف.ب)

العرب في صدارة المستوردين

ووفق «سي إن إن» تظهر الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، ضمن أكبر 20 دولة تستورد الأرز الأبيض غير البسمتي من الهند. كما تضم قائمة أكبر خمس دول في الشرق الأوسط من حيث الواردات الهندية، كلاً من مصر والجزائر وتركيا، في حين يظهر السودان الذي يصارع أزمات اقتصادية وسياسية بالفعل، في نهاية قائمة أكبر عشر دول في الشرق الأوسط.

ووفقاً لتقرير حديث صدر عن وزارة التجارة الهندية في وقت سابق من العام الحالي، بلغت قيمة صادرات الهند من الأرز إلى الدول العربية في عام 2022 حوالي 10.6 مليار دولار.

ويوضح التقرير أن أكبر الدول العربية المستوردة للأرز العام الماضي كانت السعودية بنحو 1.4 مليون طن، ومن مصر والإمارات بنحو 1.2 مليون طن، ثم العراق (1.1 مليون طن)، والكويت (0.9 مليون طن)، والبحرين (0.7 مليون طن)، والأردن (0.6 مليون طن)، ولبنان (0.5 مليون طن)، وفلسطين (0.4 مليون طن)، وقطر (0.3 مليون طن)، وعمان (0.2 مليون طن).

تأثيرات متباينة

لكنّ مراقبين أشاروا إلى أن غالبية الدول الخليجية والعربية في آسيا تعتمد بشكل أساسي على الأرز البسمتي بأكثر من الأرز الأبيض، ما يعني أن الأثر الأكبر للقرار الهندي سيقع على عاتق الدول العربية في أفريقيا، خاصة مصر والسودان.

وفي هذا السياق، أكد رئيس غرفة تجارة الأردن خليل الحاج توفيق، يوم السبت، أن أسعار الأرز الهندي في السوق المحلية لن تتأثر بعد فرض الهند قراراً يحظر تصديره. ونقلت قناة «المملكة» الأردنية عنه قوله إن «قرار منع التصدير يتعلق بنوع محدد من الأرز تعتمد عليه أفريقيا بشكل أساسي، فيما الأردن لا يكاد تُذكر حصته من هذا النوع في السوق المحلية».

وأشار توفيق إلى أن الأردن يستورد سنوياً نحو 50 ألف طن أرز هندي، مشيراً إلى وجود مخزون كاف من الأرز.

وحول مصادر استيراد الأرز، قال رئيس غرفة تجارة الأردن إن بلاده تستورد الأرز من عدة دول، منها أميركا وأوروبا وأستراليا وتايلاند وباكستان، وفق وكالة الأنباء الألمانية.

ورغم أنه غذاء أساسي في كل من مصر والسودان، يرى المراقبون أن الأزمة قد تكون أخطر في السودان نظرا للأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة في البلاد. فيما قد تكون أخف قليلاً في مصر، نظراً لأمرين، أولهما وجود حجم كبير من المخزونات حالياً بعد استيراد شحنات تقدر بنحو نصف مليون طن خلال الشهور الماضية، والعامل الثاني هو الإنتاج المحلي الذي زاد هذا العام إلى نحو 4.5 مليون طن، وفق ما أشار إليه عاملون في الصناعة.

مزارع فيتنامي يجهز محصول الأرز... فيما تعد بلاده أحد البدائل المرشحة لتخفيف أزمة الأرز المتوقعة (رويترز)

وأشار المراقبون إلى أن المستوردين المتأثرين قد يلجأون إلى موردين بديلين في منطقة شرق آسيا، مثل تايلاند وفيتنام... لكنهم أوضحوا أن حجم الطلب الكبير قد لا يتناسب مع المتاح من هذه الموارد، ما يعني أنه سيكون هناك شح كبير بالأسواق وارتفاعات واسعة النطاق في الأسعار.

وقال المحلل في مجموعة «رابوبنك» أوسكار تجاكرا، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن موردي الأرز الآخرين ليس لديهم احتياطيات للتعويض عن توقف الصادرات الهندية من الأرز الأبيض.

وكانت الهند منعت في سبتمبر 2022 صادرات الأرز المكسور الرخيص، وفرضت ضريبة بنسبة عشرين في المائة على صادرات الأرز عالي الجودة، وذلك بعد جفاف كبير في مناطقها الرئيسية المنتجة للأرز. وارتفعت الأسعار الدولية للأرز وهو عنصر أساسي رئيسي في العالم، بشكل حاد بسبب جائحة «كوفيد» والحرب في أوكرانيا وتأثير ظاهرة النينيو المناخية على غلات الأرز.

وتُمثل صادرات الهند من الأرز الأبيض - باستثناء البسمتي - حوالي ربع إجمالي صادراتها من الأرز. وصدرت البلاد العام الماضي 10,3 مليون طن من الأرز الأبيض غير البسمتي.


مقالات ذات صلة

توسعات جديدة في المطاعم والمقاهي السعودية بفعل الحوافز الاستثمارية

الاقتصاد مطاعم منطقة «بوليفارد الرياض سيتي» (الشرق الأوسط)

توسعات جديدة في المطاعم والمقاهي السعودية بفعل الحوافز الاستثمارية

تشهد المطاعم والمقاهي في السعودية مرحلةً من الازدهار مدفوعة بشريحة سكانية شابة وزيادة في الدخل المتاح للإنفاق.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد رجال إنقاذ وعمال يفحصون آثار الدمار عقب مرور إعصار فرنسين بولاية لويزيانا الأميركية (أ.ف.ب)

أسعار النفط تواصل موجة الصعود في ختام أسبوع متقلب

ارتفعت أسعار النفط يوم الجمعة، لتواصل موجة الصعود التي أشعلتها اضطرابات الإنتاج في خليج المكسيك بالولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مشاة ينتظرون الإشارة لعبور الطريق قرب موقع إنشاءات في العاصمة الصينية بكين (أ.ف.ب)

الصين تقر أول خطة لرفع سن التقاعد منذ 1978

وافقت أعلى هيئة تشريعية في الصين، الجمعة، على اقتراح برفع سن التقاعد في البلاد، وذلك للمرة الأولى منذ عام 1978.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد زحام مروري وقت الذروة في ميدان التحرير بوسط العاصمة المصرية القاهرة (أ.ف.ب)

مصر ترسي مناقصة لشراء 20 شحنة غاز لتغطية الطلب في الشتاء

قالت مصادر لـ«رويترز» إن مصر أرستْ بالكامل مناقصة طرحتها في الآونة الأخيرة لشراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال لتغطية الطلب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رجل يمر أمام لافتة «بي دبليو سي» على مقرّها بالمركز المالي في العاصمة الصينية بكين (أ.ب)

بكين تعلّق أعمال «بي دبليو سي» لـ6 أشهر بسبب تدقيق «إيفرغراند»

فرضت الصين تعليقاً لمدة ستة أشهر على وحدة التدقيق التابعة لشركة «بي دبليو سي» في البلاد، بسبب تدقيقها لشركة «تشاينا إيفرغراند غروب».

«الشرق الأوسط» (بكين)

«صناعة» السيارات الأوروبية تحذِّر من خسائر في الأرباح والوظائف

فني يعمل على الفحص النهائي في خط الإنتاج لطراز «فولكس فاغن» الكهربائي (رويترز)
فني يعمل على الفحص النهائي في خط الإنتاج لطراز «فولكس فاغن» الكهربائي (رويترز)
TT

«صناعة» السيارات الأوروبية تحذِّر من خسائر في الأرباح والوظائف

فني يعمل على الفحص النهائي في خط الإنتاج لطراز «فولكس فاغن» الكهربائي (رويترز)
فني يعمل على الفحص النهائي في خط الإنتاج لطراز «فولكس فاغن» الكهربائي (رويترز)

حذَّرت رابطة مُصنِّعي السيارات الأوروبية من خسارة ملايين الوظائف والأرباح، في مواجهة غرامات محتملة، بسبب انتهاك قواعد المناخ، وفق «وكالة الأنباء الألمانية»، نقلاً عن وثيقة داخلية.

وجاء في الوثيقة الصادرة عن الرابطة أن الصناعة ليست في وضع يسمح لها بالامتثال لتضييق مرتقب يتعلق بقواعد المناخ الأوروبية، ونتيجة لذلك «سوف تواجه عقوبات بمليارات اليوروات».

كما أفادت بأنه من أجل تجنب الغرامات لن يكون أمام الصناعة سوى «خفض الإنتاج بشكل كبير، وهو ما يهدد ملايين الوظائف في الاتحاد الأوروبي».

ويأتي التحذير لجهات التنظيم بالاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يدرك فيه المنتجون أن من المحتمل ألا يتمكنوا من الوفاء بأهداف المناخ الأوروبية في كثير من الحالات، وهو ما يمكن أن يسفر عن غرامات مرتفعة لصناعة السيارات الأوروبية التي تعاني بالفعل.

وعلى وجه التحديد، تتعلق القواعد بما يطلق عليه «حدود الأسطول» التي تضع حداً لانبعاثات السيارات من ثاني أكسيد الكربون، وهو المتوسط الذي يجب ألا تتعداه جميع السيارات المسجلة في الاتحاد الأوروبي في سنة معينة.

وحالياً تبلغ هذه القيمة 115.1 غرام من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر تقطعه المركبة، وهو الأمر الذي يقاس بما يطلق عليه اختبار «دبليو إل تي بي». ومن المقرر أن تنخفض القيمة إلى 93.6 غرام في 2025، و49.5 غرام في 2030.

ويجب على منتجي السيارات دفع غرامة عند تسجيل انبعاثات كثيرة للغاية من ثاني أكسيد الكربون. ولإبقاء الانبعاثات في نطاق الحدود يجب على مصنِّعي السيارات بيع كمية معينة من السيارات الكهربائية والسيارات منخفضة الانبعاثات.

وقالت رابطة مصنِّعي السيارات الأوروبية، رداً على سؤال، إنها على دراية بالوثيقة الداخلية، ولكنها شددت على أنها ليست رسمية من الكيان الصناعي.

وأكدت الوكالة صحة الوثيقة، وأنها متداولة داخل صناعة السيارات الأوروبية. وكانت «بلومبرغ» قد تحدثت سابقاً عن تحذيرات الوثيقة الداخلية.

على صعيد موازٍ، رفضت الحكومة الألمانية مطالب صناعة السيارات بخفض أهداف ثاني أكسيد الكربون الخاصة بالقطاع العام المقبل.

وقال متحدث باسم وزارة البيئة لصحيفة «فيلت آم زونتاغ» الألمانية، المقرر صدورها الأحد، إن شركات السيارات لم تسد الفجوة في مستويات القيمة المستهدفة السابقة، إلا في العام المستهدف وليس قبل الموعد المحدد.

وذكر المتحدث أن الغالبية العظمى من الشركات المنتجة نجحت في ذلك إلى حد بعيد، على الرغم من أن الفجوات في الماضي كانت في بعض الأحيان أكبر مما هي عليه الآن.

وذكرت مصادر من الوزارة: «نحن على ثقة في أن قطاع صناعة السيارات الألمانية سيظهر مرة أخرى موثوقيته وكفاءته التكنولوجية، ويحقق القيم المستهدفة».

وكان رئيس مجلس الإشراف لشركة «فولكس فاغن»، هانز ديتر بوتش، قد دعا الاتحاد الأوروبي إلى تخفيف أهداف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السابقة لأسطول شركات صناعة السيارات.

وقال بوتش: «نعلم الآن أن الطلب على السيارات الكهربائية في أوروبا أقل بكثير من التوقعات. سيسود التنقل الكهربائي؛ لكن الأمر سيستغرق مزيداً من الوقت. لذلك يجب تعديل أهداف ثاني أكسيد الكربون للأعوام 2025 و2030 و2035 وتكييفها مع الواقع».