صندوق النقد الدولي يشيد بالتزام البحرين سياسات تنويع الاقتصاد

الجنايني لـ«الشرق الأوسط»: نمو الاقتصاد غير النفطي في 2022 الأعلى منذ 10 سنوات

أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها (غيتي)
أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها (غيتي)
TT

صندوق النقد الدولي يشيد بالتزام البحرين سياسات تنويع الاقتصاد

أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها (غيتي)
أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها (غيتي)

أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها، داعياً إلى حماية الاستقرار المالي وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية.

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، رأت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى البحرين، عصماء الجنايني، أن البلاد «خطت خطوات مهمة في تنويع اقتصادها»، مشيرةً إلى تراجع درجة اعتماد اقتصادها على قطاع الهيدروكربونات، لا سيما من حيث الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات المالية.

معدلات نمو مرتفعة

بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين 4.9 في المائة في عام 2022، مدفوعاً بالاقتصاد غير النفطي الذي نما بنسبة لافتة بلغت 6.2 في المائة، في أعلى معدل تسجّله البحرين منذ نحو 10 سنوات.

وغداة اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد مشاورات المادة الرابعة مع البحرين، ذكرت الجنايني أن هذا النمو القوي «كان مدفوعاً بشكل أساسي بقطاع الخدمات المالية والضيافة، فضلاً عن قطاع التصنيع». ومن بين هذه القطاعات، حققت الضيافة وبخاصة الفنادق والمطاعم، نسبة نمو بلغت 14 في المائة بفضل إعادة فتح الاقتصاد على نطاق واسع في منتصف عام 2021، ونتيجة للاستجابة الناجحة لجائحة «كورونا» من السلطات.

في المقابل، يتوقع صندوق النقد تباطؤ النمو المحلي الإجمالي في عام 2023 إلى 2.7 في المائة، وتراجع نمو الاقتصاد غير النفطي إلى 3.3 في المائة.

وتقول الجنايني إن هناك عدة أسباب لذلك، أبرزها «الضبط المالي الذي نصّت عليه موازنة 2023 – 2024، وتشديد الأوضاع المالية العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة التي ترافقها، بالإضافة إلى التأثير الأساسي الذي رافق نمو الاقتصاد البحريني القوي في عام 2022».

جهود تنويع الاقتصاد

أوضحت الجنايني أن مساهمة القطاع غير الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ مستوى غير مسبوق، قُدّر بـ83 في المائة في عام 2022، معتبرة أن ذلك «يجعل اقتصاد البحرين أحد أكثر الاقتصادات تنوعاً في دول مجلس التعاون الخليجي».

وتُرجع المسؤولة في صندوق النقد الدولي الأداء القوي للاقتصاد غير النفطي إلى التزام السلطات البحرينية بسياسات تنويع الاقتصاد، مشيدةً بتمكين القطاع الخاص، وتطوير القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية مثل السياحة، والخدمات اللوجيستية، والقطاعات المالية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ضمن خطّة التعافي الاقتصادي التي أُطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

إلى ذلك، رحّبت الجنايني بتقدّم السلطات في جدول الأعمال الخاص بالتكامل الإقليمي. «فقد أصدرت على سبيل المثال، تأشيرة دخول متعددة لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي يتوقع أن تعزز قطاع السياحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك البحرين».

ودعت الجنايني البحرين إلى الاستمرار في تعميق جهودها، «ما من شأنه أن يخلق مرونة في الاقتصاد البحريني أمام الصدمات (المالية والاقتصادية)، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تنجم عن الركود العالمي والتقلبات المرتبطة بأسعار النفط وغيرها»

ضغوط التضخم

على غرار عشرات الدول حول العالم، شهد الاقتصاد البحريني تسارعاً في نسب التضخم العام الماضي، حيث وصل إلى 3.6 في المائة في المتوسط بعد عامين من التضخم السلبي خلال فترة «كورونا». ويرتبط ارتفاع التضخم بأسباب كثيرة، أحدها يتعلّق بالطلب المحلي القوي نتيجة الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة «كورونا»، وانتقال ارتفاع أسعار السلع العالمية إلى التضخم المحلي، وهو ما تعمل البحرين على تخفيفه عبر دعم الغذاء والوقود، إلى جانب قوة الدولار الأميركي الذي يرتبط به الدينار البحريني.

رغم ذلك، ترى الجنايني أن التضخم لا يزال تحت السيطرة في البحرين مقارنةً بكثير من الدول، وأن تأثيره يبقى محدوداً بفضل تراجع الطلب المحلي عن مستوياته خلال فترة التعافي من جائحة «كورونا»، فضلاً عن مضاعفة السلطات للدعم المالي المخصَّص للأسر ذات الدخل المنخفض مرتين خلال العام الماضي لحمايتهم من ارتفاع الأسعار.

وتباطأ التضخم منذ بداية العام، مسجلاً متوسط 0.6 في المائة في الربع الأول من عام 2023.

برنامج التوازن المالي

شدد صندوق النقد الدولي على أهمية الإصلاحات التي تجريها البحرين في إطار برنامج التوازن المالي، بما في ذلك التقدم المحرَز حتى الآن نحو تعبئة المزيد من الإيرادات غير الهيدروكربونية ومواصلة تقييد الإنفاق.

ويعدّ تقليل الاعتماد على عائدات النفط أحد أبرز عناصر برنامج التوازن المالي. وتوضح الجنايني أن «فرض ضريبة القيمة المضافة في عام 2019، ومضاعفة معدلها إلى 10 في المائة بدءاً من عام 2022، أدّيا إلى مضاعفة الإيرادات الضريبية غير النفطية من 3.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018 إلى نحو 6.4 في المائة في عام 2022».

وقالت إنه «كلما زاد الاعتماد على الإيرادات غير النفطية، الذي يحتل مكانة عالية في أجندة السلطات، أصبحت السياسة المالية للموازنة والاقتصاد أكثر قدرة ومرونة على مواجهة الصدمات وإدارة تذبذب أسعار النفط ومخاوف الركود العالمي».

مرونة الاقتصاد

ترى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أن النظام المالي البحريني يتمتع بالمرونة، مما مكّنه من الصمود أمام التدرج في تخفيف إجراءات مكافحة جائحة «كوفيد - 19»، وتشديد الأوضاع المالية العالمية. كما أن اقتصاد البحرين لم يسجّل أي تأثير حقيقي للاضطرابات المالية الدولية التي حدثت في وقت سابق من هذا العام.

ولضمان الاستقرار المالي أمام استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، دعت الجنايني بنك البحرين المركزي إلى الاستمرار في مراقبة المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي وتعزيز الأطر الاحترازية الكلية. كما أشارت إلى ضرورة مواصلة البنك المركزي سياسة تشديد أسعار الفائدة بما يتماشى مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.

التكنولوجيا المالية

تكثّف البحرين جهودها لرقمنة القطاع المالي، من خلال الكثير من المبادرات والأنظمة الداعمة للتكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية.

ومنذ عام 2017 اتخذت البحرين خطوات تنظيمية لخلق بيئة مواتية للتكنولوجيا المالية (Fintech)، شملت إنشاء وحدة خاصة بها في المصرف المركزي، ولوائح جديدة لرقمنة الخدمات المصرفية وخدمات الدفع، وفق الجنايني. كما قدمت البحرين حلول خدمات الدفع الرقمية، مثل الدفع عبر الهاتف المحمول والتطبيقات وبطاقات الدفع غير التلامسية والمحافظ الإلكترونية، وتم اعتمادها من غالبية السكان، لا سيما في أثناء الوباء.

ولفتت عصماء الجنايني كذلك إلى الخطوات التي تتخذها البحرين بشأن العملة الرقمية للبنك المركزي، وذلك منذ أن أطلقت مشروع الدينار الرقمي في عام 2018، وتقول: «منذ ذلك الحين، كانت السلطات تبحث في مخاطر وفوائد إدخال عملة رقمية للبنك المركزي، من خلال النظر في الأدبيات وتجارب الدول الأخرى. أُنشئت لجنة فنية للنظر أيضاً في خيارات التصميم وميزات التكنولوجيا وغيرها من الخصائص. ووُضعت مذكرة في فبراير (شباط) 2022 نظرت في خريطة طريق محتملة لاختبار هذه العملة وتطبيقها».

وأضافت: «نعتقد أن البحرين يجب أن تستمر في المضي قدماً في عملها التحضيري على جبهة التكنولوجيا المالية والعملة الرقمية للمصرف المركزي، من خلال التقييم الدقيق للتصميم الذي يعزّز تبني هذه العملة، ويتيح أيضاً إدارة المخاطر التي قد تهدد الاستقرار المالي».


مقالات ذات صلة

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خاص عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز» سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة.

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد رجل ينسق واجهة أحد المتاجر في مدينة شنغهاي الصينية بمناسبة أعياد رأس السنة (إ.ب.أ)

نائب مدير صندوق النقد الدولي في زيارة إلى الصين

يقوم دان كاتز، المسؤول الثاني في صندوق النقد الدولي، بأول زيارة له للصين منذ مغادرته منصبه رئيساً لمكتب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد شعار الروبية الهندية يظهر داخل مقر بنك الاحتياطي الهندي في مومباي (رويترز)

الهند تراجع قيود مشتقات العملات لوقف نزوح التداول إلى الخارج

تجري هيئات الرقابة الهندية محادثات لمراجعة القيود الصارمة المفروضة على عقود مشتقات العملات المتداولة في البورصات، في محاولة لإنعاش السوق.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد تمشي امرأة أمام المدخل الرئيسي للبنك المركزي السريلانكي في كولومبو (أرشيفية - رويترز)

سيرلانكا تُثبت الفائدة قبل اعتماد الموازنة ومراجعة صندوق النقد الدولي

أبقى البنك المركزي السريلانكي، الأربعاء، على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، في انتظار صدور موافقة الموازنة الوطنية وإجراء المراجعة الأخيرة لقروض صندوق النقد.

«الشرق الأوسط» (كولومبو )
الاقتصاد عمانية تلوّح بالعلم الوطني أثناء عرض عسكري للقوات البحرية خلال احتفالات اليوم الوطني على شاطئ القرم في مسقط (رويترز)

صندوق النقد: اقتصاد عُمان «صامد بقوة» رغم التوترات الجيوسياسية وتقلبات النفط

أكد صندوق النقد الدولي أن سلطنة عمان أبدت قدرة قوية على الصمود في مواجهة تصاعد أجواء عدم اليقين العالمي وتجدد التوترات الجيوسياسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.


وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
TT

وزير الطاقة القطري: الذكاء الاصطناعي يضمن الطلب المستقبلي على الغاز المسال

الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)
الكعبي يتحدث في جلسة خلال «منتدى الدوحة 2025» (إكس)

شكلت تصريحات وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد الكعبي، خلال «منتدى الدوحة 2025»، نقطة محورية في مناقشات المنتدى الذي افتتحه أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في نسخته الثالثة والعشرين تحت شعار: «ترسيخ العدالة: من الوعود إلى واقع ملموس». وأكد الكعبي على رؤية متفائلة للغاية لمستقبل الغاز، مشدداً على أنه «لا قلق لديه على الإطلاق» بشأن الطلب المستقبلي بفضل الحاجة المتزايدة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي.

وأكد الكعبي أن الطلب العالمي على الغاز الطبيعي سيظل قوياً بفضل تزايد احتياجات الطاقة لتشغيل مراكز الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يصل الطلب على الغاز الطبيعي المسال إلى ما بين 600 و700 مليون طن سنوياً بحلول عام 2035. وأبدى في الوقت نفسه، قلقه من أن يؤثر نقص الاستثمار على الإمدادات المستقبلية للغاز الطبيعي المسال والغاز.

وقال الكعبي: «لا أشعر بأي قلق على الإطلاق بشأن الطلب على الغاز في المستقبل»، مُضيفاً أن الطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي ستكون مُحرّكاً رئيسياً للطلب. عند بلوغه كامل طاقته الإنتاجية، من المتوقع أن يُنتج مشروع توسعة حقل الشمال 126 مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2027، مما سيعزز إنتاج قطر للطاقة بنحو 85 في المائة من 77 مليون طن متري سنوياً حالياً.

وأضاف أن أول قطار من مشروع «غولدن باس» للغاز الطبيعي المسال، وهو مشروع مشترك مع «إكسون موبيل» في تكساس، سيبدأ العمل بحلول الربع الأول من عام 2026.

وأكد الكعبي أن أسعار النفط التي تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل ستوفر إيرادات كافية للشركات للاستثمار في احتياجات الطاقة المستقبلية، مضيفاً أن الأسعار التي تتجاوز 90 دولاراً ستكون مرتفعة للغاية.

كما حذّر من كثرة العقارات التي تُبنى في الخليج، ومن احتمال «تشكُّل فقاعة عقارية».

الاتحاد الأوروبي

كما أبدى الكعبي أمله أن يحل الاتحاد الأوروبي مخاوف الشركات بشأن قوانين الاستدامة بحلول نهاية ديسمبر (كانون الأول).

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي، أعربت يوم الجمعة، عن بالغ قلقها تجاه التشريعين المعروفين بتوجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات، وتوجيه الإبلاغ عن استدامتها، اللذين تتعلق بهما مجموعة تعديلات رفعها البرلمان الأوروبي، مؤخراً، إلى المفاوضات الثلاثية. وأكّدت دول المجلس أن قلقها نابع من أن هذه التشريعات ستفضي إلى إلزام الشركات الكبرى، الأوروبية والدولية، اتباع مفهوم الاتحاد الأوروبي للاستدامة، وبتشريعات تتعلق بحقوق الإنسان والبيئة، وبتقديم خطط للتغير المناخي خارج إطار الاتفاقيات المناخية الدولية، كذلك الالتزام بتقديم تقارير عن الاستدامة حول آثار تلك الشركات، والإبلاغ عن ذلك، وفرض غرامات على التي لا تمتثل لهذا التشريع.

كما أعربت قطر عن استيائها من توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات الصادر عن الاتحاد الأوروبي، وهدّدت بوقف إمدادات الغاز. ويتمحور الخلاف حول إمكانية فرض توجيه العناية الواجبة في مجال استدامة الشركات غرامات على المخالفين تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية. وقد صرّح الوزير مراراً بأن قطر لن تحقق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات الصفرية.

من جهة أخرى، أطلق الكعبي تحذيراً بشأن النشاط العمراني في المنطقة، مشيراً إلى أن هناك «بناءً مفرطاً للعقارات في منطقة الخليج»، ما قد يؤدي إلى «تشكُّل فقاعة عقارية».

استراتيجية مالية منضبطة

من جهته، أكد وزير المالية القطري، علي أحمد الكواري، خلال المنتدى، قوة ومتانة المركز المالي للدولة. وأوضح أن التوسع المخطط له في إنتاج الغاز الطبيعي المسال سيعمل كعامل تخفيف رئيسي يقلل من تأثير أي انخفاض محتمل في أسعار النفط مستقبلاً. وأضاف أن السياسة المالية «المنضبطة» التي تتبعها قطر تمنحها مرونة كبيرة، مما يعني أنها لن تضطر إلى «اللجوء إلى أسواق الدين» لتلبية احتياجاتها من الإنفاق في أي مرحلة.