أشاد صندوق النقد الدولي بجهود البحرين لتنويع اقتصادها، داعياً إلى حماية الاستقرار المالي وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية.
وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، رأت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى البحرين، عصماء الجنايني، أن البلاد «خطت خطوات مهمة في تنويع اقتصادها»، مشيرةً إلى تراجع درجة اعتماد اقتصادها على قطاع الهيدروكربونات، لا سيما من حيث الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإيرادات المالية.
معدلات نمو مرتفعة
بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للبحرين 4.9 في المائة في عام 2022، مدفوعاً بالاقتصاد غير النفطي الذي نما بنسبة لافتة بلغت 6.2 في المائة، في أعلى معدل تسجّله البحرين منذ نحو 10 سنوات.
وغداة اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد مشاورات المادة الرابعة مع البحرين، ذكرت الجنايني أن هذا النمو القوي «كان مدفوعاً بشكل أساسي بقطاع الخدمات المالية والضيافة، فضلاً عن قطاع التصنيع». ومن بين هذه القطاعات، حققت الضيافة وبخاصة الفنادق والمطاعم، نسبة نمو بلغت 14 في المائة بفضل إعادة فتح الاقتصاد على نطاق واسع في منتصف عام 2021، ونتيجة للاستجابة الناجحة لجائحة «كورونا» من السلطات.
في المقابل، يتوقع صندوق النقد تباطؤ النمو المحلي الإجمالي في عام 2023 إلى 2.7 في المائة، وتراجع نمو الاقتصاد غير النفطي إلى 3.3 في المائة.
وتقول الجنايني إن هناك عدة أسباب لذلك، أبرزها «الضبط المالي الذي نصّت عليه موازنة 2023 – 2024، وتشديد الأوضاع المالية العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة التي ترافقها، بالإضافة إلى التأثير الأساسي الذي رافق نمو الاقتصاد البحريني القوي في عام 2022».
جهود تنويع الاقتصاد
أوضحت الجنايني أن مساهمة القطاع غير الهيدروكربوني في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ مستوى غير مسبوق، قُدّر بـ83 في المائة في عام 2022، معتبرة أن ذلك «يجعل اقتصاد البحرين أحد أكثر الاقتصادات تنوعاً في دول مجلس التعاون الخليجي».
وتُرجع المسؤولة في صندوق النقد الدولي الأداء القوي للاقتصاد غير النفطي إلى التزام السلطات البحرينية بسياسات تنويع الاقتصاد، مشيدةً بتمكين القطاع الخاص، وتطوير القطاعات الاستراتيجية ذات الأولوية مثل السياحة، والخدمات اللوجيستية، والقطاعات المالية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ضمن خطّة التعافي الاقتصادي التي أُطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
إلى ذلك، رحّبت الجنايني بتقدّم السلطات في جدول الأعمال الخاص بالتكامل الإقليمي. «فقد أصدرت على سبيل المثال، تأشيرة دخول متعددة لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي يتوقع أن تعزز قطاع السياحة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك البحرين».
ودعت الجنايني البحرين إلى الاستمرار في تعميق جهودها، «ما من شأنه أن يخلق مرونة في الاقتصاد البحريني أمام الصدمات (المالية والاقتصادية)، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تنجم عن الركود العالمي والتقلبات المرتبطة بأسعار النفط وغيرها»
ضغوط التضخم
على غرار عشرات الدول حول العالم، شهد الاقتصاد البحريني تسارعاً في نسب التضخم العام الماضي، حيث وصل إلى 3.6 في المائة في المتوسط بعد عامين من التضخم السلبي خلال فترة «كورونا». ويرتبط ارتفاع التضخم بأسباب كثيرة، أحدها يتعلّق بالطلب المحلي القوي نتيجة الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة «كورونا»، وانتقال ارتفاع أسعار السلع العالمية إلى التضخم المحلي، وهو ما تعمل البحرين على تخفيفه عبر دعم الغذاء والوقود، إلى جانب قوة الدولار الأميركي الذي يرتبط به الدينار البحريني.
رغم ذلك، ترى الجنايني أن التضخم لا يزال تحت السيطرة في البحرين مقارنةً بكثير من الدول، وأن تأثيره يبقى محدوداً بفضل تراجع الطلب المحلي عن مستوياته خلال فترة التعافي من جائحة «كورونا»، فضلاً عن مضاعفة السلطات للدعم المالي المخصَّص للأسر ذات الدخل المنخفض مرتين خلال العام الماضي لحمايتهم من ارتفاع الأسعار.
وتباطأ التضخم منذ بداية العام، مسجلاً متوسط 0.6 في المائة في الربع الأول من عام 2023.
برنامج التوازن المالي
شدد صندوق النقد الدولي على أهمية الإصلاحات التي تجريها البحرين في إطار برنامج التوازن المالي، بما في ذلك التقدم المحرَز حتى الآن نحو تعبئة المزيد من الإيرادات غير الهيدروكربونية ومواصلة تقييد الإنفاق.
ويعدّ تقليل الاعتماد على عائدات النفط أحد أبرز عناصر برنامج التوازن المالي. وتوضح الجنايني أن «فرض ضريبة القيمة المضافة في عام 2019، ومضاعفة معدلها إلى 10 في المائة بدءاً من عام 2022، أدّيا إلى مضاعفة الإيرادات الضريبية غير النفطية من 3.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2018 إلى نحو 6.4 في المائة في عام 2022».
وقالت إنه «كلما زاد الاعتماد على الإيرادات غير النفطية، الذي يحتل مكانة عالية في أجندة السلطات، أصبحت السياسة المالية للموازنة والاقتصاد أكثر قدرة ومرونة على مواجهة الصدمات وإدارة تذبذب أسعار النفط ومخاوف الركود العالمي».
مرونة الاقتصاد
ترى رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أن النظام المالي البحريني يتمتع بالمرونة، مما مكّنه من الصمود أمام التدرج في تخفيف إجراءات مكافحة جائحة «كوفيد - 19»، وتشديد الأوضاع المالية العالمية. كما أن اقتصاد البحرين لم يسجّل أي تأثير حقيقي للاضطرابات المالية الدولية التي حدثت في وقت سابق من هذا العام.
ولضمان الاستقرار المالي أمام استمرار ارتفاع أسعار الفائدة، دعت الجنايني بنك البحرين المركزي إلى الاستمرار في مراقبة المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي وتعزيز الأطر الاحترازية الكلية. كما أشارت إلى ضرورة مواصلة البنك المركزي سياسة تشديد أسعار الفائدة بما يتماشى مع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
التكنولوجيا المالية
تكثّف البحرين جهودها لرقمنة القطاع المالي، من خلال الكثير من المبادرات والأنظمة الداعمة للتكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية.
ومنذ عام 2017 اتخذت البحرين خطوات تنظيمية لخلق بيئة مواتية للتكنولوجيا المالية (Fintech)، شملت إنشاء وحدة خاصة بها في المصرف المركزي، ولوائح جديدة لرقمنة الخدمات المصرفية وخدمات الدفع، وفق الجنايني. كما قدمت البحرين حلول خدمات الدفع الرقمية، مثل الدفع عبر الهاتف المحمول والتطبيقات وبطاقات الدفع غير التلامسية والمحافظ الإلكترونية، وتم اعتمادها من غالبية السكان، لا سيما في أثناء الوباء.
ولفتت عصماء الجنايني كذلك إلى الخطوات التي تتخذها البحرين بشأن العملة الرقمية للبنك المركزي، وذلك منذ أن أطلقت مشروع الدينار الرقمي في عام 2018، وتقول: «منذ ذلك الحين، كانت السلطات تبحث في مخاطر وفوائد إدخال عملة رقمية للبنك المركزي، من خلال النظر في الأدبيات وتجارب الدول الأخرى. أُنشئت لجنة فنية للنظر أيضاً في خيارات التصميم وميزات التكنولوجيا وغيرها من الخصائص. ووُضعت مذكرة في فبراير (شباط) 2022 نظرت في خريطة طريق محتملة لاختبار هذه العملة وتطبيقها».
وأضافت: «نعتقد أن البحرين يجب أن تستمر في المضي قدماً في عملها التحضيري على جبهة التكنولوجيا المالية والعملة الرقمية للمصرف المركزي، من خلال التقييم الدقيق للتصميم الذي يعزّز تبني هذه العملة، ويتيح أيضاً إدارة المخاطر التي قد تهدد الاستقرار المالي».