محلل أميركي: تركمانستان ستكون أساسية لمستقبل الغرب من إمدادات الطاقة

شاحنات تنقل غازا نفطيا مسالا من تركمانستان عبر أفغانستان (إ.ب.أ)
شاحنات تنقل غازا نفطيا مسالا من تركمانستان عبر أفغانستان (إ.ب.أ)
TT

محلل أميركي: تركمانستان ستكون أساسية لمستقبل الغرب من إمدادات الطاقة

شاحنات تنقل غازا نفطيا مسالا من تركمانستان عبر أفغانستان (إ.ب.أ)
شاحنات تنقل غازا نفطيا مسالا من تركمانستان عبر أفغانستان (إ.ب.أ)

طوال أكثر من عام من غزو روسيا الواسع النطاق لأوكرانيا، يرى مختلف المحللين أن الحرب أضعفت نفوذ روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى. وإحدى هذه الجمهوريات، وهي تركمانستان الغنية بالطاقة تتعامل بحذر بالغ مع وسائل الإعلام التي تسيطر عليها تماما، والتي غالبا ما تردد ما تتحدث عنه موسكو، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

ومع ذلك، فإن الدولة الآن في وضع أفضل من أي وقت مضى في تاريخها بالنسبة لتنويع قاعدة مستهلكي طاقتها خارج روسيا. وسيكون الوصول إلى احتياطيات غاز تركمانستان أمرا صعبا، لكن عمل ذلك يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة لكل من عشق آباد والغرب.

ويقول المحلل السياسي الأميركي أليكس ليتيل، المتخصص في شؤون روسيا وآسيا، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأميركية إن تركمانستان تعد دولة مغلقة نسبيا، ذات باع طويل في التعاون مع روسيا في مجال الطاقة. لكن منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سعت عشق آباد لإيجاد شركاء جدد، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. فالاتحاد الأوروبي نفسه يبحث عن مصدر جديد للطاقة منذ تجميد ألمانيا لخط أنابيب «نوردستريم 2».

ويوفر هذا فرصة لتركمانستان، التي أعدت نفسها للاستفادة من التعاون بين الشرق والغرب. فقد سعت إلى تحسين وفتح اقتصادها من خلال زيادة الشفافية، وتعزيز نظامها القانوني، وتشجيع تكوين رأس مال القطاع الخاص.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك وضع تركمانستان على طول طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين، المعروف بالممر الأوسط.

ويربط هذا الخط التجاري غير محدد التعريف الصين وأسواق شرق آسيا مع أوروبا، عابرا سهوب آسيا الوسطى، وبحر قزوين والقوقاز. ويعني تجاوز هذا الطريق لروسيا الخاضعة حاليا لعقوبات جسيمة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية أن عشق آباد تستفيد من زيادة كبيرة في أهميتها الجيوسياسية.

شاحنات تنقل الغاز المسال من تركمانستان عبر أفغانستان تنتظر على الحدود (إ.ب.أ)

وهناك قدر أكبر من الاهتمام أيضا عندما يتعلق الأمر بالجوانب الجيوسياسية واللوجستية للطاقة. فقد سعت عدة دول في المنطقة، بما في ذلك أذربيجان وتركيا، إلى الاستفادة من المزيد من تطوير نظام نقل للطاقة من تركمانستان إلى أذربيجان.

وسيكون من الضروري لتحقيق ذلك إنشاء خط أنابيب عبر بحر قزوين، والذي سوف يتجاوز روسيا ويوفر إمدادات الطاقة لأوروبا. كما أبدت تركمانستان اهتماما بتشييد هذا الخط بالمشاركة في مختلف اجتماعات المجلس الاستشاري لممر الغاز الجنوبي. وترى عشق آباد أن مشروع خط أنابيب عبر بحر قزوين فرصة ممتازة لتطوير قطاعها الخاص بالطاقة الداخلية.

ويرى ليتيل أن هناك عددا قليلا من المشكلات يعوق التعاون التجاري الناجح مع تركمانستان. فالقضايا الداخلية ونفوذ الصين في تركمانستان يمثلان مخاطر بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتعد البنية الأساسية في تركمانستان ضعيفة منذ وقت طويل. كما أن التحديث والتكامل التنظيمي سيمثلان أيضا تحديا كبيرا، في ضوء الطابع المغلق لحكومة تركمانستان وعلاقاتها الوثيقة مع روسيا والصين. وعلاوة على ذلك، يؤدي انخفاض الأجور في تركمانستان وعدم توفر التدريب الكافي للعاملين في محطات الحدود والمكاتب التجارية المرتبطة بها إلى انتشار الفساد والرشوة.

ورغم كل هذه التحديات، سوف يصبح تعاون ممر بحر قزوين في عالم متعدد الأقطاب -لا سيما وسط اختلالات سلاسل إمداد الطاقة نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية- أمرا أكثر أهمية.

وهناك قضايا تستحق الذكر. فعلى سبيل المثال لدى بكين رأي خاص فيما يتعلق بمشاركة تركيا. فموقع تركيا الجغرافي، وحقيقة أن الممر الأوسط يمر عبر أراضيها، يجعلها شريكا لا غنى عنه بالنسبة للغرب في تحقيق ترابط الممر الأوسط. من ناحية أخرى، تشعر الصين بالقلق إزاء تأكيد تركيا على التكامل التركي، ما قد يؤدي إلى تفاقم خطر النزعة الانفصالية بين العرقيين الايغور في شينغ يانغ. وتسبب هذا في توتر في الماضي. ومن الحكمة أن تجعل أنقرة التعاون في الممر الأوسط بصورة أساسية، مشروعا تجاريا دون أي روابط سياسية.

وهناك قضية أخرى وهي الاختناقات المحتملة بسبب الإمكانات القانونية والتنظيمية واللوجستية المختلفة. وعلى أي حال فهذه أمور يسهل حلها عن طريق توفير الاستثمار الكافي ومشاركة الأطراف الفاعلة. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، على سبيل المثال، اتفق كبار مسؤولي النقل ووزراء الخارجية في أذربيجان، وجورجيا، وكازاخستان، وتركيا على خريطة طريق بقيمة 7.5 مليار دولار لإزالة اختناق من أجل تسهيل الممر الأوسط من 2022 حتى 2027.

ومن الممكن أن يزيد هذا الجهد الاستفادة من مشاركة القطاع الخاص من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تدمج واشنطن، التي تتمتع بنهج مفتوح متعدد الأطراف وتأكيد على القدرة على التنبؤ، التعاون بشأن سلاسل الإمداد العالمية في مجموعة عمل. وسيكون المنتدى الوزاري لسلسلة الإمداد، الذي يضم الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة مع شركاء آخرين، مكانا منطقيا للبدء من خلال ضم تركمانستان، وكازاخستان، وأوزبكستان، وتركيا، وأذربيجان، والصين.

ومن الممكن أن تتعاون هذه المجموعة في تحديد وتخفيف الاختناقات وغيرها من العقبات التي تؤثر على نقل الطاقة على طول الممر الأوسط.

وهناك طريقة أخرى يمكن أن يساعد بها الغرب من خلال تقديم المساعدات الفنية، حيث ستكون رقمنة بيانات الوسائط المتعددة وتبادل المستندات أمرا مهما لإمكانية التنبؤ والموثوقية. ومع ذلك، يتعين عدم القيام بذلك بصورة أحادية أو اعتمادا على تكنولوجيا أي شريك واحد.

ورغم أن الصين نجحت في رقمنة مشروعات مبادرة الحزام والطريق، يمكن أن تتوخى دول آسيا الوسطى الحذر بالنسبة للاعتماد على تكنولوجيا الصين فقط، والمصحوب بمخاطر التعرض للمراقبة. ولدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القدرة التامة للمساهمة في رقمنة طرق التجارة.

وعلى الرغم من المخاطر والعقبات التي تعوق ترابط الممر الأوسط وبالتالي تدفق غاز تركمانستان إلى أوروبا، من الممكن أن تفوق المكاسب الخسائر.

فمن خلال هذا المشروع التعاوني، يمكن للصين التعامل مع قضايا الطريق التي سوف تستمر، خاصة أثناء تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على طرق الإمدادات. وفي ضوء الحقائق الجيوسياسية الحالية، ليس هناك وقت أفضل من الآن لقيام الغرب، والصين، وآسيا الوسطى، بما في ذلك تركمانستان بتطوير ترابط الممر الأوسط.


مقالات ذات صلة

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أوروبا واجهة مطار قازان الروسي (أرشيفية - ريا نوفوستي)

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي في روسيا (روسافياتسيا) إعادة فتح مطار مدينة قازان بعد إغلاقه مؤقتاً عقب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الجنرال الروسي إيغور كيريلوف يتحدّث في مؤتمر صحافي 28 فبراير 2023 (أ.ب)

روسيا تشيع جثمان الجنرال كيريلوف في جنازة عسكرية

شيعت روسيا جثمان الجنرال الروسي إيغور كيريلوف الذي اغتالته أوكرانيا في جنازة عسكرية تزامناً مع شنها هجوماً انتقامياً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

لماذا ينسحب الجيش الأوكراني من مناطق في الشرق؟

كشف الجيش الأوكراني، اليوم (الجمعة)، إن قواته انسحبت من المنطقة المحيطة بقريتي أوسبينيفكا وترودوف في منطقة دونيتسك شرق البلاد لتجنب محاصرتها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال الإنقاذ وعناصر الشرطة يعملون في موقع الهجوم الصاروخي الروسي بكييف (إ.ب.أ)

قتيل وإصابات في ضربات صاروخية روسية على كييف (صور)

أطلقت روسيا صواريخ باليستية على كييف صباح اليوم (الجمعة)، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة تسعة وتضرر أنظمة التدفئة في مئات المباني.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ ديبرا تايس أمام صورة لابنها الصحافي أوستن تايس الذي اختطف أثناء تغطيته للأحداث في سوريا عام 2012 (رويترز)

والدة الصحافي الأميركي المفقود بسوريا تطلب من بوتين المساعدة في العثور عليه

قالت شبكة إن بي سي إن ديبرا تايس، والدة الصحافي الأميركي أوستن تايس أرسلت رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، تطلب مساعدته في العثور على ابنها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

قطر تهدد بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا

أنابيب لنقل الغاز في منشأة للغاز في ألمانيا (رويترز)
أنابيب لنقل الغاز في منشأة للغاز في ألمانيا (رويترز)
TT

قطر تهدد بوقف إمدادات الغاز إلى أوروبا

أنابيب لنقل الغاز في منشأة للغاز في ألمانيا (رويترز)
أنابيب لنقل الغاز في منشأة للغاز في ألمانيا (رويترز)

قال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي، لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، في مقابلة نُشرت اليوم (الأحد)، إن بلاده ستوقف شحن الغاز للاتحاد الأوروبي إذا فرضت دوله الأعضاء بصرامة قانوناً جديداً يتعلق بالعمالة والضرر البيئي.

وبموجب قانون يتعلق بالفحص النافي للجهالة واستدامة الشركات الذي تمّت الموافقة عليه هذا العام، مطلوب من الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي التحقق مما إذا كانت سلاسل الإمداد الخاصة بها تستخدم العمالة القسرية أو تتسبب في أضرار بيئية، واتخاذ الإجراءات اللازمة إذا خلصت إلى ذلك. وتشمل العقوبات غرامات تصل إلى 5 في المائة من إجمالي الإيرادات العالمية.

وقال الكعبي للصحيفة: «إذا كان الأمر ينطوي على خسارة 5 في المائة من الإيرادات التي حققتها بسبب (البيع) لأوروبا، فلن أبيع لأوروبا. أنا جاد في ذلك. 5 في المائة من إيرادات شركة (قطر للطاقة) تعني 5 في المائة من إيرادات دولة قطر. هذه أموال الشعب، لذلك لا يمكنني أن أخسر مثل هذه الأموال، ولا أحد يقبل خسارة مثل هذه الأموال».

وأشار الكعبي، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة «قطر للطاقة» المملوكة للدولة، إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يراجع هذا القانون بشكل شامل.

وقال إن بلاده لا تشعر بالقلق من وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بإلغاء سقف مفروض على صادرات الغاز الطبيعي المسال.

وتسعى قطر، وهي من بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى الاضطلاع بدور أكبر في آسيا وأوروبا مع ازدياد المنافسة من الولايات المتحدة.

وتخطِّط قطر لزيادة طاقة تسييل الغاز إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول عام 2027 من 77 مليون طن حالياً.