بالتزامن مع تأكيد الرئيس الصيني شي جينبينغ، (الثلاثاء)، معارضته «الحمائية في العلاقات الاقتصادية الدولية»، والتعهد بالمضي قدماً «في الطريق الصحيح للعولمة الاقتصادية»، تحركت الصين في إجراء يبدو أنه «انتقامي» عبر تقييد صادرات بعض المعادن شائعة الاستخدام في إنتاج أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة تقنياً، مما قد يسفر عن تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وقد يتسبب في تفاقم الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية.
تأتي التصريحات والتحركات قبل ساعات من زيارة مرتقبة لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، لبكين من أجل بحث الملفات الشائكة والعمل على حلحلتها وترطيب الأجواء.
وتسارع الشركات العالمية حالياً للرد على الأخبار المفاجئة التي أُعلنت في وقت متأخر مساء الاثنين. وقالت شركة أميركية منتجة لرقائق أشباه الموصلات إنها تقدمت بطلب للحصول على تصاريح تصدير لطمأنة المستثمرين. وقال منتج للجرمانيوم في الصين لـ«رويترز» إن الاستفسارات من الخارج والأسعار ارتفعت بين عشية وضحاها.
وقالت وزارة التجارة الصينية إنها ستسيطر اعتباراً من أول أغسطس (آب) على صادرات 8 منتجات من الغاليوم و6 منتجات من الجرمانيوم لحماية أمنها القومي ومصالحها، في خطوة عدّها المحللون رداً على جهود واشنطن المتصاعدة للحد من التقدم التكنولوجي للصين.
وقال بيتر آركيل، رئيس اتحاد الصين العالمي للتعدين: «ضربت الصين قيود التجارة الأميركية في موضع مؤلم». وأضاف أن «الغاليوم والجرمانيوم مجرد نوعين من المعادن الثانوية؛ لكن المهمة جداً لطائفة من منتجات التكنولوجيا، والصين هي المنتج المهيمن لمعظم هذه المعادن. والاقتراح أن دولة أخرى قد تحل محل الصين في المدى القصير أو حتى على المدى المتوسط ضرب من الخيال».
وتأتي القيود التي تفرضها الصين في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن فرض قيود جديدة على تصدير الرقائق الدقيقة المتقدمة تقنياً إلى الصين، بعد سلسلة من القيود في السنوات القليلة الماضية.
ومن المتوقع أيضاً أن تفرض الولايات المتحدة وهولندا قيوداً أخرى على بيع معدات إنتاج الرقائق لشركات تصنيع الرقائق الصينية هذا الصيف ضمن جهود تهدف إلى منع استخدام الجيش الصيني لتقنيتهما.
وكان آخر رد من بكين على الضغط الأميركي على الرقائق في مايو (أيار)، حين منعت بعض القطاعات المحلية من شراء منتجات من شركة «ميكرون» الأميركية لتصنيع رقائق الذاكرة.
من جانبها، قالت وزارة الصناعة الكورية الجنوبية يوم الثلاثاء إن كوريا الجنوبية ترصد تأثيراً محدوداً للقيود التي فرضتها الصين على صادرات المعادن المستخدَمة في صناعة الرقائق.
وذكرت «بلومبرغ» أن الوزارة قالت إنها أجرت اجتماعاً مع المسؤولين المعنيين بصناعة أشباه المواصلات والشاشات.
وقال المشاركون إن التأثير المباشر للقيود على صادرات الغاليوم ربما لن يكون كبيراً، حيث إنه يُستخدم في أعمال البحث والتطوير من أجل رقائق الجيل المقبل.
وفي إجراء موازٍ للسيطرة على أسواق المعادن المهمة، أوضح تقرير لـ«بلومبرغ» أن الصين تستفيد حالياً من تراجع أسعار الكوبالت لتعزيز مخزونها من المعدن المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وسبائك الفضاء.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطّلعة على الأمر القول إن الإدارة الوطنية للغذاء والاحتياطيات الاستراتيجية، وهي الهيئة الحكومية المعنية بالتخزين، وافقت هذا الأسبوع على شراء نحو 5000 طن من الكوبالت من ثلاث مصافٍ محلية ومن تاجر تابع للدولة.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن حجم الكمية جاء أكبر من الخطة الأصلية التي كانت مقررة لشراء 2000 طن، وذلك بعد أن دفعت المزيد من العروض التي قدمها الموردون، الهيئة الحكومية المعنية بالتخزين إلى شراء المزيد من كميات المعدن.
ولم تردّ الإدارة الوطنية للغذاء والاحتياطيات الاستراتيجية على طلب التعليق الذي أُرسل عبر الفاكس.
وبالتزامن مع التحركات الصينية المفاجئة، وقبل ساعات من زيارة وزيرة الخزانة الأميركية بكين، دعا الرئيس شي جينبينغ (الثلاثاء)، إلى «حفظ السلام الإقليمي»، مؤكداً معارضة بكين «الحمائية» في العلاقات الاقتصادية، وذلك في كلمته أمام قمة افتراضية لمنظمة شنغهاي للتعاون التي تضم دولاً عدة أبرزها الصين وروسيا.
وتعهد شي بمواصلة الصين «المضيّ في الطريق الصحيح للعولمة الاقتصادية، ومعارضة الحمائية والعقوبات الأحادية وتوسيع مفاهيم الأمن القومي»، فيما يبدو إشارة ضمنية إلى إجراءات تقييدية اتخذتها واشنطن حيال بكين في مجالات تجارية أبرزها التقنيات الحديثة.