في سن السادسة، بدأ مسعد عمران في نسج خيوط الحرير مع القطن والصوف على النول لصناعة أول سجادة في منزل أسرته بقرية ساقية أبو شعرة بمحافظة المنوفية شمال القاهرة.
تداخلت خيوطه المنسوجة مع سنوات حياته الأولى، كأن القدر كان يتنبأ له بطول ارتباطه بهذه المهنة. مرت 46 عاماً وأصبح لديه من الأبناء خمسة، جميعهم يعملون بنفس المهنة منذ صغرهم، مثل غالبية أبناء قرية ساقية أبو شعرة التي تعد إحدى قلاع صناعة السجاد في مصر.
عمران هو أحد صناع السجاد ورئيس سابق لغرفة الحرف اليدوية باتحاد الصناعات، وقال لوكالة أنباء العالم العربي: «أول مرة بدأت العمل على النول كنت في عمر 6 سنوات في ساقية أبو شعرة التي أعدها إحدى أهم قلاع صناعة السجاد اليدوي في العالم. تعلمت المهنة من أهلي وحصلت على تدريبات في مركز تحديث الصناعة في الثمانينات».
وأضاف: «من وقتها وحتى اليوم وأنا مرتبط بهذه المهنة التي بدأتها طفلاً ينسج على النول، حتى وصلت فيها لتولي رئاسة مجلس إدارة غرفة الحرف اليدوية. حتى أولادي الخمسة يعملون بنفس المهنة منذ صغرهم وأصبحوا يحترفونها».
واستطرد: «صناعة السجاد تحقق عائداً جيداً، ومن الممكن أن نعمل في السجادة الواحدة لفترة تتراوح ما بين 3 أشهر وعام، وممكن تصل لأكثر من ذلك. وغالبية منتجاتنا يتم تصديرها إلى الخارج».
يُقدر حجم صادرات قطاع الحرف اليدوية بنحو 250 مليون دولار، ويتراوح حجم المبيعات داخل السوق المحلية بين 5 و8 مليارات جنيه (ما بين 162 و258 مليون دولار)، وفقاً لتقديرات غرفة الحرف اليدوية باتحاد الصناعات.
ويرى عمران أن تأثير الأزمة الاقتصادية على الحرف اليدوية ليس كبيراً، ويوضح: «غالبية المواد الخام من داخل مصر، ولا نحتاج إلى آلات أو عقود صيانة من الخارج، وهو ما يقلل اعتمادنا على الدولار».
ويشير إلى أن انتعاش حركة السياحة يحقق رواجاً لمنتجات قطاع الحرف اليدوية، لكنّ هذا الانتعاش يشعر به التاجر أولاً ويحتاج إلى بعض الوقت حتى يصل إلى العاملين في هذا القطاع. وتقدر غرفة الحرف اليدوية أعداد العاملين في القطاع بنحو 3 ملايين شخص، وحجم الاستثمارات في القطاع بنحو 20 مليار جنيه.
وفي رأي عمران، يُعد التسويق من بين العقبات الرئيسية في قطاع الصناعات اليدوية، وضرب مثلاً بصناعة السجاد قائلاً: «سجاد قرية أبو شعرة يباع في الكثير من دول العالم وبأسعار مرتفعة جداً، لكن لا يحصل العامل إلا على نحو 20 في المائة من ثمن السجادة بينما يحصل التاجر على الباقي».
وقلل عمران من تأثير المعارض التي تنظمها الدولة للقطاع، وأشار إلى أن «الدولة تصرف على المعرض نحو 30 مليون جنيه، فيما لا تتجاوز مبيعات العارضين نحو 5 ملايين جنيه. كان من الأفضل للدولة أن تقدم الـ30 مليون جنيه للعارضين بشكل مباشر كدعم». وأضاف أن الحديث عن دعم الدولة للحرف مجرد تصريحات ليس لها صدى على أرض الواقع.
لكنّ آية الجابري، مؤسِّسة العلامة التجارية «كشمير هاند ميد»، ترى أن المعارض منصة فعالة للترويج للمنتجات يدوية الصنع مثل حقائب أجهزة اللابتوب، وأشغال الكروشيه، والمفارش.
وقالت على هامش مشاركتها في معرض «ديارنا» الذي استضافته وزارة المالية الأسبوع الماضي، إنها تشارك بصفة دائمة في المعارض التي تنظمها الدولة، فضلاً عن مشاركتها في عدة فعاليات نظّمتها وزارات الخارجية، والتجارة والصناعة، والتضامن الاجتماعي.
وتتعاون آية الجابري مع مبادرة «حياة كريمة» في تدريب مئات الفتيات سنوياً بمدينة البدرشين بمحافظة الجيزة لاكتساب مهارات الحرف اليدوية وكسب قوتهن من خلال مشاريعهن الخاصة.
مركز تحديث الصناعة هو إحدى أذرع وزارة التجارة والصناعة لتنمية وتحديث الصناعة المصرية بمختلف قطاعاتها وتعزيز قدراتها التنافسية.
وقالت مديرته دعاء سليمة، في تصريحات لوكالة أنباء العالم العربي، إن المركز ينفّذ خطة لدعم الحرف اليدوية وتطويرها من خلال عدة برامج تدريبية وتأهيلية على مستوى الجمهورية، بهدف العمل على خلق كوادر قادرة على الإنتاج وسط ظروف ملائمة.
وأضافت أن المركز يدرس أيضاً المعوقات والمشكلات في مختلف الحرف، ويعمل على وضع آليات لحلها. ويعقد المركز ندوات لتوضيح دوره واختصاصاته، وينظم زيارات ميدانية بالمحافظات لتقديم الدعم اللازم وتنظيم ورش عمل لخلق هوية دعائية لأصحاب الحرف، وتنظيم معارض لتسويق المنتجات.
وأضافت دعاء سليمة: «يتم التواصل وتوقيع اتفاقيات مع المراكز المتخصصة في مجالات الحرف اليدوية للاستفادة من الخبرات وزيادة قدرة الحرف على المنافسة الخارجية».
ونظراً إلى الجوانب الثقافية التي ينطوي عليها قطاع الحرف اليدوية وما يبرزه من هوّية مصرية، بحثت وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية هالة السعيد يوم (السبت) الماضي عدداً من الملفات المرتبطة بتعزيز التعاون في مجالات الحرف التراثية وآليات تسويقها.
كما أكد وزير المالية محمد معيط، على هامش افتتاح معرض «ديارنا» في مقر الوزارة الأسبوع الماضي، أن الحكومة لا تدّخر جهداً في مساندة صغار المنتجين بالحرف اليدوية وخلق حلول اقتصادية فعالة للعاملين بهذا القطاع.