هل من مخرج لسيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي؟

وسط غياب البديل المنافس للعملة الأميركية في المستقبل المنظور

صورة جورج واشنطن أول رئيس أميركي تظهر على ورقة دولار واحد (أ.ب)
صورة جورج واشنطن أول رئيس أميركي تظهر على ورقة دولار واحد (أ.ب)
TT

هل من مخرج لسيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي؟

صورة جورج واشنطن أول رئيس أميركي تظهر على ورقة دولار واحد (أ.ب)
صورة جورج واشنطن أول رئيس أميركي تظهر على ورقة دولار واحد (أ.ب)

استبعدت رؤى خبراء اقتصاديين قدرة الاقتصاد العالمي على كسر هيمنة الدولار الأميركي، وتخفيف الاعتماد عليه، وسيطرته على ما يصل إلى 80 في المائة من التجارة العالمية الدولية، خصوصاً على المديين القريب والمتوسط.

وقالوا خلال حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن الدولار فرض نفسه على الاقتصاد الدولي عبر تمويله 80 في المائة من التجارة الدولية، وتشكيله 60 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية، وحجم الاقتصاد الأميركي الذي يتجاوز 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، وكذلك تقويم أهم السلع والمواد الخام العالمية كالنفط والذهب بالدولار، إلا أنهم يرون أن هيمنته لن تدوم إلى الأبد، لكنها تحتاج إلى خطط طويلة المدى لكسر هيمنته، وإزاحة سيطرته على الاقتصاد العالمي، وقد تكون العملات المشفرة الرقمية المستقرة هي البديل المحتمل.

وقال الدكتور أحمد بن ناصر الراجحي أمين «جمعية الاقتصاد السعودية» أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك سعود، إن تزايد المناداة بالانتقال لعملة أو عدة عملات لتحل محل الدولار يعكس عدم الارتياح العالمي للهيمنة المستمرة له، ورغبة بعض الاقتصادات في تخفيف اعتمادها على الدولار، في ظل التحولات الاقتصادية الدولية، وتسارع التطورات التقنية عبر ظهور العملات المشفرة، وربما يأتي في بعض الأحيان بدوافع سياسية بحتة، مضيفًا أنه رغم عيوب الدولار إلا أن البديل له غير متاح في الوقت الحالي، وقد يكون مستبعداً في المستقبل المنظور.

وشدد الدكتور الراجحي على صعوبة ظهور بديل قريب للدولار الأميركي، بسبب استمرار القبول العام للدولار مقارنة بغيره من العملات، وهو شرط ضروري لنجاح أي عملة تنافسه، لافتاً إلى أن التحديات ما زالت كبيرة أمام اليورو ليكون بديلاً له، كما أن اليوان الصيني يعاني فجوة ثقة رغم زيادة نسبته في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، ورغم الإصلاحات الاقتصادية، وصدور قراراته من خلال نظام تخطيط مركزي، كما أن تكتل «بريكس» في حالة توسعه قد يشكل تحدياً للدولار من حيث تراجع أهميته في تمويل التجارة الدولية، لكن الدولار سيبقى ملاذاً آمناً، خصوصاً أن إيجاد «بريكس» عملة جماعية متفق عليها يعد أمراً صعباً جدًا.

وأشار الدكتور الراجحي، إلى أن الدولار فرض نفسه في الاقتصاد الدولي عبر تمويله 80 في المائة من التجارة الدولية وتشكيله 60 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية، واستمراره ملاذاً آمناً، بالإضافة إلى تشكيل حجم الاقتصاد الأميركي أكثر من 30 في المائة من الاقتصاد العالمي، وارتباط الاقتصاد الأميركي بعلاقات تجارية تقوم على الدولار مع أغلب دول العالم، وكذلك تميز النظام المالي الأميركي بالعمق والسيولة، وتشكيل سوق السندات الأميركية أكثر من 40 في المائة من السوق العالمية. ولفت الدكتور الراجحي، إلى أن الوضع المهيمن للدولار لن يدوم للأبد، مستشهداً بما مر به الجنيه الإسترليني عبر تغير الظروف المالية والمعادلات الاقتصادية والسياسية الدولية، وما قد ينتج عنه من تعدد في العملات الدولية المتناسبة، وتوسع الدول في العلاقات التجارية البينية التي تتضمن الدفع بعملاتها هي وليس بالدولار، مضيفاً أن التغير القادم قد يأتي من «العملات المشفرة المستقرة» التي قد تقلب الطاولة على الدولار وغيره من العملات، حيث من الممكن استخدامها لتغطية نسبة كبيرة من التجارة الدولية مع إسراع البنوك المركزية في استخدام أساليب دفع رقمية فيما بينها.

من جهته، يرى الدكتور عبدالله باعشن رئيس مجلس إدارة «تيم ون» للاستشارات المالية، أن استمرار البنك الفيدرالي الأمريكي في استخدام سياسات نقدية متشددة ورفع سعر الفائدة للمرة العاشرة على التوالي، حتى وصلت إلى 5.25 في المائة، وسيطرة الدولار على أهم مفاصل التجارة العالمية، هو ما أدى إلى تفكير بعض الدول والاقتصادات العالمية في الخروج من دائرة الدولار، واستبداله بعملات الاقتصاديات الكبيرة مثل الين واليوان وغيرها.

وأضاف الدكتور باعشن، أنه من النظرية الاقتصادية البحتة، ومن خلال تقييم الموضوع، وفق مبادئ وأساسيات الاقتصاد، فإن التفكير في ذلك يعد من الأحلام التي يصعب تحقيقها في الفترة الحالية، مرجعاً ذلك إلى تسعير أهم السلع والمواد الأولية بالدولار كالنفط والذهب والعقود التجارية المستقبلية، حتى باتت سيطرته تمثل ما بين 70 إلى 80 في المائة من التعاملات التجارية الدولية، بالإضافة إلى استثمار أصحاب الثروات في الصين ومنطقة الخليج لأموالهم التي تتجاوز ترليونات الدولارات في السوق الأميركية وسندات الخزينة الأميركية.

وأشار الدكتور باعشن، إلى استحالة الخروج من دائرة الدولار الأميركي في المدين القريب أو المتوسط، وصعوبة ذلك في المدى البعيد، لافتاً إلى أن تأثير ذلك على السوق الأميركية سيؤدي لتعرض استثمارات الدول الخارجية في سندات الخزينة الأميركية إلى تحقيق خسائر كبيرة، قد لا تتحملها تلك الدول، لذلك من الأفضل لها أن تبقى وتحافظ على مصالحها في السوق الأميركية. وزاد بأنه على تلك الدول التي تنوي الخروج من دائرة الدولار، التفكير بحلول منطقية ونظرة مستقبلية، عبر تنظيم مؤتمرات متخصصة وتكتلات اقتصادية كبيرة تشارك فيها دول ذات تأثير اقتصادي كبير مماثل لما هو موجود في مجموعة العشرين أو في بعض التكتلات الاقتصادية الأخرى.



تعهدات ترمب بفرض تعريفات جمركية تدفع الدولار للارتفاع

أوراق نقدية بقيمة 100 دولار أميركي (رويترز)
أوراق نقدية بقيمة 100 دولار أميركي (رويترز)
TT

تعهدات ترمب بفرض تعريفات جمركية تدفع الدولار للارتفاع

أوراق نقدية بقيمة 100 دولار أميركي (رويترز)
أوراق نقدية بقيمة 100 دولار أميركي (رويترز)

ارتفع الدولار الأميركي يوم الثلاثاء بعد أن أعلن الرئيس المنتخب دونالد ترمب عن خطط لفرض تعريفات جمركية على المنتجات القادمة إلى الولايات المتحدة من المكسيك وكندا والصين، مما أثار مخاوف من سياسات قد تؤدي إلى حرب تجارية.

وفي رد فعل سريع على تصريحات ترمب، قفز الدولار أكثر من 2 في المائة مقابل البيزو المكسيكي، وسجل أعلى مستوى له في أربع سنوات ونصف مقابل نظيره الكندي. كما ارتفع الدولار إلى أعلى مستوى له منذ 30 يوليو (تموز) مقابل اليوان الصيني. في حين هبطت عملات أخرى مقابل الدولار، لكنها قلصت خسائرها بحلول منتصف الجلسة في آسيا، وفق «رويترز».

وكان الدولار قد شهد تراجعاً طفيفاً في الأيام الأخيرة، بعد أن رحبت سوق سندات الخزانة الأميركية بترشيح ترمب لمدير صندوق التحوط سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة. ورغم أن المتداولين يعتبرون بيسنت من قدامى «وول ستريت» ومن مؤيدي السياسة المالية المحافظة، فإنه كان داعماً للدولار القوي وفرض التعريفات الجمركية. وقال المحللون إن رد فعل السوق تجاه هذا الاختيار من المحتمل أن يكون مؤقتاً.

وفي تعليق على تصريحات ترمب، قال كبير الاستراتيجيين في السوق، جيسون وونغ من بنك «بي إن زي»: «سوف تكون السوق متقلبة» بشأن تصريحات ترمب، وأضاف: «يمكنك التوصل إلى استنتاجات سريعة، ولكنني لا أستعجل ذلك الآن، لذا فإن السوق تحتاج فقط إلى الاستقرار».

وأكد ترمب أنه في اليوم الأول من توليه منصبه، سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع المنتجات القادمة من المكسيك وكندا. وبخصوص الصين، قال الرئيس المنتخب إن بكين لا تتخذ إجراءات كافية لوقف تصدير المواد المستخدمة في تصنيع المخدرات غير المشروعة.

وأضاف: «حتى يتوقفوا عن ذلك، سنفرض على الصين تعريفة إضافية بنسبة 10 في المائة، بالإضافة إلى أي تعريفات أخرى على جميع منتجاتهم القادمة إلى الولايات المتحدة».

من جهتها، نفت الصين هذه الاتهامات، وقالت السفارة الصينية في واشنطن بعد تصريحات ترمب إن «كلاً من الولايات المتحدة والصين لن تستفيدا من حرب تجارية».

في هذه الأثناء، هبط الدولار الأسترالي إلى أدنى مستوى له في أكثر من ثلاثة أشهر عند 0.64335 دولار في الساعات الأولى من التداول في آسيا، وكان آخر تداول له بانخفاض 0.21 في المائة عند 0.6478 دولار. ويُباع الدولار الأسترالي في كثير من الأحيان بوصفه بديلاً سائلاً لليوان الصيني؛ نظراً لأن الصين هي أكبر شريك تجاري لأستراليا.

أما الدولار النيوزيلندي فقد وصل إلى أدنى مستوى له في عام عند 0.5797 دولار، لكنه محا معظم خسائره ليعود للتداول بالقرب من 0.58415 دولار.

وأوضح استراتيجي الاستثمار لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة «ليغال آند جنرال لإدارة الاستثمارات»، بن بينيت، أن المستثمرين قد ركزوا حتى الآن على السياسات الاقتصادية الإيجابية التي أعلنها ترمب مثل خفض الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية، لكن من المحتمل أن تكون سياساته الأكثر تحدياً مثل فرض التعريفات الجمركية أسهل في التنفيذ. وأضاف: «هذا الإعلان بمثابة تنبيه للمستثمرين».

وأشار إلى أن «التعريفات الجمركية ستكون مفيدة للدولار الأميركي وستضر بالعملات التي ستتعرض لهذه التعريفات مع تغير ميزان التجارة، ولكنني لست متأكداً من أن حكومة ترمب ستسمح بتسارع هذا الاتجاه».

وتوقع بعض المحللين أن تهديدات التعريفات الجمركية قد تكون مجرد تكتيك تفاوضي. وقالت كبيرة الاقتصاديين في منطقة الصين الكبرى في «آي إن جي»، لين سونغ: «الجانب المشرق من هذا هو أنه بدلاً من سيناريو التعريفات الجمركية المدفوع آيديولوجياً حيث لا يمكن فعل أي شيء لتجنب حرب تجارية شاملة، طالما كان هناك مجال للتفاوض، فهناك إمكانية لنتيجة أقل ضرراً».

وكان مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة الدولار الأميركي مقابل ست عملات رئيسية، عند 107.04. كما تراجع اليورو بنسبة 0.18 في المائة ليصل إلى 1.04785 دولار، في حين بلغ الجنيه الإسترليني 1.25525 دولار، منخفضاً بنسبة 0.14 في المائة على مدار اليوم.

وتلقى اليورو ضربة يوم الجمعة الماضي بعد أن أظهرت مسوحات التصنيع الأوروبية ضعفاً واسعاً، في حين فاجأت المسوحات الأميركية التوقعات بارتفاعها.

في المقابل، سجل الين الياباني زيادة بنسبة 0.4 في المائة ليصل إلى 153.55 ين مقابل الدولار.

أما بالنسبة للعملات الرقمية، تم تداول «البتكوين» عند 94.375 دولار، وهو أدنى بكثير من أعلى مستوى قياسي بلغ 99.830 دولار الذي سجله الأسبوع الماضي.

وشهدت «البتكوين» جني أرباح قبل الوصول إلى الحاجز الرمزي 100.000 دولار، بعد أن ارتفعت بأكثر من 40 في المائة منذ الانتخابات الأميركية وسط توقعات بأن يسمح ترمب بتخفيف البيئة التنظيمية للعملات المشفرة.