يُجمع كل من المعارضة والنظام في سوريا على أن العد العكسي للمرحلة الأخيرة من «معركة حلب» قد بدأ إثر انتهاء الهدنة الروسية كسابقاتها من دون أي نتائج، بعد رفض المعارضة لها، وعدم تسجيل خروج أي شخص من الأحياء الشرقية من المدينة، لا من المدنيين ولا من المقاتلين.
وفي حين يبدو واضحا أن التحضيرات العسكرية من قبل الطرفين كبيرة، يشير مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، إلى أنه من المتوقع أن تبدأ المعارك الفعلية خلال ساعات أو أيام على أبعد تقدير، معتبرا أن «هذه المرحلة الثالثة والأخيرة ستكون الحاسمة بالنسبة إلى النظام والمعارضة». وبعدما كانت معلومات قد أشارت إلى أن قوات النظام والمجموعات الموالية لها تحضّر لهجوم يعد الأقوى والأعنف على أحياء حلب الشرقية، بعد فشل «الهدنة» التي أعلنتها روسيا وانتهت أول من أمس، نقلت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية عن ضابط سوري قوله إن الروس سيقودون الهجوم على حلب الشرقية، وسيشكلون أكثر من 80 في المائة من القوات المهاجمة.
من جهة ثانية، صرّح الناطق العسكري باسم تجمع «فاستقم كما أمرت» عمار صقّار، لـ«الشرق الأوسط» بأن «إطلاق المرحلة الثالثة من معركة حلب بات قريبا جدا»، واصفا إياها بـ«معركة كسر عظام»، بينما أشار عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه من المتوقع أن تشن فصائل المعارضة التي استقدمت تعزيزات، في العدد والعتاد، هجوما مزدوجا من داخل الأحياء الشرقية لحلب وخارجها لضمان نجاحها، لا سيما أن معركة حلب ونتائجها لا تقتصر على المدينة وحدها، بل على مسار الأزمة السورية بشكل عام. وهذا أيضًا ما أكد عليه سمير نشار، عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، الذي يتحدّر من حلب، معتبرا أن «هذه المعركة ستكون عنوان المرحلة المقبلة». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» قال نشار: «يبدو واضحا أن هناك إصرارا من قبل قوات النظام، ومن خلفها بشكل أساسي روسيا وإيران، على حسم معركة حلب لتغيير موازين القوى السياسية والعسكرية». ورأى نشار أن التصريحات الروسية تصب في هذا الاتجاه، واصفا الهدنة المفترضة التي انتهت أول من أمس، بـ«شروط استسلام» للفصائل والمدنيين على حد سواء، ظنا منهم أن سياسة التهجير القسري التي اعتمدوها في مناطق محافظة ريف دمشق يمكن تطبيقها في هذه المدينة. وأردف نشار: «إنما واقع حلب يختلف تماما لجهة عدد السكان المحاصرين داخلها الذي يقدّر بـ250 ألفا، وعدد المقاتلين الذي يتراوح بين 8 و10 آلاف، إضافة إلى آلاف العناصر التي تحاول كسر الحصار من الخارج. كذلك فإن معظم هؤلاء ينتمون إلى الطائفة السنّية في مواجهة مقاتلين من ميليشيات شيعية، وهو الأمر الذي سيترك آثاره السلبية لناحية مزيد من الاقتتال الطائفي والمذهبي».
وفي حين توقّع نشار أن تشن الطائرات الروسية غارات مكثفة على المدينة، ما سيؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، فإنه توقع في الوقت عينه أن تتحول المعركة في حلب إلى حرب شوارع، ما من شأنه أن يضع الميليشيات الشيعية أمام مأزق مواجهة أبناء المنطقة، وفي هذه الحالة تكون مهمّة الطائرات صعبة. وتساءل عضو «الائتلاف» قائلا: «أمام هذا الواقع إذا فشل اجتياح الأحياء، ماذا سيكون موقف موسكو التي ستكون عندها مسؤولة من الناحية الإنسانية والأخلاقية والعسكرية عن تدمير حلب وقتل أبنائها؟».
من جهة ثانية، أكد ميشال كيلو، وهو عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف»، أن «صمود الثوار والأهالي في أحياء حلب الشرقية المحاصرة سيكون له أثر حاسم في تحديد شكل سوريا المستقبل»، داعيًا جميع قوى الثورة إلى التكاتف ودعم الثوار ومساندتهم. وقال كيلو: «ما لجأ له الروس في حلب خلال الأيام القليلة الماضية من تهدئة ليس كرم أخلاق منهم، وإنما هو نتيجة قوة الثوار على الجبهات»، وأضاف: «حلب أمام مفترق طرق، والقوات الروسية ربما تشعر بالعجز عن السيطرة على كامل مدينة حلب وإعادتها إلى سلطة النظام». ولفت إلى أن روسيا اتبعت طريق الهُدن وإبرام الاتفاقيات بهدف تفادي خسائر مادية وبشرية جديدة في صفوف قواتها، مشيرًا إلى أن ذلك يحدث بالتزامن مع دعوات شعبية روسية لوقف العمليات العسكرية التي يقودها الجيش الروسي ضد الثوار، والتي قد تؤدي إلى مواصلة الاستنزاف في سوريا بشكل أكبر.
في هذه الأثناء، على الصعيد الميداني، واصلت قوات المعارضة السورية يوم أمس، معاركها ضمن المرحلة الثانية من المعركة التي وصفتها بـ«ملحمة حلب الكبرى» التي تهدف إلى فك الحصار عن الأحياء الشرقية وتحرير الأحياء الغربية، وتمكنت من السيطرة على عدة نقاط داخل أحياء حلب الجديدة ومشروع 3000 شقة. كذلك تمكنت عناصر من «جيش إدلب الحر» من التسلل لمواقع «لواء القدس» الفلسطيني المساند لقوات الأسد بحلب، وقتل عدد من عناصره، ضمن عملية مباغتة على جبهة العويجة شمال المدينة. وأفاد المكتب الإعلامي لـ«جيش إدلب الحر» في إعلان منه لـ«شبكة شام الإخبارية» بأن العملية تمت صباحا، حيث قامت عناصر من الجيش بالانغماس داخل أحد المواقع التابعة لـ«لواء القدس» الفلسطيني، وقتل 8 عناصر وجرح آخرين، وقاموا بإنزال العلم السوري من المبنى والعودة لمواقعهم سالمين. وعلى حسابها على موقع «تويتر»، نشرت «غرفة عمليات حلب» مقاطع فيديو حملت عنوان «التمهيد على المواقع العسكرية لعصابات الأسد في مداخل حلب الغربية» وأخرى «التمهيد بمختلف الأسلحة الثقيلة على مشروع 3000، وعلى مواقع وتحصينات لقوات النظام».
وبما يخص التدخل العسكري الروسي، شنّت المقاتلات الروسية حملة قصف جوي عنيفة على الريف الغربي لحلب يوم أمس، مخلفة دمارًا واسعًا وعدة قتلى وجرحى. وأفاد موقع «الدرر الشامية» بأن الطيران الحربي الروسي استخدم في القصف الصواريخ المزودة بالمظلات؛ حيث شنّ غارات على مدينة دارة عزة، سقط جراءها ثلاثة قتلى، وغارات أخرى على مدينة الأتارب وبلدة أبين، فيما خلفت الغارات المتجدّدة على بلدة كفرناها عدة جرحى وعالقين تحت الأنقاض. وللعلم، أصبح الطيران الروسي يستخدم الصواريخ المزودة بالمظلات بكثافة خلال الأيام الماضية، وهي المعروفة بأنها تتمتع بدقة إصابة أكبر ﻷهدافها، كما تزن بين 500 و1000 كيلو غرام.
العد العكسي للمرحلة الثالثة من «معركة حلب» انطلق.. وتوقعات بأن تكون «الحاسمة»
تحضيرات عسكرية لها من الطرفين و«المرصد السوري» يرجح أن تبدأ قريبًا جدًا
العد العكسي للمرحلة الثالثة من «معركة حلب» انطلق.. وتوقعات بأن تكون «الحاسمة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة