«حرب وثائق» بين واشنطن وموسكو حول شروط إعمار سوريا

أميركا وثماني دول غربية تشترط «انتخابات برلمانية ورئاسية» وروسيا ترفض «التسييس»... و {الشرق الأوسط} تنشر نصوص الأوراق

جندي سوري يقف داخل منزل دمر في مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق السبت الماضي (أ.ب)
جندي سوري يقف داخل منزل دمر في مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق السبت الماضي (أ.ب)
TT

«حرب وثائق» بين واشنطن وموسكو حول شروط إعمار سوريا

جندي سوري يقف داخل منزل دمر في مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق السبت الماضي (أ.ب)
جندي سوري يقف داخل منزل دمر في مخيم اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق السبت الماضي (أ.ب)

تدور «حرب وثائق» بين واشنطن وموسكو في نيويورك حول ظروف إعمار سوريا، بين اشتراط أميركا وثماني دول غربية حليفة حصول «الانتقال السياسي» في سوريا و«إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية» من جهة، ورفض روسيا «تسييس الإعمار» والمساعدات الإنسانية واستعجالها عودة اللاجئين من جهة أخرى.
وكشفت وثائق أرسلها وزراء خارجية الدول المانحة الغربية والإقليمية، بينهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومراسلات وأوراق أممية حصلت «الشرق الأوسط» على نسخ منها، رفض المساهمة في إعمار سوريا «قبل بدء عملية سياسية بقيادة الأمم المتحدة لتحقيق انتقال سياسي شامل، وصريح، وحقيقي لا رجعة عنه» ما يعني «صوغ دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ومنصفة ومستقلة وخاضعة لإشراف الأمم المتحدة وهيئاتها ضمن بيئة آمنة ومحايدة» في 2021 وفق الجدول الزمني للقرار الدولي 2254، واستحقاقات الانتخابات السورية.
وإذ رفض ممثلو الدول التسع والاتحاد الأوروبي جهود موسكو استعجال الإعمار السوري، فقد دعموا موقف الأمم المتحدة بوجوب التزام العاملين في مؤسساتها في سوريا والعالم بـ«المساءلة»، وعدم التعامل مع «متورطين بجرائم حرب».
انتخابات برلمانية ورئاسية
في 19 سبتمبر (أيلول)، بعث ممثلو بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبولندا والسويد وبريطانيا والولايات المتحدة برسالة إلى غوتيريش، معربين عن «القلق من الضغوط المتزايدة للدفع في مسار بدء جهود التنمية وإعادة الإعمار في سوريا، بصرف النظر تماماً عن موقف العملية السياسية الراهنة»، في إشارة إلى نشاطات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورسائله إلى غوتيريش.
وأشار المسؤولون إلى أن رسالتهم الموقَّعة تحظى بدعم دول الاتحاد الأوروبي بموجب استراتيجيته المعلنة في أبريل (نيسان) الماضي، التي عبَّر فيها عن «الاستعداد التام للمساهمة والمساعدة في بناء سوريا شرط بدء سريان الانتقال السياسي الشامل، والصريح، والحقيقي (...) بكل جدية وحزم»، وتأييد هذا الموقف في بيان قادة دول مجموعة السبع الكبرى في اجتماعهم في مايو (أيار) عام 2017.
وذكرت الوثيقة أنه «تبدأ عجلة التقدم الذي لا رجعة عنه في الدوران من خلال العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة باتجاه انتقال سياسي شامل وصريح وحقيقي بموجب القرار 2254... لا يمكن توقع أي دعم أو تأييد دولي لتمويل برامج التنمية وإعادة الإعمار في المدى الطويل؛ إذ يجب أن تتاح للشعب السوري، بمن في ذلك النازحون في خارج البلاد، القدرة بحرية تامة على انتخاب مَن يمثلونهم من المرشحين السياسيين». وزادت: «طالما أن سوريا لم تتخذ بعد أولى خطواتها على مسار الاستقرار المستدام، فإن جهود تمويل التنمية والبرامج وإعادة البناء لن تكون ذات معنى مجدي، بل وربما قد تسفر عن نتائج عكسية مزرية تتشكل في صورة قميئة من انتشار وتفشي الفساد وترسيخ هياكل الحكم المعيبة بشكل عميق، فضلاً عن تعزيز أركان اقتصاد الحرب».
وإلى حين تحقيق التقدم في «الانتقال السياسي»، دعت هذه الدول الأمم المتحدة إلى «توفير المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح، وأن تتحدد الأولويات بناء على خطة الاستجابة الإنسانية. وسيكون من السابق لأوانه كثيراً الانتقال لما بعد مستوى المساعدات الإنسانية في المرحلة الراهنة إلى الجهود التنموية طالما أن السلطات السورية الحالية تواصل عرقلة جهود توفير المساعدات المحايدة القائمة على توفير الاحتياجات الأساسية من قبل الأمم المتحدة، والمنظمات الإغاثية الأخرى»، خصوصاً أن الأمم المتحدة أعلنت أن «الظروف الراهنة غير مواتية للعودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين».
وكان هذا رداً على المبادرة الروسية بقيادة وزارة الدفاع لإعادة 1.7 مليون لاجئ سوري من دول الجوار عبر ممرات محددة، وبموجب لجان مشتركة مع حكومات الأردن ولبنان وتركيا.
في ضوء تراجع التمويل الدولي للإغاثة، اقترحت الوثيقة الغربية «فرض الأولويات الصارمة إزاء الاحتياجات الأساسية من المواضيع بالغة الأهمية؛ إذ من شأن المساعدات المقدَّمة إلى سوريا أن تسهم في تغطية احتياجات المعوزين مع إفساح المجال المعقول لبدء العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، بما يتسق مع القرار 2254، الذي يتصدر جهود إنقاذ سوريا من الصراع الكارثي المدمر إلى السلام والأمن والاستقرار».
وشدَّدت على أن «أي جهود تتعلق بعملية إعادة الإعمار داخل سوريا لا يمكن لها أن تبدأ عملياً، إلا في أعقاب مباشرة الانتقال بقيادة الأمم المتحدة في شكل موثوق ولا رجعة عنه». عليه، أبلغت الدول الموقعة على الرسالة غوتيريش أنها ستلقي «بكل ثقلها الدبلوماسي وراء العملية السياسية الشاملة التي تقودها منظمة الأمم المتحدة في جنيف ووراء جهود مبعوثكم الخاص (ستيفان دي ميستورا) لتأكيد الغاية المشتركة من تأسيس اللجنة الدستورية السورية الشاملة المحاطة بكل إمارات المصداقية، ووفقاً واتساقاً مع القرار 2254».
وختمت بضرورة «صوغ دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ومنصفة ومستقلة وخاضعة لإشراف الأمم المتحدة وهيئاتها ضمن بيئة آمنة ومحايدة».
معايير ومبادئ
كان وزير الخارجية الروسي واجه مرات عدة غوتيريش بسبب «رسالة سرية» من الأمم المتحدة عن «معايير ومبادئ العمل في سوريا». كما قدمت البعثة الروسية في نيويورك رسائل احتجاج إلى المنظمة الدولية في نيويورك. وحضت موسكو على بدء المساهمة في الإعمار قبل حصول تقدم في الانتقال السياسي والاكتفاء بـ«وقف الحرب» و«اتفاقات خفض التصعيد» التي كان آخرها اتفاق الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في سوتشي في 17 الشهر الماضي. كما رفضت موسكو «تسييس الإعمار» في سوريا وسط تقديرات روسية بأن كلفة الحرب تجاوزت 400 مليار دولار أميركي.
في المقابل، جدد ممثلو الدول التسع لغوتيريش دعمهم «ورقة المبادئ والمعايير» الأممية، وقالوا: «نشيد بالمقاربة المبدئية المعتمدة لدى منظمة الأمم المتحدة، بما ينسجم مع القرار (2254)، المنصوص عليه صراحة في (معايير ومبادئ مساعدة الأمم المتحدة في سوريا)، وارتكازاً على مبدأ مفاده أنه بمجرد بدء الانتقال السياسي الحقيقي والشامل المتفاوض بشأنه بين الأطراف المعنية يمكن اعتبار منظمة الأمم المتحدة قيد الاستعداد لتوفير التمويل اللازم وتسهيل جهود إعادة الإعمار في البلاد».
وفي أعقاب قرار اللجنة التنفيذية التابعة للامين العام للأمم المتحدة في سبتمبر 2017 شكلت مجموعة مصغرة بإشراف فريق العمل المشترك بين الوكالات الخاص بسوريا، وكُلفت بصياغة المعايير والمبادئ الواضحة المعنية بمساعدات الأمم المتحدة في سوريا، كي تنطبق هذه المعايير والمبادئ على مساعدات الأمم المتحدة، لا سيما المساعدات التي تتجاوز مجرد الجهود الطارئة لإنقاذ الحياة. الأمر الذي يعكس المبادئ الإنسانية القائمة، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والمقصود منها مساعدة وحماية الأمم في سياق المشهد السوري المفعم بالتعقيدات. كما هدفت أيضاً إلى حماية الأمم المتحدة كذلك من المخاطر المحتملة المتعلقة بسمعتها على الصعيد الدولي».
مجرمو حرب
حضَّت «معايير ومبادئ مساعدة الأمم المتحدة في سوريا» التي قدمت موسكو احتجاجاً رسمياً عليها٬ المؤسسات الأممية في دمشق على التزام «معايير لضمان توفير الدعم والمساعدة للمستحقين، في كل المناطق السورية»، بما ينسجم مع «مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة»، وتحديداً القرارين 2254 لعام 2015، و2118 لعام 2013، و«بيان جنيف» لعام 2012. كما أكدت على أن «تنسحب المبادئ الإنسانية على الاحتياجات الإنسانية المتعلقة بإنقاذ الحياة»، مع ضمان «عدم الاعتراض والتدخل (في دمشق) في عملياتها، بغية مواصلة العمليات المتوخاة في خطة الاستجابة الإنسانية».
وكررت الوثيقة، التي تقع في صفحتين، مواقف الدول الغربية الذي جاء لاحقاً: «فقط عندما يحصل انتقال سياسي شامل وجدِّي ومتفاوض عليه بين الأطراف المعنية السورية، ستكون الأمم المتحدة جاهزة لتسهيل الإعمار»، ثم دعت عاملي الأمم المتحدة إلى «التزام مبادئ الحياد والنزاهة والاستقلال ومراعاة مبادئ حقوق الإنسان».
إلى وقتذاك: «لا بد من منح الأولوية للمساعدات، استناداً إلى الاحتياجات الملحة للسكان مع تركيز على احتياجات الفئات الضعيفة والأفراد بالأسلوب الذي يوفر الحماية لحقوق الإنسان. ولا بد من توصيل تلك المساعدات بطريقة منصفة وعادلة وغير تمييزية وغير مسيسة والعمل مباشرة مع المجتمعات المحلية والعائلات، بحيث يتم تقديم مساعدات الأمم المتحدة بصورة موحدة في كل أرجاء سوريا، بصرف النظر تماماً عن مناطق النفوذ المختلفة».
وأكدتا: «يجب ألا تكون المساعدات الأممية موجهة لخدمة الأطراف التي يُزعم ارتكابها جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية. ويجب تحديد مساعدات الأمم المتحدة بصورة واعية وصريحة من دون الإخلال بأهداف المساءلة المتعلقة بالانتهاكات الخيرة لحقوق الإنسان، وأهداف التسوية السياسية المشروعة والمنصفة والمستدامة».
وكانت موسكو ضغط على دول غربية للمساهمة في إعمار سوريا بعيداً من مسار عملية جنيف أو مؤسسات الأمم المتحدة. ودعا «مؤتمر الحوار السوري» في سوتشي، بداية العام الحالي، إلى «رفع العقوبات المفروضة من جانب واحد بحق سوريا، ما يؤدي إلى حل المشكلة الإنسانية والمشكلات الاقتصادية ويصب في الإعمار»، من دون اشتراط ربط ذلك بـ«انتقال سياسي» أو تقدم في تنفيذ القرار 2254. وتُسهِم روسيا في معارض في سوريا وتحشد دولاً عربية وآسيوية لهذا الغرض.
دستور جديد
في 27 سبتمبر الماضي، دعا وزير الخارجية الأميركي نظراءه في «المجموعة الصغيرة» وتضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا ودولاً عربية رئيسية إلى اجتماع في نيويورك أسفر عن تبني موقف مشترك. وشكَّل هذا إشارة سياسية إلى عودة واشنطن إلى الملف السوري منذ تسلُّم بومبيو منصبه، وتعيين جيم جيفري وجويل روبان مسؤولين عن الملف.
وتم إرسال رسالة باسم الدول المشاركة إلى غوتيريش، تضمنت «تأييداً لتشكيل لجنة دستورية في جنيف بشكل عاجل لدفع جهود الأمم المتحدة الرامية إلى التوصل إلى حلّ سياسي للصراع في سوريا بموجب القرار 2254».
وإذ أشارت إلى أن النزاع السوري أودى خلال سبع سنوات «بحياة مئات الآلاف من الأرواح وشرّد الملايين قسراً داخل سوريا وخارجها»، أكدت الرسالة وجود «حاجة لدبلوماسية منسّقة وإرادة سياسية دولية لإنهاء النزاع إذ إنه لا يوجد حلّ عسكري للحرب ولا بديل عن الحل السياسي. ونؤكد بأقوى العبارات الممكنة أن أولئك الذين يسعون إلى حلّ عسكري لن ينجحوا إلا في المجازفة بتصعيد خطير وفي اندلاع لهيب الأزمة عبر المنطقة برمتّها وفي خارجها».
وكانت الدول التسع أشارت في رسالتها في 19 سبتمبر (أيلول) إلى أن اتفاق سوتشي لا يلغي تماماً احتمالات الهجوم من قوات النظام بدعم روسي - إيراني على شمال غربي سوريا.
وأكدت «المجموعة الصغيرة» في بيانها على «حتمية أن يتماشى الحلّ السياسي» مع القرار 2254 ما يتطلب أن «تعقد الأمم المتحدة ومكتب المبعوث الخاص اجتماع لجنة دستورية ذات مصداقية وشاملة، في أسرع وقت ممكن كي تبدأ العمل في صياغة دستور سوري جديد وتضع الأسس لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة في بيئة آمنة ومحايدة يتمتع فيها جميع السوريين المؤهلين، بمن في ذلك الموجودون في المهجر، بالحق في المشاركة».
كما حضت الدول دي ميستورا على تقديم تقرير إلى مجلس الأمن يتضمن مدى التقدّم في تشكيل اللجنة الدستورية في موعد لا يتجاوز 31 الشهر الحالي، و«نشجع كل الأطراف على ضمان استعداد الأطراف السورية للمشاركة بشكل جوهري في إجراءات اللجنة بمجرد عقدها»، في إشارة إلى موسكو التي لم تمارس الضغط الكافي على دمشق وأنقرة وطهران خلال اجتماع «الدول الضامنة الثلاث» لعملية «آستانة» في جنيف في 10 الشهر الماضي للاتفاق على قوائم الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني لتشكيل اللجنة الدستورية.
ويتوقع أن يقدم دي ميستورا، الذي مدَّد غوتيريش مهمته حتى نهاية الشهر الحالي، تقريراً إلى مجلس الأمن في حدود منتصف الشهر الحالي يتضمن نتائج جهوده بما في ذلك لقاؤه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.