أثارت الهجمات التي شنها تنظيم داعش على مقر البرلمان الإيراني وضريح الخميني، وأسفرت عن مقتل 12 شخصاً وجرح 42 آخرين، الكثير من التساؤلات حول سبب استهداف التنظيم إيران الآن بعد أن تجاهلتها الهجمات منذ بدء تأسيس «داعش». الأمر الذي قد يشي بنقلة استراتيجية للتنظيم باستهدافها المباشر للكيانات السياسية والدينية لإيران، وإلغاء وصاية تنظيم القاعدة بحرصه على عدم المساس بإيران. بالأخص بعد أن تراجع نفوذ «داعش» في كل من العراق وسوريا واستحالت هجماته إلى عشوائية تستهدف كل بقاع العالم. فالعالم أجمع هو عدو لـ«داعش»، والهجمات وجّهت لكل من طهران ولندن في شهر رمضان الذي وقع هو الآخر ضحية للتنظيم بعد أن أصبح على مر السنوات شهر يعتزم فيه تكثيف هجماته.
لا يعد اختيار شهر رمضان توقيتاً للهجمات الداعشية بأمر جديد، إذ يأتي امتداداً لنهج التنظيم في استغلاله للكثير من المناسبات الدينية سواء يتم اختيارها لاكتظاظها بعدد كبير من الضحايا المحتملين، كما حدث مع الأقباط في مصر، أو اختيار مناسبة دينية كشهر رمضان وهو رمز الصبر والعبادة، ليستحيل عبر حملات إعلامية مكثفة إلى وقت مناسب لتحريض المنتمين إلى التنظيم أو المتعاطفين معه لشن هجمات إرهابية. كتصريح المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم داعش أبو محمد العدناني في 22 مايو (أيار) 2016. حين دعا أعضاء التنظيم لشن هجمات إرهابية في أوروبا: «ها قد أتاكم رمضان شهر الغزو والجهاد شهر الفتوحات فتهيؤوا وتأهبوا لتجعلوه شهر وبال في كل مكان على الكفار، وأخص جنود الخلافة وأنصارها في أوروبا وأميركا». هذه التصريحات التحريضية تلتها هجمات إرهابية مكثفة من قبل «داعش» ففي شهر رمضان وحده في عام 2016 وحده، استهدف التنظيم عبر هجماته بقاع متفاوتة ما بين مطار أتاتورك في إسطنبول، والسعودية التي تعرضت لهجمات متتابعة في يومين متتاليين أبرزها موقف سيارات لقوات الطوارئ قرب الحرم النبوي، ومسجد للشيعة في محافظة القطيف، وتفجير داخل مواقف إحدى مستشفيات مدينة جدة، بالإضافة إلى هجمات إرهابية كثيرة في العراق.
ولفترة طويلة ظهر ما هو أشبه بإسقاط إيران من أجندة الهجمات الإرهابية بدءاً من تنظيم القاعدة وامتداداً إلى «داعش»، إذ لم تتعرض إيران لأي هجمات إرهابية من قبلهما وذلك على الرغم من التنافر الإيراني الداعشي من حيث التوجه الطائفي، إلا أن المواجهة ما بينهما اكتفت بالتواجد على الساحة العراقية والسورية. وتعود آخر هجمة إرهابية تعرضت لها بلاد فارس إلى تاريخ 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2009. أثناء لقاء مسؤولين من الحرس الثوري بوجهاء في محافظة سيستان بلوشستان، مما أدّى إلى مقتل 29 شخصاً بينهم ضابط كبير. وقد نسب الاعتداء إلى جماعة جند الله السنية البلوشية التي تطالب باستقلال إقليم بلوشستان عن إيران. وسبق ذلك بنحو العام والنصف في أبريل (نيسان) 2008 انفجار في مسجد الحسين بمدينة شيراز أثناء الصلاة مما أودى بحياة 14 شخصا وإصابة ما يزيد عن 200 شخص وتبنته منظمة شبه مجهولة تحت مسمى «جنود الجمعية الملكية الإيرانية». فيما بدا احتمال مهاجمة إيران من قبل تنظيم داعش غير متوقع، مما تسبب بتشكيك المحللين السياسيين لمدى جدية التهديدات التي وجهها «داعش» لإيران عبر تسجيل مرئي باللغة الفارسية في 27 مارس (آذار) 2017 بعنوان: «بلاد فارس بين الماضي والحاضر»، والإعلان عن تشكيل قوة عسكرية مثلتها «كتيبة سلمان الفارسي» تهدف إلى تهديد أمن إيران، واتهام نظامها بمطاردة واضطهاد المسلمين السنة.
* «داعش» ليس «القاعدة»
برز دور تنظيم داعش في قلب العراق وقد استخدمت شعائر طائفية تطالب المسلمين السنة بالنهوض ومواجهة الشر الذي يمثله ما وصفتهم بـ: «الروافض» و«الخونة» و«عملاء إيران» إلى جانب تكفير وتجريم الأنظمة العربية والمسلمة وتحويل العالم أجمع كعدو لهم في مواجهة المنتمين للتنظيم وهم وحدهم على طريق الصواب، فيما يظهر التفاوت ما بينه وتنظيم القاعدة في تركيز الأخير على استهداف الدول الغربية وحدها وعلى رأسها الولايات المتحدة مع وجود حرص على عدم استهداف إيران بشكل عام والشيعة في العراق. العلاقة الشائكة ما بين إيران والتنظيمات المتطرفة السنية يظهرها تصريح أبو محمد العدناني المتحدث السابق باسم تنظيم داعش، ظهر في تسجيل صوتي معنون «عذراً أمير القاعدة» يعود بتاريخه إلى 11 مايو 2014، رافضاً سياسة تنظيم القاعدة التي حرصت على توجيه تنظيم داعش بعدم توجيه ضربات للشيعة بشكل عام ولإيران بشكل خاص. «ظلت الدولة الإسلامية تلتزم نصائح وتوجيهات شيوخ الجهاد ورموزه، ولذلك لم تضرب الدولة الإسلامية الروافض في إيران منذ نشأتها، وتركت الروافض آمنين في إيران، وكبحت جماح جنودها المستشيطين غضباً، رغم قدرتها آنذاك على تحويل إيران لبرك من الدماء، وكظمت غيظها كل هذه السنين، تتحمل التهم بالعمالة لألد أعدائها لإيران، لعدم استهدافها، تاركة الروافض ينعمون فيها بالأمن والأمان، امتثالا لأمر القاعدة، للحفاظ على مصالحها، وخطوط إمدادها في إيران».
وتعكس هذه التصريحات حرص المتحدث الرسمي السابق لـ«داعش» دحض الاتهامات التي تلتف حول التنظيم وتورطه بعلاقة مع إيران، إذ أن ذلك يتنافى مع الرسالة الداعشية التي تجلت منذ بداية تأسيس التنظيم وصرح أبو بكر البغدادي في أكثر من مناسبة حول تخوين الشيعة وضرورة استهدافهم في العراق، الأمر الذي تسبب بتصاعد الطائفية وإراقة الدماء. ليعزو العدناني بذلك سبب التحفظ في توجيه هجمات لإيران إلى توجيهات «القاعدة» لهم، ويظهر ذلك عبر توصيات أحد أبرز قياديي «القاعدة» أيمن الظواهري بعدم المساس بإيران ويظهر ذلك عبر رسالة شديدة اللهجة وجهها لأبي مصعب الزرقاوي في عام 2005 وأكد فيها بأن: «الشيعة ليسوا هدفاً لتنظيم القاعدة» وذلك في رد على مطالبة الزرقاوي مهاجمة إيران. فيما طالب بعدم إثارة إيران عبر استهداف الشيعة في العراق.
هنا يجوز التساؤل حول سبب حدوث الهجمات في هذا التوقيت على وجه الخصوص، فتصريحات أبو محمد العدناني، الذي قتل في حلب، قديمة تعود إلى عام 2014. وتظهر إعلان تمرد على توجيهات التنظيم الذي يعد ليس فقط الأب الروحي للتنظيم، وإنما جزء منه قبل أن يصبح له كيانه المستقل. في تسجيل صوتي بعنوان: «فستذكرون ما أقول لكم» تحدث أبو الحسن المهاجر لأول مرة بصفته المتحدث الرسمي للتنظيم خلفاً للعدناني مهددا إيران: «لقد بلغ الشر من دولة المجوس إيران منتهاه واستطار الشرر فعم البلاد وساء العباد، ففتكت بأهل السنة في العراق والشام عبر وكلائها وخبرائها ومستشاريها فأمسى السني بين مكبّل قابع وذليلٍ خانع تابع ولم يكف هذا إذ لم يكن لها من المسلمين رادع بعد الله غير دولة الإسلام».
* ضرورة استراتيجية
توجيه تنظيم داعش هجمات إرهابية لإيران بات «ضرورة استراتيجية» للتنظيم بعد فشله في إقامة خلافة مزعومة, في كل من العراق وسوريا، وفرار الكثير من زعماء التنظيم خارج الموصل، فاستهداف إيران يعد بمثابة نجاح للتنظيم يغطي على هزائمه المتتالية وتقهقر عملياته, وبالأخص مع تنامي دور إيران في كل من العراق وسوريا من خلال زيادة عدد الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وقد تأسس عدد منها بهدف محاربة تنظيم داعش، فيما استهدف عدد منها السنة بشكل عام في العراق دون تمييز بين المتطرفين والمدنيين بدافع انتقامي مما أجج من الطائفية التي أشعلتها «داعش» فيما قبل. وكما هو معروف برزت ميليشيات شيعية في سوريا بدعم إيراني بهدف دعم نظام بشار الأسد. وبشكلٍ عام بات استهداف الدول خارج مناطق الصراع أسهل على تنظيم داعش بعد أن وجهت قوات التحالف الدولي ضربات قوية للتنظيم عبر غارات جوية وبرية مكثفة ضيقت الخناق عليه في أماكن قوته في العراق وسوريا. ومن جهة أخرى فإن من السهل تنفيذ مثل هذه الهجمات كونها عشوائية مباغتة وبمثابة انتقام لكل من تورط في توجيه هجمات لـ«داعش». وإن كانت قدرة التنظيم على تكرار مثل هذه العمليات الإرهابية ليست بالأمر السهل بالأخص بعد تشديد الاحترازات الأمنية في الدول التي تمتلك قدرات أمنية قوية، وتعتمد على مدى تغلغل أعضاء التنظيم في هذه الدول.
لذلك من الصعب التكهن في تكرار عمليات «داعشية» في إيران، وستحدد الفترة القادمة توجه التنظيم ومدى إمكانياته القيام بذلك، فقد تطرقت بيانات وتسجيلات تنظيم داعش الأخيرة التي هددت إيران عبرها بوجود أعضاء متطرفين شرقي العراق ينتمون لكتيبة سلمان الفارسي عازمين على مهاجمة إيران. وقد عكس بيان الحرس الثوري توعد إيران وملاحقتها للمتسببين بالهجمات الإرهابية: «لن نترك إراقة الدماء من دون ثأر، ولن نتردد لحظة في صيانة أرواح الشعب». وأظهر تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب من جهته ذلك الغموض الذي يكتنف طبيعة العلاقة ما بين إيران والتنظيمات الإرهابية التي تخالف توجهاتها، إذ عقب إبدائه تعاطفه مع ضحايا التفجيرات ذكر ترمب بأن «رعاة الإرهاب يقعون ضحية له». وذلك في إشارة إلى التورط الإيراني في دعم الإرهاب في المنطقة، وقد أثار تعليقه اللغط والاستنكار وأشعل غضب المسؤولين الإيرانيين.
الهجمات على طهران... وعلاقاتها الشائكة مع «داعش»
توجه التنظيم للعمليات في إيران ضرورة استراتيجية له بعد فشله في العراق وسوريا
الهجمات على طهران... وعلاقاتها الشائكة مع «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة