الوقت... عامل حاسم في معضلة التغيرات المناخية

الولايات المتحدة قد تفقد 2.7 مليون وظيفة إذا التزمت باتفاق باريس

ملايين الوظائف الأميركية في مجالات الوقود الأحفوري معرضة للخطر حال التوافق مع إجراءات مكافحة التغيرات المناخية (نيويورك تايمز)
ملايين الوظائف الأميركية في مجالات الوقود الأحفوري معرضة للخطر حال التوافق مع إجراءات مكافحة التغيرات المناخية (نيويورك تايمز)
TT

الوقت... عامل حاسم في معضلة التغيرات المناخية

ملايين الوظائف الأميركية في مجالات الوقود الأحفوري معرضة للخطر حال التوافق مع إجراءات مكافحة التغيرات المناخية (نيويورك تايمز)
ملايين الوظائف الأميركية في مجالات الوقود الأحفوري معرضة للخطر حال التوافق مع إجراءات مكافحة التغيرات المناخية (نيويورك تايمز)

سيكون لقرار الرئيس ترمب تجاهل اتفاقية باريس للمناخ وعدم رغبته الواضحة في محاربة التغييرات المناخية تبعاته الاقتصادية الواسعة.
وتعتمد طبيعة تلك التبعات على الكثير من الأشياء، فليست فقط القرارات السياسية هي كل ما يهم، فهناك أيضاً درجة التقدم العلمي الخاص بالطاقة المتجددة، وتقلبات أسواق السلع، وقرارات الاستثمار التجاري، ومواقف الحكومات والأفراد في جميع أنحاء العالم.
وسرعان ما تتحول القرارات إلى أسئلة فلسفية تتمحور حول الاقتصاد؛ مثلاً كيفية تقييم الوظائف المتاحة حالياً بالوظائف التي ربما تتوفر لاحقاً؟ وكيفية تقييم المستقبل مقارنة بالوضع الراهن؟
لنفكر مثلاً في السؤال التالي الأكثر تحديداً والمتعلق باقتصاديات التخفيف من التغييرات المناخية: كيف سيتسبب مشروع إدارة أوباما المسمى «محطة الطاقة النظيفة» في زيادة أسعار الكهرباء التي يدفعها الأميركان؟
فقد خلُص بحث ممول من القطاع الصناعي أعدته مؤسسة «إن آي آر إيه» للاستشارات الاقتصادية إلى أن أسعار الكهرباء سوف ترتفع بواقع 0.3 في المائة في العشرينات من القرن الحالي، في حين توقعت «وكالة الحماية البيئية» ارتفاعاً بواقع 2 إلى 3 في المائة في الفترة نفسها يعقبها انخفاض في فترة الثلاثينات من القرن الحالي. ومن جانبها، توقعت مؤسسة «سينباس إنيرجي أكينوميكس»ن وشركة «إم جي برادلي»، انخفاض أسعار الكهرباء بواقع 17 في المائة بحلول حقبة الثلاثينات من القرن الحالي.
في هذه الحالة، فلن تؤثر المحطة على أسعار الكهرباء فحسب، بل أيضاً على اتجاهها. ففي ظل هذه التنبؤات سيكون في غاية الأهمية ملاحظة سرعة تراجع أسعار توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية ومن قوة الرياح، وإلى أي مدى تقلل برامج كفاءة الطاقة من الطلب على الكهرباء وعلى الغاز الطبيعي مستقبلاً، وكيف أن الدول تتعاون بقوة من أجل تحقيق هدف تقليل الانبعاثات.
وستصبح صعوبتها بمكان تحدي توقع تبعات التغييرات المناخية عندما تنتقل من سؤال ضيق مثل أسعار الكهرباء بعد سنوات عدة إلى سؤال أكبر عن الوظائف والدخل والناتج المحلي الإجمالي حينها.
وأي جهد يبذل في سبيل مكافحة التغييرات المناخية يعرّض للخطر ملايين الوظائف المتعلقة بعمليات استخراج وتكرير الوقود الأحفوري. لكن حقيقة الاقتصاد الحديث تقول إن الصناعات في حالة تغيير مستمر، وإن العمال الذين يفقدون أماكنهم ربما يجدون أماكن أفضل.
على سبيل المثال، بحسب الدراسة التي أعدها مركز «إن آي آر إيه» بتناوله المتفائل التأثيرات الاقتصادية لتنظيم غازات الاحتباس الحراري، تتوقع أن تكلف تلك الجهود الاقتصاد الأميركي نحو 2.7 مليون وظيفة بحلول عام 2025 و31.6 مليون وظيفة بحلول عام 2040.
لكن هذا هو الأسلوب الذي تسير به سوق العمل بصفة عامة، حيث تتوسع بعض القطاعات في أي وقت من الأوقات، في حين تتقلص قطاعات أخرى. وفي الوقت الحالي، فإن قطاع التجزئة بات ينزف وظائف بعد أن تراجعت المستودعات والمتاجر الحقيقية على الأرض لحساب التسوق عن طريق الإنترنت.
وفر قطاع خدمات المعلومات أكثر من مليون وظيفة خلال الفترة من 2001 حتى 2012. كذلك تراجعت حصة الوظائف في قطاع التصنيع بدرجة كبيرة ومتواصلة منذ الحرب العالمية الثانية؛ ولذلك فالسؤال الحقيقي لا يتعلق بما إذا كانت بعض الوظائف المتعلقة بالوقود الأحفوري سوف تتلاشى في حال جرى تنظيم الاحتباس الحراري بشكل صارم، وما يهم هو ما إذا كانت الوظائف التي ستظهر لتحل محلها سوف يكون عائدها المالي أكبر أم أقل.
وإن لم تظهر وظائف على الإطلاق وارتفعت معدلات البطالة، فسوف يكون ذلك فشلاً لاستقرار الاقتصاديات الصغيرة.
يسير هذا بالتوازي مع سياسة التجارة، فلصفقات التجارة الكبرى تأثير بسيط على العدد الإجمالي للوظائف، لكنها تزيد من الدخل الإجمالي، لكن ربما تتسبب في تقليص الوظائف بدرجة كبيرة في بعض الأماكن وبين فئة معينة من العمال.
بكلمات أخرى، فأعمال التنقيب عن النفط والفحم ستتلاشى حتى وإن استحدثت مكانها أعمال تركيب ألواح الطاقة الشمسية. يبدو هذا الطرح مريحا لكن هناك أناساً مختلفة في أماكن مختلفة تؤدي هذه الأعمال؛ مما يؤدي إلى حالة من الاضطراب.
هذا، ناهيك عن تعقيدات تحديد أطر ونماذج لما ستكون عليه السياسات المناخية وكيف ستؤثر على الاقتصاد، وعلى الأحكام الشخصية إزاء قيمة المحافظة على الوظائف الحالية، وجميعها أمور مثار سؤال كبير.
وفيما يخص التنبؤات المتشائمة عن تأثير التغييرات المناخية، فإن كلفة التكييف مع كوكب درجة حرارته في ارتفاع ستكون باهظة في النهاية، حيث إنها ستتضمن النفقات الكبيرة المطلوبة لحماية المدن من ارتفاع مستوى البحار، وتعديل الزراعة لتتكيف مع أنماط المناخ الجديد، ناهيك عن غيرها من التغييرات في التجارة والاقتصاد.
لا نعرف تحديداً متى ستسدد هذه التكاليف، وكم سيكون حجمها، وكيف ستغير الإجراءات المطبقة في إطار «اتفاقية باريس للمناخ» من طبيعة المخاطر وحجمها. ولو تحدثنا بلغة التجارة، يجب أن تكون هناك «أسعار مخفضة» عندما نفكر في التأثيرات المناخية على الاقتصاد في المستقبل.
فقيمة الدولار اليوم أكثر من قيمة الدولار غدا،ً وأكثر بكثير من قيمته بعد 100 عام. لكن السعر المخفض الذي نقرره سيحدد كم سيكون السعر لاحقاً.
ولذلك؛ فالمسألة بالنسبة للاقتصاد ليست فقط كم ستتكلف السياسة المناخية الصارمة اليوم، بل كيف أنها ستغير من هذه التكاليف خلال العقود المقبلة، وكيف أننا كمجتمع نقيّم الوقت.
* خدمة «نيويورك تايمز»



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.