قوات النظام تستبق جولة آستانة بقصف مناطق «خفض التصعيد»

عشرات القتلى بغارات على درعا

دخان يتصاعد من درعا بعد قصف من قوات النظام أمس (شبكة درعا)
دخان يتصاعد من درعا بعد قصف من قوات النظام أمس (شبكة درعا)
TT

قوات النظام تستبق جولة آستانة بقصف مناطق «خفض التصعيد»

دخان يتصاعد من درعا بعد قصف من قوات النظام أمس (شبكة درعا)
دخان يتصاعد من درعا بعد قصف من قوات النظام أمس (شبكة درعا)

استأنف النظام السوري حملات القصف من جنوب البلاد إلى شمالها، مستهدفاً «مناطق تخفيف التوتر» التي أدرجتها الدول الضامنة في اتفاق آستانة ضمن الاتفاق، وذلك قبل أيام من الموعد المفترض لاجتماعات آستانة 5 المزمع عقدها في العاصمة الكازاخية في شهر يونيو (حزيران) الحالي.
ولم تتسلم الفصائل العسكرية التي عادة ما تشارك في مؤتمر آستانة دعوات رسمية بعد للمشاركة في المؤتمر، كما لم يصدر إعلان رسمي يحدد موعد الجولة المقبلة منه بعد.
وساهمت الخروقات التي اعترت الاتفاق، منذ إقراره، بشعور لدى المعارضة بأن آستانة لم يحرز أي تقدم على مستوى حماية المدنيين وإيقاف القصف والقتال، كما لم يساهم في تهيئة الظروف لانتقال سياسي أو لتحقيق دفع باتجاه الاتفاق السياسي الذي يبحث في مفاوضات جنيف. وقال المتحدث الإعلامي باسم الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن هناك شعوراً بأنه ليس هناك أي تغير حقيقي في الموقف الروسي تجاه الملف السوري بعد آستانة، فضلاً عن أن الجانب الروسي يحدد أولويات بالنسبة إليه وهي إيجاد مناطق تهدئة ثم ربطها بالنظام، وبعد ذلك البحث عن صفقة سياسية تحقق المصالح الروسية. وقال رمضان: «الواضح أن روسيا ليس لديها الآن أي شيء يمكن أن تنجزه بشأن العملية السياسية، ولا تزال تدفع بالتهجير القسري وتوفر الغطاء للنظام، كما أن التحركات الروسية في جنوب سوريا تستخدم كغطاء للتمدد الإيراني بالجنوب». وأضاف: «لذلك، ليس لدينا أي شعور بتحقيق تقدم حقيقي، وبتقديراتنا ليس هناك أي شيء يمكن التعويل عليه من اتفاق آستانة».
وخلافاً للتراجع الكبير بمستوى القصف والغارات الجوية الذي شهدته مناطق خفض التوتر منذ التوصل إلى اتفاق آستانة في 4 مايو (أيار) الماضي، تخطى تصعيد النظام أمس مستوى الخروقات، حيث توسع القصف الجوي والمدفعي من مناطق في درعا جنوباً، إلى إدلب وحماة وحلب شمالاً، مروراً بقصف مدفعي استهدف ريف دمشق.
وكانت تركيا وروسيا وإيران، اتفقت خلال اجتماعات «آستانة 4»، في 4 مايو الجاري، على إقامة «مناطق تخفيف التوتر»، يتم بموجبها نشر وحدات من قوات الدول الثلاث لحفظ الأمن في مناطق محددة بسوريا، وبدأ سريان هذا الاتفاق منتصف ليل 6 الجاري، ويشمل 4 مناطق هي: محافظات إدلب، وحلب (شمال غرب)، وحماة (وسط)، وأجزاء من اللاذقية.
غير أن الاتفاق، تعرض لخروقات كثيرة أدت إلى مقتل 87 مدنياً في مناطق «تخفيف التصعيد»، بحسب ما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وتجزم المعارضة السورية بأن هذه الخروقات «لم تتوقف منذ التوصل إلى الاتفاق» في آستانة في الأسبوع الأول من الشهر الماضي، إذ أكد المتحدث باسم الجبهة الجنوبية عصام الريس أن «الخروقات لم تتوقف منذ الساعة الأولى لإعلان الاتفاق حتى الآن»، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «على العكس، النظام يقوم بعمليات هجوم برية هدفها السيطرة على مناطق خارج سيطرته ضاربا بعرض الحائط كل ما جاء في آستانة».
ميدانياً، تحدثت وكالة «قاسيون» أمس عن أن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة قرية الصخر، بريف حماة الشمالي، بالتزامن مع قصف مدفعي كثيف لقوات النظام استهدف مدينة «حلفايا» شمال حماة، بأكثر من عشرين قذيفة، بينما قصفت قوات النظام مناطق في الأراضي الزراعية لبلدة اللطامنة.
وفي ريف حلب، تعرضت مناطق في بلدة العيس بريف حلب الجنوبي لقصف من قبل قوات النظام، كما قصفت مناطق في بلدة زيتان المجاورة بعدة قذائف، في مقابل فتح الفصائل الإسلامية نيران قناصتها على مناطق في محيط أوتوستراد المهندسين في حي جمعية الزهراء غرب حلب.
وبينما قصفت قوات النظام مناطق في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، سجل سقوط قذيفة على منطقة في أطراف بلدة الهبيط بريف إدلب الجنوب.
وفي جنوب البلاد، قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة مناطق في أحياء درعا البلد بمدينة درعا، كما سجل قصف مدفعي استهدف مناطق في بلدة صيدا بريف درعا الشرقي. أما في ريف دمشق، فقد أفاد «المرصد السوري» بتنفيذ الطائرات الحربية عدة غارات على مناطق في بير قصب وتل دكوة في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، والتي تسيطر عليها فصائل مقاتلة، كما استهدف قصفاً مدفعياً مدينة عربين في الغوطة الشرقية.
وفشل اتفاق آستانة عملياً بإنهاء الأعمال العسكرية، رغم أنه ساهم بتخفيضها إلى مستويات قياسية، لكنه لم يوقف الاقتتال والتصعيد العسكري وخطط النظام لإخلاء المناطق المحيطة بدمشق من المعارضين، كما لم يسمح بفصل الجماعات السورية المعارضة المعتدلة عن الجماعات المصنفة إرهابية مثل «جبهة النصرة»، والتي لا تشملها قرارات آستانة الأخيرة.
ووثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 87 مدنياً في مناطق «تخفيف التصعيد»، وهم جزء من 112 مدنياً قتلوا في غارات للطائرات الحربية السورية والروسية وطائرات النظام المروحية على عدة مناطق سوريا.
وإذ سجل مقتل 980 مدنياً خلال شهر مايو في سائر المناطق السورية، وثق المرصد مقتل 136 مقاتلاً من قوات النظام، و175 من عناصر اللجان الشعبية، وقوات الدفاع الوطني، ومسلحين موالين للنظام من الجنسية السورية، إضافة إلى آخرين من جنسيات غير سورية، كما وثق مقتل 495 مقاتلاً من الفصائل الإسلامية المقاتلة وتنظيم داعش وجبهة النصرة وجيش المهاجرين والأنصار والحزب الإسلامي التركستاني من جنسيات غير سورية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.