يُدوِّن التاريخ السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية، سجلاً حافلاً يجمع في طياته الكثير من المنجزات المرتكزة على المبادئ الثابتة وعمق المصالح المشتركة بين البلدين.
وعلى الرغم من مرور ثمانية عقود ونيف على العلاقات السعودية - الأميركية الاستراتيجية، فإن حاضرها يعطي بما لا يدع مجالاً للشك الدلالة الواضحة على متانة هذه العلاقة، وما يمثله البلدان من ثقل سياسي واقتصادي مؤثر عالمياً.
وبعيداً عن السرد التاريخي المستفيض لبداية وتطور هذه العلاقة، يكفي أن أشير لحدثين مهمين على الرغم من بُعد العامل الزمني فيهما، أولهما ذلك الحدث التاريخي الذي شهد أول قمة سعودية - أميركية جمعت المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بالرئيس الأميركي روزفلت عام 1945م، وما آلت إليه تلك القمة من تبعات على جميع الأصعدة، وثانيهما الحدث المرتقب، وهو زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاستثنائية إلى السعودية في زيارة تُعدّ الأولى من نوعها منذ توليه الرئاسة.
ولعل هذا ما يفسر كسر الرئيس الأميركي دونالد ترمب «البروتوكول» الأميركي في مناسبتين مختلفتين، حيث اعتنى بالاحتفاء بالأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد إبان زيارته للولايات المتحدة الأميركية أخيراً، والمناسبة الثانية في اختيار الرئيس الأميركي للمملكة العربية السعودية لتكون محط أول زيارة خارجية له منذ توليه مقاليد الرئاسة، بدلاً من دول الأميركتين أو أحد حلفاء واشنطن في أوروبا.
واقتصادياً، وهو محور حديثي الرئيسي في هذا المقال، يعلم الجميع بأن السعودية ترتبط ارتباطاً وثيقاً وتاريخياً بالولايات المتحدة الأميركية، منذ عام 1931، حين تم إعطاء شركة «ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» حقوق امتياز التنقيب عن النفط في المملكة، تلا ذلك تصدير أول شحنة نفطية تجارية من بئر الخير في المنطقة الشرقية للخارج، وهو ما أسهم في تلبية المصالح المشتركة للبلدين.
وكان لانضمام عدد من الشركات الأميركية الدور الكبير في تشكيل وتأسيس شركة «أرامكو السعودية» التي تعد حالياً الشركة النفطية المرموقة على مستوى العالم.
ومنذ ذلك الحين والعلاقات الاقتصادية بين البلدين تسير بخطى متسارعة، والدليل ضخامة حجم الميزان التجاري بين البلدين.
وقد لمستُ خلال عملي رئيساً للجانب السعودي في مجلس الأعمال السعودي - الأميركي الذي يهدف إلى تعزيز العلاقات بين مؤسسات القطاع الخاص في المملكة والولايات المتحدة، ودعم علاقات التجارة والاستثمار بين البلدين، حجم المتانة الاقتصادية التي تجمع البلدين على المستويين الحكومي والخاص.
وخلال فترة عملي كرئيس تنفيذي للشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك»، التي تعد إحدى الشركات الرائدة في مجال إنتاج الكيماويات المتنوعة في العالم، عايشت مدى الاستفادة الكبيرة من السوق الأميركية اقتصادياً وتقنياً، وهو ما يبينه حجم استثمارات «سابك» في الولايات المتحدة الأميركية، والعوائد المالية من مبيعاتها هناك سنوياً.
ولأن السعودية تمضي حالياً نحو تحقيق أهداف «رؤية 2030» التي تهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي مهم يرتكز على الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية التاريخية وتنويع مصادر الدخل، شهدت العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة قفزة جديدة لمسها الجميع، من خلال عقد عدد من الاجتماعات المتبادلة يأتي في مقدمتها عقد ولي ولي العهد لاجتماعات مع عدد من المسؤولين الاقتصاديين الأميركيين تناولت موضوعات مهمة، كتحسين البيئة الاستثمارية وتقديم التسهيلات للشركات الأميركية للاستثمار في المملكة بما يحقق الأهداف المرسومة للرؤية، ويدعم الاتفاقيات الاقتصادية السابقة بين البلدين، وغيرها من الموضوعات.
ولشمول الرؤية الجديدة السعودية 2030، فإن فرص التعاون السعودي - الأميركي اقتصادياً أكبر مما كانت عليه بكثير، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان تعدد المجالات التي تحويها برامج الرؤية، كمجالات النفط والغاز والكيماويات والتكنولوجيا الحيوية، ناهيك بالاستثمارات الأخرى في مجالات الترفيه وإنشاء المدن الاقتصادية الجديدة.
والولايات المتحدة على امتداد التعاون التاريخي بين البلدين اقتصادياً، كانت صاحبة النصيب الوافر من الاتفاقيات الاستثمارية مع السعودية، لما تمتلكه من قدرات تقنية وتكنولوجية متقدمة أسهمت في تقدم القدرات التصنيعية المحلية وأعطت مردودها الاقتصادي الكبير على المستوى المحلي، وهو ما سيكون عليه الحال في المرحلة المقبلة، حيث تشير التقارير الاقتصادية الأخيرة إلى توقيع عقود استثمارية وفق رؤية المملكة 2030 بقيمة تقدر بنحو 200 مليار دولار أميركي.
وفي المجالات الأخرى، كان للولايات المتحدة الأميركية دور فاعل في دفع العجلة التنموية في السعودية من خلال تأهيل الكوادر التعليمية الوطنية، حيث استقبلت الولايات المتحدة في أول بعثة طلابية سعودية إلى أميركا عام 1947م ثلاثين طالباً التحقوا بالدراسة في جامعة تكساس الأميركية الحكومية، واستمرت بعد ذلك في استقبال المزيد من المبتعثين السعوديين الذين عاد البعض منهم ليتولوا مناصب قيادية في المملكة، تبع ذلك تلك الطفرة التعليمية الكبيرة المتمثلة في إنشاء برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمواصلة الدراسة الجامعية والعليا، رغبة من حكومتنا الرشيدة في تلبية حاجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الوطنية، حيث بدأت أولى الخطوات بابتعاث نحو 5000 مبتعث ومبتعثة، حتى وصل الآن لأكثر من 120 ألف مبتعث ومبتعثة.
ولم تقتصر العلاقات الثنائية بين البلدين على المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية فحسب، بل امتدت لمجالات أخرى لم أتطرق لها، كمجال التصنيع العسكري، الذي آمل أن يكون لهذا التعاون الأثر الإيجابي في تحقيق أهداف الرؤية الجديدة الرامية لتوطين الصناعات العسكرية محلياً، وتوطين ما يزيد على 50 في المائة من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030م، بإذن الله، الأمر الذي يتطلب عمل استثمارات مباشرة وشراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة في هذا المجال، بهدف نقل وتوطين التقنية، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال الاستفادة من الخبرات التي تمتلكها الشركات المختصة بالتصنيع العسكري في الولايات المتحدة الأميركية، وفي غيرها من الدول المتقدمة تقنياً.
ختاماً، ونحن على أعتاب نهضة اقتصادية جديدة تهدف لإحداث تحول مهم على جميع الأصعدة في السعودية، وفي ظل التطلعات الكبيرة لحكومتنا الرشيدة، جميع المعطيات تشير لمستقبل أكثر قوة ومتانة في العلاقات السعودية - الأميركية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والتقني.
* رئيس المؤسسة العامة للصناعات العسكرية السعودية
العلاقات السعودية ـ الأميركية تاريخ عريق ورؤية واعدة
العلاقات السعودية ـ الأميركية تاريخ عريق ورؤية واعدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة