منذ فترة طويلة ومنظمة الصحة العالمية توجه كثيرا من التحذيرات المستمرة من خطورة تناول الوجبات السريعة fast - food. إلا أن هذه الوجبات لا تزال تمثل واحدة من أهم المشكلات الصحية التي تواجه العالم، خاصة أن عدد متناوليها يقدر بالملايين حول العالم أجمع. وعلى الرغم من أن المنظمة أعلنت في السنة الماضية 2016 أن تناول اللحوم سابقة التجهيز، ربما يؤدى لاحقا إلى الإصابة بمرض السرطان، فإن الإقبال على التناول لا يزال عاليا. وبالطبع فإن المراهقين والأطفال في طليعة الفئات التي تقبل على الوجبات السريعة، بل وكذلك الأطفال في فترة ما قبل المدرسة، حسب الدراسات الحديثة التي تشير إحداها إلى احتمالية الربط بين الإعلانات الجذابة لتلك الوجبات وتناول الأطفال الصغار لها.
إعلانات موجهة
الدراسة التي تم نشرها في نهاية شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في مجلة الصحة العامة للتغذية journal Public Health Nutrition أوضحت أن الشركات المالكة لهذه المطاعم ربما تستهدف الأطفال على وجه التحديد في الإعلانات في الوسائط الإعلامية المختلفة مما يترتب عليه زيادة استهلاك هؤلاء الأطفال بالفعل.
وتبعا لإحصاءات أجريت في الولايات المتحدة فإن أكثر الفئات التي تتعرض لإعلانات الطعام السريع من الأطفال من عمر عامين وحتى 11 عاما. ويكفي أن نعرف أن هذه الشركات أنفقت في عام 2009 نحو 580 مليون دولار على الإعلانات التي تستهدف الأطفال على وجه التحديد، وكان التلفاز هو الوسيط الأكبر لإذاعة هذه الإعلانات. وحذرت الدراسة من أن العادات الصحية التي تنشأ في الطفولة المبكرة تستمر إلى مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة.
وتعتبر هذه أول دراسة تتناول تأثير الإعلانات الموجهة إلى أطفال ما قبل مرحلة الدراسة وتناول الأطعمة السريعة. وأوضح الباحثون أنهم راعوا عدة عوامل ربما تؤثر في تناول الأطفال للوجبات السريعة مثل تناول الوالدين تلك الوجبات باستمرار، ووجود الأطفال في هذه المطاعم مع ذويهم. ولكنهم ركزوا بشكل أساسي على وقت مشاهدة التلفزيون والتعرض لإعلانات تلك الوجبات.
وقد قام الفريق البحثي الأميركي بإجراء التجربة على 548 من الآباء وأطفالهم الذين يبلغون من العمر في المتوسط نحو 4 أعوام ونصف وتم الطلب منهم بالإجابة على بحث مكتوب حول تناول أطفالهم للوجبات السريعة وكمية الوقت المستهلك في مشاهدة الإعلانات الخاصة بهذه الوجبات وذلك لمدة 9 أشهر كاملة.
وأجاب الآباء عن أسئلة تتعلق بالوقت المنقضي أمام التلفاز بشكل عام ونوعية القنوات التي يتم مشاهدتها وكذلك الاستهلاك من الوجبات السريعة في الأسبوع السابق لعمل البحث وعلاقتها بتلك الإعلانات من متاجر عالمية متخصصة في هذه الوجبات.
جاذبية الوجبات السريعة
وأظهرت النتائج أن 43 في المائة من هؤلاء الأطفال تناولوا الطعام من هذه المطاعم بالفعل، وأيضا بلغت نسب المشاهدة 41 في المائة، وأيضا تبين أنه كلما زاد تعرض الأطفال لهذه الإعلانات زادت فرص تناول الوجبات بمقدار 30 في المائة، والأهم أنه تبين أن هذا العامل فقط (مشاهدة إعلانات الوجبات السريعة) كان له النصيب الأكبر في تحفيز الأطفال على تناول تلك الوجبات أكثر من تناول الآباء لها، وبغض النظر عن الفروق الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الباحثون أن هذه النتائج تعتبر شديدة الخطورة، حيث إن الأطفال تحت عمر السادسة لا يمكنهم التمييز بين الإعلانات والبرامج بمعنى أنهم يكونون في حالة تأثر شديد بالإعلان كما لو كان حقيقة راسخة، وهو الأمر الذي يجعلهم في حالة فضول لتناول هذه الأطعمة. وهي الحقيقة التي يعلمها تماما منتجو هذه الإعلانات وبذلك يتم توجيه الإعلان للصغار من حيث توقيت العرض أو من خلال الاستعانة بأطفال صغار بصحبة ذويهم في الإعلانات ويبدو عليهم الاستمتاع بتناول تلك الوجبات. وشددت الدراسة على ضرورة أن يكون هناك ميثاق أخلاقي تلتزم به الشركات المسؤولة عن هذه المطاعم بحيث تتوقف عن الإعلانات الموجهة للأطفال، التي تؤثر بالسلب على صحتهم، وأشار الباحثون إلى أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات تتناول اختيار الأطفال وجباتهم وهل تتم بالشكل الصحيح من عدمه.
وينصح الخبراء الآباء بضرورة التحكم في الوقت الذي يقضيه الأطفال في مشاهدة إعلانات هذه الأغذية أو البرامج المختلفة بشكل عام، حيث إن كل ساعة زائدة في المشاهدة تساهم في رفع معدلات تناول الوجبات السريعة. وهذه الوجبات على الرغم من أنها لا تحتوى على سكريات مباشرة فإنها تسهم بشكل غير مباشر في رفع مستويات الغلوكوز للأطفال وتزيد من فرص الإصابة بمرض السكري والبدانة على أقل تقدير، خاصة إذا عرفنا أن إعلانات الطعام تبلغ نحو 50 في المائة من الإعلانات الموجهة في برامج الأطفال والمسلسلات التي ربما تستهويهم، ومعظم هذه الأطعمة غير صحية في الأغلب.
ويجب أن تكون هناك استراتيجية متكاملة تحمي الأطفال في هذه السن المبكرة من مخاطر الوجبات السريعة وتشجع الأطفال على اختيار الوجبات الصحية البعيدة عن الدهون والأملاح والسكريات واستبدال الخضراوات والفاكهة الطبيعية بها، وعدم السماح بالتعرض للإعلانات التي تحرض على تناول هذه الأغذية، ووضع قيود على أوقات إذاعتها. وفي المقابل تكون هناك إعلانات أكثر تحث الأطفال على تناول الطعام الصحي، والتحذير من مخاطر هذه الوجبات بالطريقة التي تلائم أعمارهم، لكي يصبح السلوك الصحي منهج حياة يشبون عليه.
* استشاري طب الأطفال