بدا ليونيل ميسي بعينين سوداوين وفم يقطر دماً، حاملاً قميص برشلونة بين يديه عندما أشارت شاشة الاستاد العملاقة إلى أن دقيقتين فقط تفصلان «الكلاسيكو» عن صافرة النهاية. بالتأكيد، لم يكن هذا بالنبأ السار لأي من المتابعين.
لقد كانت مباراة رائعة بكل المقاييس تمنينا جميعاً لو أنها استمرت إلى الأبد. كانت النتيجة التعادل الإيجابي 2 - 2 عندما سجل خاميس رودريغيز لريال مدريد قبل لحظات قلائل من نهاية المباراة بخمس دقائق. وبعدها، وجه لاعبو برشلونة الكرة باتجاه الزاوية الجنوبية الشرقية من استاد بيرنابيو. كانت ساعة الاستاد العملاقة تشير إلى 91.27.33 ثانية، بينما لا يزال يفصل بين الكرة ومرمى ريال مدريد مائة متر. ومع ذلك، في غضون 26 ثانية أخرى، كان ميسي يقف في الزاوية الشمالية الغربية من أرض الملعب يحتفل بالهدف الذي غير كل شيء. ومن خلفه، ظهر داني كارفاخال مدافع الريال وهو يضرب الأرض بقبضتيه وتبدو عليه الحيرة حول كيفية حدوث ذلك.
لقد تحولت نتيجة مباراة رائعة وشرسة من 1 - 0 إلى 1 - 1، ومنها إلى 1 - 2، لكن نجح رودريغيز في تحقيق التعادل في الدقيقة 86. الأمر الذي كان كافياً لعودة ريال مدريد لتصدر البطولة. ومع هذا، لم يبد ذلك كافياً للاعبيه الذين رأوا فرصة ذهبية فأبوا ألا يحاولوا اقتناصها رغم كونهم 10 فقط. أما برشلونة، فمن الواضح أنه انسحق تحت وطأة هذه التحولات في سير المباراة وبدا مستعداً للإجهاز عليه.
من جانبه، اعترف لويس إنريكي مدرب برشلونة: «لقد تراجعنا بصورة مروعة بعد وصول النتيجة 2 - 2». أما زين الدين زيدان مدرب الريال، فقال: «كان بإمكاننا تقديم أداء مختلف، لكننا كنا متفائلين واعتقدنا أن بمقدورنا تسجيل الثالث». وعليه، انطلق خاميس نحو إحراز هدف آخر. وعندما جنحت كرة طويلة، عاود ريال مدريد الضغط في سعي لاقتناص فرصة واحدة أخيرة. وكانت هذه اللحظة التي خرج لاعبو برشلونة عن سيطرتهم، ليشقوا طريقهم نحو المنافسة على البطولة عبر الطريق الأطول. ورغم أن الغالبية وصفت الكرة بهجمة مرتدة، فإنها حقيقة الأمر لم تكن كذلك.
أطلق سيرجي روبرتو الكرة، وأعادها إليه سيرغيو بوسكيتس، ثم مررها روبرتو إلى غيرارد بيكيه الذي تحرك على نحو يكاد يكون غير مرئي. وبضغط من ماتيو كوفاتشيتش وأسينسيو، مرر بيكيه الكرة من فوقهما ببراعة إلى بوسكيتس الذي دفعها باتجاه الداخل نحو روبرتو وجرى بها الأخير على طرف منطقته. أشارت عقارب الساعة إلى 91:33 بينما انطلق روبرتو بالكرة متجاوزاً لوكا مودريتش. أما مارسيلو فقد اعترف بنبرة لم تخل من ندم أنه كان يتعين عليه التداخل مع روبرتو في هذه اللحظة وارتكاب مخالفة لوقفه، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة لأنه مثلما قال لم يكن يدري أن الأمر من الممكن أن ينتهي على هذا النحو. وبقيت 24 ثانية عندما تدخل الظهير الأيمن لبرشلونة للسيطرة على الكرة، لكن ظل أمامه طريق طويلة ليقطعها إلى مرمى ريال مدريد.
من جانبه، جرى روبرتو بالكرة لمسافة 10 أمتار ثم 20 ثم 30. وعن هذه اللحظات قال: «لا أدري كيف فعلت ذلك، لقد كنت غائباً عن الوعي». بقيت 17 ثانية، واحتشد الجميع داخل منطقة المرمى بمواجهة الشباك. حسناً، تقريباً الجميع. من على الجانب الآخر، رأى ميسي شيئا ما وتحرك إلى داخل الثغرة القائمة خلف الحشود المتراصة. وبحلول عقارب الساعة عند 91:53، كان ميسي يحمل قميصه في يديه محتفلاً بالفوز.
وخرج العنوان الرئيس لصحيفة «ماركا» في اليوم التالي يقول: «ميسي ضحك أخيراً»، لكنه في الواقع لم يكن يضحك وإنما وقف ساكناً دونما حراك يحدق أمامه. وخرج العنوان الرئيس لصحيفة «إسبورتيو» يقول: «تذكروا اسمي»، كما لو أن اسم ميسي يمكن نسيانه. ورصدت صورة أخرى اللحظة المثالية التي ترك فيها ميسي القميص وبدا أنه يطفو في الهواء بفعل السحر بينما رفع اللاعب الأسطورة يده اليمنى. أما أكثر ما يلفت في الصورة فهي نظرة التحدي في عين ميسي، بينما كانت الدماء لا تزال تتساقط من فمه بسبب ضربة بالكوع تعرض لها من مارسيلو. وبذلك، نجح ميسي في حسم مصير الكلاسيكو بركلة أخيرة من قدمه ليضع نهاية تليق بمباراة شرسة ومذهلة. ووصلت أعداد مشاهدة المباراة 650 مليون مشاهد، وجرى بثها في 185 دولة حول العالم. وخرجت الصفحة الأولى لصحيفة «داريو إيه إس» لتعلن «المشهد الأروع على وجه الأرض» في وصف جاء دقيقاً وصادقاً.
وأثار النجم الأرجنتيني الجدل بعد أن قام بخلع قميصه عقب تسجيله هدف الفوز وإشهاره أمام جماهير ملعب سانتياغو بيرنابيو، معقل ريال مدريد، لكن لويس إنريكي أكد على أنه ليس هناك سبب للجدل القائم، وقال: «أفضل من يستطيع تفسير هذا هو ليو، لقد بدت لي طريقة الاحتفال جميلة بسبب الظروف التي أحاطت بها».
وعاد مدرب برشلونة للتأكيد بشدة على الأهمية التي يمثلها لاعب مثل ميسي بقوله: «تمكنت من تدريبه خلال ثلاث سنوات من أفضل سنوات مسيرته وهذا أمر مهم، لا أعلم إذا كان سيستمر، لا أملك معلومات، أرغب في أن ينهي مسيرته في برشلونة ولكن الأمر كله يعتمد عليه».
وأكد لويس إنريكي أن هدف ميسي الأخير في مرمى ريال مدريد كان بمثابة «دفعة معنوية»، مطالبا لاعبيه بتقديم أفضل ما لديهم خلال ما تبقى من عمر الموسم الجاري.
ورغم أنه ربما كانت هناك لقاءات «كلاسيكو» أفضل من هذه المواجهة الأخيرة من الناحية الفنية، فإنه بالتأكيد لم يكن الكثير منها على القدر الهائل ذاته من الإثارة أو التحولات الدراماتيكية خلال المباراة. كما أن كثيرا من لقاءات «الكلاسيكو» السابقة لم تكن بهذه الدرجة من الحسم من حيث تداعيات النتيجة، ذلك أنه في حالة الفوز أو حتى التعادل كان سيصبح في حكم المؤكد تقريباً تتويج ريال مدريد بطلاً للدوري الممتاز، وذلك للمرة الأولى منذ خمس سنوات. لقد نجح ريال مدريد في تحقيق التعادل بالفعل قبل نهاية المباراة بخمس دقائق، ثم خسر المباراة وسعى لاستعادة التعادل بينما كان الوقت المتبقي 13 ثانية فقط.
وبالتأكيد يبقى ميسي بطل المباراة الأول وبفارق كبير عن الآخرين. وجاء الهدف الذي سجله في اللحظة الأخيرة ليمثل الهدف الـ47 له هذا الموسم والـ500 لصالح برشلونة. ومن بين أهدافه الـ500، 402 منها بقدمه اليسرى و74 بقدمه اليمنى و22 برأسه وواحد بيديه وواحد بصدره.
سحر ميسي أعطى الكلاسيكو نهاية مذهلة
كرة القدم تحمل قصصاً ولحظات لا حصر لها... لكن انتصار برشلونة على ريال مدريد سيظل عالقاً بالأذهان
سحر ميسي أعطى الكلاسيكو نهاية مذهلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة