قال إبراهيم بنجلون التويمي، رئيس بنك «أوف أفريكا» والمدير العام التنفيذي للبنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا، إن بنك البركة التشاركي (الإسلامي) سيفتح أبوابه في المغرب خلال شهر يونيو (حزيران) المقبل، في إطار شراكة بين مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية ومجموعة البركة الخليجية المتخصصة في مجال المعاملات المصرفية الإسلامية.
وأشار بنجلون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن طموحات البنك الجديد تتجاوز الحدود المغربية، وتتطلع لآفاق التوسع في أفريقيا من خلال دعم البنك المغربي للتجارة الخارجية الذي أصبح ثاني مجموعة بنكية أفريقية من حيث عدد الفروع.
كما تناول الحديث آفاق تحرير سعر صرف الدرهم المغربي، وأداء النظام المصرفي المغربي في سياق تداعيات تراجع النمو الاقتصادي، وحصيلة التوسع الدولي للمجموعة المصرفية المغربية، كما عبر عن رأيه في تحذيرات صندوق النقد الدولي من مخاطر التوسع الأفريقي للبنوك المغربية... وفيما يلي نص الحوار.
* حصلتم في المغرب على ترخيص من أجل فتح بنك تشاركي... إلى أين وصلت تحضيراتكم لهذا المشروع؟
- نحن الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة للمشروع، بحيث تعتزم المؤسستان الشريكتان؛ «مجموعة البركة» الخليجية الرائدة في مجال المعاملات المالية التشاركية، ومجموعة «البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا»، إطلاق أنشطة بنكهما المشترك في يونيو المقبل. وسيبدأ مصرفنا التشاركي، خلال مرحلة أولى، بشبكة تناهز 20 وكالة بنكية، ستغطي كل المدن الكبرى للمملكة المغربية.
* ما طموحاتكم في هذا المضمار؟
- إنها طموحات معقولة وواقعية. ولا يخفى عليكم أنه لا يمكن الحديث في الوقت الحالي عن معطيات محددة رقمياً، فذلك سابق لأوانه، وفي جميع الأحوال، فنحن ننطلق في طموحاتنا من مستويات معقولة وواقعية، حتى نتمكن من بلوغها، وعلى الخصوص، من ضمان استمرارها. كما أن المقاربة التدريجية للدخول إلى السوق المغربية تشكل سلوكاً رشيداً يندرج في سياق المصلحة العليا للنظام البنكي برمته. وما نود التأكيد عليه بهذا الصدد هو أن مصرفنا التشاركي نريد له أن يكون بنكاً تجارياً بارزاً ومستعداً لتقديم خدمات مالية ذات جودة عالية، سواء بالنسبة للأفراد، أو بالنسبة للمقاولات والمشاريع الصغرى والمتوسطة، أو بالنسبة للشركات الكبرى، إضافة بكل تأكيد للمساهمة في تلبية حاجات سوق الخزينة الحكومية. ومن خلال تضافر وتكامل التجارب والوسائل والمؤهلات التي تزخر بها المجموعتان الرائدتان، كل واحدة في مجال نشاطها، إذ تتوفر لمجموعة البركة خبرة راسخة في مجال المعاملات المالية الإسلامية، ويتوفر للبنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا، باعتباره مجموعة مصرفية متعددة المهن ومنتشرة في أفريقيا، على معرفة ودراية بالمناخ الاجتماعي والاقتصادي والمالي، ومن المؤكد أن البنك التشاركي الذي سيرى النور بفضل تكافلهما سيبدأ حياته الطويلة إن شاء الله مُعززاً بكثير من المزايا.
* هل تقتصر طموحات هذا البنك التشاركي الجديد على المغرب؟ أم لديكم تطلعات خارج الحدود؟
- خلال المرحلة الأولى، وتنفيذاً لإرادة الرئيسين عثمان بنجلون وعدنان يوسف، سنركز المجهودات والطاقات على المغرب. سنبدأ أولاً بتوطيد حضور البنك وترسيخ تجربته في المغرب، إضافة إلى صقل الشراكة وإرساء العلاقات بين الشريكين وإثبات صلابتها. وسترون بعد ذلك أن البنك الجديد سيتجه بشكل طبيعي نحو التطلع لسبر آفاق جغرافية أخرى، بما فيها الآفاق الأفريقية، غير أنه لن يكون بمفرده.
* انخرط البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا خلال العشرية الأخيرة في تطور دولي، على الخصوص التوسع في القارة الأفريقية. ما الحصيلة التي قمتم باستخلاصها من هذا التوجه الاستراتيجي؟
- الحصيلة كانت بكل تأكيد إيجابية بالنظر إلى بعض المؤشرات الأساسية التي سجلتها مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا منذ انخراطها في هذا التوجه الأفريقي عبر الاستحواذ على مجموعة بنك أفريقيا (بانك أوف أفريكا) تنفيذاً لإرادة رئيسها عثمان بنجلون. غير أن ذلك لم يكن نتيجة إعادة توجيه استراتيجي من طرفنا. وحتى نكون منصفين مع التاريخ، نود التذكير بأن أول استثمار للبنك المغربي للتجارة الخارجية في أفريقيا جنوب الصحراء، يعود إلى سنة 1989، عبر شرائه حصصاً في بنك التنمية لمالي وإشرافه على إعادة هيكلته ليصبح رائداً في السوق التي يشتغل بها. وكان «المغربي للتجارة الخارجية» في ذلك الوقت لا يزال بنكاً حكومياً قبل تخصيصه في 1995، وفي سنة 2003 أيضاً استجاب البنك المغربي للتجارة الخارجية لدعوة المساهمين في الشركة الكونغولية للبنوك، التي كانت على حافة الإفلاس، ونجح في تقويمها وترقيتها لتصبح فاعلاً رئيسياً في القطاع المصرفي ببلدها وعلى الصعيد الإقليمي في وسط أفريقيا. ويكفينا فخراً بهذا الصدد أن نكون ضمن البنوك السبعة التي أهلها امتدادها الأفريقي الواسع لتصنف من طرف صندوق النقد الدولي على أنها بنوك عبر أفريقية، وأن نرتب كثاني بنك على الصعيد الأفريقي، من حيث عدد فروعه بالقارة الأفريقية.
* وخارج القارة الأفريقية، كيف تقيمون تموقع البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا خصوصاً في أوروبا وآسيا وأميركا؟
- يعمل البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا في أوروبا وتحديداً في فرنسا منذ سنة 1972. ووفاء لهذا التقليد الدولي الراسخ، تمت هيكلة هذه الهيئة الأوروبية لتنتشر الآن في الديار البريطانية والإسبانية وتشتغل في التمويل التجاري وتمويل الشركات. وستتعزز هذه الخطوة لاحقاً في آسيا، وخصوصاً في الصين في مرحلة أولى، ثم في دول الخليج العربي. وفي هذا السياق، نعتبر أن مجموعتنا تمتلك دعامة أساسية في خدمة الشراكة الأوروبية المغربية ـــ الأفريقية بفضل الدور الذي نضطلع به في تصميم وهيكلة الصفقات التجارية وتمويل نشاط الشركات الكبرى في القارة الأفريقية ولأجلها. وبفضل فروعنا الإضافية التي تتولى الأنشطة المرتبطة بالمهاجرين، تقدم ممثلياتنا في إيطاليا وبلجيكا والبرتغال وكندا والإمارات العربية المتحدة للمغاربة المقيمين بالخارج، وعما قريب للأفارقة المقيمين بالخارج، خدمات لتحويل الأموال، وتدعم تعزيز الشمول المالي في بلدانهم الأصلية.
* هل كان لهذا التوسع الدولي للبنوك المغربية، وبالأخص البنك المغربي للتجارة الخارجية لأفريقيا تأثير ملموس على الاقتصاد الوطني؟
- بالفعل، كان له تأثير كبير. فلا يجادل اثنان على أن تنوع المبادلات والانفتاح الكبير للاقتصاد المغربي تم عبر مواكبة البنوك وبالأخص مجموعتنا البنكية، إن لم أقل كان من صنع هذه المصارف، في كثير من المناطق الجغرافية. وإن كان من الصعب تقييم هذا التأثير، فإن الأكيد أن الاقتصاد المغربي لم يكن ليثبت مناعته من دون قطاع بنكي قوي ومنيع. هذه المناعة التي تعزى إلى توسع هذه المصارف دولياً ــــ وهو عمل يستحق الإشادة به ــ موازاة مع سياستها الرامية لترسيخ عملها في السوق المحلية وتعميم الشمول المالي في صفوف السكان والإدماج المالي للفئات غير المنخرطة في النظام البنكي.
* أبدى صندوق النقد الدولي تحفظات على التوسع الأفريقي للبنوك المغربية. ما القراءات التي استخلصتموها من هذه التحذيرات؟
- كان لي الشرف أن أنوب عن الرئيس عثمان بنجلون، وباعتباري رئيساً لبنك أفريقيا، في الملتقى الذي نظمه صندوق النقد الدولي في جزر موريشيوس خلال شهر فبراير (شباط) الماضي، الذي ضم كثيراً من هيئات الرقابة الأفريقية والدولية، وانضمت لهذا الحدث 3 بنوك أفريقية كبرى من ضمنها مؤسستنا. وخلال هذا الملتقى اجتمعت مع كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي، ويمكنني أن أؤكد لكم أن القراءة التي استخلصتها بعيدة تماماً عما جاء في طرحكم. صحيح أن هيئة الرقابة بالمغرب ونظيراتها الأفريقية وصندوق النقد الدولي تدعو لتوسع منضبط للبنوك الأفريقية الكبرى، ومن ضمنها البنوك المغربية الثلاثة التي تنشط قارياً باعتبار المخاطر التي تحيط بأنشطة هذه المصارف سواء في دول الاستقبال أو في دولهم الأصلية، فإن ذلك لم يعتبره أحد تحذيراً ولا دعوة للتراجع إلى الوراء. ويشكل تعزيز تدابير المراقبة الداخلية وتحسين الحوكمة في الهيئات المكونة لمجموعاتنا، فضلاً عن المواكبة المتبصرة واليقظة لسلطاتنا التنظيمية، وإشعاع روح الحوار والشفافية والإفصاح عن الحسابات، حصوناً عتيدة تعزز مناعتنا، وتقينا من حدوث أزمات خطيرة.
* ما تقييمك لأداء القطاع البنكي المغربي في ظل الانكماش الذي يخيم على الاقتصاد العالمي؟
- لسنا وحدنا في القطاع المصرفي من يقول ذلك، بل إن مجموع الأطراف المعنية وطنياً ودولياً، والهيئات متعددة الأطراف، تشهد وتعترف باستقرار القطاع البنكي المغربي، وتصنفه على أنه الأكثر صلابة وأداء على صعيد القارة الأفريقية. صحيح أن القطاع عرف تدهوراً * متحكماً فيه بشكل إجمالي * من حيث مستوى القروض المتعثرة في المغرب وأفريقيا، والناتج عن تباطؤ النمو الاقتصادي في بلداننا، فهذا التباطؤ ناتج بدوره عن أجواء الركود التي تمر بها أوروبا، وتباطؤ نمو الدول الآسيوية المؤثرة في نمو الاقتصاد العالمي، مثل الصين، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات على أسعار المواد الأولية وعلى توازنات ميزانيات ومبادلات الدول الأفريقية، التي تعاني بالخصوص من ضعف تنويع اقتصادها.
* يتجه المغرب نحو اعتماد نظام الصرف المرن. كيف يستعد البنك لهذا الانتقال؟ وما التأثير الذي تتوقعه؟
- نعتبر اعتماد سياسة الصرف المرن إجراءً منطقياً بالنسبة لاقتصاد يتزايد اندماجه في الاقتصاد الدولي، مثل الاقتصاد المغربي. وأضحت تنافسيته الخارجية، بما فيها سعر الصرف الذي يعد من المتغيرات الأساسية، مكوناً حاسماً. وتسمح مرونة الصرف بالوقاية، في ظل هذا الاندماج الدولي المتزايد، من التغيرات القوية التي قد تطرأ لاحقاً على معادلات الصرف. فتصور معي ما الذي يمكن اتخاذه من إجراءات لإصلاح اختلالات التوازن المتراكمة جراء اعتماد سعر الصرف الثابت، في ظل التفاقم المتواصل للعجز الخارجي وانخفاض احتياطات الصرف، والتضخم القوي والاختلال المتواصل للميزانية. في المغرب، واستناداً إلى التجربة التي راكمها البنك المغربي للتجارة الخارجية، باعتباره مؤسسة شريكة ومنخرطة في التحضير للانتقال إلى نظام الصرف المرن، أخذ بنك المغرب ما يلزم من الوقت حتى تتمكن البنوك من الاستعداد التقني لهذا التحول، وبالتالي تحضير زبائنها لمواجهة هذا «المعطى الجديد». تجدر الإشارة إلى الأهمية الحاسمة التي تكتسبها أدوات تغطية المخاطر التي توفرها البنوك المغربية لزبائنها، والتي يجب أن توسع في أقرب وقت، وأن تشمل جميع العملات الأجنبية المتداولة في البلاد، مع تمديد آجالها. فهذه الأدوات تعتبر أساسية من أجل «تطويق حالة الشك والارتياب» حول السعر المستقبلي للعملة الوطنية، لأنها تمكن من التحديد المسبق لسعر الصرف، وتعفي الفاعلين الاقتصاديين من القلق بشأنه، مهما كانت التطورات اللاحقة التي يمكن أن يعرفها في السوق. وتكتسي المقاربة التدريجية في التوجه نحو تحرير نظام الصرف بأهمية خاصة، وتعتبر الأكثر ملاءمة في الظروف الحالية، وحتى البنيوية للاقتصاد المغربي.
رئيس بنك «أوف أفريكا» المغربي: تحرير سعر الصرف ملائم لاقتصادنا
التويمي لـ «الشرق الأوسط» : التوسع الخارجي للبنوك لن يتسبب في أزمات
رئيس بنك «أوف أفريكا» المغربي: تحرير سعر الصرف ملائم لاقتصادنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة