بدأت الصين الحد من استيراد الفحم من كوريا الشمالية التزاماً منها بالعقوبات المفروضة على نظام كيم جون أون، الذي يتحدى العالم حالياً بتجارب إطلاق الصواريخ الباليستية وتطوير برنامجه النووي.
ويعتقد اقتصاديون أن خفض التبادل التجاري بين بيونغ يانغ وبكين سيكون بمثابة إنذار قوي للنظام الكوري، لأن الصين الشريك التجاري شبه الوحيد له، فنسبة 80 في المائة من إجمالي تجارة كوريا الشمالية تتم مع الصين.
وقد استوردت الصين في 2016 نحو 22.5 مليون طن من الفحم الكوري، بمبلغ 1.2 مليار دولار.
ويحصل النظام مقابل تلك التجارة على عملة صينية هو بأمس الحاجة إليها، إذ يكشف تقرير أعده قسم الأبحاث الاقتصادية في «بنك أوف كوريا» أن اليوان (العملة الصينية) يمثل «ملاذاً آمناً للكوريين بعدما فقد المواطنون ثقتهم بالعملة الوطنية (وون)».
ويشير التقرير إلى أن الوون الكوري موقفه صعب الآن بين اليوان والدولار، ويتراجع التعامل به إلى حد كبير، فبعدما كان سعر صرفه مرتبطاً ارتباطاً اصطناعياً بالدولار، بمعدل 105 وون لكل دولار، بات الأخير يساوي 8100 وون، بحسب الموقع الإخباري «ديلي إن كيه».
ويتراجع استخدام العملة الوطنية سنة بعد أخرى، في موازاة تضخم بخانتين، أي 10 في المائة وما فوق.
ويؤكد تقرير «بنك أوف كوريا» أن السكان يدخرون المال الآن بالعملتين الصينية والأميركية. ففي المناطق الحدودية، لا سيما مع الصين، 60 في المائة من التعاملات تتم باليوان، و40 في المائة من مشتريات المواد الأساسية، مثل الأرز والطحين، تتم باليوان أيضاً، كما أن 60 في المائة من مشتريات ومبيعات المكيفات والثلاجات والتلفزيونات، وحتى المساكن المشتراة، يدفع ثمنها بنسبة 62 في المائة بالعملة الصينية، و50 في المائة من القروض بهذه العملة كذلك.
أما الدولار، فهو شعبي في مناطق الداخل، لا سيما المدن الكبرى، ويشكل حتى 30 في المائة من التعاملات فيها، كما يشكل من 10 إلى 20 في المائة من تجارة الأجهزة الكهربائية والإلكترونية، و24 في المائة في سوق المنازل، و20 في المائة من القروض تمنح بالعملة الأميركية أيضاً.
إلى ذلك، تدخل إلى كوريا الشمالية عملات صعبة، بواقع من 1.2 إلى 2.3 مليار دولار سنوياً، عبر تحويلات عمالة مهاجرة يقدر عددهم بنحو 500 ألف.
وكانت «دولرة» الاقتصاد قد بدأت منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وفقدان الاقتصاد الكوري 40 في المائة من قيمته، بحسب تقرير صادر عن البنك المركزي لكوريا الجنوبية، وتفاقم الأمر عندما بدأت روسيا، ومعها الصين، طلب السداد بعملة غير الوون، عندئذ غض النظام الكوري الطرف عن تعاملات بغير العملة الوطنية. إلا أن الضربة الكارثية التي تلقتها العملة أتت في 2009، عندما خفض النظام الوون بقسمة قيمته على مائة، ولم يسمح إلا بتبديل 100 ألف وون لكل أسرة، ولم يمنح لتطبيق هذا الإجراء الراديكالي إلا فترة أسبوع فقط. وأراد بذلك معاقبة من أسماهم بـ«الانتهازيين الذين يكنزون المال باستخدام أساليب السوق السوداء»، بحسب التقرير نفسه. بعد تلك السنة التي أفقرت شريحة من السكان، بات اليوم 90 في المائة منهم يفضلون التعامل باليوان والدولار وعملات أخرى.
ويقول زائرون لبيونغ يانغ إن البلاد تعيش حالة «انفصام بين نظام يرفض الاعتراف باقتصاد السوق، ويمجد النمط الاشتراكي ليل نهار، وواقع يمكن فيه مشاهدة أنماط تجارية، مثل قيام حوانيت صغيرة خاصة لبيع الخضراوات والخردوات والمشروبات الغازية وغيرها من الحاجات والسلع البسيطة، ومزارع صغيرة يملكها فلاحون، إلى جانب عملهم في التعاونيات الزراعية الحكومية، وكل ذلك ممنوع نظرياً، وفقاً للنصوص الحكومية، بعقوبات صارمة، بل مفزعة».
لكن واقع الحال الآن يسمح بتلك المرونة التي تقابلها رشى يتقاضاها رجال النظام لغض الطرف، بل هناك مصانع حكومية طلب منها النظام، إلى جانب تأمين حاجاته، البحث عن موردين وعملاء وزبائن من خارج القواعد الاشتراكية المتبعة.
وهذا الواقع التجاري المعمول به لا أثر له في الميديا، ولا إعلانات له في الشوارع المليئة بصور الرئيس وشعارات الاشتراكية، فهو واقع مسكوت عنه حتى لا يختنق الاقتصاد، ويكون لذلك تداعيات اجتماعية أو سياسية.
ويعيش الاقتصاد اليوم في منطقة رمادية، بين اقتصاد موجه عاجز عن النمو، وعاجز عن تأمين كل حاجات السكان، واقتصاد سوق غير معترف به رسمياً، رغم وجوده النسبي في بعض مفاصل كثير من القطاعات التي يراوح فيها حضور القطاع الخاص بين 25 و50 في المائة.
ويقول الباحث أندريه لانكوف، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: «يعرف رئيس النظام تمام المعرفة أنه لولا المرونة التي تكسر مبادئ أبيه وجده الشيوعية، لما استطاع الاقتصاد أن يعمل حتى بالحد الاشتراكي الأدنى»، لذا نجد في شوارع العاصمة اليوم سيارات حديثة مستوردة من الصين أو مجمعة في ضواحي العاصمة، وكذلك الأمر بالنسبة للهواتف الذكية. ونشأت سوق سكن ومنازل للطبقة الوسطى، علماً بأن الطوابق العلوية غير مرغوبة، ويتجه التفضيل إلى الطوابق الأرضية لأن التيار الكهربائي ينقطع بين الحين والآخر بسبب مشكلات إنتاج الطاقة، والاضطرار إلى التقنين.
وبخلاف الموقف النظري للنظام الكوري الشيوعي، الذي يدعي أو ينشد الاكتفاء الذاتي، فإن نسبة 40 في المائة من السكان تعاني من سوء التغذية، وفقاً لتقرير حديث للأمم المتحدة، مما دفع مؤسسات أممية، وأخرى غير حكومية، إلى حث مانحين، في نداء عالمي، على مساعدة السكان المحتاجين.
ويشير التقرير إلى أن 10.5 مليون كوري يعانون من سوء تغذية، و18 مليون شخص، بينهم 3.1 مليون طفل تحت 5 سنوات، لا يعتمدون في غذائهم إلا على الحصص الغذائية التي توزعها الحكومة، خصوصاً الحبوب والبطاطا.
وبسبب النقص في الإنتاج، اضطرت السلطات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين إلى خفض وزن الحصص الغذائية، من 573 غراماً يومياً إلى 300 غرام فقط.
وعلى الرغم من ادعاء الاكتفاء الذاتي، يجد السكان أنفسهم أمام تقنين قاس، لا سيما في فترات انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب عوامل مناخية، تضاف إلى عوامل أخرى متعلقة بسوء الإدارة ونقص البذور الجيدة وقلة المعدات والتقنيات الزراعية الحديثة... وكل ذلك لأن النظام يركز أكثر في صناعة السلاح والصواريخ والبرنامج النووي. وتقدر مصادر مراقبة أن 40 في المائة من مقدرات الاقتصاد موجهة إلى الصناعات الحربية. وكانت إيران زبوناً للصواريخ ومضادات الطائرات من بيونغ يانغ، لكنها بعد بدء رفع العقوبات عنها السنة الماضية، اتجهت ناحية روسيا، وبذلك فقدت بيونغ يانغ مصدر عملة صعبة أيضاً. وإذا تأكد خفض التبادل مع الصين، بفعل العقوبات، سيصل الاقتصاد إلى شفا هاوية بتداعيات إضافية خانقة لا يمكن التنبؤ بها كلها الآن.
الاقتصاد الكوري الشمالي على شفا الهاوية
يخاف قطع الشريان الصيني
الاقتصاد الكوري الشمالي على شفا الهاوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة