بطالة الألمان مستقرة عند أدنى مستوى في تاريخها

الشراء عبر الإنترنت يدعم النمو

بطالة الألمان مستقرة عند أدنى مستوى في تاريخها
TT

بطالة الألمان مستقرة عند أدنى مستوى في تاريخها

بطالة الألمان مستقرة عند أدنى مستوى في تاريخها

أظهرت بيانات اقتصادية أمس الجمعة أن مبيعات التجزئة في ألمانيا انتعشت في فبراير (شباط) الماضي مقارنة بالشهر السابق، مما يعزز الآمال بأن إنفاق المستهلك الألماني سيكون عنصرا رئيسيا في نمو أكبر اقتصاد في أوروبا هذا العام.
وذكر مكتب الإحصاء الألماني أن مبيعات التجزئة ارتفعت الشهر الماضي بنسبة تفوق التوقعات بلغت 1.8 في المائة، بعد أن سجلت نسبة الزيادة واحداً في المائة فقط في يناير (كانون الثاني) الماضي، وكان خبراء الاقتصاد يتوقعون أن تنمو مبيعات التجزئة الألمانية بنسبة 0.7 في المائة في فبراير (شباط) مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني).
وقال مكتب الإحصاء الألماني إن مبيعات التجزئة الألمانية تراجعت في فبراير بنسبة 2.1 في المائة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، نظرا لوجود يوم تسوق أقل خلال الشهر هذا العام، وعلى العكس، ارتفعت حركة الشراء عبر الإنترنت ومن خلال طلبات الشراء البريدية في فبراير الماضي بنسبة سنوية بلغت 2.9 في المائة.
كانت البيانات الصادرة أول من أمس الخميس قد أظهرت تراجع معدل التضخم خلال مارس (آذار) الماضي بشدة، مما يقلص التوقعات بإقدام البنك المركزي الأوروبي على زيادة سعر الفائدة وإنهاء سياسته النقدية فائقة المرونة والقائمة منذ وقت طويل.
وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني أن معدل تضخم أسعار المستهلك في أكبر اقتصاد أوروبي بلغ خلال الشهر الماضي 1.6 في المائة مقابل 2.2 في المائة خلال فبراير الماضي، عندما وصل إلى أعلى مستوياته منذ أربع سنوات ونصف، وذلك بسبب تراجع أسعار الطاقة والغذاء خلال الشهر الماضي.
كان المحللون يتوقعون تراجع معدل التضخم خلال الشهر الماضي إلى 1.8 في المائة فقط، في الوقت نفسه، تراجع معدل تضخم أسعار الطاقة من 7.2 في المائة سنويا خلال فبراير الماضي إلى 5.1 في المائة خلال مارس، في حين تراجع معدل تضخم أسعار الغذاء من 4.4 في المائة إلى 2.3 في المائة خلال الفترة نفسها، وهو ما مهد الطريق أمام تراجع معدل التضخم ككل في ألمانيا.
وتزامن تراجع معدل التضخم في ألمانيا مع تراجع مماثل في إسبانيا وبلجيكا، وكان كثير من المحللين قد تكهنوا بإمكانية بدء البنك المركزي الأوروبي قريبا تقليص حجم برنامج شراء السندات المثير للجدل، وزيادة سعر الفائدة بعد ارتفاع معدل التضخم بقوة في فبراير الماضي، ليصل معدل التضخم في منطقة اليورو، التي تضم 19 دولة منها ألمانيا، ككل إلى 2 في المائة خلال الشهر قبل الماضي وهو المعدل المستهدف للبنك المركزي الأوروبي.
من ناحيتها، قالت جنيفر ماكوين المحللة في مؤسسة «كابيتال إيكونوميكس» الاقتصادية إن «الصورة الكبيرة ما زالت تؤكد أن معدل التضخم في مختلف أنحاء منطقة اليورو ما زال أقل كثيرا من أن يريح البنك المركزي».
من ناحية أخرى تراجع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا في مارس الماضي بمقدار 100 ألف عاطل إلى 2.662 مليون عاطل.
وأعلنت الوكالة الاتحادية للعمل أمس الجمعة في مقرها بمدينة نورنبرغ أن عدد العاطلين عن العمل تراجع مقارنة بالعام الماضي بمقدار 183 ألف عاطل.
وسجلت معدلات البطالة بذلك تراجعا ملحوظا بصورة أقوى، مقارنة بمتوسط معدلات الأعوام الثلاثة الماضية، لتصل بذلك إلى أدنى مستوياتها خلال أشهر مارس منذ عام 1991، أي منذ الوحدة بين شطري ألمانيا.
وانخفض معدل البطالة هذا الشهر بنسبة 0.3 في المائة ليصل إلى 6 في المائة.
وقال رئيس الوكالة ديتليف شيله: «سوق العمل يواصل النمو على نحو جيد».
وذكر شيله أن عدد العاطلين عن العمل تراجع بوضوح مع بداية فصل الربيع، مضيفا أن النمو في التشغيل متواصل دون أي معوقات، كما أن طلب الشركات على توظيف عاملين جدد يتزايد على نحو مستمر.
وسجلت معدلات البطالة في ألمانيا تراجعا في مارس الماضي حتى دون احتساب العوامل الموسمية، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل مع إغفال التأثيرات الموسمية 2.556 مليون عاطل، بتراجع قدره 30 ألف عاطل مقارنة بشهر فبراير الماضي، وتراجع عدد العاطلين عن العمل في غرب ألمانيا بمقدار 18 ألف شخص، وفي شرق البلاد بمقدار 12 ألف شخص.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.