ندوة «النص التراثي التاريخي»... قضايا وأسئلة شائكة

نظمها معهد المخطوطات التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة

ملصق الندوة
ملصق الندوة
TT
20

ندوة «النص التراثي التاريخي»... قضايا وأسئلة شائكة

ملصق الندوة
ملصق الندوة

شهدت ندوة «النص التراثي التاريخي: تقاليد الكتابة وطرق التعامل» حضورًا لافتا مِن أساتذة الجامعات المصرية والمعنيين بالشأن التاريخي، أثاروا كثيرًا من القضايا والأسئلة الشائكة من خلال مداخلاتهم على الطروحات التي قدمت في الندوة. وكان معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، نظم هذه الفعالية يوم الثلاثاء الماضي مستهلاً بها برنامجه الثقافي للعام الحالي. وذلك في إطار ما التزمه المعهد منذ ثلاث سنوات بإقامة أربع منتديات تراثية في العام الواحد، لمناقشة بعض القضايا التراثية الشائكة التي تهمُّ المثقَّف العربي المعاصر.
استهلَّ د. فيصل الحفيان مدير المعهد الندوة بالقول إن النصَّ التراثي عمومًا هو نصٌّ تاريخي في الدرجة الأولى، إذ إنه قادمٌ مِن حقبةٍ تاريخية لم نكن فيها، ولفت إلى أن المؤرخين المسلمين الأوائل قد بذلوا جهدًا كبيرًا في تدوين التاريخ، وليس صحيحا أنْ نعدَّهم قصَّاصًا ونقلةً فحسب، فكل منهم قد أضافَ لبنةً في صرحِ التاريخ الإسلامي، حتى استوى هذا البناء على سوقه في هيئة نظريات تعلِّل وتنقد وتستخلص التاريخ.
وتحدث الدكتور أيمن فؤاد سيد، مدير مركز تحقيق النصوص بجامعة الأزهر، عن طرق الكتابة التاريخية وتقاليدها عند المؤرخين المسلمين، مشيرًا إلى أن الكتابة التاريخية بدأت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري مع مدرسة المدينة ثم مدرسة العراق، وأن البداية الأولى كانت مرتبطة بمقتضيات دينية محضة، فكان الانطلاق بتدوين مغازي الرسول الكريم، الأمر الذي عده يوسف هوروفيتس صاحب كتاب «المغازي الأولى ومؤلفوها»، امتدادًا لأيام العرب في الجاهلية، ثم تدوين السيرة النبوية الشريفة، التي كانت بمثابة النواة الأولى للروايات الإخبارية، وشكَّلت العنصر الأهم في تطور علم التاريخ عند المسلمين.
وقال إنَّه في مقابل هذا الاتجاه (اتجاه أهل الحديث) الذي كان سائدًا في مدرسة المدينة، كان هناك اتجاه آخر أوجدته الصراعات والفتن المبكرة في الدولة الإسلامية، وهو اتجاه الحاميات القبلية، الذي كانت تمثله الكوفة والبصرة (مدرسة العراق).
وذكر أن التاريخ الإسلامي شهدَ أنساقًا تأليفية كثيرة، ككتب الحوليات، والتراجم العامة، والطبقات، والتاريخ العام، والرجال، والجرح والتعديل، وللأسف لم يُنشر منها إلا القليل.
أمَّا الدكتور بشَّار المؤرخ الإسلامي والمحقق المعروف لدواوين كتب التاريخ والحديث الشريف، فقد وقف عند طرق التعامل مع النصِّ التاريخي وآليات نشره نشرًا نقدياً، وما ينبغي أنْ يكون عليه محقق هذه النصوص مِن اشتراطات علمية، وصفاتٍ أخلاقية.
وأثارت المحاضرتان مداخلات وتعليقات مهمة لعدد من الحضور، تمحورت حول:
أهمّ كتبِ التاريخ الأولى، ككتب الطبري، والمسعودي، واليعقوبي، وابن الأثير، والبلاذري، وغيرها التي حقَّقها المستشرقون وسبقونا إليها، طبعها المحققون العرب بعد ذلك على طبعات المستشرقين، ووقعوا في الأخطاء نفسها التي وقع المستشرقون فيها مِن قبل، وأجدر بهم أنْ يعمدوا إلى جمع النسخ الخطية المعتَبَرة.
كما أكدت المداخلات أن بعض كتب التاريخ لم تسلم مِن زيادات هي مِن وضع الرُّواة لها، ولم يفطن المحققون العرب إليها، مشيرة إلى أن أعظم مؤرِّخ أنتجه الإسلام هو محمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، استخدم منهج المحدِّثين في التاريخ، وهو منهج يقوم بحصر الروايات المتعددة للخبر الواحد، ثم ينقد أسانيدها المختلفة ليصل بذلك إلى حقيقة الخبر. واعتبرت بعض المداخلات أن كتب الناقلين عن النصِّ الأول هي بمثابة نسخٍ ثانية للنصِّ، يُركن إليها لإقامة النص الأول وتقويم عوجِه، لافتةً إلى أن ابن خلدون دون المتوسط في الكتابة التاريخية، فهو غير مشتغل بالتاريخ، وقد نقلَ كتابَه مِن نسخة رديئة من كتاب «الكامل في التاريخ» لابن الأثير.



أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
TT
20

أسلحة مزخرفة من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي
خنجران من موقع ساروق الحديد في إمارة دبي

يحتلّ موقع ساروق الحديد مكانة عالية في سلسلة المواقع الأثرية التي كشفت عنها عمليات التنقيب المتلاحقة في الإمارات المتحدة، ويتميّز بترابه الأثري الذي يشهد له الكم الهائل من اللقى التي خرجت منه في العقدين الأخيرين. تشكّل هذه اللقى مجموعات عدة مستقلة، منها مجموعة كبيرة من الأسلحة المعدنية تحوي خنجرين فريدين من نوعهما، لكل منهما مقبض منحوت على شكل فهد رابض يمدّ قائمتيه الأماميتين في الأفق.

تتبع منطقة ساروق الحديد إمارة دبي، وتجاور قرية الفقع بين مدينة دبي ومدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي. شرعت دائرة التراث العمراني والآثار التابعة لبلدية دبي في استكشاف هذا الموقع في عام 2002، بالتعاون مع عدد من البعثات الأجنبية، وأدت حملات التنقيب المتواصلة خلال السنوات التالية إلى العثور على مجموعات متنوعة من اللقى تعود إلى فترات زمنية تمتد من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، منها مجموعة من الأختام، ومجموعة من الأواني الطينية، ومجموعة من الأدوات المعدنية.

تنقسم مجموعة الأدوات المعدنية إلى مجموعات عدة، أكبرها مجموعة من الأسلحة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، تشابه في صناعتها وفي صياغتها أسلحة معاصرة لها خرجت من مواقع أثرية أخرى في الإمارات وفي المناطق المجاورة لها. يأخذ القسم الأكبر من هذه الأسلحة شكل خنجر من الحجم المتوسط، يتكوّن من مقبض بسيط ونصل مروّس. يبدو المقبض مجرّداً من الزينة في أغلب الأحيان، غير أن بعض النماذج تخرج عن هذا السياق، وتتميّز بنقش زخرفي متقن يشهد لأسلوب فني ساد في هذه الناحية من الجزيرة العربية كما يبدو.

يتجلّى هذا النقش الناتئ في خنجر من البرونز يتكون من مقبض يبلغ طوله 13 سنتيمتراً، ونصل طوله 16 سنتيمتراً. يتكوّن هذا النقش من مساحات زخرفية مختلفة، تشكّل معاً تأليفاً تجريدياً يجمع بين تقاسيم متناغمة. يعلو هذا التأليف شريط أفقي يحدّ قاعدة نصل الخنجر، تزيّنه سلسلة من الحبيبات المتلاصقة. يستقرّ هذا الشريط فوق مساحة مكعّبة تأخذ شكل تاج تزيّنه زخرفة حلزونية مكوّنة من مفردتين تشكيليتين معاكستين. في النصف الأسفل من هذا المقبض، تحضر مساحة مستطيلة تزينها سنابل منتصبة محوّرة هندسياً، تستقرّ في إطار يحدّه شريطان مزخرفان بشبكة من الخطوط الأفقية. ترتفع هذه الكتلة المتراصة فوق قاعدة أسطوانية، وتشكلّ هذه القاعدة الطرف الأسفل لهذا المقبض البديع.

يحضر هذا النقش بشكل مشابه في خنجر آخر يبلغ طول نصله الحديدي 13.7 سنتيمتر، وطول مقبضه البرونزي 9 سنتيمترات. ويظهر هذا التشابه من خلال السنابل المنتصبة في كتلة مستطيلة تشكّل عموداً يعلوه تاج يزينه تأليف حلزوني مماثل. يستقر هذا العمود فوق قاعدة أسطوانية مجرّدة، ويشكّل معها تكوين مقبض هذا الخنجر الذي تأكسد نصله الحديدي العريض.

يبرز في هذا الميدان خنجران فريدان من نوعهما يحمل كل منهما مقبضاً نُحت على شكل حيوان من فصيلة السنّوريّات، يمثّل كما يبدو فهداً رابضاً. يتشابه هذان الخنجران البرونزيان من حيث الحجم تقريباً، غير أنهما يختلفان في التكوين، ويظهر هذا التباين عند دراسة مقبض كل منهما؛ إذ يحمل أحدهما صورة فهد مجسّم، ويحمل الآخر صورة مزدوجة لهذا الفهد. يظهر الفهد المفرد في خنجر يبلغ طول نصله المقوّس بشكل طفيف 19.5 سنتيمتر، وطول مقبضه 14 سنتيمتراً. يتكوّن هذا المقبض من مجسّم على شكل فهد ينتصب عمودياً فوق قاعدة تأخذ شكل تاج تزينه زخرفة حلزونية، تماثل في تأليفها النسق المعتمد. يشكّل رأس هذا الفهد قمة المقبض، وملامحه واضحة، وتتمثّل بعينين دائريتين، وأنف شامخ، وشدقين مفتوحين. يرتفع هذا الرأس فوق عنق طويل مقوّس، يحدّه عقد من الحبيبات الناتئة، يفصل بينه وبين البدن. يتكوّن هذا البدن من صدر طويل مستطيل، تعلوه قائمتان أماميتان تمتدّان في الأفق، مع قدمين مقوّستين بشكل طفيف. الفخذان عريضتان، والذيل منسدل، وهو على شكل ذيل الأسد، ويتميز بخصلة عريضة تعلو طرفه، تنعقد هنا بشكل حلزوني.

يتكون الخنجر الآخر من نصل يبلغ طوله 16 سنتيمتراً، ومقبض على شكل قوس منفرج طوله 12.5 سنتيمتر. تتكرّر صورة الفهد، مع اختلاف في التفاصيل؛ إذ يغيب الطوق الذي يحيط بالعنق، وتستقيم القائمتان الأماميتان عمودياً، وتحضر في وسط العين نقطة غائرة تمثّل البؤبؤ. ينتصب هذا الفهد فوق فهد آخر يظهر بشكل معاكس له، ويشكّل رأس هذا الفهد المعاكس الطرف الأسفل للمقبض، وقاعدة للنصل المنبثق من بين فكّيه.

يمثّل هذان الخنجران حالة فنية استثنائية في ميدان مجموعات الأسلحة المتعددة التي خرجت من مواقع الإمارات الأثرية، ومواقع سلطنة عُمان التي شكّلت امتداداً لها، ويبرزان بطابعهما التصويري الذي يأخذ هنا شكل منحوتتين مجسّمتين. تعكس هاتان المنحوتتان أثر بلاد السند وبلاد الرافدين، غير أنّهما تتميّزان بطابع محلّي خاص، ويظهر هذا الطابع في قطع أخرى تنتمي كذلك إلى ما يُعرف تقليدياً بالفنون الصغرى.