القصير يحولها الإرهابيون إلى «منطقة عسكرية»

خبير استراتيجي: حزب الله ألغى ما تبقى من السيادة السورية

القصير يحولها الإرهابيون  إلى «منطقة عسكرية»
TT

القصير يحولها الإرهابيون إلى «منطقة عسكرية»

القصير يحولها الإرهابيون  إلى «منطقة عسكرية»

حظي الاستعراض العسكري الذي أقامه ما يسمى «حزب الله» اللبناني، في الريف الغربي لمدينة القصير القريبة من الحدود اللبنانية، بمتابعة سياسية وأمنية واسعة، وخضع لقراءات معمقة عن أبعاده وتوقيته، خصوصًا أن هذا العرض الذي شارك فيه مئات المقاتلين، بقطع عسكرية متطورة لا تملكها إلا الجيوش التقليدية، تعمد الحزب تصويره وتسريبه إلى الإعلام، في رسالة واضحة إلى الداخل والخارج، مفادها أنه بات قوة عابرة للحدود، وله مناطق نفوذ داخل سوريا ممنوع حتى على قوات نظام بشار الأسد الاقتراب ومزاحمته فيها.
وشارك في العرض العسكري للحزب ألوية أنشئت حديثًا وتتبع لـ«فوج المدرعات» وعناصر مشاة يتبعون لـ«قوات التدخل» التي تشارك بزخم في القتال في سوريا وتعد «رأس حربة الحزب العسكرية»، وقالت المعلومات التي نشرت إن العرض العسكري «أقيم برعاية الأمين العام للحزب حسن نصر الله ممثلاً برئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين الذي تناول في كلمته له، موضوعات سياسية وعسكرية تتعلق بسوريا».
وإذا كان الاستعراض العسكري والكشف عن وجود قاعدة عسكرية للحزب غربي سوريا، أمرا مفاجئا للمراقبين، فهو ليس جديدًا على أبناء المنطقة، حيث أوضح حاتم حوراني، وهو من أبناء القصير المهجرين إلى شمال لبنان، أن القاعدة العسكرية «ليست حديثة إنما أنشئت منذ معركة السيطرة على مدينة القصير صيف عام 2013». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب «وضع يده على هذه النقطة التي كانت في الأصل مركزًا لجهاز الأمن العسكري السوري، ثم وسّعها وطورها بعد سيطرته على مدينة القصير». وقال حوراني «تقع هذه القاعدة جنوبي بلدة زيتا، وهي تبعد ما بين 4 إلى 5 كيلومترات عن مدينة القصر اللبنانية الواقعة على الحدود مع سوريا، وتمكّن الحزب في السنتين الأخيرتين، بوصلها بالداخل اللبنانية، وتحديدًا مدينة القصر بواسطة أنفاق كبيرة»، مشيرًا إلى أن «هذا الاستعراض يوجه رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأن كل المناطق الحدودية مع لبنان، بدءًا من ريف حمص الغربي، مرورًا بالقصير وصولاً إلى الزبداني، هي مناطق عسكرية وأمنية للحزب، ولا سلطة حتى لنظام الأسد وأجهزته عليها إطلاقًا». وكان سكان ريف حمص الغربي بما فيها أهالي القصير وبلداتها، نزحوا بمعظمهم إلى الداخل اللبناني، ولا سيما بلدة عرسال البقاعية، ومنطقة عكار في شمال لبنان، علما بأن الحزب وما يعرف بشبيحة النظام، هم من أمّن ممرات لخروج المدنيين من قراهم بهدف إخلائها تمامًا.
ولم يقتصر نفوذ الحزب على المدنيين، بل قلّص إلى حد الإلغاء دور النظام في هذه المناطق، بحسب حاتم حوراني، الذي قال: «لم يعد خافيًا على أحد أن النقاط العسكرية الرمزية جدًا العائدة للنظام، ليس لها أي فاعلية على الأرض». وأوضح أن «هذه السيطرة لم تسر على القرى السنية التي باتت خالية تمامًا من سكانها فحسب، بل حتى على البلدات العلوية». ولفت إلى أن أبناء القرى العلوية «إذا أرادوا الخروج باتجاه لبنان غربا أو باتجاه شرق حمص، فهم يحتاجون إلى ترخيص من الحزب وليس من النظام». وشدد حوراني على أن «(حزب الله) بدأ فعليًا في تطبيق سياسة التغيير الديموغرافي في المنطقة، منذ تعمد تهجير سكان القصير وريفها». وكشف حوراني عن أن النظام «سمح قبل سنة بعودة السكان الذين نزحوا من ريفي حمص والقصير إلى بلداتهم، إلا أن الحزب ضرب قرار النظام بعرض الحائط، ومنه الأهالي من العودة إلى أراضيهم وقرارهم، باعتبارها مناطق محظورة عليهم، بالنظر لخصوصيتها العسكرية والأمنية».
الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني نزار عبد القادر، اعتبر أن «العرض العسكري يؤشر إلى أن (حزب الله) يعتمد تقييمًا لوضعه العسكري بوصفه قوة إقليمية تتعدى حدود السيادة اللبنانية ومساندة حليفه بشار الأسد». وأوضح عبد القادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك تحولاً ليس بنظرة الحزب إلى دوره الأوسع من لبنان، والعابر للحدود، إنما بتحوله من حركة مقاومة إلى شبه جيش كلاسيكي بالمعنى التقليدي لتنظيم الجيوش». وسأل «هل بدأ (حزب الله) يفكّر ومن ورائه الروسي بتقسيم سوريا إلى إمارات وقطاعات عسكرية، كل طرف له ثكناته ويظهر توازنه؟، وهذا يعني السلام على الوطن السوري».
ووفقًا لمعلومات أوردتها مواقع لبنانية، فإن ما يسمى «حزب الله» يعمل على «هيكلة قواته العاملة في سوريا من خلال إنشاء ألوية عسكرية تُخرجه من الإطار التقليدي، وهو السرايا والوحدات، إلى نمطٍ قتالي أوسع شبيه بالجيوش مطعمًا بالنكهتين الكلاسيكية وحرب العصابات». وقالت المعلومات: إن الحزب «بات يملك من خبرات عسكرية ميدانية وقتالية متعاظمة»، مشيرًا إلى أن العرض «شاركت فيه آليات عسكرية ثقيلة بينها مدافع ميدانية ورشاشات مع سيارات تحمل قواذف ثقيلة».
وفي البعد العسكري لهذا الاستعراض، رأى عبد القادر، وهو عميد متقاعد في الجيش اللبناني، أن «خروج الحزب بهذه القوة، وتعمد إظهارها إعلاميًا، يوجه بذلك طعنة كبيرة للسيادة السورية، بقدر ما يشكّل ذلك تنازلاً واضحًا من نظام بشار الأسد عن السيادة السورية، وعما ينص عليه الدستور وسيادة الدول المكرس في معاهدة إيطاليا منذ عام 1648، وهذا يلغي الشرعية التي يدعيها نظام الأسد أمام المجتمع الدولي». ولم يستبعد الخبير الاستراتيجي، أن يكون هذا الأمر «مقدمة لإجراء تغييرات ديموغرافية في هذا الجزء من سوريا، بعد تهجير الأكثرية السنية لصالح الأقلية العلوية والشيعية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.