الباذنجان.. وعلاقته بالجنون

أصله آسيوي وعرفه العرب قبل أوروبا

الباذنجان.. وعلاقته بالجنون
TT

الباذنجان.. وعلاقته بالجنون

الباذنجان.. وعلاقته بالجنون

عرف العالم الباذنجان من شرقي آسيا، حيث كان يزرع عبر العصور القديمة. وجاء أول ذكر مكتوب عنه في وثيقة صينية يعود تاريخها إلى عام 544 ميلادية عن وصف المحاصيل الزراعية. ولم يأت ذكر الباذنجان في أي وثائق إغريقية أو رومانية، مما يعني أن أوروبا لم تعرفه حتى أدخله العرب في العصور الوسطى إلى صقلية والأندلس. وشرح ابن العوام في كتاب صدر في القرن الثاني عشر كيفية زراعة الباذنجان. وبعدها ظهرت كتابات أندلسية عن النبات وفوائده، وبعض أضراره التي منها الإصابة بالجنون.
ويعتبر الباذنجان نباتًا استوائيًا ومداريًا له أوراق خشنة وزهور بيضاء تمثل إلى اللون البنفسجي مع بذور صفراء اللون. وتأتي ثمرة الباذنجان في أحجام وألوان مختلفة. وهو ينتمي إلى فصيلة التبغ وله مذاق مر قبل طبخه.
ولم تعرف بعض دول أوروبا هذا النبات حتى القرن السادس عشر وجاء أول ذكر في بريطانيا له في عام 1597 ضمن كتاب وصف منشأ الباذنجان على انه من مصر حيث تنتشر زراعته في كل مكان. ويشرح الكتاب كيف أن زراعته في إنجلترا كادت أن تنجح حيث وصل الباذنجان إلى مرحلة الزهور، ولكن اقتراب موسم الشتاء عجل بموت النباتات قبل بلوغها مرحلة الثمار.
وكان الاعتقاد السائد قديما هو أن النبات ينتمي إلى فصائل النباتات السامة، وثبت بعد ذلك أن استهلاك أوراق الباذنجان وزهوره بكميات كبيرة هي بالفعل سامة لأنها تحتوي على مادة السولانين.
ويرتبط اسم الباذنجان بالجنون في الفولكور المصري والإيطالي، حيث كان الاعتقاد السائد في إيطاليا في القرن الثالث عشر هو أن الباذنجان يسبب الجنون. أما في مصر فقد انتشر الاعتقاد بأن الجنون ينتشر في المناطق التي يزرع فيها الباذنجان، خصوصًا في فصل الصيف، وذلك في القرن التاسع عشر.
ويعرف الباذنجان بالكثير من الأسماء في أوروبا وجميعها مشتق من الاسم العربي له. فهو يعرف في إسبانيا باسم «برينخينا» وفي البرتغال باسم «برنجيلا» وفي أنحاء أوروبية أخرى باسم «ميلونجين». أما الاسم البريطاني الحديث له فهو «أوبرجين».
وعلى رغم تنوع ألوان وأحجام ثمار الباذنجان إلا أن النوع السائد في أوروبا حاليا هو النوع البيضاوي باللون الأسود الذي يميل إلى البنفسجي وبأحجام تتراوح بين 12 و25 سم. وفي بلدان آسيوية تنمو أنواع أخرى مستطيلة باللون الأبيض كما توجد أنواع في الصين يصل وزن الثمرة الواحدة إلى أكثر من كيلوغرام. وفي الهند توجد أنواع مصغرة من الباذنجان وهي تنمو بألوان مختلفة.
وفي عام 2010 قررت الهند وقف زراعة الباذنجان المعدل جينيا من أجل مكافحة الأمراض، وذلك بعد انتشار احتجاجات شعبية ضد وسيلة التعديل الجيني. وما زال الحظر سائدا على رغم من أن الكثير من المحاصيل الزراعية الأخرى يتم تعديلها جينيا لزيادة حصانتها ضد الأمراض.
وعلى الرغم من طعمه المر قبل طبخه فإن الباذنجان يكتسب مذاقًا شهيًا بعد الطبخ. وهو يمتص الزيت والدهون أثناء طبخه، ولذلك يعد من الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية. ومن وسائل منع الباذنجان من امتصاص الدهون تمليحه للتخلص من الماء في أنسجته أو وضعه في الفرن بدلا من قليه في الزيت.
وتساهم عمليه تمليح الباذنجان أثناء إعداده في التخلص من مرارة الطعم، وإن كانت الأنواع المعدلة جينيا تتمتع بطعم خال من المرارة ولا تحتاج إلى التمليح قبل الطبخ.
ويستخدم الباذنجان في مطابخ الكثير من الدول وبفضل مذاقه يستخدم كبديل للحوم في الوجبات النباتية. وهو يدخل في الكثير من الوجبات النباتية الهندية ومنها الكاري. وهو يسمى في الهند «ملك الخضراوات». ويؤكل الباذنجان مشويًا ومطبوخًا بالطماطم أو مقليًا. وأشهر وجبات الباذنجان في الغرب هي وجبة المسقعة، كما يدخل في الوجبة الفرنسية الشهيرة «رتاتوي».
وتنتشر وجبات الباذنجان في المطابخ اليونانية والتركية والإيطالية كما في أنحاء الشرق الأوسط. ومن الأطباق التي يشتهر بها المطبخ العربي «بابا غنوج» وهي مكونة من الباذنجان والطحينة مع بعض المتبلات. وفي الأندلس يتم حتى الآن إعداد الباذنجان مقليا في زيت الزيتون وهو يقدم مع العسل على طريقة أهل قرطبة. وفي أنحاء إسبانيا يتم حفظ الباذنجان في الخل وزيت الزيتون مع الفلفل الأحمر. وفي الشرق الأوسط يتم حشو أنواع من الباذنجان الأبيض بالأرز واللحم لإعداد وجبة المحشي الشهيرة.
وتتم زراعة الباذنجان من الحبوب وهو ينمو في المناخ الحار والتربة جيدة الصرف. ولا تحتاج زهور الباذنجان إلى تلقيح لأنها تحتوي على العناصر المذكرة والمؤنثة معا. ويتأثر الباذنجان بالآفات التي تهاجم نباتات أخرى مثل الطماطم والفلفل والبطاطس، ولذلك يفضل عدم زراعته في مواقع هذه المحاصيل. وأحيانًا تتم زراعة بعض أنواع الفلفل بين نباتات الباذنجان لجذب الذباب الأبيض بعيدًا عن المحصول. وتستخدم أحيانًا بعض المبيدات الحشرية للتخلص من الآفات أو تتم تنقية الأرض منها يدويًا.
* الإنتاج العالمي
وتشير إحصاءات عام 2013 إلى أن الإنتاج العالمي من الباذنجان بلغ 49.4 مليون طن تزرع على مساحة مليون و600 ألف هكتار حول العالم. وتزرع الصين وحدها نسبة 59 في المائة من جملة الإنتاج العالمي من الباذنجان. وتعد الهند وإيران ومصر من الدول الرئيسية المنتجة له. وتنتج الصين 28.4 مليون طن وتقع في المركز الأول عالميًا، تليها الهند بمحصول حجمه 13.4 مليون طن ثم إيران بحجم 1.4 مليون طن ومصر بحجم 1.2 مليون طن، وأخيرًا تركيا في المركز الخامس بحجم إنتاج يبلغ 0.8 مليون طن.
ولا يوفر الباذنجان قبل طبخه الكثير من الطاقة أو البروتين أو الدهون ولكنه غني بالمعادن وأهمها البوتاسيوم والكالسيوم والماغنيسيوم والفوسفور. وهو يحتوي أيضا على مجموعة من الفيتامينات.
وتم تسجيل بعض حالات الحساسية من الباذنجان تشمل حكة في الجلد والتهاب في الفم وصداع وألم في المعدة بعد تناول الباذنجان. وفي دراسة أجريت عام 2008 على أكثر من 700 شخص في الهند كانت نسبة المصابين بالحساسية لا تتعدى 10 في المائة، وكان سبب معظم الحساسية احتواء الباذنجان على مادة الهيستامين.
أما هؤلاء الذين لا يعانون حساسية ضد الباذنجان فإنهم يستفيدون من المزايا الغذائية المتاحة فيه كغذاء مضاد للأكسدة ومساعد على صحة الأوعية الدموية لمكافحته الكولسترول. وهو غذاء تنصح به جمعية مرضى السكر الأميركية، لأنه يتحكم في امتصاص الغلوكوز ويساعد على خفض ضغط الدم. وتشير بعض الدراسات أيضًا إلى أن الباذنجان يمكنه أن يساعد على الوقاية من السرطان عبر تثبيط عملية تغذية الخلايا السرطانية بالأكسجين، واحتوائه على مادة الناسونين المضادة للأكسدة.
وتشير مصادر هندية إلى فائدة الباذنجان في زيادة الرغبة الجنسية لدى المرأة، كما أنه مفيد أيضًا في خفض الوزن عن طريق التخلص من السوائل الزائدة في الجسم. ويستخدم الأستراليون مادة سولاسودين المستخلصة من الباذنجان في معالجة سرطان الجلد وحماية البشرة.
ولا ينصح خبراء التغذية بتناول الباذنجان ليلا؛ لأنه يستغرق مدة أربع ساعات لهضمه، ويمكن أن يتسبب في عسر الهضم. ومن النصائح الأخرى المتعلقة بتناول الباذنجان عدم الإسراف في تناوله مقليًا لأنه مشبع بالزيوت والدهون، ويفضل عدم تقشير الباذنجان، لأن قشرته تحتوي على الكثير من العناصر الغذائية التي تساعد على الحفاظ على جدران الخلايا والحماية من الشيخوخة.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».