تطورت التطبيقات مع تطور الهواتف الذكية، وحصل المستخدمون على فئة جديدة منها، هي تطبيقات الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، وبمزايا مختلفة، منها ما يسمح للمستخدم بإجراء المحادثات الجماعية مع عشرات ومئات المستخدمين، بينما يقدم البعض الآخر القدرة على التحدث بالصوت والصورة وتبادل الملفات مع الآخرين. ولكن هذا التطور أثر على شركات الاتصالات، حيث أصبح المستخدمون يفضلون تلك التطبيقات على حساب المكالمات الصوتية العادية بسبب انخفاض تكاليف الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، الأمر الذي قاد كثيرًا من شركات الاتصالات حول العالم إلى حجب تلك التطبيقات أو جعل استخدامها بطيئًا للغاية، وبالتالي عدم الحصول على الفائدة من استخدامها. وأدى هذا الأمر إلى تطوير تطبيقات متخصصة بتجاوز هذا الحجب بتقنيات مختلفة، وإطلاق المستخدمين لحملات مقاطعة احتجاجًا على مستوى الخدمات المقدمة.
* أهداف ربحية
وترغب كثير من شركات الاتصالات بتبني تقنية الدردشة الصوتية عبر الإنترنت، ولكنها تعلم أنها إن قامت بذلك، فستخسر مبالغ كبيرة من المال الذي كان من الممكن أن يدفعه المستخدمون لقاء خدمات المكالمات الهاتفية الصوتية المحلية والدولية للأهل والأصدقاء. وتتأثر فئات كثيرة من المجتمع جراء هذا الحجب، مثل الأهل الذين أرسلوا أولادهم وبناتهم للدراسة في الخارج، والمغتربين ذوي الدخل المحدود (خصوصًا العمال)، والزوار الذين يستخدمون ميزة التجوال الدولي أثناء سفرهم، ورواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة الذين لا توجد لديهم كميات وفيرة من المال لإنفاقه على اتصالاتهم الدولية للانطلاق بأعمالهم ونشر خدماتهم، بالإضافة إلى الشركات الكبيرة التي لديها أعداد كبيرة من الموظفين حول العالم، والتي تحتاج إلى التواصل معهم بشكل يومي، وغيرها.
* حجب دولي
وتعمل بعض شركات الاتصالات في كثير من الدول بطرق ملتوية للتحايل على حجب تطبيقات الدردشة الصوتية، وذلك بإبطاء سرعتها بشكل كبير مما يجعل استخدامها غير عملي، وهو ما يسمى بالحجب الجزئي.
ووفقا لموقع Pro VPN Accounts ومواقع أخرى، تمنع كثير من الدول حول العالم خدمات الاتصال الصوتي عبر الإنترنت، مثل البرازيل ودول منطقة الكاريبي والصين وروسيا والمكسيك وكوريا الشمالية وباكستان وإثيوبيا وباراغواي و«بيليز» (هندوراس البريطانية سابقًا). وكانت هيئة الاتصالات الأميركية قد طالبت بحجب خدمات الاتصال الهاتفي عبر الإنترنت في عام 1996، ليتم رفض طلبها من الكونغرس الأميركي. أما في الهند، فيمكن استخدام هذه التقنية للدردشة مع الآخرين شرط ألا يتم الاتصال بمن يستخدم هواتف ثابتة، أي أنه يمنع تحويل مكالمات الإنترنت إلى الخطوط الأرضية. أما بالنسبة لكوريا الجنوبية، فيمكن للشركات المطورة المسجلة في الدولة تقديم هذه الخدمات فقط.
وعلى الصعيد العربي، تحجب الدول التالية كليا أو جزئيا خدمات الاتصال الصوتي عبر الإنترنت بأشكال متفاوتة: مصر والأردن والكويت وقطر عُمان (يتعرض من يحاول تجاوز هذا الحجب لعقوبة تصل إلى أكثر من 130 ألف دولار أميركي أو السجن لعامين، أو العقوبتين معا)، والإمارات العربية المتحدة (يتعرض من يحاول تجاوز هذا الحجب لعقوبة تتراوح بين 130 و500 ألف دولار أميركي أو السجن مؤقتا، أو العقوبتين معا) والمغرب والمملكة العربية السعودية.
وأعلن المغرب رسميا عن حجب خدمات الاتصال عبر الإنترنت في 2 يونيو (حزيران) السابق، موقفًا عمل هذه الميزة في كثير من التطبيقات، مثل: «سكايب» و«فايبر» و«واتساب» و«فيسبوك ميسنجر» و«تانغو»، وذلك بسبب أن الشركات المشغلة لهذه التطبيقات لا تعمل داخل المغرب، مع السماح لشركات الاتصالات بحجب أي تطبيقات مشابهة آليا في المستقبل بهدف حماية دخلها.
أما في المملكة العربية السعودية، فتم حجب تطبيق «لاين ميسنجر» في الشهر الحالي، الذي كان يعمل بشكل طبيعي ويستخدمه كثيرون للتواصل. وأكدت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في تصريح رسمي لها في حسابها على «تويتر» (@CITC_SA) في 7 سبتمبر أنها لم توجه بحجب أي تطبيق، وستتابع الموضوع مع مزودي خدمات الاتصالات في السعودية، وأن تقديم خدمات الاتصالات وتقنية المعلومات في السعودية يخضع لقوانين ومتطلبات تنظيمية، وأن ممن يخالفها يترتب عليه عقوبات تنص عليها اللوائح التنفيذية، دون توضيح ماهية القوانين والمتطلبات. الجدير ذكره أنه إلى حين كتابة هذا الموضوع، لم تكشف هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عن أي نتائج جراء تحقيقاتها.
وأكد كثير من المستخدمين عبر «تويتر» أن شركات الاتصالات المحلية تقول إنها قامت بحجب التطبيقات بناء على طلب من هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة، مقدمين صورا رقمية للرسائل التي حصلوا عليها من قسم الدعم الفني لشركات الاتصالات التي يتعاملون معها، ليقع المستخدمون في حيرة تبادل أصابع الاتهام بين كل من هيئة الاتصالات وشركات الاتصالات المحلية، على أمل كل طرف أن ينسى المستخدمون هذا الأمر مع مرور الوقت.
ويرى البعض الآخر أن شركات الاتصالات (بالاتفاق مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات) قررت حجب تطبيق «لاين» وبعض التطبيقات الأخرى في وقت يتناسب مع مصالحها التجارية، حيث تم الحجب مباشرة قبل موسم الحج، أي أن أكثر من 1.8 مليون حاج لم يستطيعوا الاتصال بأهلهم محليا أو دوليا للاطمئنان عليهم، الأمر الذي اضطرهم للاتصال هاتفيا ملايين المرات خلال فترة حجهم.
وكان محافظ هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الدكتور عبد العزيز بن سالم الرويس قد كشف في 17 سبتمبر في تغريدة على حساب هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات على «تويتر» عن إجراء 820 مليون مكالمة ناجحة في مدينتي مكة والمدينة المنورة لموسم حج هذا العام (أول 13 يوما من شهر ذي الحجة)، من بينها مليون و60 ألف مكالمة عبر الشرائح الأجنبية المتصلة بالشبكات المحلية، وتبادل 13 ألف تيرابايت (13 مليون غيغابايت، ذلك أن التيرابايت الواحد يعادل ألف غيغابايت).
وينضم تطبيق «لاين ميسنجر» إلى لائحة متزايدة الحجم من التطبيقات التي تم حجبها في المملكة، مثل مكالمات «واتساب» و«غوغل هانغاوتس» و«فيسبوك ميسنجر» و«تيليغرام» و«سكايب» و«سنابتشات» و«ديسكورد» و«فيستايم» و«فايبر» و«غوغل ديو» و«تيم سبيك» و«بوبكورن باز» و«واي فاي كولينغ»، وغيرها. ومن جهتها اعتذرت شركة «لاين» من مستخدميها جراء انقطاع الخدمة، وقالت إن المستخدمين يواجهون متاعب في استخدام بعض خدماتها في السعودية، مثل خدمات المكالمات الصوتية المجانية، وإنها تعمل حاليا على معالجة هذه المشكلة.
ورد المستخدمون بإطلاق حملة #راح_نفلسكم التي تتوعد شركات الاتصالات في السعودية بمقاطعة استخدامها، وذلك بهدف الضغط عليها لتطوير خدماتها بما يتناسب مع احتياجات المستخدمين. وتفاصيل الحملة هي عدم استخدام شبكة الاتصالات أو شحن الرصيد للبطاقات مسبقة الدفع لمدة 3 ساعات (من الساعة 6 إلى 9 مساء) يوميا بدءا من 1 أكتوبر (تشرين الأول)، ليصبح عدد ساعات المقاطعة 84 شهريًا لكل مستخدم، أي ما يعادل 3 أيام ونصف اليوم شهريًا.
وحصل هذا الوسم على المركز الثاني عشر بين الوسوم الأكثر انتشارا عالميا، وهو وسيلة للتعبير عن امتعاض واستياء المستخدمين من الخدمات التي تقدمها شركات الاتصالات والاستغلال المادي لقاء الخدمات السيئة، ووعدوا بمواصفة الحملة إلى حين تحقيق مطالبهم.
* تجاوز سهل للحجب
ويمكن تجاوز حجب كثير من تطبيقات المكالمات الصوتية باستخدام ما يعرف بالشبكة الشخصية الافتراضية Virtual Private Network VPN، وهي خدمة تقوم بوصل المستخدم بكومبيوتر آخر موجود في مكان ما حول العالم متصل بالشبكة، ليقوم المستخدم بالعمل وكأنه يستخدم ذلك الجهاز عوضا عن جهازه المحلي، أي أن المستخدم إن اتصل بكومبيوتر في لندن، فإن استخدامه لتطبيقات الدردشة الصوتية عبر الإنترنت سيظهر وكأنه من لندن، وليس من مكان وجود المستخدم. هذا الأمر يعني أن المستخدم سيظهر وكأنه يتصل بكومبيوتر آخر أمام شركة الاتصالات المحلية، ويتبادل البيانات العادية مع الكومبيوتر الآخر عبر شركة الاتصالات المحلية، ليقوم ذلك الكومبيوتر البعيد بالعمل بالنيابة عن المستخدم وتمرير المعلومات والاتصالات الصوتية عبر الإنترنت من وإلى المستخدم، ذلك أن البيانات مشفرة (مرمزة) خلال هذه العملية. وهناك كثير من البرامج التي تقدم اشتراكات شهرية منخفضة التكلفة تتراوح بين دولار واحد و8 دولارات شهريًا، مع تقديم بعضها هذه الخدمة مجانا. هذه التطبيقات متوافرة في متاجر الهواتف الذكية المختلفة وعلى الكومبيوترات الشخصية، ويصعب تعقبها والتعرف على ماهية البيانات التي يتم تبادلها، الأمر الذي يستبعد احتمال إيقاف شركات الاتصالات لهذه الفئة من التطبيقات.
ويتجاوز بعض المستخدمين هذا الحجب بالدردشة من خلال الألعاب الإلكترونية التي غالبا ما لا يتم حجبها، ذلك أن أعداد المستخدمين الذين يستخدمون هذه الآلية منخفضون نسبيا، وهي طريقة صعبة التطبيق على مستوى الشركات وكبار السن وذوي الدخل المحدود نظرا لتكاليفها المرتفعة (ضرورة شراء الأجهزة الإلكترونية المناسبة وشراء الألعاب والاشتراك بخدمات شبكات الألعاب الإلكترونية، وغيرها). ولكن المغرب قام بحجب اللعب مع الآخرين عبر الإنترنت في الألعاب التي تدعم ميزة الدردشة الصوتية، في وقت سابق من العام الحالي.
وهناك تقنيات أخرى لتجاوز الحجب غير تقنية الشبكة الشخصية الافتراضية، مثل تقنيات «بروكسي» Proxy وتغيير عنوان «دي إن إس» DNS وأنفاق «إس إس إتش» SSH Tunnel، وغيرها، وبدرجات تشفير (ترميز) مختلفة وقدرات متفاوتة على تجاوز الحجب، ليدخل المستخدمون وشركات الاتصالات في دوامة الحجب والتجاوز الدائمين.
* سبل استعادة المستخدمين
وتُذكرنا هذه المناوشات التقنية بوقت سابق حاولت فيه كثير من شركات الاتصالات منع استخدام تطبيقات الدردشة النصية الفورية للحد من خسائر استخدام خدمة الرسائل النصية عبر شركات الاتصالات، لتخسر شركات الاتصالات في تلك المعركة بشكل كبير وتبدأ بتبني عقلية تقديم باقات إنترنت للمستخدمين بأسعار تعوضها عن عدم استخدام خدمات الرسائل النصية.
ولم تدرك شركات الاتصالات أن مستقبل الاتصالات يبدأ من فتح استخدام الإنترنت أمام المستخدمين وتقديم باقات إنترنت أفضل لهم عوضًا عن إجبارهم على استخدام خدماتها. ومن شأن هذه الباقات جذب المستخدمين ذوي الدخل المحدود إلى مشتركي شركات الاتصالات التي تقدم هذه الباقات، مع استخدام شركات الاتصالات لتقنيات موجودة حاليًا دون الحاجة لتطوير الشبكات تقنيا أو تطوير التطبيقات بشكل مستمر، ذلك أن هذا الأمر يقع على عاتق الشركات المطورة لتلك التطبيقات.
ومن البدائل الأخرى التي يمكن استخدامها لإقناع المستخدمين بالعودة إلى استخدام المكالمات الهاتفية العادية وليس عبر الإنترنت إلغاء رسوم تجوال خدمات شرائح الهواتف الجوالة حول العالم أو في كثير من الدول. وقد طبق الاتحاد الأوروبي هذه الآلية في 28 دولة المنتمية له، مع فرض الولايات المتحدة له، الأمر الذي نجم عنه إطلاق شركات الاتصالات باقات اتصال غير محدودة لأكثر من 70 دولة حول العالم بتكلفة ثابتة، الأمر الذي شجع الناس على الاشتراك بتلك الباقات عوضًا عن البحث عن بدائل رقمية تضع قنوات الإنترنت تحت ضغوطات استخدام إضافية.
حجب تطبيقات الاتصال الصوتي عبر الإنترنت في المنطقة العربية والعالم
يتراوح ما بين الكامل والجزئي لأهداف ربحية دون تقديم بدائل للمستخدمين
حجب تطبيقات الاتصال الصوتي عبر الإنترنت في المنطقة العربية والعالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة