بكتيريا الفم، المسماة «البكتيريا المغزلية»، قد تنتقل مع مجرى الدم نحو أسفل البطن، لتزيد من حدة سرطان القولون والمستقيم، بعد توظيفها لبروتين خاص يلتقط السكريات على الأورام الخبيثة، وفقا لأحدث دراسة علمية.
ويعتبر سرطان القولون والمستقيم واحدا من الأمراض الرئيسية القاتلة للرجال والنساء في الولايات المتحدة، ويحتل المرتبة الثانية في قائمة السرطانات القاتلة. وتسهل الفحوصات المبكرة عادة تشخيص أورام الأنسجة المخاطية التي تسبق تكون الأورام السرطانية في القولون والمستقيم، ثم إزالتها لدرء حدوث السرطان.
بكتيريا مغزلية
كانت دراسات سابقة أجراها باحثون في مختبر غاريت، بجامعة هارفارد الأميركية، قد أشارت إلى أن البكتيريا المغزلية fusobacteria تساهم في تكون الأورام السرطانية في القولون، وتزيد من حدة السرطان لدى الحيوانات. كما وجدت هذه الدراسات أن هذه البكتريا توجد بغزارة داخل أنسجة القولون لدى الإنسان المصاب، مقارنة بالأنسجة السليمة القريبة منها. والبكتيريا المغزلية تكون على شكل عصيات سميكة وطويلة مدببة النهايات، تمتد على طول يتراوح بين 0.5 و3 ميكرونات (الميكرون واحد من المليون من المتر)، وتوجد في داخل المحيط البميكروبي الطبيعي للإنسان في القصبات الهوائية العليا، وقد يتسبب بعض أنواعها في حدوث أمراض في الفم.
وتعتبر الدراسة الجديدة التي قادها باحثون في جامعة هارفارد الأولى من نوعها التي تسلط الضوء على انتقال الميكروبات من الفم نحو الأمعاء، وكيفية تموضعها في أنسجة القولون والمستقيم، وتزايد أعدادها. وقد نشرت نتائجها في مجلة «سيل هوست أند مايكروب»، المتخصصة في دراسات الخلية والجراثيم. وأظهر الباحثون أن البكتيريا المغزلية توظف البروتين اللاقط للسكريات لكي تلتصق بأورام الأنسجة المخاطية polyps، وكذلك بالأورام السرطانية لكي تتكاثر، وتزيد من حدة المرض الخبيث.
وقالت ويندي غاريت، الباحثة الأقدم في كلية «تي إتش كان» للصحة العمومية، ومركز «دانا فاربر» للسرطان، التي شاركت في الدراسة: «عندما تقوم البكتريا المغزلية بالمساهمة في تطور أورام القولون، فإنها تكشف عن الآليات التي توجهها وتدفعها نحو الأورام، وعن كيفية زيادة أعدادها، الأمر الذي يتيح التعرف على الطرق اللازمة لمنعها من ذلك». وأضافت غاريت أنه «من المهم التعرف على طريقة تموضع البكتيريا المغزلية، وتكاثرها داخل الأورام في القولون، لكي نتمكن ربما من تطوير طرق مماثلة لنقل الأدوية المضادة للسرطان نحو الأورام الخبيثة».
وبهدف اختبار فرضياتهم حول انتقال البكتريا، درس الباحثون نوعين من نماذج الفئران المصابة بالأورام: الأول لفئران مصابة بالأورام التي لم تكن سرطانية، والنوع الثاني لأخرى مصابة بأورام القولون السرطانية. ثم حقنوا البكتريا المغزلية في أوردة الذيل لديها.
بروتين لاصق
ورصد الباحثون حالة تشبع أنسجة الأورام السرطانية بالبكتيريا المغزلية في كلا النوعين من الفئران، مقارنة بالأنسجة السليمة القريبة منها. وفي حالة انتشار سرطان القولون، الذي ينتقل أولا نحو الكبد، رصد الباحثون أيضًا وجود كميات مشبعة من البكتريا المغزلية في الأورام الثانوية في الكبد، في حين لم يرصدوها داخل أنسجة الكبد السليمة المجاورة.
وإضافة إلى ذلك، فقد وجد الباحثون، في أثناء تحليل للعينات البشرية والحيوانية من الأورام، أن بروتين Fap2 الموجود على سطح البكتريا المغزلية يستطيع التعرف على نوع من السكريات، وهو GalGalNac الموجود بكثرة على سطح خلايا أورام القولون السرطانية. وبعد إجراء تجارب على العينات، وجد العلماء أن هذا البروتين يلعب دور الوسيط في عمليات تشكيل البكتريا المغزلية لمستعمراتها داخل الأورام السرطانية. وبالاعتماد على دراسات حديثة كانت قد أشارت إلى أن هذا البروتين يلعب دوره في تدهور قدرة جهاز المناعة على مكافحة السرطان، فقد افترض الباحثون أن البكتيريا المغزلية تصل إلى القولون عن طريق مجرى الدم.
وقال الباحثون إن قوة الدراسة تكمن في أن نتائجها جاءت بفضل تدقيق عينات بشرية ونماذج حيوانية، أما ضعفها فيكمن في أن نماذج الفئران المصابة بسرطان القولون لا تعكس بشكل كامل عملية تطور المرض الذي يحدث عادة ببطء لدى الإنسان.