كان الموعد في أغسطس (آب)؛ لكن شاءت الظروف أن أزور بيروت في أبريل (نيسان)، فاستغللت الفرصة للقاء سيدة البروتوكول واللياقة إيميه سكر، التي طالما نوّرت شاشات التلفزة بحضورها المميّز والأنيق. ولضيق الوقت حُدّد الموعد قبل يوم من اللقاء، فكتبت الأسئلة على ورقة عانت من شخابيط قلمي، وبات كل همي كيف سأبرزها أمامها إن خذلتني ذاكرتي؟
تحدثت سكر عن مسيرتها العملية التي بدأتها في العاصمة اللبنانية بيروت، وجالت في إطارها على كثير من الدول العربية والأجنبية خصوصًا باريس، حيث شاركت في دورات تدريبية. وعن هذا تقول: «لم أدخل الجامعة يومًا، بل عملت على نفسي وثقّفتها». غاصت سكر في عالم الكتب وقرأت منها الكثير لتنهل منها معرفة قادتها إلى حرفية التعامل مع الآخر واحترامه. شاركت في برنامج «استوديو الفن» بدورتيه 1988 و1993. وكان لإطلالتها في برنامج «نهاركم سعيد»، بطلب من المخرج سيمون أسمر، سحر خاص، حيث استحوذت على أكبر نسبة مشاهدة في البرنامج الصباحي، حسب مديرة المكتب حينذاك.
لم يكن اللقاء مع سيدة اللياقة وحسن التصرف عاديًا، بل تجاوز توقعاتي، خصوصًا أنّ نظرتي للـ«الإتيكيت» لم تكن منصفة، لاعتقادي بأنه أسلوب حياة معقّد وصعب. واكتشفت في حواري مع سكر كم أنّ «الإتيكيت» بسيط، خصوصًا كما تقول: «إنّه بدأ في مجتمعاتنا، فاللياقة انطلقت مع ظهور الديانات السماوية وحضّت عليها تعاليمها التي اعتبرت البسمة في وجه الآخرين صدقة». وتختصر سكر «الإتيكيت» بكلمات ثلاث «احترام الآخر والبساطة والتواضع».
وعلى ضوء هذه الكلمات سار الحوار، وتغيّرت الأسئلة فمن كلماتها البسيطة المليئة بالدفء بدأ تعريف «الإتيكيت».
عن سبب اختيارها هذا المجال دون غيره، انطلقت بالكلام: «منذ نعومة أظافري وفي داخلي حرص على احترام الآخر، كنت ممن يحزنون لرؤية إنسان تهان كرامته، لم أستطع رؤية ضعيف يُهان، هذا الشعور كان من الأسباب الرئيسية التي دفعتني لدراسة أصول اللياقة والتعامل مع الآخر». وعن تعاملها مع الناس تقول: «علمني التواصل مع الناس كثيرًا، فبت على يقين تام بما يزعج الآخرين وما هي الأخطاء التي لا بدّ من تجنبها». وتضيف: «التواصل مع الآخرين يجعلك تملك المعرفة، وعندها فقط تستطيع تمييز الخطأ من الصواب». وتعتبر سكر أنّ الإنسان يرقى بتواضعه، مؤكدة أنّ من أهم أسباب نجاح المرء حب الناس له.
وتعتبر سكر، أنّ «البروتوكول» و«الإتيكيت» أخلاقيات لا تقتصر على طريقة الجلوس والمأكل والملبس، بل هي تدخل في كل تفاصيل حياتنا اليومية، وتشمل جميع الفئات العمرية، وجميع مراحل الحياة من الطفولة إلى المراهقة والزواج، والأهم احترام القوانين. وأسلوب التعاطي مع الآخرين يبدأ من أبسط الأمور، وتقول في ذلك: «أبغض القوة عندما تستخدم لإذلال الضعيف والتحكم به، ومن أهم أمور الحياة هو أن ندرك أنّ للآخرين حقًا ويجب احترامه، وعندما نبتعد عن هذا الحق تنتفي الإنسانية داخلنا». وتستطرد لتتناول الفوارق الاجتماعية، فهي ترى أن لا فرق بين إنسان وآخر، فالمسؤول ليس أفضل من العامل البسيط، بل على أصحاب المناصب الكبرى أن يكونوا أكثر إدراكًا ومعرفة في التعامل مع الضعيف.
وعن تأثير الإنترنت والتطور التكنولوجي على العلاقات بين الناس، توضح سكر: «إطلاقا لم يؤثر، من الممكن أن تحافظ على اللباقة مع تطور العصر وتقدم وسائل التواصل» فلا بدّ من مواكبة الزمن وتطوره، وإلا سنقف والأيام تسير. وتستطرد سكر قائلة: «لا شيء باطل كليًا، كما أنه لا يوجد شي ممتاز بالكامل، لكل ظرف خصوصيته».
وفي سؤال عن الحرية الشخصية تقول، إنّها «تدخل في صلب اللياقة وأصول التعامل»، فالإتيكيت كما تصوّره هو «جزء من الحرية من خلال احترام الآخر، فلا تفرض القيود على الإنسان» وهي ترفض أن يقيّدها أحد.
وعن اختلاف الإتيكيت بين ثقافة وأخرى أو دولة وأخرى تفيد: «هناك نقاط تجمع عليها أغلبية الثقافات والدول، كالاحترام المتبادل واحترام خصوصية الآخر، إنّما يبقى لكل مجتمع ولكل مجموعة من الناس تقاليد وبروتوكول يختلف عن الآخرين. فما هو مقبول في فرنسا ويعتبر صحيحًا قد لا يكون مناسبًا في بلداننا والعكس صحيح».
وعن تجولها في الدول العربية ونشاطاتها تقول: «قدمت دورات في كثير من البلدان العربية، في سلطنة عُمان أجريت دورات لنادي الضباط وفي الضيافة السلطانية وكيفية استقبال الضيوف، كما سافرت إلى السعودية، وألقيت محاضرات في جامعة جدّة وقدّمت جلسات تدريبية في الرياض لمجموعات ومراكز كثيرة، منها مركز نيارة لتنظيم الأعراس، كما عملت في مركز سليمان حبيب الطبي، بالإضافة إلى دورات أجريتها لشخصيات رفيعة ودورات أخرى مماثلة في قطر وفي الإمارات وفي الأردن وفي الكويت أيضًا، وكان لها الأثر الكبير في نجاحي».
وعندما سألتها عن الأعراس في لبنان أعربت سكر عن رفضها لما يكتنف الأعراس من مظاهر بذخ غير ضرورية وقالت: «فما يحصل ليس سوى نوع من (الفشخرة) ولا أجد ضرورة لكل هذا الإسراف والتكلّف، فكلّما اقتصرت حفلات الأعراس على الأهل والأقارب والأصدقاء المقربين، كان العرس أكثر حميمية».
وتفضل سكّر أن تنظّم حفلات الزواج خلال النهار لتجنب إرهاق العروسين في هذا اليوم الذي سيحملان ذكراه طوال حياتهما. وتوجه إيميه سكر نصيحة إلى المقبلين على الزواج: «تجنبوا الإسراف في الحفلات.. اجعلوها بسيطة وكونوا على علم بأمور الحياة وواعين لما أنتم قادمون عليه، فما أجمل أن يلقي والدا العروسين كلمة يتوجهان بها لولديهما في يومهما، ليتجاوب الحضور معهما، هناك أمور جميلة جدًا وبسيطة ومعناها عميق».
وتنصح أزواج المستقبل بتنظيم أعراسهم حسب قدراتهم والفرح بما لديهم، فبالبساطة تكون الحياة أجمل، فما أروع أن يلتقي العريس بعروسه بفرح حقيقي من خلال مساعدة الغير بهذه الأموال.
رحلة في عالم «الإتيكيت» والجمال مع إيميه سكر
سيدة اللياقة وحسن التصرف: البساطة والتواضع من أسباب النجاح
رحلة في عالم «الإتيكيت» والجمال مع إيميه سكر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة