شهد خام الحديد أكبر خسارة أسبوعية مع إغلاق الأسواق يوم الجمعة الماضي متأثرا بحظر السلطات الصينية للمضاربات على تجارة المواد الخام، تزامنا مع زيادة المخاوف حول استمرار تحسن الطلب في بكين، التي تعد أحد أكبر المستهلكين على مستوى العالم، وذلك مع ارتفاع القلق عالميا على مستقبل صناعة الصلب في ظل تراجع الطلب العالمي وزيادة العراقيل التي تواجها الشركات العملاقة في هذه الصناعة.
وسجلت الأسعار أكبر خسائر أسبوعية لها في أربعة أعوام، حين انخفض سعر الطن المتري الجاف الذي يحتوي على نسبة 62 في المائة من الخام تسليم تشينغداو الصينية إلى 58.29 دولار فقط، لتهبط بنسبة بلغت 3.3 في المائة، ما وصل بإجمالي الانخفاض الأسبوعي إلى 12 في المائة، وهي نسبة هبوط قياسية منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011.
وفي وقت أظهرت فيه أغلب الشركات العملاقة خسائر كبيرة خلال الفصل الأول من العام الحالي نتيجة تراجع المبيعات جراء «تخمة الأسواق»، تنتشر المخاوف على مستقبل صناعة الصلب، فيما يترقب العالم الإجراءات الصينية وأثرها على المدى الأكبر، التي ربما تنقذ صناعة الصلب من الانهيار.
ورصدت نشرة «ميتال بوليتن ليميتد»، وهي من أبرز النشرات المهتمة بمتابعة أسعار المعادن عالميا، تراجعات الأسعار الجديدة للخام، ما يوضح أن خام الحديد تراجع من أعلى مستوى له خلال 15 شهرا، الذي وصله في أبريل (نيسان) الماضي. وكان العامل الأكثر تأثيرا لذلك الهبوط في الأسبوع الماضي، هو وضع السلطات الصينية قواعد من شأنها منع المضاربات في محاولة لوقف اشتعال أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها الحديد والصلب.
ورغم تراجع الأسعار، فقد أشارت مجموعة «غولدمان ساكس» هذا الأسبوع إلى أنها تتوقع ألا تنهار أسعار خام الحديد خلال عام 2016. بل قد تشهد بعض الزيادات خلال العام، ولكن بنسبة غير كبيرة.. وأوضحت المجموعة في الوقت نفسه أن تلك التوقعات «محدودة»، إذ إنها أشارت إلى أن ارتفاع الأسعار لن يكون كبيرا، نظرا لأنه من غير المتوقع أن تشهد الأسواق مزيدا من النمو في الطلب على الحديد، كما أن أعمال الاستخراج من المناجم تشهد بدورها نموا متزايدا، ما يجعل في النهاية الطلب متوازيا إلى حد كبير مع العرض، خصوصا مع وجود أكثر من مائة مليون طن من مخزونات خام الحديد في الموانئ الصينية، وهو ما من شأنه الإبقاء على الأسعار في حدود مستويات لا تسمح لها بقفزات كبيرة مجددا.
ولا يتوقع أغلب المحللين الاقتصاديين أن تشهد أسعار خام الحديد طفرة كبرى خلال العام الحالي، نظرا للمخزونات الكبيرة، التي لا تسمح بزيادة كبيرة في الطلب، خصوصا في ظل الركود العالمي الذي يعوق بدوره نمو استثمارات جديدة في الصناعات المختلفة، ومن بينها صناعة الحديد. فيما زادت القواعد الصينية المنظمة الجديدة، التي صدرت خلال الأيام الماضية من الضغوط على الأسعار، ونجحت إلى حد كبير في كبح جماحها.
وبحسب تقرير «غولدمان ساكس»، فإن الطلب على الحديد والصلب قد أظهر «صلابة» ومؤشرات غير متوقعة منذ مطلع العام، بعد أن كانت أغلب التوقعات تشير إلى هبوط الأسعار والطلب، نتيجة الركود العالمي وتراجع حركة البيع في العام الماضي. لكن ارتفاع الأسعار في الربع الأول من العام الحالي كان أغلبه نتيجة «المضاربات»، التي يتوقع أغلب الخبراء أنها بلغت ذروتها بالفعل خلال شهر مارس (آذار)، ومطلع أبريل، لتبدأ موجة الهبوط. ولكن رغم ذلك عدل «غولدمان ساكس» قليلا من مستوى توقعاته للأسعار في الربع الأخير من العام الحالي، رافعا سعر الطن إلى نحو 40 دولارا، من تقييم سابق عند نحو 35 دولارا فقط.
وبحسب أحدث البيانات الصينية، فإن المخزونات الفائضة في مختلف موانئ الصين من الحديد ارتفعت الأسبوع الماضي بنسبة 1.4 في المائة، لتصل إلى رقم قياسي بلغ 99.85 مليون طن، وهو المستوى الأعلى منذ شهر مارس عام 2015.. فيما زاد إجمالي حجم المخزونات في 2016 بنسبة 7.3 في المائة، مقارنة بالعام الماضي.
وتأتي تلك المؤشرات في وقت يشهد فيه عدد من أبرز عمالقة صناعة الصلب صعوبات متزايدة، وقادت أسهم «أرسيلور ميتال»، أكبر منتج للصلب في العالم، الأسواق الأوروبية إلى الهبوط يوم الجمعة مع إغلاق الأسواق. حيث انخفض السهم بنسبة 1.2 في المائة، وذلك بعد أن أبقت الشركة العملاقة توقعاتها للأرباح دون تغير يذكر.
وأسفر ذلك الهبوط عن قيادة مؤشر «يوروفرست 300» لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى إلى الهبوط، منخفضا بنسبة 0.27 نقطة، ليصل إلى 1303.30.. ليواصل المؤشر انخفاضه الذي بلغ نحو 9 في المائة منذ بداية العام الحالي.
وفي بيان لها مساء الجمعة، قالت «أرسيلور ميتال» إنها فقدت كثيرا من الاستثمارات خلال الفصل الأول من العام الحالي نتيجة انخفاض أسعار البيع، الناجمة عن «التخمة العالمية»، في الصين خاصة.
ولم يخف رئيس الشركة، لاكشمي ميتال، الذي يعرف عالميا بـ«إمبراطور صناعة الحديد»، الخسائر التي لحقت بمجموعته خلال الربع الأول من العام الحالي، وإن أوضح تفاءله بالمستقبل القريب، قائلا: «أتوقع نتائج أفضل في الفصول الثلاثة المتبقية من العام».
وكانت خسائر ميتال تراجعت هذا العام إلى 416 مليون دولار في الربع الأول، مقارنة بخسارة فادحة بلغت 728 مليون دولار في الربع المثيل من العام الماضي، وهو رقم سلبي لم تشهده المجموعة قط.
ويرى المحللون أن لاكشمي ميتال ربما يكون محقا في تفاؤله على مستوى مؤسسته، التي شهدت مؤشراتها السلبية تحسنا خلال العام الحالي، لكن أغلب المحللين لا يتوافقون مع رؤية ميتال العامة للسوق، ويشيرون إلى أن صناعة الحديد والصلب ربما تشهد صعوبات كبرى خلال العام الحالي على مستوى العالم، موضحين أن «الخسائر التي يمكن أن يتحملها لاكشمي ميتال، ربما لا يمكن لغيره من المنتجين الأصغر الصمود أمامها»، إلا في حالة تمكن الصين من ضبط الأسواق، وهو الأمر الذي لن يظهر إلا بعد عدة أسابيع من تطبيق قرارات منع المضاربات.
لكن ميتال لم يبتعد عن الواقعية في تعليقه على الخسائر، وأوضح أيضا أن فائض الطاقة الإنتاجية في الصين يعني أن «السوق لا تزال هشة، ويجب أن نستمر في توخي الحذر ضد تهديدات التجارة غير العادلة»، في إشارة إلى مضاربات الأسواق في جنوب شرقي آسيا، وخصوصا الصين، التي تسببت في «انهيار السوق على الجميع»، في رأي كثير من المراقبين.
ولم تنس الأسواق العالمية بعد أن أحد أباطرة صناعة الصلب، شركة «تاتا ستيل»، أكبر منتج للصلب في بريطانيا، قد اضطرت إلى تصفية أعمالها في المملكة المتحدة بعد خسائر فادحة، وبيع فرعها هناك بسعر «رمزي» من أجل إنقاذ مستقبل آلاف العاملين.
الصين «تلجم» جموح الحديد.. والصلب في «ورطة»
الخام سجل أكبر تراجع أسبوعي منذ 2011.. وخسائر عمالقة الصناعة مستمرة
الصين «تلجم» جموح الحديد.. والصلب في «ورطة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة