بعد أن قامت المنتجة التونسية بالاتصال بالمخرجين البلجيكيين جان - بيير ولوك داردان وإرسال سيناريو يحمل عنوان «نحبك هادي»، فوجئت ومخرج الفيلم محمد بن عطية بالمخرجين البلجيكيين يطلبان التواصل معهما على أساس قيامهما بإنتاج الفيلم.
بعد أيام عمد الطرفان إلى «سكايب» وأجريا حوارًا حول الفيلم عبر فيه المخرجان البلجيكيان عن إعجابهما بالسيناريو وبالفيلم القصير السابق للمخرج «سلمى». بعد ذلك، تحركت المنتجة مدعومة باسم اثنين من أهم مخرجي أوروبا اليوم. التمويل بدأ بالوصول وفي العام الماضي باشر بن عطية تحقيق فيلمه الروائي الطويل الأول. هذا الفيلم الذي شوهد صباح أول من أمس ضمن مسابقة مهرجان برلين الذي انطلق في الحادي عشر ويستمر لعشرة أيام مقبلة.
«نحبك هادي» يحمل سمات السينما الأوروبية كحال عدد غير قليل من الأفلام التي ينفّـذها سينمائيون من تونس والجزائر والمغرب. فيه مشاهد أفضل إدارة وتنفيذًا من مشاهد أخرى، والتوليف يدفع به لسرعة إيقاع حينًا ولهدوء محسوب حينًا آخر. لكن عدا ذلك، هو دراما عاطفية جيدة الصنع تنطلق بلا حرارة لربع ساعة ثم تضع نفسها على طريق متصاعد وتتحوّل إلى عمل يروي الحكاية المعتادة على نحو يسد كل الثغرات التي كان من المحتمل أن تودي بالفيلم صوب الميلودراما أو التقليد.
هادي (ماجد مستورة) شاب يعمل في وكالة لبيع سيارات بيجو ويستعد للزواج من الفتاة التي ترعرع بجانبها كونهما جارين. إنه ابن أمّـه (أمنية بن غالي). استمع دومًا لما تطلبه منه وزواجه المدبّـر هذا هو أيضًا نتيجة ترتيبها. وإلى أن يرسله رئيس الوكالة إلى بلدة ساحلية ليبحث عن زبائن محتملين، كان كل شيء يسير حسب المخطط له وموعد العرس بعد أيام. لكنه يكتشف الحب لأول مرّة في المهدية عندما يتعرف على ريم (ريم بن مسعود) التي تكبره سنًا بقليل وتعمل كدليل سياحي. الآن عليه أن يتخذ القرار بأنه يستطيع شق طريقه منفصلاً عن سطوة الأم… لكن هل يستطيع؟
* مخلوق غير طبيعي
صفق الجمهور هنا للفيلم وبالمقارنة مع فيلمي المسابقة التاليين هو بالفعل أفضلها. لا يزال هناك ذلك اللاتوازن في السرد. الحبكة متواضعة والانتقال بالسيارة ما بين المدينة الكبيرة والبلدة الصغيرة أكثر من مرّة منهك للفيلم لأنه لا يوفر إلا مشاهد طريق.
الفيلم التالي «منتصف ليل خاص» (Midnight Special) هو أيضًا لمخرج جديد اسمه جف نيكولز ولو أن هذا ليس فيلمه الأول. وهو أيضًا فيلم تقع الكثير من أحداثه على الطرقات، لكنها تلعب دورًا أهم بالنسبة لما يقع على الشاشة.
يبدو أن هناك ولدًا اسمه التون (جادن ليبرر) جاء من كوكب بعيد. لكن الفيلم يقدّمه على أساس أن له أبا (مايكل شانون) من هذا الكوكب ولا يعمد لشرح شيء من شأنه إلقاء الضوء على كيف يمكن لهذا أن يكون احتمالاً ممكنًا. هذا الأب خطف ابنه بمساعدة صديق له (جووَل إدغرتون) من جماعة دينية متطرفة (دور صغير لسام شيبرد كمؤسسها) في مطلع الفيلم في الوقت الذي تنتبه فيه السلطات الفيدرالية أن الصبي شخص غير طبيعي فهو مخلوق لديه قدرات عالية وغير طبيعية وهي قد تحتاج إليه لدراسته… لكن الصبي «يريد الذهاب إلى وطنه» والشيء الوحيد الذي لا يفعله هو أن يرفع أصبعه كما حال المخلوق الشهير في فيلم ستيفن سبيلبرغ «إي تي». ضمن تركيبة جاذبة في النصف الأول ثم متهالكة بعد ذلك، يبدو جف كما وقع قدمًا في اتجاهين ولم يستطع الحفاظ عليهما معًا: الأول هو توفير فيلم خيال علمي والثاني هو شحن الفيلم بمشاهد للتمعّـن والتفكير فإذا بها تتعارض وسير الفيلم.
فيلم آخر لسبيلبرغ يتردد هنا متواريًا هو «لقاءات قريبة من النوع الثالث»، ففيه كان عالم الاتصالات اللامع فرنسي (قام به الراحل فرنسوا تروفو) وهنا أيضًا فإن عالم الاتصالات العبقري يحمل اسم فرنسا (بول سفييه ويؤديه بتكلّـف أدام درايفر).
الفيلم الثالث «بوريس من دون بياتريس» وهو أيضًا يحاول أن يكون شيئين ويفشل فيهما متحولاً إلى شيء واحد غير مهم: حكاية الرجل الميسور بوريس المتزوّج من امرأة مريضة (اسمها بياتريس) تعمل في مكتب رئيس الوزراء الذي يزور العائلة في أحد المشاهد ويطلب من الزوج أن يرعاها جيدًا «هي عزيزة لدينا»، وحين يزمجر الزوج رافضًا الوصاية يقول له رئيس الوزراء «أنت متفاخر». هناك من يبعث إلى بوريس برسائل تهديد فقط ليجعل حياة بطل الفيلم، ومشاهديه صعبة لا تطاق.
«بوريس بلا بياتريس» من إخراج دنيس كوت يطوف ولا يغوص في موضوعه. يحمل أسلوب عمل يذهب في اتجاهات شتّـى لتقديم حكاية الرجل الذي اعتقد أنه يعيش في شرنقة مانعة ليكتشف أن عالمه سهل الاختراق، لكن بصرف النظر عن الغاية، فإن الفيلم يبقى دون قدرات تحقيقها جيدًا.