الصراع الروسي ـ التركي يعيق انطلاقة مفاوضات جنيف 3

النزاع على القضية الكردية يتصل بإعادة تركيب سوريا ما بعد الأسد

الصراع الروسي ـ التركي يعيق انطلاقة مفاوضات جنيف 3
TT
20

الصراع الروسي ـ التركي يعيق انطلاقة مفاوضات جنيف 3

الصراع الروسي ـ التركي يعيق انطلاقة مفاوضات جنيف 3

يفترض أن تنطلق مفاوضات جنيف - 3، بين المعارضة السورية والنظام يوم غد الجمعة، وهي مقيّدة بتعقيدات سياسية وعسكرية كبيرة، أحد تجلياتها استمرار الحرب الروسية - التركية التي تخاض بالواسطة في الميدان السوري بين فصائل المعارضة المسلّحة المدعومة من تركيا ودول عربية وغربية من جهة، وبين النظام وحلفائه والإيرانيين والميليشيات الشيعية الملحقة بهم مدعومين من روسيا من جهة أخرى. لكن بين هذين المعسكرين برز العامل الأول الذي ما زال يعيق انطلاقة مفاوضات جنيف، هو حجز مقعد للقوى الكردية المسلّحة وميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية وميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يصرّ الروس على إشراكهم في المفاوضات من ضمن فريق المعارضة، في مقابل فيتو تركي لا يقبل أي وجود للقوى الكردية المسلّحة في على طاولة جنيف.
الشروط الروسية الرامية إلى التدخل في تشكيل وفد المعارضة إلى المفاوضات، لم يجد فيه نائب رئيس «الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية» هشام مروة، سوى «رغبة روسية في عدم الوصول إلى حلّ سياسي في سوريا، والسعي مع النظام إلى إفشال مفاوضات جنيف 3»، مشيرًا إلى أن «موسكو تتخذ من الأكراد وسيلة للتصعيد وفرض الشروط والإملاءات عشية مفاوضات جنيف».
وعبّر مروة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أسفه لأن «بعض الأكراد يخوضون حربًا ليست حربهم، ويفتحون معارك خلفية ويتلقون من أجلها الأسلحة من الروس ومن بشار الأسد، وهذا يتعارض مع الروح الثورية لدى الأكراد الذين كانوا في طليعة من حمل شعلة الثورة». وأكد مروة أن «بعض الأكراد خصوصًا قوات الحماية الكردية (PYG) كانت ظهيرًا للنظام السوري وعملت على تهجير السوريين من مناطق نفوذها وارتكبت جرائم حرب، وأرادت أن تكون رأس حربة في المعركة مع من احتضن الشعب السوري، وخصوصًا تركيا». وذكّر بأن «قتال (داعش) لم يتوقف على قوات وحدات الحماية الكردية، وهذه الحرب أول من قادها هو الجيش السوري الحر ضد التنظيم في شمال سوريا». ثم تساءل: «إذا كانت قوات الـ(PYG) تقاتل (داعش) فهل من المنطق أن تتلقى السلاح من النظام ومن الروسي؟ ومقابل ماذا؟».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والمحلل الاستراتيجي الدكتور خطار بو دياب فقد قارب المشكلة ببعديها التكتيكي والاستراتيجي، إذ وصف الأزمة السورية بأنها «حرب لأوجه حروب كثيرة، أساسها انتفاضة الشعب السوري ضدّ النظام، ومن ضمن هذه السياقات يأتي السياق الكردي»، مذكرًا أنه «قبل انطلاقة الثورة السورية في عام 2011، كان أول اضطراب شهدته سوريا في عام 2004 في مناطق الأكراد، الذين يعتبرون أن التاريخ ظلمهم كما الجغرافيا».
ولا يخفي بو دياب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك اشتباكًا إقليميًا - دوليًا حول الورقة الكردية، إذ إن النظام يمسك بجزء من هذه الورقة، وتركيا تمسك بجزء منها عبر مسعود البرزاني، وروسيا تحاول الآن الإمساك بجزء منها أيضًا عبر التعاون مع الكرد في شمال سوريا». ويتابع: «في مناطق الوجود الكردي هناك مزيج مختلط من عرب وآشوريين وكلدان، وهناك وضع لقوات الحماية الكردية القريبة من عبد الله أوجلان، وهنا يحضرني جبال قنديل (الممتدة من الأطراف الجنوبية الشرقية من تركيا إلى الحدود مع إيران) الذي تتبع له قوات الحماية الكردية، لما لطهران من تأثير عليه».
ويعتبر بو دياب أن «هذه الاعتبارات هي التي تقف وراء الفيتو التركي على التمثيل الكردي في جنيف 3. بينما هناك قبول أميركي وروسي، وفيما عدا مسألة جنيف، تبقى قضية الكرد في سوريا مهمة جدًا من ضمن إعادة تركيب سوريا في مرحلة ما بعد الأسد»، متوقفًا عند تصريح لوزيرة إسرائيلية تحدثت قبل أيام عن أهمية قيام دولة كردية مستقلة، فيما لم يصدر أي موقف عن القيادات الكردية وخصوصًا صالح مسلم برفض الموقف الإسرائيلي.
كانت روسيا قد اشترطت على مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، مشاركة الميليشيات الكردية من ضمن وفد المعارضة في مفاوضات جنيف، وهو ما قوبل برفض من «الهيئة العليا للتفاوض» المنبثقة عن مؤتمر الرياض، وبفيتو تركي، باعتبار أن «وحدات حماية الشعب» الكردي وحتى «قوات سوريا الديمقراطية» تتلقى الدعم العسكري في الروس ومن النظام السوري وتنفذ أجندتهما.
ويشير نائب رئيس «الائتلاف» إلى أن «قوات الحماية الكردية التي يتمسك الروس بتمثيلها في المفاوضات لا تمثل وحدها المكون الكردي». ويضيف: «أكراد سوريا هم جزء من الشعب السوري، وهم ممثلون في المعارضة السورية داخل الائتلاف من ضمن 11 حزبا كرديًا، أما جماعة وحدات الحماية إذا كانت لديهم رؤية وطنية فعلاً، فهم كانوا ممثلين في مؤتمر الرياض من ضمن (هيئة التنسيق الوطنية) برئاسة حسن عبد العظيم».
ويشدد مروة على ضرورة أن «تحدد القوات الحماية الكردية رؤيتها من مستقبل سوريا السياسي، وما إذا كانت جزءًا من النسيج السوري، أو لديها رؤية انفصالية»، معتبرًا أن الأمر ينسحب على «قوات سوريا الديمقراطية» المؤلفة من فصائل مسلحة متعددة. وأضاف: «عملية الحل السياسي في سوريا لا تكون من خلال أشخاص، إنما ضمن أفكار مشتركة اتفقنا عليها في الرياض تحت مخرجات جنيف 1». ويستطرد مروة: «هناك نحو 500 فصيل مسلح معارض هل يعقل أن يحضر هؤلاء جميعًا أي مفاوضات؟ ومعلوم أن 15 شخصًا مثلوا كل هذه الفصائل في مؤتمر الرياض، بينما ذهبوا هم إلى إقامة مؤتمرات جانبية للتشويش على المعارضة السورية».
وفي خضم الصراع الذي محوره الكرد في سوريا، يعتبر الدكتور بو دياب أن المشكلة أبعد من ذلك، ويلفت إلى أن «لا المعارضة الكردية القريبة من برزاني طرحت موضوع الاستقلال، ولا فريق صالح مسلم قال بذلك، لكن هناك واقع على الأرض يسعى إلى تركيب منطقة نفوذ كردي معين، رغم أن تجربة كردستان العراق ليست تجربة نموذجية». وزاد أنه «أمام هذا الصراع هناك خشية من تصاعد وتيرة الحرب، وصعود التطرف بشكل أكبر وأوسع، وهو ما يجعلنا قلقين على وحدة سوريا»، مبديًا اعتقاده أن «المشهد الآن لا يوحي بصعوبة تركيب كيانات مستقلة، لكن مسألة إقامة حكم ذاتي ضمن دولة اتحادية هي الخيار الأكثر احتمالاً».



آلاف اليمنيين النازحين داخلياً دون رواتب منذ 7 أشهر

الموظفون النازحون في عدن يتهمون الحكومة بإهمال ملف النازحين (إعلام محلي)
الموظفون النازحون في عدن يتهمون الحكومة بإهمال ملف النازحين (إعلام محلي)
TT
20

آلاف اليمنيين النازحين داخلياً دون رواتب منذ 7 أشهر

الموظفون النازحون في عدن يتهمون الحكومة بإهمال ملف النازحين (إعلام محلي)
الموظفون النازحون في عدن يتهمون الحكومة بإهمال ملف النازحين (إعلام محلي)

في الوقت الذي يواصل فيه المعلمون اليمنيون احتجاجاتهم للمطالبة بتحسين الأجور، تظاهر العشرات من الموظفين النازحين من مناطق سيطرة جماعة الحوثي أمام مبنى وزارة المالية في مدنية عدن للمطالبة بصرف رواتبهم المتوقفة منذ 7 أشهر، متهمين وزارتي الخدمة المدنية والمالية بالتسويف.

ونفذ الموظفون المصنفون كـ«نازحين» من مناطق سيطرة الحوثيين (يصل عددهم إلى 17 ألف موظف) وقفة احتجاجية أمام وزارة المالية للمطالبة بصرف مرتباتهم ومعالجة أوضاعهم، مناشدين مجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء ومجلسي النواب والشورى التدخل وعمل حل عاجل وسريع لقضيتهم وتحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، والتي رُفعت إليهم عبر رسائل خاصة من ملتقى الموظفين النازحين.

وطالب المحتجون التوجيه بصرف مرتبات الموظفين النازحين جميعاً شهرياً دون قيد أو شرط، والعمل على تمكينهم من العمل في جهات أعمالهم بالمحافظات النازحين إليها، وصرف حقوقهم من زيادات معيشية وعلاوات سنوية وتسويات وظيفية وبدل انتقال وبدل سكن وحافز شهري لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة. ودعوا إلى العمل على صرف 30 في المائة غلاء المعيشة بأثر رجعي، والتي صُرفت لكافة موظفي الدولة وتم استثناؤهم منها منذ سبتمبر (أيلول) عام 2018.

الموظفون اليمنيون النازحون إلى عدن يحتجون أمام وزارة المالية (إعلام محلي)
الموظفون اليمنيون النازحون إلى عدن يحتجون أمام وزارة المالية (إعلام محلي)

كما طالب المحتجون بصرف العلاوات السنوية للموظفين النازحين، وبدل السكن والانتقال للموظفين النازحين وفقاً لقوانين الخدمة المدنية، وصرف إعانة معيشية أو رفع مرتباتهم لمواجهة غلاء المعيشة والتدهور المريع للعملة الوطنية.

ومن ضمن مطالب النازحين، «إنشاء وحدة تنفيذية» خاصة بالموظفين النازحين تتبع مجلس القيادة الرئاسي أو مجلس الوزراء، تتولى إدارة ومعالجة هذا الملف الإنساني، بعيداً عما وصفوه بـ«إهمال» وزارتي الخدمة المدنية والمالية.

وعود بالصرف

ونقل ملتقى الموظفين النازحين في المناطق اليمنية المحررة عن وكيل وزارة المالية خالد اليريمي قوله إن وزارته غير قادرة على صرف المرتبات للأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي، محملاً وزارة الخدمة المدنية مسؤولية ذلك بسبب تأخيرها إصدار الكشوفات الخاصة بمرتبات تلك الأشهر إلى نهاية العام المالي. وأبدى استعداد وزارته لصرف مرتب أول شهرين من العام الحالي بمجرد وصول كشف المرتبات من قبل وزارة الخدمة المدنية.

وبشأن الأشهر السابقة، ذكر الملتقى الذي يتولى الدفاع عن حقوق الموظفين النازحين أن وكيل وزارة المالية أبلغهم أن وزارته تدرس آلية جدولة لصرفها، بحيث يتم صرف كل شهرين من شهور نصف العام السابق مع شهر من العام الحالي، إذا توفرت السيولة النقدية.

ورفع الموظفون النازحون لافتات، ورددوا هتافات تندد بما سموه تعسف وزارة الخدمة المدنية وتسويف ومماطلة وزارة المالية في صرف وانتظام المرتبات والتعامل اللاإنساني تجاههم من قبل الحكومة.

كما جدد المحتجون أمام وزارة المالية مناشدتهم لمجلس القيادة الرئاسي ومجلس الوزراء ومجلسي النواب والشورى التدخل وعمل حل عاجل وسريع لقضيتهم وتحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة.

دعوة للتضامن

وطالب المحتجون في وقفتهم المنظمات الإنسانية المحلية بالوقوف إلى جانبهم في ظل تدهور اقتصادي ومعاناة معيشية مؤلمة، والعمل على سرعة حل قضيتهم الإنسانية وصرف مرتباتهم وجميع حقوقهم المكفولة وفق القوانين اليمنية والقانون الإنساني الدولي، وتحقيق مطالبهم العادلة.

وتعهد المحتجون باستمرار نضالهم السلمي من أجل انتزاع الحقوق والتمكين من أعمالهم، «لأنها حقوق لا تسقط بالتقادم، ومصادرتها من أي طرف جريمة إنسانية»، وفق تعبيرهم.

احتجاجات المعلمين اليمنيين في تعز متواصلة للمطالبة بزيادة الرواتب (إعلام محلي)
احتجاجات المعلمين اليمنيين في تعز متواصلة للمطالبة بزيادة الرواتب (إعلام محلي)

وفي مدينة تعز، استمرت الاحتجاجات المطالبة بتحسين الأجور والمعيشة، والتي يقودها المعلمون، ويساندهم فيها موظفون في قطاعات حكومية عدة، حيث سار المئات في وسط المدينة مطالبين بصرف الرواتب المتأخرة، وتنفيذ هيكلة عادلة للأجور والتسويات الوظيفية، مع تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والنظام الصحي.

وطالب بيان مشترك من المعلمين وأساتذة جامعة تعز ومجلس تنسيق النقابات، بإصلاحات مالية جذرية تشمل تحرير الموارد الاقتصادية السيادية، وإعادة النظر في هيكل الأجور والمرتبات بما يتناسب مع التضخم وارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى صرف العلاوات السنوية المتراكمة وتحسين بدلات العمل والغلاء المعيشي.

ودعا البيان إلى معالجة أوضاع الموظفين النازحين وتثبيتهم في أماكن عملهم الجديدة، وتسوية أوضاع المتقاعدين، وإيقاف أي استقطاعات غير قانونية من مرتباتهم.