أزمات إنسانية متوقعة في مناطق محاصرة بريف دمشق ودير الزور

دعوات لإغاثتها كي لا تتكرر مأساة مضايا

صورة الطفلة مرام من معضمية الشام التي تبلغ من العمر عامين وتعاني من سوء تغذية شديد نتيجة الحصار («الشرق الأوسط»)
صورة الطفلة مرام من معضمية الشام التي تبلغ من العمر عامين وتعاني من سوء تغذية شديد نتيجة الحصار («الشرق الأوسط»)
TT

أزمات إنسانية متوقعة في مناطق محاصرة بريف دمشق ودير الزور

صورة الطفلة مرام من معضمية الشام التي تبلغ من العمر عامين وتعاني من سوء تغذية شديد نتيجة الحصار («الشرق الأوسط»)
صورة الطفلة مرام من معضمية الشام التي تبلغ من العمر عامين وتعاني من سوء تغذية شديد نتيجة الحصار («الشرق الأوسط»)

لا تُحلّ الأزمات الإنسانية في المناطق السورية المحاصرة، بإدخال المساعدات إلى بلدة مضايا بريف دمشق، إذ يحذر ناشطون سوريون من أن هناك بلدات سورية أخرى في ريف دمشق، على وشك الوقوع في أزمة غذائية، إذا لم تتحرك المنظمات الدولية لإدخال مساعدات إليها، بينها معضمية الشام في جنوب دمشق، والغوطة الشرقية لدمشق.
وأطلقت تنسيقية مدينة معضمية الشام في ريف دمشق، تحذيرات من كارثة إنسانية إثر الحصار الذي بدأ على المدينة في عام 2013، وتعرضت أخيرًا لحملة عسكرية في خرق واضح للهدنة الموقعة مع النظام السوري. وقال الناشط في المعضمية داني قباني لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع الإنساني في المدينة «بات فعلاً على شفير الهاوية»، مؤكدًا أن «علامات الكارثة تبدو قريبة جدًا ولم تدخل مواد غذائية على شكل مساعدات أممية منذ عام 2014، بينما قام نظام الأسد بإغلاق كامل للمعبر منذ 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وحتى هذه اللحظة بسواتر ترابية وحواجز إسمنتية»، مضيفًا أن قوات النظام «تمنع دخول أو خروج أي شخص وحتى الحالات الإنسانية وقد فقدنا منذ ذلك التاريخ ثلاثة أشخاص بسبب نقص التغذية وانعدام الأدوية، وهم رجل مسن وطفلان».
ونقل ناشطون من معضمية الشام، إن السكان بدأوا يفتقدون سلعا غذائية أساسية، ويعتمدون على وجبات من الزيتون والصعتر والزيت، إضافة إلى حساء من البهارات فقط. وقالت التنسيقية، في أحدث تقاريرها الإنسانية، إن المحاصرين في المدينة اليوم «هم 45 ألف مدني جلهم من الأطفال والنساء دخلوا المدينة بعد الهدنة ولا يملكون سوى ملابسهم التي دخلوا بها، ولم يسمح لهم بإدخال مواد كافية تمكنهم من الادخار على مدى سنتين من الهدنة، بل كل ما كان يسمح لهم بإدخاله هو مجرد وجبة مستهلكة تكفيهم يومهم، وذلك ضمن سياسة اتبعها النظام في حال فرض الحصار لا يمكن للمدنيين أن يصمدوا فيها لأكثر من شهر».
وأفاد ناشطون في المعضمية أمس، بأن الطفلة مرام التي تبلغ من العمر عامين، تعاني من سوء تغذية شديد نتيجة الحصار وفقدان الأدوية اللازمة لعلاجها وقد باتت حياتها في خطر، مشيرين إلى أن مرام «ليست الوحيدة هي حالة من مئات الحالات في معضمية الشام الذين يعانون من سوء تغذية وحالتهم الصحية في تدهور وتصبح أكثر خطرًا مع كل يوم يمرُ بفعل الحصار اللاإنساني».
وكانت القوات الحكومية أغلقت في 20 ديسمبر الماضي، المعبر ومنعت الدخول والخروج من وإلى المدينة، وإدخال أي مواد غذائية حتى تاريخ 25 من الشهر نفسه، حين أعلن الحصار بشكل نهائي، وأغلق المعبر بشكل تام ورفعت السواتر الترابية.
وكان عضو الائتلاف الوطني السوري أحمد رمضان، حذر عبر «الشرق الأوسط» أول من أمس، من ظهور أزمات إنسانية في مناطق سورية محاصرة في ريف دمشق، يُقدر عدد سكانها بنحو 400 ألف نسمة، وتتضمن أيضًا بلدات في الغوطة الشرقية التي تتعرض لهجمات عسكرية وقصف جوي كثيف.
وتعاني مخيمات اللاجئين السوريين في جرود بلدة عرسال اللبنانية، نتيجة النقص في المواد الإغائية. وقال الناشط الإعلامي في جرود عرسال اللبنانية الحدودية مع سوريا ثائر القلموني، إن المعاناة الإنسانية في مخيم «الزعيم 4» في منطقة وادي أرنب في عرسال، تبقى على حالها، حيث يشتكي أهالي المخيم من سوء وضع بعض العائلات ونقص في المساعدات الإنسانية والغذائية التي يمكنها أن تخفف من عبء اللجوء. وأشار في اتصال معه من «الشرق الأوسط»، إلى أن «أحد سكان المخيم أبلغ أن المساعدات لم تصلهم منذ فترة مقارنةً بمخيمات (الزعيم) الأخرى التي تلقت الكثيرة من المساعدة مع بداية فصل الشتاء»، حسب قوله. ودعا القلموني إلى تحرك لإرسال المساعدات إلى العائلات التي تحتاج إليها.
وفي سياق متصل، تعاني مدينة دير الزور من حصار مطبق، تفرضه قوات «داعش» التي تحاصر أحياء في المدينة، ويقول ناشطون إن عدد المحاصرين يُقدّر بالآلاف. وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس، إن حصار التنظيم لنحو 250 ألفا من المواطنين المدنيين السوريين في أحياء بمدينة دير الزور دخل عامه الثاني، في ظل صمت جزء من المجتمع المحلي السوري، وصمت كامل للمجتمع الدولي على هذه الحصار».
وأشار المرصد إلى انه خلال تواصله مع منظمات دولية معنية بتقديم المساعدات الطبية والغذائية في سوريا، قالوا إن عدم أمان الطريق من دمشق إلى دير الزور، وصعوبة إيصال هذه المساعدات من مطار دمشق إلى مطار دير الزور، هو الذي منعهم من إيصال المساعدات إلى مستحقيها، وإن هناك منظمات مرتبطة بهم، تقوم بإيصال المياه الصالحة للشرب إلى هذه المناطق.
ودعا إلى رفع الحصار الفوري عن الأحياء المحاصرة في مدينة دير الزور، وعن كل المناطق السورية المحاصرة، كما طالب المنظمات الدولية المعنية بتقديم المساعدات الطبية والغذائية، وألا تتحرك فقط بعد أن نشر صورا عن أطفال ونساء وشيوخ، يموتون بسبب نقص المواد الغذائية والطبية، مثلما كان عليه الحال في مضايا، وقبلها الغوطة الشرقية ومعضمية الشام ومناطق سوريا أخرى محاصرة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».