الفنون الحرفية تبلغ قمة الإبداع في صناعة الساعات الفاخرة

بين «شانيل» و«هيرميس» و«كارتييه» و«فاشيرون كونستانتان».. تسابق محموم للابتكار يصب في مصلحة النخبة

TT

الفنون الحرفية تبلغ قمة الإبداع في صناعة الساعات الفاخرة

العلاقة بين صانعي الساعات ومبدعي التحف الفنية ليس ظاهرة جديدة، فكتب التاريخ تعيدها إلى الثورة البروتستانتية التقشفية التي دعت إلى الاهتمام بالتوجهات العملية النفعية ونهت عن البهرجة والزخرفات، ما دفع الصاغة إلى الانصراف إلى صناعة حِرفيّة بديلة كانت صناعة الساعات.
وسرعان ما ازدهرت صناعة الساعات في وديان غرب سويسرا، داخل شواغل عائلية صغيرة في بداية الأمر، بينما تفنن الحرفيون في باريس، عبر العقود في تصنيع الحلي والجواهر النفيسة، وأبدع الفنانون في إنتاج منحوتات ونقوش فنية زيّنت القصور الملكية وتسابق على اقتنائها وإهدائها كبار الأثرياء.
وشيئًا فشيئًا، التقت تقنية صناعة الساعات مع صياغة الذهب والفضة والبلاتين، ومهارات النحت والنقش والرسم والتلبيس الفني، ووجدت لها سوقا بين صفوة الذواقة ومتطلبي الأفضل. وهكذا وسّعت بعض دور صياغة الذهب والمعادن النفيسة والترصيع بالجواهر نطاق اهتماماتها، فأخذت تصنع سلعًا كمالية أخرى، واقتحم بعضها مجال صناعة الساعات. وفي المقابل، أثّر النحاتون والنقاشون والملبّسون ليس في أوروبا فحسب، بل في كل أنحاء العالم، على تنمية الذوق العام مع انتشار التفاعل وتزايد السفر والاختلاط بين الشعوب.
وفي ضوء هذا الواقع، امتزجت الاتجاهات الحرفية الثلاثة، وأخذت تظهر ساعات هي في الواقع تحف فنية، تجاوزت الساعات الجدارية أو التي توضع على الطاولات والأرفف، لتشمل ساعات اليد الفاخرة. ومن أجل التفرّد والتميّز، سعى مصمّمو دور صناعة الساعات الفاخرة وراء الأجمل والأكثر إثارة، وانطلقوا لاستكشاف كل ما يبهر من النقوش وتقنيات النحت والتلبيس والطلاء في كل مكان أمكنهم الوصول إليه. وهذا العام قدمت أربع دور من أشهر دور الساعات الفاخرة أرقى ما بلغه طموح مصمّميها وحرفيّيها في هذا المجال، وهي «شانيل» و«هيرميس» و«كارتييه» و«فاشيرون كونستانتان».
في دار «شانيل» نلاحظ أن قسم الساعات يعود باستمرار إلى رمز من رموز الدار أو رسم ما من شقة كوكو شانيل يُنحت خصوصا على ميناء ساعة من ساعاتها التي تنتمي إلى «ميتييه دار». هذا العام، عاد إلى عشق كوكو شانيل للبارافانات الخشبية الصينية التي تزيّن أرجاء مسكنها ومشغلها وتمنحها خصوصية. ومع أن شانيل لم تزر أبدًا الشرق الأقصى، فإنه ظهر في كثير من تصاميمها، وكان يزين شقتها الخاصة من خلال رسومات على الجدران أو قطع أثاث مكسوة بالطلاء الأسود أو إكسسوارات على شكل صور مراوح يدويّة وطيور ومناظر طبيعية وغيرها.
هذا العام تمثل أشجار الكاميليا والطيور الغريبة (المأخوذة صورها من البرافانات أيضًا) أساس مجموعة «مدموزيل بريفيه». وعلى الرغم من اعتماد دار «شانيل» دائمًا على التراث وقصص مؤسستها، يتوق نيكولا بو، مدير قسم الساعات في الدار، لتأويلها بشكل عصري من خلال أساليب وتقنيات جديدة. وفي تصريح له أوضح بو قائلا: «مع ساعات (ميتييه دار مدموزيل بريفيه)، يصبح الميناء محور تطبيق التجديدات»، مضيفا أن العمل مع فنانين كبار يساعد على هذا التطوير. هذا العام أخذت هذه العملية بعدا ثلاثيا في نقوش نحتية جد مبتكرة.
ويعد النقش النحتي أو المحفور - «الغليمتيك» - الذي يُعرف أيضًا باسم نحت الجواهر، واحدا من أرقى فنون الزخرفة التي عرفتها حضارات مصر القديمة واليونان والرومان. وغني عن القول إنه يحتاج إلى مهارات عالية لإنجازه والحفاظ على القيمة العالية للأحجار الكريمة المستخدمة فيه، علما بأن الغاية من هذه الأحجار الكريمة المنحوتة، استخدامها كأختام أسطوانية الشكل، تمثل شكلاً بدائيًا للحروف، وكان المتلقي يفك رموزها (أو شيفرتها) بدحرجتها على طين رطب. وبما يخص الساعات، فإن صنع ميناء بأبعاد نحتية ثلاثية الأبعاد (نافرة أو غائرة) ينطوي على تحدّيات تقنية كبرى، إذ لا بد أن يكون الميناء رقيقًا، وأن يكون بمقدور عقارب الساعة الدوران، لهذا كان لا بد من تطوير أدوات جديدة بالغة الدقة والصغر من أجل قطع أحجار المرجان والفيروز واللعل (العقيق الأحمر) واللازورد، التي تشكل صور الطيور. ومن ثم يصار إلى تركيب القطع معا بعد ذلك بطريقة الفسيفساء من أجل رسم صور الطيور على الغصون الذهبية.
دار «هيرميس» هي الأخرى توجهت إلى آسيا، وتحديدا اليابان، من خلال سباق خيول «كوما كورابيه» السنوي. فقد كانت الحشود تتقاطر من كل أنحاء اليابان على معبد «كاميغامو» في مدينة كيوتو، العاصمة القديمة للبلاد، من أجل مشاهدة فرسان في غمار سباق يرتدون الملابس التقليدية ويستخدمون السياط في حلبة السباق.
عندما بوشر بتنظيم هذا السباق العريق عام 1039م، كان يُعتقد أن الخيول تتمتع بقوى روحية خاصة، وكان مشاهدو السباق يكثرون الدعاء من أجل السلام والرخاء. اليوم ما زالت عادة تقديم عَلم أبيض - كان يعتقد يومًا ما على أنه مقدّس - دارجة إلى الفريق الفائز. وبفضل بوزان فوكوشيما، الفنان الياباني المبدع، جرى تصوير السباق الشهير على ميناء ساعة «سليم دي هيرميس كوما كورابيه» التي طرحتها الدار الفرنسية في معرض «بازل وورلد» هذا العام.
يعد فوكوشيما أحد أبرز الفنانين المتخصصين في فن الـ«الآكا إيه» (الرسم بالأحمر) الياباني، الذي وصل إلى أوج شهرته في القرن التاسع عشر الميلادي. وتتسم ضربات فرشاة الفنان السبعيني، باللون الأحمر بتفاوت عمقه وتدرجاته الدقيقة، ومن ثم يغطي ما يرسمه بطبقة رقيقة من الذهب.
وكان فيليب ديلوتال، مدير الابتكار في «لا مونتر هيرميس» (قسم الساعات في دار هيرميس) يستكشف في عام 2014 محافظة إيشيكاوا الشهيرة بحرفها اليدوية، وقاده بحثه عن فنون جديدة إلى العثور على مشغل فوكوشيما. وهناك عرض ديلوتال على الفنان الياباني موانئ ساعات مصنوعة من الخزف الصيني، كانت صنعت خصيصًا لدار «هيرميس» في سيفر (الضاحية الباريسية الشهيرة بخزفها الراقي الثمين)، ودعاه إلى تزيينها بمشاهد تتضمن شعار الحصان الذي يرمز إلى الدار. ومع أن فوكوشيما كان مرتبطًا بالعمل مع رعاة وزبائن أثرياء وشخصيات من أسر ملكية ومديري معارض، فإنه قبل العرض. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لم يسبق لفوكوشيما العمل من قبل مع شركة مثل هيرميس، ولم يتولَّ قبل ذلك تزيين ميناء ساعة صغيرة دقيقة بهذا الشكل. لكنه انجذب إلى العمل على خزف سيفر بدلا من خزف كوتاني المحلي.
غني عن القول إن التصميم النهائي ما هو إلا الجزء الأخير من عملية طويلة. وكان من الضروري شحن الأرقام الـ12 المحفورة على مجموعة «سليم دي هيرميس كوما كورابيه» المحدودة من سيفر إلى إيشيكاوا بعد مرورها بعملية دقيقة من الطلاء تحتاج من أربع إلى ست طبقات لامعة شفافة، فضلا عن عمليات تعريض طويل الأمد للنار. وكانت هناك حاجة لإنجاز ثلاث عمليات تعريض للنار أخرى في اليابان من أجل تثبيت عمل فوكوشيما عليها.
يُعد مشغل «ميزون دي ميتييه دار» في دار «كارتييه»، معقلاً للمهارات. وفي المشغل الذي يحتل مبنى ريفيًا زراعيًا شامخا يعود بناؤه إلى القرن الثامن عشر قرب مدينة لا شو دو فون، عاصمة صناعة الساعات السويسرية، يعمل 12 فنانًا حرفيًا وخبيرًا متخصّصًا في مجالات تتراوح بين تطعيم الخشب والحَفر، إلى فن الزركشة التخريمية والفسيفساء.فمهارات أمثال الفنانين، التي بدت لسنين كثيرة وكأنها أضحت متقادمة وشارفت في مرحلة ما على الانقراض، تحظى اليوم بقدر كبير من التبجيل والعناية الفائقة. المصنِّعون في الدار يتشاركون مع هؤلاء الفنانين الحِرفيين المَهَرة الفلسفة والقِيَم الجمالية نفسها، ويتبادلون المهارات ويناقشون الأفكار تحت سقف واحد. وحول هذا الواقع، يقول بيير راينيرو، رئيس قسم الصورة والتصميم والتراث في دار «كارتييه»: «نحن نعتقد أنه عندما يتقن المرء مهارة يدويّة واحدة، من المرجح أنه سيحاول إتقان مهارة أخرى». وأردف: «وسيكون من الممتع إعادة اكتشاف الآثار الغنية والفروق الدقيقة وذكريات الحضارات الأخرى التي تستحضرها الحرف التقليدية القديمة». وبالفعل يلاحظ في كل الأعمال التي تطرحها الدار أن هناك تقديرا حقيقيا للبراعة التي يتطلبها استخدام تلك التقنيات في زخرفة أشياء صغيرة مثل موانئ الساعات.آخرها كان إعادة العمل بالزركشات التخريمية لتحاكي مَلمَس الفراء، عبر فتل الذهب أو البلاتين ولفّه وبَرمه وقطعه للخروج بحلقات صغيرة، غدت طبقات تغطّي نمرًا عيناه من الزمرّد في الساعة الجديدة «روند من لوي كارتييه إكس إل». وتستغرق صناعة كل قطعة من هذه النسخة المحدودة الإصدار، التي تقتصر على 20 قطعة، شهرًا واحدًا وتحتاج مهارات مختلفة للعمل عليها من الترصيع بالأحجار الكريمة إلى النحت والطلاء.
لماذا الزركشة التخريمية على المعدن، بالتحديد؟ يجيب راينيرو «لقد أبصر هذا الفن النور في آسيا، ثم امتد إلى البرتغال، وازدهر خلال حقبة الـ(آرت ديكو).. ولقد أعجبتنا فكرة أنها كانت منتشرة لأكثر من 700 سنة وانتقلت من مكان إلى آخر. وعلى الرغم من استخدام هذا الفن في المشغولات الأكبر حجمًا في أغلب الأحيان، رأينا أنه يمكن استخدامها في مشغولات صغيرة الحجم».
حاليًا تعدّ القطع الأثرية القديمة من هذا الفن من التحف النادرة التي تحظى بإقبال شديد في المزادات ولدى هواة الاقتناء. لهذا لا تبخل دار كارتييه على مشغل «ميزون دي ميتييه دار» بكل ما أوتيت من إمكانيات لكي يبقى هذا الفن مستمرا، وذلك بالبحث عن فنانين وحرفيين متخصصين من كل أنحاء العالم. فاليابان، على سبيل المثال تعد موطنا لعدد من أمهر خبراء الطلاء والتلبيس، وخلال الفترة الأخيرة، التحق بعضهم من «المدينة المحرّمة» في العاصمة الصينية بكين، بمقر كارتييه الجديد فيها، لتكون مهمتهم البحث عن الكنوز الفنية القديمة في الصين وإعادة صياغتها. وهذا الجانب يوضحه راينيرو بالقول: «نشجع هذا النوع من التبادل الثقافي، والأهم بالنسبة لنا هو إتاحة مساحة لالتقاء الخبراء وتبادل الأفكار».
فاشرون كنستانت ليست جديدة على هذه الفنون، فقد مرّت 260 سنة على تصميم جان مارك فاشيرون أول ساعة جيب. هذه الساعة موجودة اليوم في أرشيف الدار ممهورة بتوقيع، وعليها عام صناعتها وهو 1755، وهي تبدو متوائمة تمامًا مع الموضة اليوم بفضل إعادة مصممي «سافيل رو» (شارع الخياطة الرجالية الشهير في العاصمة البريطانية لندن) ساعات الجيب إلى الواجهة من جديد.
احتفاءً بتلك الذكرى، تستخدم دار «فاشيرون كونستانتان» الشكل البسيط للساعة الأصلية من أجل تقديم ساعتين متميزتين جديدتين من مجموعتها «ميتييه دار ميكانيك غرافيه» الفنية، من خلال الاستعانة بأحدث التقنيات في مضمار صناعة الساعات الفائقة الفخامة. ومع أنه للوهلة الأولى تبدو الساعتان الجديدتان مختلفتين تمامًا عن التصميم الأصلي لجان مارك فاشيرون، فعند إمعان النظر سيبدأ الناظر اكتشاف أوجه الشبه بينهما، وذلك لأن كليهما يتشاركان في استخدام أشكال أوراق شوك الأقنثا.
فاشيرون كان يحب الانحناءات، التي تميز أشكال أوراق ذلك النبات الشوكي مع أنه لم يكن أول من ينجذب إليها. وكانت أشكال الأوراق ذات القطع العميق قد راجت كثيرًا في العمارة اليونانية القديمة التي تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد. كذلك راجت في النقوش والمحفورات والخشب المطعّم وأعمال التطريز في عصر النهضة والعصر الباروكي. وبفضل استخدام أحجار الياقوت الأحمر في رسم تصاميم ثمار التوت، والزخرفة الملونة، وومضات الذهب، تتمتّع ساعات مجموعة «ميتييه دار ميكانيك غرافيه» الجديدة بسمات العصور الوسطى.
وما يستحق الذكر أن تركيز الدار العريقة خلال القرن الثامن عشر كان منصبًّا على الزخرفة النباتية، وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، بدأت مرحلة تجريبية مع الأشكال الملتفة والمتلوية. ثم في القرن العشرين، امتد هذا الازدهار الإبداعي إلى تصوير الزخرفة العربية - الإسلامية (الأرابيسك) وتبعه «الدوائر ذات الألف ورقة» في أربعينات القرن الماضي، ثم في ثمانينات القرن الماضي.
وخلال العام الماضي وصلت «فاشيرون كونستانتان» إلى أقصى مدى، مع ظهور عشر فنيات مختلفة في أربع ساعات من مجموعة «فابولو أورنامان». ومثل أي دار صانعة للساعات اليوم، تجول «فاشيرون كونستانتان» العالم بحثا عن حرفيين وفنانين مهرة لامعين يمكن التعاون معهم، بينما تفخر بفريقها الصغير المكوّن من خيرة الفنانين المنتقين بشكل أساسي من كليات الفنون السويسرية. فهنا في مشغل الدار يعمل حرفيون متخصّصون منهم اثنان مجال في الطلاء التلبيسي، واثنان آخران في الترصيع، واثنان في زخرفة الميناء، واثنان في الحفر والنحت، وهذان الأخيران هما اللذان أبدعا الموانئ المصنوعة من الذهب الأبيض في الـ«ميكانيك غرافيه».



المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.