لم يكن نجاح صفقة تحرير 16 عسكريًا من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، الحالة الفريدة التي شهدها لبنان، إنما هي حلقة تجارب طويلة وشاقة من عمليات التفاوض التي خبرتها الدولة اللبنانية منذ مطلع الثورة السورية.
صحيح أن هذه الصفقة هي الأكبر والأعقد، لكن المراحل المتعرّجة التي مرّت بها، كانت الأكثر دقة في تاريخ الدولة، بالنظر للآلام التي عاشها اللبنانيون بكل فصولها، بدأت مع إعدام عدد من الأسرى سواء عند «جبهة النصرة» أو تنظيم داعش.
وعلى مدى 16 شهرًا، والدولة اللبنانية تخوض سباقًا شاقًا لم يسلم من تداعياته كل اللبنانيين، فخلية الأزمة التي تشكّلت منذ حصول عميلة الأسر في 2 أغسطس (آب) 2014 برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام، كانت تسابق الدقائق والساعات، فهي واقعة تحت ضغط الإعدامات المتلاحقة لعدد من هؤلاء الأسرى، وتهديد الخاطفين بإعدام الباقين، وإرسال صور وتسجيلات استفزّت الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها، وأفقدت أهالي الأسرى صوابهم، ودفعتهم إلى خيارات صعبة أقلّها الذهاب في أوقات متعددة إلى قطع الطرق الرئيسية الحيوية، ونصب الخيام في وسط بيروت بعد أيام قليلة على عملية الأسر، إلى أن أتت النهاية السعيدة من دون إشارات مسبقة، بحرص من المفاوضين الذين عملوا بعيدًا عن الأضواء حتى لا تفشل العملية كما فشلت سابقاتها.
التجربة التفاوضية الأولى التي قادها اللواء عباس إبراهيم عن الجانب اللبناني، بدأت مع مساعي تحرير تسعة مدنيين لبنانيين أسرتهم مجموعة مسلّحة في منطقة أعزاز في ريف محافظة حلب السورية في 22 مايو (أيار) 2012 خلال عودتهم برًا من زيارة العتبات الشيعية في العراق وإيران. ولم تكن تلك المهمة سهلة يومذاك، فقد مرت بمحطات كادت تودي بحياة المخطوفين وتترك آثارها السلبية على الداخل اللبناني. وخاض إبراهيم بتكليف من الحكومة اللبنانية مفاوضات شاقة مع المخابرات التركية لما لها من تأثير على الخاطفين، إلا أنها في كل مرة كانت تتعثر، فاستمر أسر هؤلاء لسنة ونصف السنة، إلى أن طرأ عامل جديد على الملف تمثل في اختطاف طيارين تركيين هما القبطان التركي مراد اكبينار ومساعده مراد آغا، على طريق مطار بيروت في 9 أغسطس 2013 على يد عائلات مخطوفي أعزاز التي حمّلت السلطات التركية مسؤولية استمرار احتجاز أبنائها، واشترط الخاطفون مبادلة الطيارين بأسرى أعزاز.
في بادئ الأمر، رفض الجانب التركي مبدأ التفاوض وتمنّع عن ربط قضية طياريه بملف المخطوفين اللبنانيين التسعة في عملية التبادل، وتردد يومها أن «حزب الله» المعني الأول بمخطوفي أعزاز، اقترح دخول ألمانيا على خط التفاوض، لما للألمان من باع طويل في صفقات التبادل، وهو سبق أن خاض تجارب ناجحة في إطار مبادلة الأسرى بين «حزب الله» وإسرائيل، وأبدى الحزب نيّة للتجاوب مع أي طرح يقدمه الوسيط الألماني ضمن صفقة شاملة ومتكاملة، وهنا أوكلت السلطات اللبنانية إلى اللواء إبراهيم التنسيق مع الطرفين الألماني والتركي، إلى أن أفضت النتيجة إلى إطلاق سراح الطيارين التركيين ومخطوفي أعزاز في توقيت واحد خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2013.
ولعل ما سرّع في حصر مبادلة الأسرى التسعة بالطيارين التركيين، هو الخوف اللبناني من سقوط منطقة أعزاز التي يوجد فيها الأسرى التسعة بيد تنظيم داعش، الذي سيطر على مناطق حدودية واسعة ما بين سوريا وتركيا وبين سوريا والعراق.
أما التجربة الثانية للتفاوض التي خاضها لبنان فكانت أيضًا عبر اللواء عباس إبراهيم، وهي نجحت في إطلاق سراح 16 راهبة من مدينة معلولا السورية في 13 مارس (آذار) 2014، كنّ قيد الاحتجاز لدى «جبهة النصرة»، كان ثلاثي التفاوض اللواء إبراهيم والوسيط القطري و«جبهة النصرة»، وتضمنت صفقة الراهبات، إفراج النظام السوري عن 153 امرأة من المعتقلات السورية، بينهن سجى الدليمي زوجة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، وشقيقة أحد قياديي «النصرة» في منطقة القلمون السورية، والتي حالفها الحظ أن تكون ممن أفرجت عنهم السلطات اللبنانية مع أطفالها أمس، وقد تمت عملية تسليم الراهبات وتسلم المعتقلات الـ153 في جرود بلدة عرسال اللبنانية المقابلة لمدينة يبرود السورية. ونقلت الراهبات يومها إلى الحدود السورية في موكب للأمن العام اللبناني، وعن طريق عرسال توجه موكب الراهبات إلى معبر جديدة يابوس الحدودي ومن هناك توجه موكب سوري أقلهن إلى دمشق.
لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى
الصفقة الأخيرة هي الأكبر والأعقد والأكثر دقة في تاريخ الدولة
لبنان يخوض 3 تجارب ناجحة لتحرير الأسرى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة