أقل ما يمكن وصفها به أنها الألمانية الخجولة، فهي لا تنفش ريشها أو تستعرض قدراتها في كل المحافل، على الرغم من أنها تستحق أن تفعل ذلك وبإمكانها أن تنافس كثيرا من بيوت الأزياء العالمية من الناحية الفنية على الأقل. إنها دار «آغنر» التي تحتفل بعامها الـ50 وقدمت بهذه المناسبة مجموعة أزياء وإكسسوارات تحاول أن تستقطب زبونات شابات، وفي الوقت ذاته تحترم زبوناتها الوفيات. وهو ما تحقق لها بالنظر إلى تصاميمها المبتكرة، بألوانها المتوهجة وخاماتها المترفة، من دون أن تتنازل عن جيناتها، أو بالأحرى ثقافتها الألمانية التي تؤمن بالجودة والدقة في كل التفاصيل. عندما تأسست منذ 50 عاما، فإنها كانت أكبر وأهم اسم في عالم الموضة بألمانيا، وحتى الآن لا تزال تلهب خيال الأمهات والجدات ممن تابعن مسيرتها من البداية إلى اليوم، لكن خريطة الموضة تغيرت في السنوات الأخيرة. صحيح أن شعبيتها في بلدها الأم لم تتأثر، إلا أن عمليات التسويق الضخمة والعولمة جعلتها تتأخر نوعا ما عن الوصول إلى شريحة الزبونات الشابات، وهو ما صححته في السنوات الأخيرة، بمشاركتها في أسبوع ميلانو للموضة وبطرح منتجات لا يمكن مقاومة جاذبية تصاميمها. وتجدر الإشارة إلى أن عملية التجميل التي خضعت لها وأعطت نتائجها، بدأت منذ ست سنوات تقريبا، عندما التحقت بها سيبل شون، بوصفها رئيسة تنفيذية. في أحد لقاءاتها السابقة اعترفت سيبل، البالغة من العمر 46 عاما، أنها كبرت مع «آغنر» ويمكن اعتبارها من الجيل الذي كان يعشق الماركة ويجدها مثيرة لأنها تتكلم بلغة بنات جيلها، لهذا عندما التحقت للعمل بها، كان الأمر بمثابة حلم وتحقق بالنسبة لها، ومع ذلك وجدت نفسها أمام تحد كبير إذا كانت النية نقلها من المحلية إلى العالمية. يتلخص التحدي في ضرورة ضخها بجرعة قوية من الإثارة، لاحظت أنها باتت تنقصها بفعل الزمن وتغيراته. أول خطوة قامت بها أنها غيرت المصمم الفني للدار، وعينت الشاب كريستيان بيك، الذي أكد أنه فهم إرث الدار وطوعه بشكل عصري وجذاب، إذ لم يمر سوى وقت قصير، حتى تغيرت صورة الدار تماما، حيث اكتسبت التصاميم أناقة راقية مع لمسة إثارة حسية بفضل التفاصيل الدقيقة والمبتكرة، والألوان الجريئة والمحسوبة بدقة ألمانية لا يعلى عليها. الخامات أيضا باتت سخية تركز على الترف أولا وأخيرا. كل هذا جذب لها الأنظار، وجعل الاسم تحت رادار الموضة العصرية، الأمر الذي شجعها أن تحتفل بعامها الـ50 بثقة واعتداد، وبـ50 نسخة من حقيبتها الأيقونية «سيبل» مصنوعة من أغلى الجلود وأكثرها ندرة. فهذه الحقيبة، تحقق الآن 50 في المائة من مبيعات الدار، وتشهد إقبالا سواء في أوروبا أو في الأسواق النامية.
ومع ذلك، تؤكد سيبل شون، أن الدار لا تنوي أن تتوسع بشكل كبير، لأنها لا تريدها أن تصبح متاحة للجميع، فبعض الخصوصية مطلوبة ومفيدة على المدى البعيد، بدليل أن كثيرا من الماركات توسعت بسرعة وبشكل مبالغ فيه، ما أفقدها كثيرا من بريقها وحصتها في السوق. في المقابل، تنوي الدار أن تركز على النمو والتطوير أكثر من التوسع، بتوجهها لفئة معينة من الزبونات. فئة تفهم الموضة وتُقدرها أكثر مما تريد أن تتباهى بها أو استعمالها كوسيلة لدخول نادي الأناقة. فدار «آغنر» حسب رأي سيبل شون ليست ماركة شعبية، بقدر ما هي ماركة تحرص على الأناقة والأصالة. وتؤكد أن هذا ما يفرقها عن غيرها. فالمرأة العصرية تريد شيئا خاصا ومختلفا، وهذا ما تقدمه الدار. ورغم صعوبة الأمر، بحكم أن الحفاظ على الخصوصية وتحقيق الربح في الوقت ذاته مسألة معقدة تحتاج لمرونة وذكاء تجاري وفني، إلا أن الدار تحرص عليها، بدليل أنها ترفض بشدة، الوجود في كل المحلات من خلال ركن مخصص لها رغم العروض الكثيرة التي تتلقاها. ما انتبهت له من البداية أن الوجود في كل الأماكن سيف بحد واحد وقاطع، وكانت نظرتها صائبة بالنظر إلى أن هذه الاستراتيجية كادت أن تؤدي بكثير من الأسماء الكبيرة إلى الإفلاس، لأنها في الغالب تصيب المستهلك بالتخمة وتؤدي به إلى العزوف عنها، لا سيما زبون المنتجات المترفة الذي يعتبر التميز والتفرد على رأس أولوياته. فهو يريد أن يحمل إكسسوارا لا مثيل له، أو على الأقل غير متاح للجميع بغض النظر عن الثمن، وهذا ما ترمي إليه الدار عندما وضعت استراتيجيتها منذ ست سنوات.
تحديد توسعها وتقنينه ليس التحدي الوحيد أمامها، بل هناك أيضا مسألة الحفاظ على إرثها وتاريخها، التي يجب الحرص عليها خلال عملية التجديد والتطوير. وهذا تحد يواجهه المصمم أكثر من غيره، لأن الإرث قد يكون ركيزة مهمة تُسند المصمم عموما، لكنه قد يكون أيضا مقيدا، لأنه يفرض احترامه، وعدم تجاهله، خصوصا وأن هناك زبائن لا يزالون يرغبون فيه.
الحل بالنسبة للمصمم كريستيان بيك، كان التركيز على التصاميم المثيرة ذات التفاصيل المبتكرة من دون أن ينسى أنها يجب أن تبقى مع صاحبتها لسنوات. على هذا الأساس، وظف الحرفية والتقنيات التي تشتهر بها «آغنر» في الجلود الطبيعية المترفة، مستلهما بعض الخطوط من الأرشيف، بما في ذلك اختياره لدرجات الألوان. فهي لم تكن يوما اعتباطية أو مجاراة لصيحات الموضة، بل منتقاة بدقة لكي تعكس توجهات الموضة العصرية، وفي الوقت ذاته تبقى ضمن الكلاسيكي الذي لا يعترف بزمن. وإذا كان كريستيان بيك قام بدوره من الناحية الفنية، فإن سيبل شون قامت بدورها التسويقي والاستراتيجي على أحسن وجه، بتعبيد الطريق للمشاركة في أسبوع ميلانو للموضة، وإقامة عروض أزياء تحكي قصة الدار وتسلط الضوء على اسم ظل طويلا يعيش في الظل قانعا بأمجاده المحلية إلى أن استيقظ على أجراس التغيير، واكتشف أنه لا يقل أناقة وترفا عن كبريات بيوت الأزياء العالمية. الجميل في الأمر أن التغيير شمل الأزياء إلى جانب الإكسسوارات الجلدية، التي لا تزال الدجاجة التي تبيض ذهبا وتُسند الدار، علما أن 50 في المائة منها يُصنع ويُنفذ في إيطاليا.
«آغنر».. عمليات تجميل وتطوير تزيدها شبابًا وألقًا رغم سنواتها الـ50
ألمانية تتحدى الزمن بالأناقة والترف
«آغنر».. عمليات تجميل وتطوير تزيدها شبابًا وألقًا رغم سنواتها الـ50
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة