النازحون السوريون في لبنان يتسابقون على هجرة ثانية

لبنان يفقد يدًا عاملة مطلوبة بسعي الآلاف لركوب البحر إلى أوروبا

مفوض الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي كريستوس ستايليانيدس في زيارة لعائلة سورية تعيش على مساعدات الأمم المتحدة بمدينة المفرق شمال الأردن، أمس (أ.ف.ب)
مفوض الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي كريستوس ستايليانيدس في زيارة لعائلة سورية تعيش على مساعدات الأمم المتحدة بمدينة المفرق شمال الأردن، أمس (أ.ف.ب)
TT

النازحون السوريون في لبنان يتسابقون على هجرة ثانية

مفوض الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي كريستوس ستايليانيدس في زيارة لعائلة سورية تعيش على مساعدات الأمم المتحدة بمدينة المفرق شمال الأردن، أمس (أ.ف.ب)
مفوض الشؤون الإنسانية في الاتحاد الأوروبي كريستوس ستايليانيدس في زيارة لعائلة سورية تعيش على مساعدات الأمم المتحدة بمدينة المفرق شمال الأردن، أمس (أ.ف.ب)

إذا كانت نقمة اللجوء تفاقم يوما بعد يوم مأساة مئات آلاف السوريين الذين فرّوا إلى لبنان هربا من الموت، فقد تحوّلت لدى البعض الآخر، رغم قلّتهم، إلى نعمة، إذ شرّعت الأبواب أمامهم على مستقبل أفضل، سواء بفتح أبواب السفارات الأوروبية لهم ومنحهم تأشيرات الهجرة الشرعية، أو بركوب أمواج البحر والمجازفة بأسرهم وأطفالهم متطلعين إلى غدٍ أكثر أملا يعوّض عليهم ما خسروه في بلادهم.
وإذا كان من المبكّر الحكم على نوعية الحياة التي سيعيشها هؤلاء في أرض اللجوء الجديدة، فإن الكثير منهم يعتقدون أنهم يكفيهم بلوغ بلاد تُحترم فيها كرامة الإنسان. وهو ما يقوله عبيدة عبد الساتر، وهو ربّ عائلة فرّت من مدينة القصير إلى منطقة عكار في شمال لبنان، مشيرا إلى أن نجله الأكبر حسام ركب مغامرة الأمواج، من مرفأ طرابلس (شمال لبنان) إلى تركيا، ومن هناك إلى اليونان ثم ألمانيا وصولا إلى السويد.
لا ينتاب الأب أي قلق على ابنه «الذي ولد من جديد»، كما يقول عبيدة، ويضيف: «فور وصوله مع عشرات العائلات تسلمتهم السلطات السويدية وأمنت لهم المساكن اللائقة، وهو الآن يخضع لدورات لتعلّم اللغة السويدية، التي تؤهله لمتابعة دراسته في هندسة الكهرباء على نفقة البلد المضيف». ويكشف عبيدة أن نجله حسام «يخطط الآن لسحب أشقائه الثلاثة (شابين وفتاة واحدة) ليلتحقوا به، ويعيشوا حياة كريمة يطمح لها كلّ إنسان».
تتعدد الروايات حول ما يسعى له السوريون في لبنان، خصوصا الشباب منهم الذين يلهثون وراء السماسرة ومافيات التهريب إلى الخارج. لكن هذا المسعى لا يتوقف عند السوريين وحدهم، فآلاف الشباب اللبنانيين باتوا يكابدون للحصول على بطاقات سورية قد تكون جواز عبور لهم إلى الخارج. غير أن انقسام السوريين بين الساعين لإنجاز معاملات الهجرة، وبين من نجحوا في تأسيس مصالح تجارية في لبنان، أوجد مشكلة غير متوقعة. فاليد العاملة السورية التي كانت متوافرة بكثرة في لبنان في السنوات الثلاث الماضية باتت محدودة جدا في هذه الأيام.
هذه المعاناة هي أكثر ما يعيشه المزارعون في شمال وجنوب لبنان وفي البقاع، خصوصا على أبواب موسم قطاف الزيتون. وأطلق هذا الواقع صرخة أرباب العمل في لبنان، من مزارعين وأصحاب مؤسسات تجارية، والذين يعجزون اليوم عن إيجاد عمّال لمحاصيلهم ومؤسساتهم، وإذا توفر ذلك فبأجور عالية باتت تضاهي أجر العامل اللبناني غير المتوافر أصلا.
مدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان المحامي نبيل الحلبي عزا طفرة الهجرة غير الشرعية للسوريين المقيمين في لبنان إلى «ضيق سبل العيش الكريم لهم في لبنان، بعد تخفيض المنظمة العالمية للأغذية مساعداتها للاجئين، لا سيما تخفيف المساعدات الطبية»، معتبرا أن «الكثيرين من هؤلاء اللاجئين يرون أن لبنان تحوّل إلى معتقل كبير بعدما وضعت الحكومة اللبنانية شروطا قاسية عليهم، واعتقلت المئات منهم على الحواجز الأمنية والعسكرية لعدم حيازتهم أوراقا ثبوتية، وهذا ما يدفعهم إلى المخاطرة والهجرة غير الشرعية عبر موانئ الموت».
ولفت الحلبي إلى أن «الهجرة غير الشرعية ليست حكرا على السوريين، بل باتت ملاذا لآلاف الشباب اللبنانيين من أبناء طرابلس والشمال، إما بسبب الفقر، وإما لأنهم باتوا مطلوبين للأجهزة الأمنية بموجب وثائق اتصال وقرارات توقيف اعتباطية». وعبر الحلبي عن أسفه لأن الحكومة اللبنانية «تريد أن تنتقم من المجتمع الدولي على تخفيف مساعداته، بالنازحين، وهذا يظهر بالممارسات العنصرية لبعض الأجهزة الأمنية، وهذا ما يدفعهم إلى الهجرة». وأشار الحلبي إلى أن «مشكلة اللاجئين باتت أزمة أممية، والأمم المتحدة وصفتها بأنها أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية».
وفي المقابل، بدأ آخرون بالسعي إلى إنشاء مؤسسات منتجة لهم في لبنان، لتأمين حياة كريمة. فقد اختار محمد عبد الساتر، شقيق عبيدة، البقاء في لبنان، ليس بوصفه مجرّد لاجئ أو عامل أجرة، فالرجل يمتلك من الجرأة ما شجعه على نقل تجربته الناجحة سوريا إلى لبنان، حيث أسس مصنعا متواضعا للألبان والأجبان. لا يطمح محمد في تهجير أبنائه الثلاثة مرّة جديدة (من لبنان إلى أوروبا). يقول الرجل الأربعيني: «يكفي ما حلّ بنا أن تركنا بلدنا ومنازلنا وأرزاقنا، هل نهاجر مرّة جديدة؟»، ويضيف: «سأبقى قريبا من بلدي، وأملنا قريب في أن يزول كابوس القتل والدمار ونعود إلى بلدنا ونبني بيوتنا من جديد». ويستطرد بلهجته العامية: «اللي بيترك دياره بيقلّ مقداره».
وفي بلدة عكارية أخرى، يقيم النازح عبد العزيز العتر مع المئات من أبناء بلدته يبرود (في القلمون السوري). أحلامه تختلف عن الآخرين، فهو لا يرى الحياة مثالية في لبنان، لكنه راضٍ بعمله الحرّ، وما يجنيه من قوت لعائلته من دون التسكّع على الأبواب وانتظار إعانات الهيئات الإنسانية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
يقول عبد السلام، الذي يملك فرنا لـ«المناقيش»، إنه لا يمانع في السفر إلى أي دولة أوروبية، إذا كان ذلك ممكنا بطريقة شرعية، لكن أن يجازف بعائلته وأطفاله إلى المجهول فهذا الأمر لن يحصل، معتبرا أن المفاضلة بين القبول بعيش قاسٍ في لبنان أو المجازفة ومحاولة الفرار إلى دول أخرى «مقاربة غير موفقة، وأنا لن أدفع بأولادي للموت في البحار».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.