الكرملين جاهزة لإرسال قوات إلى سوريا إذا طلب الأسد

المعارضة السورية تعتبره تقويضًا للحل السياسي.. وخبراء يرون فيه تكريسًا لتقسيم البلاد إلى كيانات

سوريون في شارع دمرته غارات جوية لطيران النظام في حي الأنصاري بحلب أمس (رويترز)
سوريون في شارع دمرته غارات جوية لطيران النظام في حي الأنصاري بحلب أمس (رويترز)
TT

الكرملين جاهزة لإرسال قوات إلى سوريا إذا طلب الأسد

سوريون في شارع دمرته غارات جوية لطيران النظام في حي الأنصاري بحلب أمس (رويترز)
سوريون في شارع دمرته غارات جوية لطيران النظام في حي الأنصاري بحلب أمس (رويترز)

جاء الردّ الروسي «الإيجابي» سريعًا على وزير الخارجية السوري وليد المعلم بشأن إمكانية طلب نشر قوات روسية على أرض بلاده إذا دعت الضرورة إلى ذلك. إذ صرّح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن روسيا سوف تبحث إرسال قوات إلى سوريا إذا تقدمت الأخيرة بطلب بهذا الشأن، بينما ذكرت وكالة وزارة الدفاع الروسية أنّ المباحثات مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن سوريا «أظهرت وجود أرضية مشتركة إزاء معظم القضايا محل النقاش». وفي غضون ذلك، أعرب وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم أمس عن أمله بإجراء مفاوضات عسكرية وشيكة مع روسيا حول النزاع في سوريا، في وقت بات فيه الحضور والتعزيزات العسكرية الروسية في الساحل السوري مؤكدًا، وهو ما يراه وجوه في المعارضة السورية ومراقبون تقويضًا للحل السياسي وتكريسًا لتقسيم سوريا إلى كيانات.
وكالة الأنباء الروسية العامة «ريا نوفوستي» نقلت عن بيسكوف تصريحات جاء فيها قوله: «إذا كان هناك طلب (من دمشق)، فسيناقش بطبيعة الحال وسيتم تقييمه في إطار اتصالاتنا الثنائية». وعلى هذا علق عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري فايز سارة معتبرًا أن تدخل روسيا العسكري المباشر في سوريا هو «تقويض لعملية الحل السياسي ويصبُّ في مصلحة القوى الإرهابية التي تعتاش على استمرار الفوضى». وتابع سارة: «إن دعم روسيا لنظام فقد شرعيته نتيجة ارتكابه للمجازر بحق مدنيين خرجوا يناشدون الحرية والكرامة، واستخدامه الأسلحة المحرمة دوليًا والغازات السامة؛ هو مخالفة للقوانين والأعراف الدولية، ولا يجوز لها ذلك كونها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن والمطلوب منها أن تلعب دورًا إيجابيًا ولا تساهم بمزيد من الدمار ونزف الدماء في سوريا». ومن ثم أشار إلى أن «القوات الروسية ينتظرها الكثير في سوريا، ولن يكون سهلاً لها أن تصمد أمام ضربات الثوار المستمدين قوتهم وطاقتهم من ثورة قهرت الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله الإرهابي والمرتزقة من الأفغان الذين جلبهم نظام الملالي في إيران».
أما الباحث السياسي وأستاذ العلاقات الدولية اللبناني الدكتور سامي نادر، فرأى أن الحضور العسكري الروسي في سوريا «فرض قواعد اشتباك جديدة وتكريس لواقع تقسيمها إلى مناطق وكيانات»، رأى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن كلام المعلم الأخير وما تبعه من موقف روسي، «قد يكون في سياق محاولة موسكو، التي أصبحت اللاعب الأول من داعمي النظام السوري، القول إنها لن تدخل في حرب هجومية داخل الأراضي السورية بل تكتفي بآخر معقل للنظام من خلال إنشاء المنطقة العسكرية في الساحل السوري». وأردف: «هذا يأتي بعد غض النظر الأميركي والدولي في ظل غياب أي اعتراض واضح أو مواقف شاجبة». واعتبر نادر أن «الدخول الروسي العسكري بهذا الحجم في سوريا يعني الاتجاه نحو التقسيم إلى 4 مناطق نفوذ عسكرية: منطقة لتركيا في الشمال حيث سيتم إقامة المنطقة الآمنة بمباركة أميركية، ومنطقة للروس في الساحل، ومنطقة لإيران في الجنوب الغربي، بينما تقود الولايات المتحدة تحالفًا في المناطق الأخرى». وأضاف: «السبب الذي يقف خلفه كل اللاعبين في سوريا، ولا سيّما الكبار منهم للتدخل، وهو محاربة (داعش)، لا يعدو كونه حجة يتسلحون بها لتكريس هذا التقسيم، بينما يبدو واضحًا أن حضور التنظيم ما زال كما هو».
من ناحية ثانية، رأى نادر أنّ كل هذه المعطيات تظهر أن «انتصار الدبلوماسية» الذي أعلن عنه عند توقيع الاتفاق النووي، انهزم على حساب المسار العسكري بدخول اللاعبين المفاوضين في جنيف عسكريًا في سوريا، إضافة إلى تقدّم الدور الروسي على الدور الإيراني وتحوّلها إلى لاعب أول في سوريا، مضيفًا: «كذلك، فإن التدخل العسكري الروسي بهذا الحجم يشكل تطورًا خطيرًا قد يأخذ في ما بعد بعدًا مذهبيًا آخر سيقرأ كـ(حرب صليبية) من شأنها تعميق صراع الحضارات».
جدير بالذكر، أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم صرح في مقابلة مع التلفزيون السوري مساء الأربعاء بأنه «حتى الآن لا يوجد قتال على الأرض مشترك مع القوات الروسية، لكننا إذا لمسنا وجود حاجة فسندرس ونطلب». وردًا على سؤال حول ما إذا كانت روسيا أرسلت تعزيزات عسكرية إلى سوريا، امتنع المعلم عن تأكيد الخبر لكنه شدد على أن «التعامل بين قواتنا والقوات الروسية تعاون استراتيجي عميق». وتابع المعلم أن «روسيا بقيادة بوتين تقف إلى جانب الدولة السورية والحكومة الشرعية في دمشق، وهي جاهزة لتقديم كل ما يمكن تقديمه عندما تقتضي الضرورة ذلك لمكافحة الإرهاب».
وكان مسؤول أميركي قد ذكر الاثنين أن روسيا أرسلت مدفعية وسبع دبابات إلى قاعدة جوية في سوريا كجزء من تعزيزاتها العسكرية هناك. ولبعض الوقت أثارت التعزيزات الروسية في سوريا المخاوف في الغرب بشأن الآثار المترتبة على مساعدة موسكو عسكريًا حليفها الرئيس بشار الأسد. وفي اليوم التالي أعلنت واشنطن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أجرى اتصالاً هاتفيًا بنظيره الروسي سيرغي لافروف ليبلغه بالموقف الأميركي.
غير أن البيت الأبيض أعلن الخميس أنه «منفتح على محادثات مع روسيا بشأن سوريا بعد نشر موسكو تعزيزات في هذا البلد الذي يشهد نزاعًا مدمرًا». وقال الناطق باسم الرئاسة الأميركية جوش إيرنست إن الولايات المتحدة «تبقى منفتحة على مناقشات تكتيكية وعملية مع الروس بهدف تعزيز أهداف التحالف ضد تنظيم داعش وضمان سلامة عمليات التحالف».
من جهة أخرى، ذكر موقع «غازيتا» الإخباري الروسي أمس أن جنودًا روسًا يحتجون على أوامر بإمكان إرسالهم إلى سوريا. ونقل الموقع عن جندي يدعى أليكسي أن قوات أرسلت إلى مرفأ في جنوب روسيا من دون إبلاغها بوجهتها الأخيرة، وهي تخشى أن تكون دمشق. وأشارت فالنتيتنا ملنيكوفا، الناشطة دفاعًا عن حقوق الجنود أن بعض أفراد الأسر القلقين بدأوا بالاتصال بمجموعات حقوق الإنسان، لافتة إلى أن «هناك أقارب يخشون أن يصار إلى إرسال الجنود إلى أوكرانيا أو سوريا».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.