رأى خبراء سياسيون أن القمة الخليجية - الأميركية التي عقدت في كامب ديفيد أول من أمس جاءت لصالح دول مجلس التعاون الخليجي، وأن القيادات الخليجية الشابة انتزعت من الجانب الأميركي موفقا مبدئيا باعتبار إيران مصدر تهديد وعدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وقال عيسى عبد الرحمن الحمادي وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة البحرينية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن قمة كامب ديفيد كانت ناجحة في وضع تصور واضح للعمل المشترك والتعاون بين الجانبين في المجال الأمني والعسكري. وأضاف أن القمة شهدت مباحثات مستفيضة حول ملفات مهمة تميزت بالصراحة التامة، ومنها التعاون لردع أي تهديد خارجي يمس أمن واستقرار وسيادة دول مجلس التعاون، بما فيها استخدام القوة العسكرية، والإسراع في تزويد ونقل الأسلحة إلى دول الخليج، وبناء منظومة قدرات صاروخية وتعزيز الدفاعات الخليجية ببناء نظام إنذار مبكر إلى جانب تعزيز آليات مكافحة الإرهاب. كما أشار الحمادي إلى أن نتائج القمة التي أكدت على تعزيز حماية انسيابية الحركة في مياه الخليج من أي تهديدات. وقال الحمادي أيضا إن الاتفاق على عقد قمة مماثلة، العام المقبل، وتكليف فريق من الجانبين لمتابعة ما تم الاتفاق عليه، دليل آخر على حرص الجانبين على أن المرحلة المقبلة ستشهد نقلات نوعية في التعاون.
من جانبه، رأى رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي الدكتور خضر القرشي، أن العلاقات التاريخية بين الدول الخليج والولايات المتحدة يجب أن تبقى، لكن هذا لا يعني الاعتماد الكلي على واشنطن، فالتعاون الخليجي قد يغني مستقبلا عن الاعتماد بشكل أو آخر على أميركا فيما يتعلق بالعمل العسكري مثلا ، مشيرا إلى أهمية تركيز القمة في بيانها على وجوب وقف إيران لأنشطتها المزعزعة لاستقرار المنطقة.
كما يقول عبد الله الشمري، وهو دبلوماسي سعودي سابق، إنه يمكن القول إن قمة كامب ديفيد حققت المطامح الممكنة والواقعية، وإنها توصلت إلى «أفضل الممكن»، حيث حقق كل من الطرفين مكاسب، ذلك أن دول الخليج نجحت في إيصال رسالتها الأهم، وهي أن إيران تمثل عامل عدم الاستقرار الأول في منطقة الشرق الأوسط، وورود ذلك في البيان الختامي يشير إلى أن الرئيس الأميركي اقتنع (إن لم يكن تبنى) وجهة النظر الخليجية. وأضاف الشمري أن الرئيس الأميركي قدم التزاما سياسيا وعسكريا بمواجهة تمدد إيران الإقليمي. وفي المقابل، يرى الشمري، أن الجانب الأميركي حقق مكاسب أيضا ، باعتراف دول الخليج ورضاها المبدئي عن الاتفاق النووي المرتقب مع إيران، والاستمرار في العمل كشركاء ضد الإرهاب، والأهم اقتراب أميركي أكثر من موقف دول مجلس التعاون في سوريا واليمن ضد الأسد والحوثيين. ويرى الشمري أن النتيجة هي تجديد الجانب الخليجي للصداقة مع الحليف الأول، ومأسستها، وهذا لا يمنع من البدء في مرحلة طويلة وجديدة للاعتماد الخليجي على الذات، مع الحفاظ على مكاسب ما تحقق عبر عقود من الصداقة مع واشنطن، والمراهنة على أن العلاقات الخليجية الأميركية ستستمر استراتيجية بغض النظر عن سياسات الإدارة الحالية.
كذلك، يشير حمد العامر، وهو دبلوماسي بحريني سابق، إلى أن من النتائج غير المتوقعة للقمة، التوصل إلى اتفاق حول الدفاع عن دول المجلس ضد أي تهديد خارجي، وما دار حول البرنامج النووي الإيراني والتأكيد على أن إيران لن تستطيع التخصيب إلا بعد 15 سنة، إضافة إلى الدرع الصاروخية التي جرى العمل عليه منذ ثلاث سنوات، والآن تم الإعلان عنه. ويضيف أن هذا الاجتماع غير المسبوق وغير العادي الذي قادته من الجانب الخليجي قيادات شابة كان لها دور بارز، ووضعت النقاط على الحروف، خاصة فيما يخص أمن منطقة الخليج وما يحيط بها من مخاطر. وأكد العامر أن دول مجلس التعاون بقيادة السعودية ستعيد الحسابات في المنطقة، وستضع حدا للتدخلات الإيرانية. ورأى العامر أن «ما صدر عن قمة كامب ديفيد يعد إحدى نتائج عاصفة الحزم، التي صنعت فجرا جديدا للعرب».
من جانبه، قال عبد الخالق عبد الله، وهو معلق سياسي إماراتي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات سابقا، إن نتائج القمة جاءت لصالح دول الخليج كثيرا وفي جوانب غاية الأهمية. وأضاف: «اقترب الرئيس أوباما والموقف الأميركي بشكل عام من الرؤية الخليجية بخصوص اعتبار إيران مصدرا لعدم الاستقرار في المنطقة».
وشدد عبد الخالق عبد الله على أن الوفد الخليجي انتزع من الرئيس أوباما إقرارا صريحا بأن السلوك الإيراني مصدر تهديد للأمن الإقليمي والعالمي، كما استطاع القادة الخليجيون أن يدفعوا بالعلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة إلى مستوى مقارب للحلف العسكري السياسي غير المكتوب. ويشدد عبد الخالق عبد الله على أن دول المجلس لم تكن تعارض أي اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، كما هو حال إسرائيل، وإنما كانت تطالب بأن يكون الاتفاق ملزما وشفافا وواضحا، والآن أوباما يريد أن يكسب التأييد الخليجي للاتفاق ليسوقه للداخل الأميركي، وقدم تنازلات مهمة لدول المجلس، وكان عليه أن يدفع مقابل الحصول على تأييد من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقبضت دول المجلس ثمن موقفها في قمة كامب ديفيد.
بدورهم لفت خبراء أميركيون إلى أن دول الخليج لم تحصل خلال قمة كامب ديفيد على معاهدة عسكرية مع الولايات المتحدة كما كانوا يرغبون وحصلوا على لغة قوية من الرئيس أوباما وتأكيدات بأن الولايات المتحدة ستكون بجانب شركائها في الخليج عند الحاجة.
ولفت واين وايت، النائب السابق لمدير مكتب الاستخبارات بوزارة الخارجية، إلى أن البيان الختامي للقمة شدد على وقوف الولايات المتحدة إلى جانب شركائها الخليجيين لصد أي هجمات خارجية، ويشمل ذلك إمكانية استخدام القوة العسكرية، وإلى أن البيت الأبيض أشار إلى انفتاحه لمناقشة إمكانية منح دول الخليج وضع «حلفاء خارج حلف شمال الأطلسي»، رغم أن هذه القضية لم تكن ضمن محاور محادثات قبل القمة. ورأى وايت أن الكويت منحت هذا الوضع من قبل في عهد الرئيس جورج بوش بسبب التسهيلات التي منحت للقوات الأميركية لضرب نظام صدام حسين عام 2003.
من جهته، يشير سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بمعهد واشنطن، إلى أن «دول الخليج تتجه لتعزيز قدراتها الدفاعية لتصبح أكثر استقلالية في الدفاع عن نفسها». وقال جيمس فيليس الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة هيريتايج إن الولايات المتحدة رغم تأكيداتها بتعهداتها تجاه أمن الخليج، فإن دول مجلس التعاون لا تزال تنظر بقلق وريبة تجاه السياسات الأميركية وهذا هو السبب وراء اتجاه دول مجلس التعاون لتقوية العلاقات مع فرنسا، إذ أبرمت قطر صفقة بسبعة مليارات دولار للحصول على طائرات مقاتلة من فرنسا، وربما تسعى الدول الخليجية أيضا لتحسين العلاقات مع روسيا والصين لتقوية موقفها في مواجهة تهديدات إيران.
كذلك، قال اليوت إبرامز الباحث بمجلس العلاقات الخارجية، إن «اللغة التي صيغ بها البيان المشترك لقمة كامب ديفيد لم تقدم الكثير، فالتحديات التي تواجه دول مجلس التعاون لا تتمثل في غزو إيراني بقدر ما تتمثل فيما تقوم به إيران من مشاكل وإرهاب وتخريب إضافة إلى طموحاتها لتصنيع سلاح نووي والوعود الواردة في البيان لا تعالج هذه القضايا». وأضاف إبرامز أن ما قدمته قمة كامب ديفيد مجرد وعود إضافية من أوباما لا ترضي دول الخليج و«لا يمكن أن ننسى تعهد أوباما بأن استخدام الأسد أسلحة كيماوية سيكون خطا أحمر إلا أنه تراجع عن ذلك». وشدد الخبير في شؤون الشرق الأوسط في عهد إدارات أميركية سابقة على أن «دول الخليج كانت تريد من الولايات المتحدة سياسة خارجية جديدة من شأنها إيقاف إيران لكنها (دول الخليج) لم تحصل على ذلك».
ويتفق مع هذا الرأي مايكل ايزنشتات، الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي أشار إلى أن مصداقية الولايات المتحدة لدى حلفائها العرب باتت محل شك، بسبب قضية استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية. وشدد على ضرورة أن تأخذ الإدارة الأميركية تدابير ملموسة جديدة لتقويض تصرفات إيران ووكلائها في سوريا وعدة دول أخرى.
أما مايكل سينغ مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فحذر من استفزازات إيران وتهديداتها لحرية الملاحة ومصالح الولايات المتحدة في الخليج، ومدى التزام إيران بالقوانين الدولية، وقال: «التصرفات إيرانية تختبر قدرة الولايات المتحدة في هذا الوقت الحساس، وزعماء المنطقة لديهم شكوك في مصداقية طهران، وكل تلك التصرفات تعزز الحاجة إلى ضمان أن أي اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي يكون له آليات تنفيذية قوية وعقوبات صارمة وسريعة في حال الغش في تنفيذ التعهدات والتأكيد على تقييد بحوث التسلح النووي والإصرار على فتح المواقع العسكرية لنفس عمليات التفتيش على المواقع المدنية».
وأخيرا، يشير باتريك ميجهان الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إلى قمة كامب ديفيد لم تتطرق لمبيعات أسلحة متقدمة مثل مقاتلات F - 35 أو معدات GBU - 28 أو صواريخ كروز، واكتفت بالتأكيد على تسريع عمليات توريد الأسلحة وإنشاء مكتب مشتريات للمبيعات العسكرية الخارجية مخصص فقط لدول مجلس التعاون. وقد أشار المتحدث باسم البنتاغون ستيف وارن إلى أنه لا توجد مبيعات أسلحة جديدة تعلنها القمة. ويشير ميجهان إلى أن الولايات المتحدة أخذت خطوات جيدة نسبيا فيما يتعلق بمواجهة التهديدات والهجمات الإلكترونية وتعزيز عمليات التدريب المشترك والتدريبات في العمليات البحرية متعددة الجنسيات ورفع كفاءة اعتراض الشحنات البحرية للإرهابيين والتزمت واشنطن بتوفير التدريب والمشورة.
خبراء خليجيون وأميركيون: «كامب ديفيد» خطة عمل مشتركة.. وإحدى ثمار «عاصفة الحزم»
دول مجلس التعاون انتزعت موقفًا أميركيًا صارمًا ضد إيران.. وواشنطن حصلت على قبول خليجي مسبق بالاتفاق النووي
خبراء خليجيون وأميركيون: «كامب ديفيد» خطة عمل مشتركة.. وإحدى ثمار «عاصفة الحزم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة