اليأس يقود الحوثيين لمواصلة الحرب لتحسين موقفهم في الحوار

توقف «عاصفة الحزم» يختبر النيات ويحفظ مقدرات اليمن

اليأس يقود الحوثيين لمواصلة الحرب لتحسين موقفهم في الحوار
TT

اليأس يقود الحوثيين لمواصلة الحرب لتحسين موقفهم في الحوار

اليأس يقود الحوثيين لمواصلة الحرب لتحسين موقفهم في الحوار

ما إن أعلنت دول تحالف «عاصفة الحزم» انتهاء عملياتها بطلب من الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي، وتدشين عملية «إعادة الأمل»، التي تتضمن استئناف العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم «2216»، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، حتى عاود الحوثيون هجماتهم.
فبعد ساعات فقط من وقف علميات «عاصفة الحزم» استولى الحوثيون على اللواء 35 في محافظة تعز الموالي للرئيس هادي، هذا التغير فسره البعض بعدة تفسيرات، أبرزها أن الحوثيين بعد إيقاف عمليات عاصفة الحزم توقعوا أن يخف ضغط القوات الجوية عليهم فقرروا الاستمرار في تمددهم لإيهام أتباعهم بأنهم يحققون انتصارات على الأرض.
التفسير الآخر وهو الأهم أن ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع تهدف من الاستيلاء على اللواء 35 إلى المساومة لتحسن موقفهم في الحوار.
يقول الدكتور أشرف كشك مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية بمركز البحرين الدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة والموجه الأكاديمي بكلية الدفاع بحلف الناتو: «في الوقت الذي أعلنت فيه قوات التحالف بقيادة السعودية وقف عملية (عاصفة الحزم)، لجأ الحوثيون إلى التصعيد. وفي رأيي أن ذلك لا يعكس موقف قوة، بل هو دليل على مدى الضعف الذي لحق بقدرات تلك الحركة التي أكد بعض أفرادها خلال الضربات العسكرية أنهم يحتفظون بحق الرد، ولم يكن ذلك الرد سوى بعض المحاولات اليائسة لاختراق الحدود السعودية.
ويشير الدكتور كشك إلى أن التحرك الأخير ربما أرادت ميليشيا الحوثيين أن تكسب به نقاطا على الأرض قبل أي تسوية سياسية محتملة. ويتابع: «من ناحية ثانية، في ظل الواقع الراهن فإن الرهانات الإقليمية والدولية للحوثيين لن تكون مجدية، إذ ربما أراد الحوثيون إطالة أمد الأزمة لتتحول إلى السيناريو السوري ويكون حلها مرتهنًا بدوائر 3 داخلية وإقليمية ودولية، لكن أعتقد أن الحوثيين قد جانبهم الصواب لأن إدارة الأزمة اليمنية وتسويتها كانت وستظل خليجية إقليمية في المقام الأول».
أما العميد بحري عمر العامري، وهو خبير عسكري سعودي، فيرى أن إيقاف عملية «عاصفة الحزم» كان وفق اتفاق، كثير من بنوده غير معلنة في الفترة الراهنة، لكن يجب أن يعطى الاتفاق فترة أطول لاختبار النيات.
وشدد على أنه من المبكر تفسير ما حدث، فالميليشيا الحوثية مدعومة بقوات الرئيس المخلوع صالح هاجمت اللواء 35 وعادت طائرات التحالف لقصفهم، وهذا حدث في الساعات الأولى، لكن يجب مراقبة الوضع لـ3 إلى 4 أيام لتقييم مدى التزام الحوثيين والرئيس المخلوع ببنود الاتفاق.
ولفت العامري إلى أن القصف على جميع الأهداف انتهى، كما بين ذلك العميد أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف، والآن - والكلام للعامري - تحول دور طيران التحالف إلى الردع للتحركات المتمردين أكثر منه هجوما على أهداف استراتيجية.
وبالعودة إلى الدكتور كشك قال: «أعتقد أن الإدارة السعودية للأزمة اليمنية كانت مؤسسة على المبادئ والأسس التي أديرت بها أزمات مماثلة، فربما رأي البعض أن هناك تناقضا بين قرار المملكة استدعاء قوات الحرس الوطني للمشاركة في عملية (عاصفة الحزم) وإعلان المملكة إنهاء عملية (عاصفة الحزم) وبدء عملية (إعادة الأمل)، إلا أن ذلك ليس صحيحًا لـ3 أسباب، وهي: عدم التناقض بين القرارين، وتحقيق مفهوم الردع، وتزامن القرار السعودي مع القرار الأميركي بإرسال حاملات طائرات وسفن حربية إلى المياه الدولية القريبة من اليمن».
ويبين كشك أن إعلان استدعاء قوات الحرس الوطني للمشاركة في «عاصفة الحزم» وإعلان إنهاء العمليات الجوية أن العمليتين ليستا منفصلتين، ولكنهما مرحلتان متمايزتان لمهمة واحدة، وهي حماية الشرعية ومقدرات الشعب اليمني.
وأضاف أنه خلال الأزمات وحتى يتحقق مفهوم الردع لا يكفي الحديث عن القوة وإنما إظهارها، وبالتالي فإن قرار استدعاء الحرس الوطني يعني بما لا يدع مجالاً للشك أن السعودية لديها استعداد لوضع إمكانياتها كافة حتى يتحقق استقرار اليمن الذي يعد جزءً لا يتجزأ من أمن الخليج العربي عامة والامتداد الجيو-استراتيجي للسعودية على نحو خاص.
والسبب الثالث كما يقول الدكتور كشك أن القرار السعودي تزامن إعلان الولايات المتحدة الأميركية إرسال حاملات طائرات وسفن حربية أميركية إلى المياه الدولية قرب اليمن لحماية الأمن البحري، وهو مؤشر مهم وأكده المتحدث باسم الأسطول الخامس أن القوات الأميركية لديها ما يكفي لمواجهة التهديدات بما يعكس حقيقة مفادها أن الأمن البحري مسؤولية إقليمية ودولية في آن واحد ورسالة واضحة ومحددة أن الممرات البحرية خط أحمر، وأن محاولات أطراف إقليمية أو دولية إمداد فصيل ما بالأسلحة سيكون عملاً يستوجب الرد، مع الأخذ في الاعتبار أن وقف العمليات العسكرية لا يعني انتهاء الحظر البحري والجوي، بل إن كل الخيارات تظل قائمة.
يقول العميد العامري إن المهمة الأولى في اليوم التالي لـ«عاصفة الحزم» التي يجب أن يتم التركيز عليها هي الجانب الإنساني، ويمكن أن يباشر في هذا الجانب خلال فترة اختبار النيات، التي تمتد إلى عدة أيام بين الطرفين. وتابع: «مهمة قوات التحالف هي مد جسر إنساني من المساعدات الطبية والغذائية للشعب اليمني الذي يعاني ظروفًا صعبة للغاية هذه الأيام، وكذلك منح الفرصة لنحو 35 ألف من رعايا 38 دولة عالقين في اليمن بسبب الحرب وتأمين طرق إجلائهم سواء عبر المنافذ البرية أو المنافذ الجوية، وهذه المهمة لا تتناقض مع مهمة مراقبة الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع ومدى التزامهم بالاتفاق».
ولفت العامري إلى أهمية تشديد الرقابة البحرية، وهي التحدي الذي يواجه قوات التحالف في المرحلة الثانية. وقال: «لدى اليمن سواحل طويلة وتحتاج إلى قطع بحرية كبيرة وطائرات لمراقبتها، ومن هنا قد ينفذ الحوثيون للتسلح عبر إمدادهم بالسلاح عبر البحر». وأضاف: «في هذا الجانب المهم كان الرئيس الأميركي واضحًا، حيث أكد على أنه لن يسمح للهدنة بإعادة تسليح الحوثيين». وأشار العامري إلى أن الرقابة على الأجواء اليمنية مهمة سهلة بالنسبة إلى السعودية، فلديها الإمكانات والتقنيات التي من خلالها تستطيع مراقبة كامل أجواء اليمن على مدار الساعة.
وخلال الأيام المقبلة التي يتوقع الجميع أن يجلس الفرقاء اليمنيون على طاولة الحوار، يقول الدكتور كشك: «على الرغم من أهمية (عاصفة الحزم) كإجراء استباقي لمنع سيطرة الحوثيين على اليمن، فإن السعودية تدرك أهمية الحل السلمي من خلال الحوار، وبالتالي فإن العمل العسكري - ليس فقط في الأزمة اليمنية ولكن في كل الأزمات المماثلة - لم يكن هو الحل الناجع وإنما كان ضرورة لمنع تطور الأزمة إلى حالة الكارثة، وبالتالي فإن فرص نجاح الحل السلمي بعد عملية (عاصفة الحزم) تعززها مؤشرات 3، وهي عدم فرض الأجندات بالقوة، وتغير الأولويات، ووضوح السياسات الإقليمية السلبية والإيجابية».
في المؤشر الأول يقول الدكتور أشرف كشك إنه لن يكون بمقدور الحوثيين فرض أجندتهم بالقوة على بقية الأطراف الأخرى، إذ إن هناك إطارا مرجعيا يتمثل في قرار مجلس الأمن، فضلاً عن تراجع قدراتهم العسكرية، في حين رأى أن تبدل الأولويات بالنسبة لأغلبية الشعب اليمني في هذه الفترة، إذ إن الأولوية الآن هي لإعادة الإعمار والتخفيف من المعاناة الإنسانية، وهذا هو الهدف الأساسي للمرحلة الثانية من العملية ولن يتم ذلك سوى باتفاق الفرقاء السياسيين.
كما اعتبر الدكتور كشك أن الأزمة اليمنية كانت كاشفة وبوضوح للسياسات الإقليمية الإيجابية والسلبية، وهو ما سيكون له انعكاس على المسار المستقبلي للأزمة، بمعنى آخر أن الأطراف التي لعبت أدوارًا سلبية خلال تلك الأزمة لن يكون دورها موضع ترحيب من جانب أبناء الشعب اليمني أنفسهم خلال الفترة المقبلة.
لكن ماذا عن وضع ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع على الأرض؟ هنا يقول العميد بحري عمر العامري إنها افتقدت القيادة المركزية وأصبحت مجاميعهم في مختلف المحافظات تتصرف دون العودة إلى قياداتها، وإذا تكرر مثل الخرق الذي وقع أمس فإن هذا مؤشر لعدم انضباطهم، وهذا مرجح بشكل كبير، فهم مجموعات من المقاتلين غير المحترفين.
وقال العامري: «للدقة، ميليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع لا تتمتع بالقيادة المركزية بمعناها العسكري قبل بدء (عاصفة الحزم) فضلاً عن وضعها الآن بعد ضربات جوية استمرت لـ24 يومًا»، وتابع: «هذه المجاميع من المقاتلين تعتمد على الاتصالات المدنية والاتصالات المتنقلة مثل الجولات في التواصل بينها، ولم يعد لديها مراكز اتصال بالمفهوم العسكري».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».