افتتح محمد بن عبد الرحمن السلوم، السفير السعودي لدى النمسا معرض «مترجمات» الذي تقيمه الفنانة السعودية مها الملوح بفيينا ويستمر حتى الرابع من أبريل (نيسان) القادم.
لم ينتشر خبر إقامة فنانة «سعودية» لمعرض كامل منفرد (سولو) كشيء عادي، بل فاجأ فيينا وما يزال محل دهشة وفضول مسبوقا بأكثر من سؤال وسؤال عن أوضاع المرأة السعودية وقضاياها.
تستضيف المعرض دار كرينسينغر بالحي الأول، ويضم 4 أعمال واحد منها يغطي أرضية غرفة كاملة من غرف «الغاليري» المشيد على طريقة العمارات النمساوية القديمة بحجراتها الواسعة ذات الأسقف العالية.
في حفل الافتتاح استمع الحضور لكلمة من أورسولا كرينسنقر مديرة الغاليري بالإضافة لفينشيا بورتر رئيسة قسم الفنون الإسلامية والشرق أوسطية بالمتحف البريطاني التي وجه لها الغاليري الدعوة خصيصا لتقديم الفنانة مها الملوح وإعطاء نبذة عن فنها وأعمالها.
من جانبها اكتفت مها الملوح التي فيما يبدو يغلبها حياء طبيعي وبساطة، بابتسامة وتحية مختصرة شاكرة الجميع.
يضم المعرض 4 أعمال تمددت في جناح كامل وتوفر لها حيزا واسعا لأسلوب عرض مريح للنظر، بلمسة حديثة أنيقة ومبتكرة مما يتماشى وهدف الفنانة ويتماهى وسمعة الغاليري المرموق الذي يشتهر باستقباله ودعمه للفنانين الشباب من مختلف دول العالم.
في معرض رد على سؤال عمن يمكن أن يشتري أعمالا بضخامة حجم أعمالها؟ أوضح أحد المرشدين بالغاليري أن هكذا أعمال تجد قبولا لدى صالات عرض ومتاحف بالإضافة لمحبي الفنون «الحديثة» ممن يملكون منازل واسعة بجانب مجموعات من مستثمرين.
ما إن يبدأ الزائر جولته إلا وتجذبه لوحة قوامها مجموعة من القدور والطناجر..!! نعم حلل طبخ عددها 16 حلة مصنوعة من الألومونيوم بمختلف الأحجام، ضخمة ومتوسطة وصغيرة، تتماثل في كونها مدورة، ومنها تلك التي وصفتها مديرة الغاليري، بالتي تسع لطبخ جمل وتلك التي تناسب طبخ دجاجة أو فروجة.
علقت القدور أعلى حائط ناصع البياض بترتيب دائري... ولا تعتقدوا أنها طناجر ضغط جديدة براقة تلمع وإنما بسيطة وقديمة ومستعملة بل ومستهلكة. وذاك بيت القصيد (كما يقولون) فالفنانة لجأت لأسلوب التركيب والإنشاءات والتنصيب كأحد تيارات الفن المعاصر، مستخدمة إياه كصناعة فنية لتقديم تراث قديم برؤية حديثة. وكما قالت لـ«الشرق الأوسط» فإنها أصبحت زبونة لمطاعم شعبية تشتري منها القدور القديمة التي يستغنون عنا وسبق أن صممت لوحة ضمت 100 قدر بالتمام والكمال.
القدور التي أطلقت عليها اسم «المعلقات» طافت معها من موطن رأسها مدينة جدة عروس البحر الأحمر إلى فيينا عروس الدانوب مرورا بمدينة الرياض حيث تعيش وتعمل.
كعادتها في أكثر معارضها الفردية أو الجماعية تحن مها للأدوات والمعدات القديمة كرمز لأسلوب حياة يومية في السعودية. وتستخدم مفردات الحياة في العقود الماضية وتعيد تدويرها، ليس بمعنى إعادة تشكيل بالضرورة، وإنما قد تستخدمها بذات هيئتها مع ترجمة جديدة تحاول أن تبرز من خلالها قضايا المجتمع.
وعلى سبيل المثال ما قد ترمز له كثرة القدور وضخامة أحجامها للكرم السعودي وسعة الرزق، وفي هذا السياق قالت لـ«الشرق الأوسط» سيدة سعودية من سكان فيينا «كم جذبني منظر القدور وأعادني للبيت الكبير، لزمان الذبائح وطبخ الأرز واللحم فقط لا غير ثم يوزع الطعام على بيوتنا الصغيرة مضيفة كانت أختي العودة الكبيرة تقف على الذبائح وتطبخ دون كلل أو ملل».
إلى ذلك، يمكن أن تشير اللوحة للنزعة الاستهلاكية التي اعترت المجتمع السعودي بعد ثروة النفط، وما يحسه البعض من شغف للاستغناء عن القديم واستبداله بجديد وفق آخر الموضات واحدث الصيحات.
من جانبها تقول مها الملوح «للفن أكثر من وجه فهو ليس حقيقة ثابتة لا تقبل التأويل وإنما مسارات لها أبعاد وعمق، ولكل أن يفسر كما يشاء».
داخل صالة ثانية وعلى حائطين متقابلين تعرض مها مجموعة من أشرطة كاسيت، تقول إنها من تلك النوعية التي سادت دون رقيب أو حسيب ولسنوات إبان ما عرف بـ«ثورة الكاسيت».
تضيف: «هذه مجموعة من أشرطة دينية متطرفة، يصفونها بـ(الفكر الضال) ولهذا يقال إنها (أكلت) الفكر».
أطلقت مها على اللوحتين اسم «غيوم السماء» إشارة لما تسببه الغيوم من رؤية مشوشة غير واضحة وما تثيره من لغط.
أما اللوحة الرابعة.. في الواقع هي ليست لوحة بالمعنى التقليدي وإنما مجسمات لأيد نسائية تلبس قفازات سوداء طويلة تفوح منها رائحة «ثقيلة» تم حشوها «برمل وإسفنج» ثم رصها على أرضية غرفة العرض. الأيادي بقفازاتها ومن كثرتها ولمنظر الأصابع المشرئب قد تبدو كغربان أو كغابة من أشجار سوداء كالحة شديدة السوداء، رغم براويز ملونة تزين طرف كل قفاز. وقد تبدو كأرضية مصنع «صيني» لبيع قفافيز سوداء مصنوعة من البوليستر.
وكثرت التعليقات والرؤى بين الحضور حول تلك القفازات التي يبلغ عددها 700 قفاز. هناك من قال إنها إشارة للسواد الذي نسببه للبيئة فتصبح كالحة، وهناك من قال إنها نقد للتقيد بارتداء ثياب سوداء في بلاد مشمسة فتجذب الحرارة، وإن الأيدي تبدو وكأنها لنساء يستغثن. بينما اتفقت مجموعة من السيدات أن الفنانة دون شك قصدت أن نسأل عن حكم لبس القفافيز، فيما أكدت مجموعة أخرى أن انتشار استخدام القفازات دون شك أثر من آثار فتاوى تلك الكاسيتات التي تحرم كل شيء.
على كل، وكما يبدو فإن اختلاف «الترجمات» لأعمال مها الملوح الفنية وما تثيره من جدل وإعجاب أو رفض يماثل تماما ما قصده الفنان الفرنسي، مارسيل دوشامب، الذي قال إن الفنان لا يؤدي العمل المبتكر وحده وإنما يشاركه المشاهد وهو يحاول فك رموز وتفسير ذلك العمل.
الفنانة السعودية مها الملوح تفاجئ فيينا بقدور الطبخ والقفازات
أقامت معرضها المنفرد الثالث
الفنانة السعودية مها الملوح تفاجئ فيينا بقدور الطبخ والقفازات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة