«الحسم الرئاسي» في تونس اليوم وسط إجراءات أمنية مشددة

اعتداء على مقر لحزب السبسي قرب العاصمة.. وإبدال صوره بصور منافسه المرزوقي

موظفان تابعان للجنة الانتخابية يحملان صناديق لتوزيعها على مراكز الاقتراع في منطقة بن عروس، أمس، استعدادا لعمليات التصويت اليوم (أ.ف.ب)
موظفان تابعان للجنة الانتخابية يحملان صناديق لتوزيعها على مراكز الاقتراع في منطقة بن عروس، أمس، استعدادا لعمليات التصويت اليوم (أ.ف.ب)
TT

«الحسم الرئاسي» في تونس اليوم وسط إجراءات أمنية مشددة

موظفان تابعان للجنة الانتخابية يحملان صناديق لتوزيعها على مراكز الاقتراع في منطقة بن عروس، أمس، استعدادا لعمليات التصويت اليوم (أ.ف.ب)
موظفان تابعان للجنة الانتخابية يحملان صناديق لتوزيعها على مراكز الاقتراع في منطقة بن عروس، أمس، استعدادا لعمليات التصويت اليوم (أ.ف.ب)

يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع اليوم للمشاركة في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة التي تشكل اقتراعا تاريخيا يتنافس فيه الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي، وزعيم أول حزب في البلاد الباجي قائد السبسي، ويفترض أن ينهي أربع سنوات من مرحلة الانتقال التي تلت الانتفاضة التي أطاحت بنظام بن علي.
ودعي للمشاركة في هذا الاقتراع نحو 5.3 مليون ناخب من أجل الاختيار بين السبسي مرشح حزب «نداء تونس» الحاصل على 39.46 في المائة من الأصوات خلال الدور الأول من انتخابات الرئاسية، والمرزوقي، المرشح المستقل، مؤسس حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، الحاصل على 33.43 في المائة من الأصوات خلال الدور الانتخابي نفسه.
وشهدت البلاد أمس يوم «صمت انتخابي» حظرت خلاله كل نشاطات الحملة التي انتهت أول من أمس. ولا يبدو من خلال الأجواء العامة أن فوز أي من المرشحين محسوم مسبقا. وأفاد رئيس هيئة الانتخابات شفيق صرصار بأن إعلان النتائج الأولية سيكون بعد 24 ساعة من إغلاق مكاتب الاقتراع، أي يوم الاثنين ليلا.
واتخذت هيئة الانتخابات عدة تدابير أمنية لإنجاح العملية الانتخابية، فرفعت عدد مكاتب الاقتراع بشكل استثنائي في جندوبة والكاف والقصرين، وهي مناطق تشهد نشاطات إرهابية من حين لآخر. وسيرتفع عددها مقارنة مع الدور الأول للانتخابات الرئاسية من 56 إلى 124 مكتب اقتراع. وفي إطار التدابير الأمنية المتعلقة بالانتخابات، قررت الحكومة إغلاق المعبرين الحدوديين رأس جدير وذهيبة، مع ليبيا التي تشهد حالة فوضى تامة، وذلك من منتصف ليلة الخميس - الجمعة حتى يوم الأربعاء المقبل «باستثناء الحالات الاستعجاليّة والإنسانيّة».
ومنذ الساعات الأولى لصباح أمس، انطلقت الهيئات الفرعية للانتخابات في الجهات في توزيع المواد الانتخابية في ظل حماية أمنية وعسكرية مشددة. وشهد يوم الصمت الانتخابي احتجاج عدة منظمات تعنى بمراقبة الانتخابات ضد قرار هيئة الانتخابات بمنع وجود مراقبي الاستحقاق الانتخابي وممثلي المرشحين للرئاسة في مراكز الاقتراع.
وفي هذا الشأن، دعت ليلى بحرية، رئيسة تنسيقية «شاهد» لمراقبة الانتخابات (منظمة حقوقية تونسية مستقلة)، في مؤتمر صحافي عقدته أمس بالعاصمة التونسية، إلى التراجع الفوري عن هذا القرار لأنه يفسح المجال أمام حدوث خروقات وتجاوزات انتخابية خاصة بعد تسجيل خروقات في عدد من مراكز الاقتراع أثناء الاستحقاقين الانتخابيين السابقين (الانتخابات البرلمانية والدور الأول من الانتخابات الرئاسية). وقالت بحرية لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا القرار مثير للشكوك ويطرح العديد من التساؤلات ويضع مصداقية وشفافية الانتخابات الرئاسية على المحك، وقد يصيبها في مقتل، على حد قولها. وأوضحت بحرية أن المنظمة ستتعمد 3304 ملاحظين لتأمين مراقبة وملاحظة الانتخابات الرئاسية في كل مناطق البلاد.
وكانت بعثة مراقبي الاتحاد الأوروبي أشادت بـ«شفافية» و«نزاهة» الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة التي جرت في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك الانتخابات التشريعية التي أجريت في 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. لكن الحملة للدورة الثانية شهدت تبادل اتهامات بين المرشحين وأججت التوتر في البلاد.
وفي سياق هذا التوتر، تعرض مقر لحركة نداء تونس في منطقة المرناقية (غرب العاصمة التونسية) فجر أمس إلى عملية اقتحام وسرقة. وقال معز بن سعيد، ممثل «نداء تونس» في منطقة منوبة التي تتبعها المرناقية إداريا، إن مجهولين اقتحموا المقر وهشموا المعدات وسرقوا أموالا وأتلفوا وثائق خاصة بالأعضاء، كما جرى تمزيق صور مرشح الحركة قائد السبسي ووضع صور منافسه المرزوقي مكانها.
على صعيد آخر، سلطت الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري، يوم أمس، عقوبة مالية قدرها 20 ألف دينار تونسي (نحو 12 ألف دولار) ضد قناة «نسمة» التلفزيونية الخاصة على خلفية بثها يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إشهارا سياسيا لفائدة الباجي قائد السبسي.
ويحظى السبسي (88 عاما) زعيم ومؤسس حركة «نداء تونس» (تأسست في 16 يونيو/ حزيران، 2012) بدعم فئات واسعة من التونسيين، ويعول على عدة أحزاب سياسية للوصول إلى قصر قرطاج. وتطغى عدة حسابات سياسية على الدعم المقدم للباجي، إذ إن عدة أحزاب سياسية على غرار الاتحاد الوطني الحر الذي يتزعمه سليم الرياحي والحاصل على 16 مقعدا برلمانيا، وحزب آفاق تونس بزعامة ياسين إبراهيم (8 مقاعد برلمانية)، بالإضافة إلى تحالف الجبهة الشعبية بزعامة حمة الهمامي (15 مقعدا برلمانيا)، يدعمون الباجي قائد السبسي، رئيس الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، وعيونهم على «كعكة» الحكومة، ويمنون النفس بالحصول على بعض الحقائب الوزارية عند تشكيل الحكومة مباشرة بعد الإعلان عن النتائج النهائية للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.
وفي الجانب المقابل، يعول المرزوقي (69 عاما) على مناصرين غالبيتهم من القواعد الانتخابية لحركة «النهضة»، وكل الأطراف المنادية بالمحافظة على أهداف الثورة والمتخوفة من عودة النظام القديم عبر الالتفاف على مؤسسات الدولة الثلاث (رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية). وركز المرزوقي خلال حملته الانتخابية على مفهوم «التغول السياسي» الذي قد ينجم عن وصول مرشح حركة «نداء تونس» إلى قصر قرطاج بعد ضمانها رئاسة البرلمان عبر انتخاب محمد الناصر نائب رئيس حركة نداء تونس لهذا المنصب، والتوجه نحو تشكيل الحكومة من قبل نفس الحركة بعد حصولها على الأغلبية البرلمانية. وقبل فترة زمنية وجيزة من فتح أبواب مراكز الاقتراع، بقي عدد كبير من التونسيين لم يحسم أمره، وغالبا ما تسمع في المقاهي والفضاءات العامة «لا الباجي ولا المرزوقي»، في إشارة إلى إمكانية المقاطعة أو التصويت بورقة بيضاء.
وكانت تونس شهدت في 2013 أزمة سياسية حادة إثر اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهما قياديان في «الجبهة الشعبية» (ائتلاف أحزاب يسارية)، وقتل عشرات من عناصر الجيش والشرطة في هجمات نسبتها السلطات إلى إسلاميين متطرفين. ولإخراج البلاد من الأزمة السياسية، اضطرت حركة النهضة إلى التخلي عن السلطة مطلع 2014 لحكومة غير حزبية تقود تونس حتى إجراء الانتخابات العامة. وتبنى متشددون انضموا إلى تنظيم داعش، في شريط فيديو نشر على الإنترنت مساء الأربعاء، عمليتي اغتيال بلعيد والبراهمي مهددين بتنفيذ اغتيالات أخرى. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها تبني اغتيال المعارضين. وأكدت وزارة الداخلية التونسية أن أحد الذين ظهروا في الشريط ويدعى «أبو مقاتل» واسمه الحقيقي أبو بكر الحكيم، تونسي فرنسي مطلوب لدى السلطات التونسية بتهمة الضلوع في اغتيال بلعيد والبراهمي. واعتبرت الحكومة التونسية في بيان أن «هذه تهديدات لن تثني الناخب التونسي عن الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع»، مؤكدة أنها اتخذت كل «الاستعدادات الماديّة واللوجيستية لتأمين الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.