تعطلت الثلاجة بشقة يونغور جالاه الصغيرة الأسبوع الماضي، ولم يمر وقت طويل قبل أن تتصاعد رائحة الطعام المتعفن على نحو لا يطاق. ومع ذلك، عندما اتصلت بمكتب الخدمات داخل المجمع السكني الذي تقطنه، أخبرها المسؤول أن فني الإصلاح لن يأتي قبل الاثنين.
ويوافق الاثنين هذا اليوم الأخير لفترة الحجر الصحي الممتدة لـ21 يوما الذي فرضته جالاه على نفسها وزوجها وأطفالها الأربعة منذ يوم دخول صديق والدتها، توماس إريك دنكان المستشفى لإصابته بالإيبولا. ونظرا لوجود والدتها بالعمل، كانت جالاه، وعمرها 35 عاما، آخر من تولى رعاية دنكان وأعدت له قدحا من الشاي وناولته جهاز مقياس الحرارة - لكن من دون أن تمسه، حسبما أكدت - قبل استدعاء عربة إسعاف لنقله.
حث مدير المجمع السكني جالاه على نقل طعامها لشقة أخرى مجاورة منذ أن رحل عنها مستأجر بعد علمه بما حدث مع جالاه. وعندما بعث صاحب البناية بفني الصيانة للحصول على المفتاح، جاء الرجل مرتديا زوجين من القفازات المطاطية.
ومع تفشي الخوف من إيبولا من تكساس إلى أوهايو وما وراءها، فاقت أعداد الأفراد الذين حبسوا أنفسهم وفرض عليهم الحجر الصحي - البعض بأوامر حكومية، وآخرون طواعية - وأعلنت الولايات المتحدة أمس أن نحو 120 شخصا يراقبون حاليا خشية من إصابتهم بالفيروس. وعدد كبير منهم عاشوا مع - وتولوا - رعاية دنكان قبل وفاته في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وكان من شأن اكتشاف إصابة ممرضتين بمستشفى تكساس التابعة للكنيسة المشيخية بالفيروس أثناء علاجهما لدنكان إثارة موجة واسعة من الخوف بين صفوف العاملين بالحقل الطبي وفئات أخرى.
من جهتهم، أعلن مسؤولون في تكساس، أن قرابة 100 عامل بمجال الرعاية الصحية سيطلب منهم التوقيع على تعهدات بعدم استقلال مواصلات عامة أو ارتياد أماكن عامة أو محلات أو مطاعم لمدة 21 يوما، وهي فترة الحضانة القصوى لفيروس إيبولا. ورغم أن هذا التعهد ليس إجباريا، فإن به ملحوظة تحذر المنتهكين بأنهم «قد يتعرضون» لحجر طبي مفروض بقوة الدولة.
وعندما كشف المسؤولون أن إحدى الممرضتين المصابتين سافرت جوا من دالاس إلى كليفلاند ثم عادت قبل دخولها المستشفى للعلاج، واجه قرابة 300 ممن سافروا معها ومن أفراد طاقم الطائرة مسألة فرض الحجر الطبي على أنفسهم. وفي اليوم التالي، تم حبس فني بأحد المعامل بدأ رحلة بحرية في الكاريبي رغم تعرضه لمخاطرة الإصابة بالفيروس، داخل كابينة بالسفينة. أيضا، يلتزم العاملون بالحقل الطبي والتبشيريون والصحافيون العائدون من غرب أفريقيا - خاصة غينيا وليبيريا وسيراليون حيث تفشى وباء الإيبولا - منازلهم لدى العودة.
من جهته، قال هوارد ماركيل، الذي يتولى تدريس تاريخ الطب بجامعة ميتشغان، إن أنظمة الحجر الصحي تثير في الأذهان ذكريات بعيدة تتعلق بفترات تفشي أوبئة الكوليرا والتيفود.
وأضاف: «إن إيبولا يعيدنا للقرن الـ19. إنه وباء رهيب، ومثير للعزلة والخوف. إنه يفرض عليك عدم التواصل مع البشر الآخرين، حيث يتملكك الخوف من قنبلة زمنية ميكروبيولوجية قد تنفجر أي لحظة بداخلك».
ورغم أن الحجر الصحي مصمم لحماية أولئك الموجودين بالخارج، فإنه يؤجج مخاوف المجتمع المحيط، بل وقسوته أحيانا.
في بيسون بأريزونا، تفاقمت مشاعر الخوف المرضي بعد انتشار أنباء عودة أحد التبشيريين كان قد توجه إلى ليبيريا في رحلة تابعة للكنيسة، وكان يقضي 3 أسابيع تحت حجر صحي اختياري مع زوجته وأطفاله الأربعة. وعلق التبشيري، ويدعى ألن مان، تحذيرا على لافتة صفراء وعلامة تحمل عبارة «ممنوع العبور» أمام الباب الأمامي لمنزله، وترك دلوا في فناء المنزل كي يضع به الجيران طعاما لأطفاله.
رغم أن غالبية الجيران تفهموا حقيقة أن احتمالات حمل مان (41 عاما)، للفيروس ضئيلة للغاية، انتشرت الشائعات حول المدينة بأن التحليلات أثبتت إصابته بإيبولا وسيتم إجلاؤه طبيا قريبا. وأشار مان إلى أن معلقا مجهولا على أحد المواقع الإخبارية المحلية اقترح حرق منزله.
وقال: «ما زال لدى البعض ذهنية الغوغاء الدموية».
من ناحية أخرى، ومثلما الحال مع الجوانب الأخرى للاستجابة لإيبولا، بدت معايير التوصية بفرض حجر طبي عشوائية وفي تبدل مستمر.
في دالاس، كان أربعة أشخاص تشاركوا مع دنكان في الغرفة ذاتها لدى زيارته القصيرة بعد عودته من ليبيريا هم الأشخاص الوحيدون الذين فرضت عليهم الولاية الحجر الطبي. ونظرا لتلوث شقتهم، تم نقلهم إلى مسكن تطوع بتوفيره أحد السكان المحليين.
وكان الوضع مؤلما بصورة خاصة للويز ترو (54 عاما) التي اضطرت للحزن على وفاة صديقها دنكان في معزل عن الناس. وعندما وصل القس جورج ميسون ليخبرها نبأ وفاة دنكان، انهارت على الأرض في حالة بكاء. ومع ذلك، لم يستطع التخفيف عنها بالربت على كتفيها. وخلال زياراته المنتظمة لمنزلها، يحرص على البقاء بعيدا عنها بمسافة 3 أقدام تقريبا.
وأوضح ميسون أنه من غير الواضح بعد أين ستعيش ترو ونجلها تيموثي (13 عاما)، بعد رفع الحجر الطبي. وأوضح القاضي كلاي جنكينز، المسؤول الأول عن مقاطعة دالاس، أن هناك صعوبة في العثور على صاحب بناية على استعداد لتأجير شقة لها.
وأشار ميسون إلى أن ترو تحاول الترويح عن نفسها من خلال طهي أطعمة ليبيرية والحديث مع الأقارب عبر الهاتف، بينما يقتل تيموثي والشابان الآخران بالمنزل، أوليفر سمولوود وجيفري كول، الوقت بمشاهدة أفلام الحركة.
وقال ميسون: «جميعهم يريدون الخروج. إنهم يرغبون في نيل حريتهم وأن يلمسوا الآخرين ويشعروا أنهم بشر، لكنهم يخشون من أنهم قد لا يتمكنون من العودة كبشر عاديين مجددا. عندما سألتهم إذا ما كانوا سمعوا بنبأ إصابة ممرضة ثانية، نظر إلي أوليفر متسائلا: هل سيلوموننا على ذلك؟».
في اليوم التالي لتشخيص حالة دنكان، صدرت تعليمات شفهية لجالاه وأسرتها بالتزام المنزل. وذكرت أن صديقها، آرون ياه، الذي لم يتصل بدنكان، حصل على تصريح من المقاطعة ومسؤولي الرعاية الصحية الفيدراليين بمغادرة المنزل بعد 4 أيام.
وبعد أسبوع، أخبر مسؤولون جالاه، التي لم تظهر عليها أية أعراض، أن بإمكانها القيام بجولات من حين لآخر للمحلات، لكن مع تجنب استقلال المواصلات العامة. إلا أن جالاه لم تغادر منزلها إلا قليلا، بسبب التزامها الشخصي بالحجر الطبي والنفور الذي تعاينه في وجوه الآخرين أينما تذهب.
وقالت: «حتى عندما أذهب للمتجر وأقابل أصدقاء ليبيريين، فإنهم ينفرون مني. إنهم يعتقدون أننا نحمل فيروس إيبولا، ويظنون أنه بمجرد حديثهم إلينا ولو فقط لإلقاء التحية، فإن الفيروس سيصيبهم». وصمتت برهة ثم استطردت: «لا أحد يرغب في الموت».
واجهت جالاه أيضا مسؤولية رعاية أطفالها، الذين تتراوح أعمارهم بين 2 و11، والذين تغيبوا عن مدارسهم. وما تزال هي وآرون ياه غير مرحب بعودتهما لعملهما كمساعدي تمريض. يوم الجمعة، اصطحبت أطفالها للقيام بغسل الملابس للمرة الأولى منذ 3 أسابيع، وعادت حاملة كيس قمامة أسود ضخما مليئا بالملابس النظيفة.
وعن حياتها داخل المنزل، قالت جالاه: «ليس لدي ما أفعله سوى الجلوس هنا مع هؤلاء الأطفال الذين لا يكفون عن العراك مع بعضهم البعض».
* خدمة «نيويورك تايمز»
الحياة في الحجر الصحي: 21 يوما من الخوف والكراهية
معايير عشوائية تفرض عزلة أكثر من مائة أميركية وتثير تساؤلات عن الانتشار
الحياة في الحجر الصحي: 21 يوما من الخوف والكراهية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة