كشف الرئيس السوداني في حوار جريء مع «الشرق الأوسط»، عن زوال حالة الفتور التي اعترت علاقة بلاده مع السعودية أخيرا، بفضل الاتصالات المستمرة مع قيادة المملكة، وتصحيح المعلومات المغلوطة التي كانت تردهم من خلال جهات ذات غرض على حد تعبيره.
وقال الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط»: «شرحنا رؤيتنا وحقيقة علاقتنا مع طهران، بأن كل المعلومات التي كانت ترد للقيادة السعودية في هذا الإطار كانت مغلوطة ومصطنعة ومهوّلة ومضخمة، فانهارت بإصدار القرار الأخير بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية والذي اتخذناه كخطوة استراتيجية وليس تمويها على الخليجيين».
وأضاف البشير: «الأمة العربية، في حاجة ماسة لجمع الصف لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، ولا بد لتحقيق ذلك بأن نتناسى خلافاتنا مهما بلغت من الحدة، فنحن الآن نبقى أو لا نبقى. وما حصل في العراق يمكن أن يحدث في أي منطقة أخرى من العالم العربي».
وأكد الرئيس السوداني أن أجندة لقائه مع الرئيس المصري، تتضمن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، فضلا عن دفع الاتفاقيات الثنائية التي أبرمت، ومنها اتفاقية الحريات الأربع، مبينا أنها كفيلة بإذابة الحدود بين البلدين، مشيرا إلى أن العلاقة مصيرية ولا بد من تعزيزها وإعادة الدور المشترك على كافة المستويات.
وفيما يتعلق بالوثيقة التي جرى تداولها مؤخرا، ونشرها الباحث الأميركي المتخصص بالشأن السوداني إيريك ريفز حول اجتماع للقيادات العسكرية والسياسية والأمنية بالخرطوم، بأنه يهدف لتعزيز استراتيجيتها مع إيران والتمويه على الخليجيين بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية، أكد البشير أنها سلسلة من التلفيقات التي دأبت عليها بعض الجهات ذات الأجندة لتعكير صفو العلاقة مع الخليج وضرب السودان في مقتل سياسيا واقتصاديا:
وفيما يلي تفاصيل الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط»، مع الرئيس السوداني عمر البشير في المدينة المنورة والتي زارها مؤخرا، ضمن برنامج خاص لأداء شعيرة الحج لهذا العام:
* كثر الحديث عن توتر العلاقة بين السودان والسعودية.. ما حقيقة ذلك، وما أهمية هذه العلاقة والمساعي التي تجري لتعزيزها، وماذا كان نصيب هذه الزيارة منها؟
- قطعا، العلاقات السودانية - السعودية راسخة ومتجذرة بعمق التاريخ على جميع المستويات، ويلاحظ ذلك أي مقيم أو مواطن في السعودية؛ الخصوصية والتقدير اللذان يجدهما المقيم السوداني في المملكة على المستويين الرسمي والشعبي، وهي معاملة متميزة جدا، لأنها مبنية على تواصل قديم يحركه المصير المشترك، نعم، نقول إن علاقتنا مع السعودية مرت بفترة فتور، وليست فترة توتر، لأنه لا يوجد فيما يجري بين البلدين ما من شأنه أن يوتر العلاقات، وحتى الفتور نفسه ما كان ليحصل لولا تسرّب كمّ كبير من المعلومات المغلوطة التي تُنقل عن أوضاع في السودان، وعن علاقات السودان الخارجية، خاصة علاقتنا مع إيران، إذ شابتها المزايدات والتضخيم والتهويل، ولكن بحكم اتصالاتنا المستمرة والقائمة حتى الآن مع القيادة السعودية، التي لم نشأ أن نوقفها حتى هذه اللحظة، حيث شرحنا فيها مواقفنا الثابتة، بما فيها حرصنا الشديد على تعزيز علاقتنا مع المملكة وأمنها، لأن أمنها من أمن الحرمين الشريفين، وبالطبع هذه مقدسات نقدمها حتى على أخص خصوصيات السودان، والحمد لله، استطعنا، من خلال اتصالاتنا المستمرة، أن نتجاوز الماضي، وما يدل على ذلك حجم الترحيب والتقدير الذي وجدناه من القيادة السعودية في هذه الزيارة التي أدينا فيها شعيرة الحج، حيث كان لقاؤنا مع الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع حميميا جدا جدا، وعبّر عن مدى عمق علاقاتنا الثنائية.
* في هذا الإطار، هل كان هناك حديث مع القيادة السعودية لشرح حقيقة مثل هذه الأمور؟
- بالطبع، شرحنا رؤيتنا، حيث بدأت تتضح الرؤية الفعلية لحقيقة علاقتنا مع طهران، حيث إن كل المعلومات التي كانت ترد للقيادة السعودية في هذا الإطار كانت مغلوطة ومصطنعة ومهوَّلة ومضخَّمة، انهارت بإصدار القرار الأخير بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية، الذي اتخذناه خطوة استراتيجية، وليس تمويها على الخليجيين، ولا عربونا لكسب ثقة، أو نوعا من هذا الحديث غير المسؤول، ولذلك وجدنا ترحيبا كبيرا من كل دول الخليج، بما فيها السعودية، تماما كما وجدت ترحيبا في الداخل، وجدت ترحيبا في الخارج من المنزعجين من معلومات مزيفة ومضللة، فإذا كان هناك شيعة في العراق وفي لبنان وفي اليمن وفي سوريا وغيرها، لا يمكن أن نسمح بأن يكون لهم وجود في السودان، لندخل دوامة جديدة من الصراع، الذي فيه ما يكفيه من المشاكل، وتبقى الحكاية أكثر من مزعجة بكل المقاييس.
* عفوا، ولكن البعض يعتقد أن الحكومة تتبع التقية السياسية في علاقاتها مع إيران ودول الخليج العربية؛ فهي من جهة تتمسك بعلاقاتها التي تعدها استراتيجية وغير قابلة للتغيير مع طهران، ومن جهة أخرى تريد أن تبدو أمام دول الخليج، وتحديدا أمام السعودية والإمارات، وكأنها تتخذ مواقف ضد إيران، كنوع من التمويه.. ما قولكم؟
- أولا ليس هناك أي علاقة استراتيجية مع إيران؛ فهي علاقة عادية جدا، وكما ذكرت، هناك غرض للتهويل تُضخ من أجله معلومات من جهات ذات أجندة، ويمكنني أن أعطيك مثالا بسيطا، ويمكن أن تذكر الضجة التي أثيرت حول أن هناك سفنا حربية دخلت مياه بورتسودان، والحقيقة المجردة أن هذه السفن جاءت قبل شهرين إلى البحر الأحمر، وطلبت الدخول إلى ميناء بورتسودان من وزارة الدفاع غير أنها لم ترد عليهم، ورأوا أن عدم الرد يعني الرفض، غير أن هذه السفن نفسها دخلت المياه والموانئ السعودية، لأن الأصل في هذه الموانئ أنها تقدم خدمات تزويد الوقود وملحقاته، ومع ذلك لم نسمع خبرا واحدا ذُكر عنها، وبدأ الإيرانيون يتحدثون لبعض الجهات حول أن السودانيين رفضوا أن يسمحوا لسفنهم بالدخول إلى بورتسودان، مجاملة للسعودية، في حين أن سفننا أدخلناها الموانئ السعودية التي يجاملونها، ولذلك في الرحلة الثانية للسفن الإيرانية سُمح لهم بالدخول إلى ميناء بورتسودان، ولكن أؤكد لك من خلال منبر جريدة «الشرق الأوسط» أن كل ذلك يدخل في إطار العلاقات العادية جدا جدا، علما بأنه يمكن أن تكون هذه الفرصة لسفن روسية أو سفن أميركية أو صينية أو إيرانية، لتدخل الميناء بغرض التزود بالخدمات المطلوبة فقط، التي يمكن أن تتلقاها في أي ميناء، بما في ذلك ميناء جدة، وهذا الصورة التي أنقلها لك توضح مدى التهويل والتضخيم في علاقاتنا مع إيران، ولكن دعني أسألك: ما مظاهر الاستراتيجية في علاقاتنا مع إيران؟ لا أعتقد أن هناك أي ملمح استراتيجي في هذه العلاقة، ودعني أعطك مثالا آخر، فبعد انفصال جنوب السودان مررنا بأزمة اقتصادية، بما يمكن وصفها بالصدمة الاقتصادية، وكثير من الدول وقفت إلى جانبنا، وساعدتنا، وفي مقدمتها المملكة، ولكن بالعزيمة والإصرار تجاوزنا هذه المرحلة بامتياز، دون أن نتلقى من إيران أي مساعدات، ولا فلسا واحدا، إذ كانت كلها وعودا لم تنفِّذ منها واحدا، ولذلك لا يوجد أي مظهر لعلاقة استراتيجية لنا مع إيران، ما عدا الذي سعت لرسمه بعض الجهات لشيء في نفس يعقوب، ووظفت له كثيرا من وسائل الإعلام، لتضخيمها وتزويدها بالمعلومات الخاطئة، وتركيز الضوء عليها، لتبدو وكأنها حقيقة ماثلة وهول وشر من أهوال الزمان لا بد للعالم أن يتصدى له، وخلاصة الأمر أن أي كلام عن علاقة استراتيجية لنا مع إيران، فهي محض افتراء ودعاية إعلامية رخيصة يسعى المغرضون من خلالها إلى تحقيق أهدافهم على حساب علاقتنا مع أشقائنا في الخليج وفي السعودية على وجه التحديد.
* يعتقد البعض أن إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان ما هي إلا ضجة أريد بها تضليل الدول التي عبرت عن قلقها من التحالف السوداني - الإيراني، وفي الوقت ذاته احتواء غضب داخلي وخارجي، مما وُصف بانتشار ظاهرة التشيع في السودان، في حين ذهب البعض إلى أن الوضع الاقتصادي المتأزم دفع الحكومة لاتخاذ هذه الخطوة، لكسب ثقة خليجية لمعالجتها، وبسبب الوضع الاقتصادي فقط، وليس توجها استراتيجيا.. ما رأيكم؟
- نحن أولا أهل سنّة ولسنا شيعة، ونعمل على تعزيز المذهب السني، وهو أصلا راسخ في المجتمع السوداني، ولا تحتاج منّا إلى أي جهد، ولا يمكن أن تكون هناك علاقة استراتيجية مع إيران، ونحن والجميع يعلم أن هناك توترا متأججا دوما بين السنّة والشيعة، يمكنك من خلال أجهزة الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي أن تلاحظ أنه بدأ الحديث عن الشيعة في السودان، ولكن دعني أقل لك إنه لدينا من المشاكل ما يكفينا، سواء جهوية أو قبلية، ولذلك لسنا مستعدين لخلق مشكلة نحن في غنى عنها، والحقيقة أننا ضد التشيع تماما، ليس هذا فقط، وإنما نحن منزعجون جدا حتى من التشيّع الذي ينتشر في أفريقيا ببرنامج واضح جدا دخلت فيه دول أفريقية ومنظمات كنسية وأخرى يهودية، لأن المسلمين في عدد من الدول الأفريقية يشكّلون نسبة كبيرة جدا، ولكن للأسف فإن هؤلاء المسلمين على كثرتهم كانت حقوقهم مهضومة، وذلك بسبب الجهل وعدم توفر التعليم، وذلك لأن التعليم في فترة الاستعمار كان محصورا في الكنائس فقط، غير أن المسلمين بدأوا للتو يعون ويعرفون حقوقهم، فنحن نعتقد أن المؤامرة الآن هي قسمة المسلمين إلى سنّة وشيعة، وهي قسمة خطيرة جدا وتؤدي إلى إضعاف المسلمين، وهي من المسائل التي نوليها اهتماما كبيرا، ونبذل فيها جهدا كبيرة مع نظرائنا في المملكة، لمقاومة التشيع في أفريقيا، ونسعى حاليا لتنفيذ استراتيجية مشتركة للعمل لمكافحة ووقف نزيف وانتشار التشيع في هذه القارة، ولذلك عندما سمعنا أنهم بدأوا يتحدثون عن التشيع في السودان، وتخرج تقارير بأن عدد الشيعة بلغ 12 ألف شيعي، كان لا بد لنا من التصدي لذلك وعدم السكوت على هذا الخطر، فإن كان لإيران مركز ثقافي في الخرطوم، وبالمثل أيضا كان لدينا مركز ثقافي في الظهران، ولكن لم تكن مهمة أي منهما اللعب على وتر الشيعة والسنة، فلم تكن نيتنا تحويل شيعتهم إلى سنة، ولذلك لا نرضى أن يعملوا على تحويل سنّتنا إلى شيعة، رغم أن هناك 25 مليون سني في إيران لا يتمتعون بأي حقوق، وبالتالي طالما هناك هذا العدد الكبير من أهل السنة في إيران لا يتمتعون بحقوقهم؛ فكيف لنا أن نسمح لهم بالسعي لتشييع سنّتنا، وتمتعهم بحقوق لا يستحقونها، أؤكد لك أن لن نسمح لسرطان التشيع بأن ينمو في جسد السودان السنّي، ولا يستحقون منّا حمايتهم بحقوق لا يستحقونها، وللأسف، ما نشاهده الآن في بعض الدول من تأجيج للصراع بين الشيعة والسنّة كفيل بأن يلفت النظر ويجعل السعيد يتعظ بغيره، ولذلك كان ميلاد القرار بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في السودان أمرا استراتيجيا محتوما ومدعوما، وليس تمويها لكسب رخيص. هذه عقيدتنا، لا نساوم عليها أبدا، ولو بقطع الرقاب.
* عفوا للمقاطعة.. ولكن يعتقد البعض أن القرار جاء بعد أن وقع الفأس في الرأس..
- لا رأس ولا فأس.. أؤكد أن التشيع في السودان لم يكن بذلك الحجم الكبير والبعد المؤثر، ونحن قناعتنا أن الشعب السوداني، الذي هو سنّي حتى النخاع، بالعقل والعلم والفعل، لا يمكن أن يخضع لهذا المسعى الشيعي، مهما كان الوضع، وكانت الظروف، ولذلك عندما أغلقنا هذه المراكز الثقافية الإيرانية لم نسمع ضجة ورفضا لهذا القرار، ولو على مستوى أقل من ضيق، مما يدل على عدم وجود الشيعة بحجم يسمح برفض هذا القرار، لأنهم يعرفون أنه لا وجود لهم في مجتمع سني متجذر في حب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآل البيت وحب صحابته الكرام، الذين لا يقبل أي سوداني أن يصل إليهم سبّ من أي كان، ولذلك أطمئن الجميع، وهذه حقيقة محتومة، على أنه من المستحيلات نمو تيار شيعي يترعرع في السودان. لن يحدث هذا أبدا. أقولها بكل ثقة واطمئنان.
* هل يمكن أن يكون للسودان دور من خلالكم في رأب الصدع بمنطقة الخليج، وتحديدا في إصلاح ذات البين بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى؟
- قطعا، نحن حريصون أيما حرص، على جمع الصف الخليجي، لأنه اللبنة الأساسية في جمع الصف العربي، الذي يحتاج إلى جهد مقدر لجمع كلمته أمام التحديات الماثلة، ومنها صلف إسرائيل وتسلطها وتجبرها في فلسطين الجريحة، وبالتأكيد لدينا رغبة جامحة في تعزيز علاقتنا مع الخليج، لأنه في نهاية المطاف مصيرنا واحد؛ فنحن أمة واحدة تجمعنا روابط الدين والعروبة، ونحن حاليا نسعى لتعميق علاقتنا مع السعودية، وبالطبع لدينا علاقات مع الإمارات، حيث إنني كنت أعمل فيها على مدى 3 أعوام، ولي علاقات كثيرة جدا مع كثير من قياداتها، وعلاقتنا مع قطر معروفة، وكذلك علاقتنا مع الكويت ممتازة، وهكذا الأمر مع سلطنة عمان ومع البحرين، وبالتالي ليس لدينا إشكال مع أي من هذه الدول الشقيقة، وكل همنا أن نعمل جميعا على التصدي لخطر حقيقي يهدد المنطقة، وأمامنا ما يحدث الآن في العراق وتقسيمه إلى دولة كردية ودولة إسلامية وغيرها من الأسماء، وما يحدث في سوريا وما يحدث في لبنان وما يحدث الآن في اليمن، هذه كلها أحداث مزعجة جدا، وأنا أقول: لا يمكن أن يكون كل ذلك مجرد صدفة، وهناك أجزاء كثيرة من المنطقة العربية تتعرض إلى قتل وتدمير وتشريد، وهذا يحتم علينا جميعنا أن نسعى لتوحيد الصف والكلمة، ونحن نشدد على ضرورة الجلوس إلى بعض لمناقشة كيفية الخروج من هذا المنعطف الذي تمرّ به أمتنا العربية والإسلامية، ونحن في حاجة ماسة لرؤية استراتيجية، ويستوجب الأمر ألا ننظر إلى سوريا وننتظر حسم المعركة، وكانت هذه رؤيتنا منذ اندلاع القتال فيها، ولا نؤيد حسمها عسكريا وقتها، لأنه لو كان ذلك لصالح المعارضة أو صالح بشار يومها، فلن يكون هناك ما يُسمى بسوريا، وهذا كان موقفنا نفسه في العراق، مهما كان موقفنا من رئيسها في ذلك الوقت، وقد سعينا لإصلاح ذات البين في العراق، بحكم توافر علاقات طيبة لنا مع مختلف الأطياف السياسية هناك، بما في ذلك السنة والشيعة والأكراد في الشمال، وكانت محاولتنا أن نجمع شملهم، ولكن كانت الاستجابة ضعيفة، لأن الظرف ملتهب، وهنا لا بد التذكير بأن ندع الحرب على «داعش» يحجب دخانها أبصارنا عن الذي يفعله الحوثيون في اليمن، فهناك التوتر على أشده، واليمن في وضع خطير، لأنه يجمع أشتاتا من القبائل المسلحة، وهناك جنوب يبحث الانفصال عن الشمال، وبالتالي بكل المقاييس فإننا في حاجة ماسة لجمع صفنا لمواجهة كل تلك التحديات، ولا بد لتحقيق ذلك أن نتناسى خلافاتنا، مهما بلغت من الحدة. نحن الآن إما أن نبقى أو لا نبقى، وما حصل في العراق يمكن أن يحدث في أي منطقة أخرى من العالم العربي.
* جرى أخيرا الحديث حول زيارة تعتزمون القيام بها إلى مصر.. ما أجندة لقائكم المزمع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟ وكيف تنظر إلى العلاقة مع مصر والمساعي المقبلة لتعزيزها؟
- لا بد من أن نؤكد أن هناك علاقات ثنائية معمقة، وهذه لا تعاني من أي نوع من الإشكالات، حيث ترجمت عمليا إلى عدد من الإنجازات، منها تنفيذ الطرق البرية الرابطة بين البلدين، وهي طرق مفتوحة، وهناك تجارة مفتوحة وحركة كثيفة من المواطنين، ولدينا اتفاقية موقعة، غير أنها معطلة من جانب الإخوة في مصر، وهي اتفاقية الحريات الـ4، وهي كفيلة بأن تلغي الحدود بين البلدين حال تنفيذها، لأن المواطن المصري له حق الإقامة والعمل والتنقل والتملّك، والحقوق نفسها يتمتع بها المواطن السوداني في مصر، ما عدا الحق السياسي فقط، لأنه يرتبط بالجنسية، وذلك إذا جرى تنشيط هذه الاتفاقية، فمن المؤكد أنها ستساعدنا في إزالة جميع العوائق التي تعطل التواصل وحركة المواطنين بين البلدين، وهذا نسعى له في النهاية من أجل إلغاء الحدود بشكل عملي، حيث لدينا حاليا 3 طرق إسفلت تربطنا بمصر، وهي طريق شرق النيل، الذي جرى افتتاحه أخيرا، وطريق غرب النيل الذي يجري العمل على نهاية مرحلته النهائية وعلى وشك افتتاحه، بالإضافة إلى الطريق الساحلي وهو طريق مكتمل، فقط تكمن مشكلته في الحدود؛ هل هي في «شلاتين» أم في «خط 22»، وهي المعضلة الوحيدة التي تحتاج إلى تفاهم حولها، ولكن حركة التجارة والتنقل نشطة، ويمكن أن نقول إن العلاقة بين البلدين على جميع الأوجه تسير في اتجاهها الصحيح.
* وهل سيتطرق لقاؤكم مع الرئيس المصري إلى اتفاقية مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي، وبرأيكم، لماذا تعقد التفاهم حوله؟
- فيما يتعلق باتفاقية مياه النيل، هناك اتفاقية 1959، وهي اتفاقية متماسكة تماما، لا يوجد فيها أي إشكال. بعد ذلك تأتي العلاقات الإقليمية فيما يتعلق بشركاتنا الثنائية، مثل مشروع سد النهضة الإثيوبي، الذي (بكل أسف) في حلبة الصراع السياسي في مصر منذ أيام الرئيس السابق محمد مرسي، وأصبح موضع مزايدات سياسية، ولذلك أستطيع أن أقول إن التعامل مع هذا الملف في تلك الفترة لم يكن موضوعيا، حيث إنني أذكر في لقاء مفتوح وعلى الهواء مباشرة مع الرئيس مرسي بدأ الحديث لبعض المصريين عن ضرب السد الإثيوبي، ودعم المعارضة في إثيوبيا لتفتيت بلادهم، فكان كلاما غير موفق، بل مستفز لمشاعر الإثيوبيين، ولذلك هذا الكلام انعكس إيجابا على إثيوبيا، لأنه انتهى إلى توحيد صفهم وكلمتهم والتفاهم حول قيادتهم، متناسين كل الفروق والخصومات، إذ لأول مرة يتوحّد الشعب الإثيوبي حول حكومته بعد تلك التصريحات المتعجّلة، إذ إن المعروف أن شعب إثيوبيا يتكون من عدة أعراق، تشتمل على التقراي والأمهراء وغيرهما من المكونات، وكل منها لا ترضى بأن تحكمها الأخرى، ولذلك فإن تلك التصريحات المصرية وحّدت هذه المكونات، وجعلتها على قلب رجل واحد، وتؤيد بصوت واحد وقوي موقف حكومتها تجاه سد النهضة بشكل لم يحظَ به أي منجز لأي حكومة أخرى، وأصبحت هناك تعزيزات ومشاركات مادية من كل أفراد الشعب الإثيوبي، بدءا من أفقر مزارع وعامل، إلى من كان أكثرهم ثراء، حيث دفع كل منهم مساهمته لإنجاز هذا السد، أما الآن، وقد أصبح حلم الإثيوبيين ماثلا أمامهم، كان لا بد لإخوتنا في مصر من الوقوف على حيثيات هذا السد من حيث الإيجابيات والسلبيات، باعتبار أننا شركاء في مياه هذا النيل، وبالطبع كان لدينا نخبة من الخبراء الفننين من أصحاب التجارب العريقة والطويلة في مجال السدود بقدرات عالية جدا، فأول ما ظهر هذا السد كفكرة، أخذت هذه النخبة تدرس الأمر، وتتفحصه، وتشخصه جيدا من كل جوانبه، فحددوا إيجابيات وسلبيات هذا السد، وأنا ألخص هذا الأمر على أنه أهمية سد النهضة بالنسبة للسودانيين بمستوى أهمية السد العالي بالنسبة للمصريين، لأنه يخزن كل المياه في فترة الفيضان، وبعد ذلك يمررها عبر الخزان طوال أيام العام، وطبعا هناك آثار سلبية بسبب الطمي، حيث إنه من مشاكلنا في منشآتنا في السدود والخزانات، ومع أنه يمكن إيقافه، فإنه قد يقف بصورة كاملة، في حين أننا نحتاج إليه أيضا لتخصيب الأرض، كذلك هناك جوانب سلبية وإيجابية؛ فالمناطق التي كانت تُروى بالنظام الفيضي لن تُروى، ولكن يمكن تحويلها إلى نظام ري دائم، ووقتها يكون العائد من الأرض أكبر من الزراعة الموسمية، وحقيقة لدينا مشكلة في كل مشروعاتنا النيلية، في فترة الحراثة، إذ إن مجرى النيل ينخفض، وبالتالي كثير من المشروعات التي تُروى بنظام الطلمبات تعاني من بعدها من محطات المياه، ولكن هذا سيعالَج بطريقة نهائية طالما سيكون هناك مياه على مدار العام، أما فيما يتعلق بخزاناتنا، فإننا نخزن مياه الفيضان في موسمه، ونصرفها على مدار العام، لأنه سيكون هناك تعويض لها مستمر، وذلك لأن بحيرات هذه الخزانات، سواء أكانت في الرصيرص أو في سنار أو مروي، تزاول خدمتها على مدار العام، وبالتالي نحصل على مياه كافية وطاقة توليد كهربائي جيدة، علما بأنه في شهر أبريل (نيسان) ينخفض توليد طاقة الكهرباء في الرصيرص بنسبة من 50 إلى 15 في المائة، ولذلك عندما يحين وقت الفيضان نضطر لفتح كل البوابات، وبالتالي التوليد الكهربائي ينخفض، فالأزمة الكهربائية في الفترة الأخيرة بسبب انخفض التوليد المائي للكهرباء، لأنه يشكل نسبة عالية جدا من التوليد الكهربائي في السودان، ولذلك كل ذلك تجري معالجته، أما بالنسبة لإخوتنا في مصر، فإنهم يعتقدون أن الإيجابي أن السد العالي كان يعاني من تراكم الطمي، ويفقد سنويا نسبة عالية من طاقته التخزينية بسببها، بدليل أننا الآن في منطقة حلفا وجنوبها بالسودان ظهرت لدينا دلتا كبيرة جدا، وشكلت أرضا خصبة، نتيجة للترسيب، وهذا كله على حساب حجم المياه المخزنة في السد العالي، وهنا أقول إن المزايدات السياسية غير الموضوعية في عهد مرسي هي التي كانت خلف تبلور الرؤية الشعبية للإثيوبيين، لأنها عبأتهم بحجة أن السد يحجز مياه النيل، والحقيقة غير ذلك أن السد لن يستطيع حجز المياه، لأنه في حالة حجز الإثيوبيون المياه هذا العام، فأين سيحجزونها في العام المقبل؟ ونحن في لقائنا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في زيارته الأخيرة للخرطوم، قلنا له إن هناك ثلاثة أشياء تهمنا في أمر سد النهضة؛ أولها سلامة السد وهذا يهمنا جدا، وقطعا يهم الإثيوبيين في الوقت نفسه، ثانيا البرنامج المتعلق بملء البحيرة، بحيث لا يؤثر في منشآتنا في مجال الري ولا في خزاناتنا، ثانيا برنامج تشغيل السد، لأجل أن نبني عليه نحن أيضا تشغيل الخزانات، فالإثيوبيون موافقون، وهناك لجنة دولية مشكَّلة من كل من مصر والسودان وإثيوبيا، بجانب خبراء دوليين لدراسة هذه الجوانب، ولذا أعتقد أنه حتى في قضايانا الإقليمية المشتركة، نحن حريصون على بناء ثقة متبادلة، فمصر كانت في يوم من الأيام تُعد الدولة رقم واحد في أفريقيا، بدليل أن هناك 34 دولة أفريقية قطعت علاقاتها مع إسرائيل بسبب تضامنها مع مصر، فالآن مصر معزولة، لأنه بعد اتفاقية كامب ديفيد غابت مصر من الساحة الإقليمية الأفريقية، فنحن حريصون على عودتها للساحة الأفريقية من جديد، لأن أفريقيا نفسها برز نجمها حاليا، وأصبحت قراراتها مهمة، أما بقية القضايا العربية معروفة، ويمكن أن تلعب العلاقات المصرية - السودانية المشتركة دورا مهما في صناعة وضع مستقر لدول الجوار، فمثلا يهمنا جدا استقرار ليبيا، ولا بد من المضي قدما تجاه الحل السياسي السلمي في أفريقيا، بعيدا عن الحسم العسكري، لأن الأخير مكلف جدا، إذ إن جزءا كبيرا من ليبيا خارج عن قبضة الحكومة. الأمر الذي يحتم مضاعفة الجهد لجمع شمل السلطة في مظلة واحدة لتوحيد البلاد، فالحكومة القائمة الآن تفتقر لطرابلس، ولذلك لدينا قضايا مصرية - سودانية مشتركة، من بينها قضايا إقليمية تهمنا معا، سأبحثها في القاهرة.
* ولكن إلى أين تذهب العلاقة بين البلدين في ظل التنازع على مثلث حلايب الذي أصبح العقبة الكؤود أمام الوصول بالعلاقات إلى التكامل الحقيقي الذي تدعو له حكومتا البلدين على مرّ الحقب؟ وهل نتوقع اختراقا في هذا الملف؟
- ننظر دوما إلى أن العلاقة مع مصر من أهم علاقات السودان الخارجية، نسبة للارتباطات الكثيرة والعميقة بين البلدين، أما فيما يتعلق بالنزاع القديم المتجدد، عندما بدأ في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، فهو أول من حاول ضم حلايب إلى مصر، وقتها كان في عهد حكومة عبد الله خليل، فكان رد الفعل أن الحكومة السودانية وقتها أرسلت قوات شمال القوات المصرية، مما يعني الاستعداد للصدام وقتها، حيث إن الرئيس عبد الله خليل نفسه مشي وعسكر هناك، فكان الرئيس جمال عبد الناصر رجلا عاقلا ولذلك سحب قواته، وفي ذات الوقت السودان قدم شكوى بموجبها إلى مجلس الأمن والشكوى موجودة حتى الآن، حيث إنها تجدد سنويا غير أنها لم تنشّط، ومعروف تاريخيا أن الحدود بين السودان ومصر قبل اجتياح محمد علي باشا للسودان كانت حدود الأخير والتي تتمثل في الدولة السنّارية تبلغ جنوب أسوان، بمعنى أن مدينة أسوان نفسها خارج الحدود، ولو لاحظت للوقف السنّاري الموجود الآن في المملكة، وتحديدا في المدينة المنورة ستجد خريطة توضح حدود السودان الشمالية، وبعد أن جاء محمد علي باشا وضم السودان إلى مصر إذ لم يكن يعد السودان مستعمرة وعمل الحدود حتى أوغندا، ولكن بعد أن جاء الحكم الثنائي عد السودان جزءا من أملاك الخديو، باعتبار أن الإنجليز جاءوا مشاركين المصريين في حكم السودان، ولذلك كانت الحدود بين البلدين يرسمها دائما وزير الداخلية في مصر منفردا، وتغيرت الحدود أكثر من مرة في فترة الحكم الثنائي، ولكن الشاهد أن الحدود منطقة حلايب كانت على خط 22 تغيرت في منطقة الشرقية منها والتي سميت «بير الطويل» في منطقة النيل، وفي النيل الذي يتخذ نتوءا «عرقين»، وحجتنا أن هذه هي حدود السودان لأنه عندما جاء طرح النوبيين بعد أن غرقت بحيرة السد العالي المنطقة، فالسكان القاطنون في هذا النتوء هجّروا إلى داخل السودان، وفي عام 1953 جرت أول انتخابات للحكم الذاتي وقتها كانت حلايب دائرة انتخابية في ظل الحكم الثنائي، ولذلك فالحجة واضحة ولذلك فهي قوية، ولكن لماذا جاء التغيير في هذه المنطقة؟ جاء بغرض ضم قبائل العبابدة إلى مصر والبشاريين إلى السودان باعتبار أن رئاسة العبابدة في مصر ورئاسة البشاريين في داخل السودان في نهر عطبرة، ولذلك فإن المصريين يقولون حدودهم عند خط 22 ولكن نحن نتحدث عن الحدود بشكلها المعروف به في الأطلس في كل أنحاء العالم، حيث حين تأتي مثلا على منطقة «بئر الطويل» لماذا أصبحت منطقة لا تتبع أحدا، نحن نقول إن منطقة «بئر الطويل» تتبع لمصر لأنها جنوب الخط 22 والمصريون يتحدثون عن أن حدودهم على الخط 22 ولذلك يقولون إن منطقة «بئر الطويل» تتبع للسودان، ولذلك فنحن لنا الحجة في ذلك غير أننا لن نحارب مصر في هذه الحدود وسنحاول حلّها بالتحاور والتفاوض مع إخوتنا المصريين وفي حالة العجز التام فلن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى التحكيم وإلى الأمم المتحدة، ونحن لنا أمل بأن نصل إلى نهاية سعيدة بالتفاهم والتحاور والتفاوض المتعقّل، ولن ندخل في حرب مع الشقيقة مصر في هذه الحدود لأن ما بين البلدين والشعبين الشقيقين أكثر من تداخل، فهما كفيلان بأن يتجاوزا مشكلة الحدود.
* كان هناك لقاء مرتقب لرئيس جنوب السودان مع في الخرطوم، ولكنه لم يتحقق بعد.. ما السبب؟ وهل نتوقع لقاء جانبيا مع سلفا كير في القاهرة؟ وفي حالة اللقاء هل نتوقع حسما لملفات الوضع بين السودان وجنوب السودان، وخاصة أن هناك اتهامات متبادلة على ضوء دعمها لحركة العدل والمساواة التي تقاتل إلى جانبها ضد خصيمها رياك مشار، فضلا عن دعمها لقطاع الشمال للحركة الشعبية الذي يقاتل في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان؟
- نعم.. هناك لقاء مرتقب مع الرئيس سلفا كير في الخرطوم وليس في القاهرة التي يتزامن فيها لقاء كلينا مع الرئيس عبد الفتاح السيسي فلن نلتقي هناك، ولكن سيكون اللقاء به قريبا في الخرطوم، وتأجل بسبب العملية الجراحية التي أجريتها أخيرا، وفي ما يتعلق الملفات المعلقة بيننا، أقول هناك 8 اتفاقيات تعاون موقعة بيننا وبين حكومة جنوب السودان، وجهدنا إقناع إخوتنا الجنوبيين أن مصلحتهم في تنفيذ تلك الاتفاقيات وأي تعطيل فيها يعني توتر في علاقات البلدين، فهناك مصالح مشتركة ومصالح الجنوب معنا أكبر من أي مصلحة له مع أي دولة أخرى، وقطعا لدينا مصالح في الجنوب أكثر من أي مصالح مع أي دولة أخرى، ما يعني أن التداخل بين البلدين والعلاقات الشعبية والاقتصادية والتجارية ضخمة جدا ومرتبطة بعضها، ولذلك ليس هناك معنى لمحاولة إيواء ودعم معارضين والدخول معنا في مناوشات ونزاعات، ونحن أخبرناهم وهم يعلمون كيف أننا جرّبنا ذلك مع إثيوبيا، ولم يأت بنتيجة للبلدين وقتها، ولكن عندما أصلحنا وعززنا علاقتنا مع إثيوبيا، استفدنا من ذلك، حيث أمنّا حدودنا تماما بتنسيق مشترك وكذلك الحال مع تشاد والتي مرت بيننا تجربتان اكتشف فيهما البلدان أنه في الآخر ما هي إلا عملية استنزاف لقدرات البلدين بما لا يفيد الشعبين، فضلا عن عدم استقرار في المنطقة، فنجحنا في تطبيق اتفاقياتنا المشتركة وجنينا ثمارها في البلدين أمنا واستقرار، علما بأن المعارضين في العادة مصلحتهم ألا تقف الحرب والعدائيات، ولذلك يجندون أنفسهم لجمع أكبر معلومات خاطئة للترويع وإشاعة كل ما من شأنه تعكير صفوة علاقات البلدين، غير أن أملهم خاب وكسب الشعبين الأمن والاستقرار، وبالتالي نقول لإخوتنا الجنوبيين الأفضل أن نعمل مع بعض لتنفيذ تلك الاتفاقيات التعاونية التي صادقنا على آلياتها، وترك العدائيات وإيواء ودعم المعارضين والمتمردين هناك وهناك، وسنرى ثمارها وانعكاساتها على أمن واستقرار البلدين وبالتالي رفع اقتصادات الشعب ورفاهيته، وسنبذل جهدنا معهم لذلك فهم محتاجون لتأمين حدودنا ومصالحنا معهم كما الحال بالنسبة لنا، ولا بد من معرفة أن البترول هو المصدر الوحيد حاليا لخزينتهم، وبالتالي نهضتهم تعتمد على صون وتأمين هذا المصدر وذلك لا يجري دون العمل لتنفيذ تلك الاتفاقيات المتفق عليها، وأنا شخصيا قلت لهم إذا وقف ضخ هذا البترول عبر السودان بالتأكيد نحن سنتعب ولكن هم سيموتون.
* كان هناك اتهام من قبل ليبيا، وتحديدا من حكومة عبد الله الثني بأن السودان يدعم الميليشيات الإسلامية في بلاده.. ما حيثيات ذلك وهل من مساع لاحتواء هذا الموقف؟
- الآن اقتنع الرئيس عبد الله الثني أن المعلومات التي بنى عليها الاتهامات كانت خطأ، لأنه هو من وقع معنا اتفاقية مشتركة بين ليبيا والسودان، حيث لدينا قوات مشتركة حاليا قيادتها في الكفرة ولدينا قوات داخل ليبيا لتأمين الحدود، ونحن نفذنا تدريب 1200 طالب حربي للجيش الوطني وليس جيش الثوار وفق الاتفاقية، عندما كان عبد الله الثني وزيرا للدفاع، حيث سلمّنا الجيش الوطني 20 طائرة وهذا لا تقوم به إلا دولة عظمى، فضلا عن أعداد كبيرة من الذين تدربوا على أيدينا، إذ دربنا أعدادا ضخمة جدا من الجيش الوطني وكنا وما زلنا ندعمهم، فلو كنا نريد أن نرسل ذخيرة كتلك التي أرسلت إلى الكفرة، لا نرسلها بطائرات «أنتينوف»، علما أن الطائرات الرئيسة في طرابلس في أيدي «فجر ليبيا»، فيمكن أن تقوم طائرات من الخرطوم إلى الكفرة مباشرة ولكن لن تكون طائرات «أنتينوف»، ولا تنسى أن القوات في الأصل مشتركة وهي تابعة للحكومتين، وهذا ما أكده العقيد سليمان حامد قائد القوات الليبية المشتركة في بيان له نفى فيه صحة تلك الاتهامات، ومع أنهم تسلموا شحنة المؤن الخاصة بهذه القوات، وذهبوا إلى أنهم تسلموا جزءا وأرسلوا الجزء الآخر إلى معيتيقة، ونحن لا يمكن أن نرسل إلى معيتيقة طائرات «أنتينوف»، وكنا نريد فعل ذلك لأرسلنا طائرات أخرى تقوم بالمهمة المزعومة، نحن نؤكد أننا نعمل لدعم الحكومة الليبية وكنا دائما نتحدث مع الآخرين ألا يكون نحن أو أي دولة من دول الجوار طرفا في الصراع ولا نرغب أن نتصارع داخل ليبيا، وينحصر دورنا في توظيف علاقاتنا لصالح لجمع الصف الليبي لا نعمل لصالح طرف ضد طرف آخر، ونحن لدينا علاقات مع كل أطراف ومكونات الثوار، لأنه نحن أكثر دولة تأذّت من حكومة معمر القذافي، والذي كان منذ عام 1983 يدعم بقوة جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ويوفر كل احتياجاته لخوض حروب ضد حكومات السودان وعندما انتهى أمر قرنق إلى اتفاقية السلام الشامل والتي عمل ضدها لتنتهي بانفصال جنوب السودان، ثم بعد ذلك وجد ضالته في حركات التمرد في دارفور، حيث وفر لهم كل الدعم العسكري والتدريبي والمالي لخوض حرب عصابات في غرب السودان، وكذلك الحال عندما كانت إريتريا وأوغندا في حالة حرب معنا، القذافي كان دعمه مفتوحا من حيث السلاح واحتياجاتهم من البترول للتضييق على السودان ومحاربته، ولذلك عندما اشتعلت الثورة في ليبيا والتي رأينا في تخليص الشعب الليبي من ديكتاتور فضلا عن حاجتنا لتقية السودان من شروره الفظيعة دون وجه حق، فدعمنا كل الثوار دون تفريق وبدءا من الكفرة حتى تسلموها وأمنّا مصراتة «زنقة زنقة»، وكذلك الجبل الغربي.
* ولكن هناك من يعتقد أنكم سعيتم لدعم «الإخوان المسلمين» في الثورة الليبية.
- .. مقاطعا.. لم يكن للإخوان المسلمين أي وجود عند قيام الثورة في ليبيا ولذلك لم يكن لديهم في هذه الثورة أي حضور أو مشاركة يعمل لها حساب، لأن القذافي طاردهم قتل من قتل منهم ورمى من أمك به في السجون وعذبهم ولم يترك لهم مجال للمحاكمة والبقية الباقية سعى القذافي لتشردهم وتهجيرهم من البلاد وهؤلاء أكثر «الإخوان» حظوة لأنهم فلتوا من قبضته، ولذلك لما قامت الثورة الليبية لم يكن لهم وجود ونحن حينما دعمناهم دعمناهم لأننا نعلم أنهم يمثلون الشعب الليبي لا جهة أو تيار محدد، وكان الناس يتابعون الإعلام ويعرفون أن ثوار الجبل الغربي يتبعون ثوار الزنتان وثوار مصراتة، وغير ذلك ونحن في ذلك دعمنا كل الثوار لتأمين المطارات من ذخيرة وأسلحة فهم كانوا في حاجة ماسة لأكبر قدر من الذخيرة ولذلك اتخذنا هذا الموقف، ولذلك لدينا علاقة مع كل الثوار في ليبيا بمختلف توجهاتهم وتياراتهم وبالتالي يمكننا الاستفادة من هذه العلاقة في إصلاح ذات البين بين الفرقاء الليبيين وجمع صفهم.
* وهل استطعتم أن توظفوا علاقتكم مع كل الثوار في جمع الصف الليبي؟
- كنّا منذ عهد مصطفى عبد الجليل تحدثنا مع الإخوة في ليبيا، ونصحناهم بضرورة دمج الثوار كافة وصهرهم في بوتقة واحدة في الحياة المدنية والعسكرية وشددنا على ضرورة عدم تركهم هكذا، خاصة أن لديهم شعورا أنهم هم من صنع الثورة وأنهم هم من حرر ليبيا وأنهم هم من اقتلع نظام القذافي من جذورهم، ما يعني أن تركهم سيولد لديهم غبن يمكن يسبب كارثة ووجودهم بالشكل الذي هم عليه في ذاك الوقت سيكون خطرا على الدولة الليبية، وليس هناك أي مجال لتسريحهم، ولذلك لدينا اقتراح بأهمية الاستفادة من خبرتنا في دمج القوات حتى المعادية منها ودمجناها في الجيش السوداني، وهذه الخبرة متاحة لكم ونحن جاهزون للعمل معكم لتحقيق مشروع هذا الدمج، ويمكن توزيعهم بشكل مقنن على الجيش والشرطة والأمن وحتى الحياة المدنية بطريقة سلسة، إيمانا منّا بأن وجود جيوش ولاؤها لقادتها أو مناطقها سيشكل خطرا على الدولة ومستقبلها فكانت هذه النصائح سددناها لهم منذ عهد مصطفى عبد الجليل ولا نزال نؤكد على ضرورة دمج كل الثوار في الحياة العامة، حتى لا يتركوا هكذا مسلحين دون نظام يستوعبهم بشكل سلس وسيظل هذا موقفنا حتى تقوم لليبيا قائمة.
* هناك وثيقة خطيرة جرى تداولها خلال الأيام القليلة الماضية ونشرها الباحث الأميركي المتخصص في الشأن السوداني إيريك ريفز عما جرى في اجتماع للقيادات العسكرية والسياسية والأمنية بالخرطوم نهاية أغسطس (آب) الماضي ذهبت إلى أن الحكومة تعزز استراتيجيتها مع إيران وتموّه الخليجيين بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارية وتسعى في الوقت نفسه للنيل منهم.. ما حقيقة ما جرى فيها من معلومات؟
- هذا أمر مفبرك حتى النخاع ومن الألف إلى الياء، ولكن يبدو بصورة احترافية من جهات ذات غرض تسعى بكل ما أوتيت من قوة وعدة وعتاد لخنق الحكومة وإفساد علاقاتها مع الأشقاء الخليجيين بحبكة، دعني أؤكد لك من خلال هذا المنبر هذا مجرّد افتراء للنيل من حكومة السودان وإضعافها وزعزعة الثقة التي تزداد يوما بعد يوما من الأشقاء والذين لا أعتقد أنهم ينساقون لمثل هذا الافتراءات المضللة لأنه أمر مفضوح، فالحكومة ليس بهذه السذاجة وهذا الاضمحلال الفكري والسياسي والاقتصادي والذي لا يفضي إلى القضاء على كينونة السودان وأرضه وشعبه، ولكن من المعروف أن تلك الجهات ذات الغرض تفنن كل مرة لاستغلال أمر ما للنيل من الحكومة، وهو كالحديث عن أن الحكومة السودانية تسعى لتشييع الشعب السودان، فأنت كإعلامي سوداني مراقب للساحة السودانية، يمكن أن تكون قد لاحظت حجم الترحيب بهذا القرار، على مستوى الشعب السوداني كافة من أقصاه إلى يمناه ومن كل الأطراف والمذاهب، حيث لا يوجد جهة لم ترحب به حتى الآن، بهذا القرار، بل إن الدعاة سواء أكانوا سلفيين أو صوفيين أو غيرهما، وجدوا في هذا القرار فرصة، من أجل أن يشرحوا إلى الشعب السوداني ماهية المذهب الشيعي، حيث إن المعلومات التي وردت إلينا بعد اتخاذ القرار في كل مساجد السودان بنسبة 100 في المائة تركزت خطبها على الإشادة بالقرار، وعدم أحقية أي شيعي بالحديث عن ذلك، لدرجة أننا قلنا حتى لو كان هذا القرار يأتي لنا بهذا التأييد الشعبي على مستوى السودان فإنه على الصعيد السياسي فقط كسبنا القضية، ناهيك بإيماننا العقدي على السعي لتعزيزه، ولذلك لا اعتقد أن هناك حكومة راشدة عاقلة تسعى للسباحة عكس التيار للرأي العام وعلى عكس ما يشتهي الشعب إلا إذا أرادت أن تنتحر، ولكن أي كلام عن اجتماع بهذه الصفة ونشر وثيقة بهذا الركاكة والغلّ فإنه مفبرك من الألف إلى الياء، وكما ذكرت أن نفس الجهات التي سعت لتضخيم علاقة السودان بإيران من خلال التأليف بأن هناك مشروع صناعات سلاح محرمة لاستهداف هذه الجهة أو تلك، أو دعم الحوثيين من خلال إيران على سبيل المثال نحن في اليمن كنا نزود الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح لمحاربة الحوثيين، وهو الأمر الذي كان يعمله معنا عندما يقع حدث يهدد أمن السودان، حيث يرسل لنا هو الآخر سلاح، ولما بدأ الصراع مع الحوثيين اتصلت به أنا شخصيا فطلب منّا دعما معينا وهي ذخيرة معينة فما كان منّا إلا أن أرسلناها له، علما أن الحوثيين هم أنفسهم الذين روّج لهم البعض أنهم مستفيدون من علاقتنا بإيران، فنسجوا حولها الأراجيف وضخموها وهؤلاء نفس الجهات التي أخرجت إلى وسائل الإعلام هذه الوثيقة وبالتأكيد سيخرجون بغيرها بشكل مختلف، ولكن نحن نقول إن صاحب العقل يميّز، ونحن نثق في رجاحة وتعقل القيادة السعودية، فخادم الحرمين الشريفين معروف عنه التأني والتعقّل، فالسياسة لو كانت لعبة خبيثة لا بد من استخدام أدوات معقمة ومطهرة لضمان نجاحها.