لا تبدو الحياة في العاصمة العراقية بغداد كما يتصورها الآخرون في الخارج. دوي السيارات المفخخة كل يوم، وتمدد «داعش» على الأرض، ومشاكل النازحين، لم تثن شبابا وشابات عراقيات عن مزاولة ما يحبون من فنون وثقافة وأدب على النحو الذي يزيدهم قربا من معاناة إخوانهم ويلهب من عزيمة أقرانهم على تحدي ثقافة الموت والخوف عوضا عن انتظار المجهول وانكسار الروح فيهم.
وغير بعيد عن حطام سيارة متفحمة بفعل تفجير إرهابي جرى إجلاؤها عن الشارع قبل أيام، نظم ناشطون مدنيون وإعلاميون وفنانون حفلا فنيا خصص ريعه لدعم جهود إغاثة النازحين في المدن الساخنة، مجموعة «أمارجي للفنون الإبداعية» بالتعاون مع «حملة غوث» الإنسانية الشهيرة في بغداد، تولت تنظيم الحفل وتوزيع الدعوات، وحظي يوم الاحتفالية بمشاركة واسعة من الجمهور الذي تفاعل مع فعاليات الحفل المسائي المنوعة من غناء وعزف وشعر، في صورة مميزة لشكل الحياة البغدادية وتواصلها مع الحياة رغم قساوة ظروفها.
وعاشت بغداد أمسية لا تشبه ما ينجز عنها من تقارير إعلامية موجعة، بدأها صوت الفنان العراقي حسن بريسم بصحبة عوده، وأغنية:
الله انته شكد حلو يا بيتنا
صغار وكبرنا بخيمتك لميتنا
في تصوير مشاعره تجاه وطنه العراق.
وتلته معزوفات للمايسترو كريم وصفي، والمايسترو علي خصاف، وعلي عبد الشهيد (عازف كمان)، وعبد المنعم أحمد (عازف قانون)، وشهد جمال عبد العزيز (عازفة تشلو)، إلى جانب فرقة بغداد الوطنية للعود بقيادة سامي نسيم، وفرقة حلم.
يقول العازف مهنا جهاد، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هذه التفاتة مهمة لمعاناة وأزمات بلدي الحبيب، وما يمر به من هجمات عدو شرس نحاول نحن مواجهته بالفن والجمال والتكاتف لنظهر قبحه وجبروته».
وتمنى الإعلامي علي السومري، أحد منظمي الحفل «أن يكون في كل محافظة عراقية حفل فني يخصص ريعه للنازحين والمتضررين من النزاعات المسلحة».
أما الشاعر والإعلامي أحمد عبد الحسين، فكتب على صفحته الشخصية في «فيسبوك»: «لم يكن تجمع اليوم حفلا فنيا، إنما هو تظاهرة محبة نادرة، وشجاعة لمثقفين لا يملكون من الإمكانات المادية التي لدى غيرهم من مؤسسات رسمية، لكنهم نجحوا في تقديم صورة العراق الأجمل عندما ينتفض لحاجه أخيه في وقت حرج».
الناشط المدني أحمد أغا، صاحب «حملة غوث»، أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم نجد حرجا في تبادل الأدوار، فالحكومة العراقية والمنظمات الدولية تتماهل في تقديم العون والمساعدة للنازحين في مناطق الصراع، لذلك كان لا بد أن نتدخل بإمكاناتنا المتواضعة، وساعدنا في ذلك كثير من المتطوعين».
وأضاف: «تمكنا حتى الآن من إيصال نحو سبعة آلاف وجبة غذائية، وعدد كبير من الملابس، بالإضافة إلى تقديم العلاج والرعاية الطبية لنحو 500 نازح، وسنعمل على تواصل حملاتنا لجمع أكبر عدد من التبرعات».
وعلى نحو ليس ببعيد، احتفل المركز الثقافي للطفل العراقي ببغداد، بإعادة تأهيله وتخريج الدورة الصيفية لطلابه، وقد شارك في الحفل العشرات من الصغار برفقة أهاليهم الذين رددوا عاليا: «يا عراق ترجع شي أكيد.. بحيلك يضحك نهارك.. يا وطن وي ليلك.. جرحك جرحنا.. وانته أبونا الغالي. شتريد اطلب منا ونسويلك؟ منا اطلب إلي تريده.. كيفك ادلل انته.. وطن نريدك ترجع الأول».
وفي ركن آخر تجري استعدادات شباب وناشطين مدنيين على إحياء الذكرى الثالثة لتظاهرة الكتاب الذي يحمل عنوان «أنا عراقي أنا.. أقرأ» في موسمها الثالث، يقول بهاء كامل، أحد منظمي التظاهرة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «وسط كل ظروف البلد الصعبة، أردنا تحديها بعدم الركون للخوف واليأس، وأردناها تظاهرة للثقافة العراقية وصرخة مدوية بوجه كل محاولات الإرهاب لإسكات صوت الحياة، سنحمل الكتاب بأيدينا وسيساندنا الجميع مثلما كل عام؛ لنقول للعالم أجمع إننا نقرأ ونواصل تجمعنا وثقافتنا».
بدورها أثرت الناشطة المدنية تضامن عبد المحسن، إنجاز فعالية ثقافية للصغار بعد أن تقرر تأجيلها بسبب الأوضاع الصعبة، وقالت: «كانت لدينا رغبة في عمل معرض للأطفال الموهوبين من المصورين والرسامين، وبسبب الظروف جاءت الآراء لتأجيلها، لكن عزمنا على تحدي إرهاب داعش شجعنا على إقامتها، وفعلا لاقت نجاحا وحضورا مهما زاد من فرحة المشاركين الذين عبروا بنتاجاتهم عن نوافذ جديدة لتلوين العراق بألوان المحبة والسلام».
عراقيون يتحدون أزمات بلادهم باللجوء إلى الثقافة والفن
نظموا الكثير من الحفلات خصص ريعها لإغاثة النازحين

مجموعة أمارجي للفنون الإبداعية نظمت حفلا بالتعاون مع «حملة غوث» الإنسانية في بغداد - عازفة التشلو شهد جمال عبد العزيز
عراقيون يتحدون أزمات بلادهم باللجوء إلى الثقافة والفن

مجموعة أمارجي للفنون الإبداعية نظمت حفلا بالتعاون مع «حملة غوث» الإنسانية في بغداد - عازفة التشلو شهد جمال عبد العزيز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة